الموضوع: صيقل الإسلام
عرض مشاركة واحدة
قديم 04-02-2011
  #39
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,199
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: صيقل الإسلام

صيقل الإسلام/المناظرات - ص: 415
عشيرته أو رئيسها، فاذن ينظر بنظر قصير ويفكر بتفكير قاصر. فلا جرم قليلٌ مَن يُفدي روحه العزيزة لمثل هذه المقاصد الصغيرة..
فلو تصورتم وفكّرتم بالملّية الاسلامية 1 مثل ما ينظرون بملّيتهم الى الأمور. لأعلنتم على رؤوس الأشهاد في العالم شجاعتكم وبسالتكم ولسموتم الى العلا، ولو تصور الأرمن وفكّروا مثلكم تفكيراً سطحياً وقاصراً لكانوا لقىً أذلاء.
حقاً، إن لكم استعداداً لشجاعة لاتجارى ولبسالة لاتمارى، بدليل أن أحدكم يستخف حياته ويفدي روحه رخيصة لصغائر الامور -كمنفعة بسيطة او عزة جزئية أو شرف رمزي اعتباري أو ليقال أنه جَسور أو لأستعظام شرف رئيسه. فكيف اذا تنبّه هؤلاء.. ألا يستخفّون بحياتهم فداءً للملّة الاسلامية - التي لاتقدّر بثمن - ولو كانوا مالكين لألف روح اذ تكسبهم أخوةُ ثلاثمائة مليون مسلم ومساندتهم وعونهم المعنوى، فلا غرو أن الذي يضحّي بحياته لعشرة قروش، يضحّي بها بشوق مضاعف لعشر ليرات.
فوا أسفى! انه مثلما انتقلت محاسننا الى غير المسلمين فسجايانا الحميدة هم الذين سرقوها كذلك، وكأن قسماً من اخلاقنا الاجتماعية السامية لم يجد رواجاً عندنا، فنَفَر منا والتجأ اليهم، وان قسماً من رذائلهم لم يلق رواجاً عندهم فجُلب الى سوق جهالتنا.
ألا ترون - بحَيرة شديدة - أن غير المسلمين قد سرقوا الكلمة البيضاء والخصلة الحمراء كأمثال:- "ان مُتّ أنا فلتسلم دولتي ولتحيا أمتي واحبّتي" التي هي أس أساس الكمال والرقي والتقدم الحاضر، بل هي مقتضى الدين المبين، ذلك لأن فدائييهم يقول "ان متّ فلتحيا أمتي، انّ لي فيها حياة معنوية..." علماً أن الكلمة الحمقاء والسجية العوراء التي هي أساس الذلّ والأنانية هي التي تقودنا وقد شلّت همتنا وهي التي تتمثل بالعبارة الآتية [اذا متّ ظمآناً فلا نزل القطر..]...
وهكذا فان أفضل خصالنا ومقتضى ديننا هو أن نقول، بروحنا وجسدنا ووجداننا وفكرنا وبكل قوانا: "إن متنا، فأمتنا الاسلامية حية، وهي باقية خالدة فلتحيا أمتي ولتسلم، وحسبي الثواب الأخروي فان حياتي المعنوية التي في حياة
_____________________
1 ان ملّيتنا وجود مستقل بذاته، روحها الاسلام وعقلها القرآن والايمان - المؤلف.




صيقل الإسلام/المناظرات - ص: 416
الأمة تحييني وتعيّشني، وتجعلني في نشوة ولذة في العالم العلوي، فينبغي أن نجعل الدساتير النورانية للنور والحميّة لنا دستوراً مردّدين: [والموت يوم نوروزنا].
س: كيف نجمع قوتنا ونحافظ على شرف الملّة الاسلامية؟ 1.
ج: احفروا بالفكر الملّي في جوف الأمة حوضاً للمعرفة والمحبّة - كحوض الكوثر - وسدّوا بالمعارف والعلوم ثغرات تحتها يسيل منها الماء، وافتحوا بالفضيلة الاسلامية المسايل التي تصب الماء فيه. هناك نبع كبير ضائع أسئ استعماله الى يومنا هذا فجرى في الأرض السبخة الرملية فما أدّى الاّ الى ترعرع متسولين عجزة.. فشيّدوا مجرىً جميلاً له وصُبوا الماء بالمساعي الشرعية الى ذلك الحوض ثم اسقوا بستان كمالاتكم به، فهذا نبعٌ لاينضب ولاينفد ابداً.
س: ما ذلك النبع؟.
ج: الزكاة، فانتم أحناف وشوافع.
س: [حبذا ونعمت ان لم تذهب غائضه، بل فاضت الى تلك الخزينة] 2 .
ج: [أجل أن فيكم ذكاوة انما تتزاهر بالزكاة].
س: كيف؟.
ج: لو أعطى الأذكياء زكاة ذكائهم، وصرف الأغنياء ولو زكاة زكاتهم لمنفعة الأمة، لتسابقت امتنا مع الأمم الأخرى.
س: ثم ماذا؟
ج: ان ما يعين ذلك النبع هو الإعانة الملّية الاسلامية، وهي الصدقات والنذور التي هي ابناء عمومة الزكاة تنبض بعرقها، وتعين في الخدمات.
س: لِمَ تسخَر كثيراً من عاداتنا المستمرة وتزيفها؟ 3 .
_____________________
1 لقد ورد الى القلب أنه: يمكن أن تكون هذه الدروس التي ألقيت قبل خمس واربعين سنة على العشائر البدو دروساً الآن لطلاب النور الحاليين أيضاً - المؤلف.
2 لا تمتعض ان هذا الكلام قد لبس لبوس الزكاة - المؤلف.
3 تجد كأن بعض الاسئلة دخيلة في الموضوع وكأن ودياناً تفصل بينها ولكن اذا ركب الخيال منطاداً وأخذ بيده منظاراً مكبراًَ فلربما يجد مواطنها - المؤلف.



صيقل الإسلام/المناظرات - ص: 417
ج: لأن لكل زمان حكماً، وهذا الزمان يحكم على عادات هرمة بالموت والنسخ، لأن مضارها قد ترجّحت على منافعها، وهذا الترجيح يفتي بأعدامها والقضاء عليها.
س: ما أول ما يلزمنا؟.
ج: الصدق.
س: ثم ؟
ج: عدم الكذب.
س: ثم ؟
ج : الصدق والاخلاص والوفاء، والثبات، والتساند.
س: فقط ؟
ج: أجل.
س: ولِمَ ؟
ج : ان ماهية الكفر الكذب، وماهية الايمان الصدق، أليس هذا البرهان كافياً: أن بقاء حياتنا مرهونة بدوام الايمان والصدق والتساند.
س: ألا يلزم اولاً اصلاح رؤسائنا؟.
ج: نعم، كما أن الرؤساء قد أخذوا أموالكم وحجزوها في جيوبهم، فقد أخذوا عقولكم أيضاً أو حجزوها في أدمغتكم. لذا فأنا الآن اخاطب عقولكم الموجودة لديهم:
فيا ايتها الرؤوس والرؤساء، ايّاكم والتواكل الذي هو عين التكاسل، ولاتسوّفوا في الأعمال فيحولها بعضكم الى بعض، اخدمونا بأموالنا التي في ايديكم وبما تملكون من عقول. فقد أخذتم اجرتكم باستخدامكم هؤلاء المساكين... فهذا أوان الخدمة والعمل [فعليكم بالتدارك لما ضيّعتم في الصيف]. 1
س: يبدو منذ سنين أنه قد تنبهت الرغبة في التدين وتيقّظ الشعور الديني والنزوع الى الحق، حتى تاب أشقياء "كه وه دان ومامه خوران" توبةً نصوحاً
_____________________
1 "في الصيف ضيّعتِ اللبن" مثل يضرب لمن يطلب شيئاً قد فوّته على نفسه. المترجم.



صيقل الإسلام/المناظرات - ص: 418
بنصيحة من السيخ أحمد واصبحوا مريدين صوفيين [وقد قطع الطريق على الشقاوة هذا الميلان].
ج: ما أرشدهم الاّ المشروطية الرشيدة والشيخ رسائل النور 1 لأنه لما ارتقت المشروطية الشرعية عرش الأفكار، هزّت الحبل المتين للملّية، فاهتز بدوره الاسلام - وهو العروة الوثقى - وعرف كل مسلم أنه ليس هملاً سائباً، بل مرتبط بالآخرين بالمنفعة المشتركة والحسّ المجرد، فالمسلمون جميعاً مرتبطون كالعشيرة الواحدة. اذ كما ان الحسنة التي تصدر من فرد من العشيرة يفتخر بها الكل، ويشتركون معه، فلا ينحصر ذلك الشرف على الفرد نفسه، بل يصبح ألوفاً -كالشمعة التي تظهر لها آلاف الصور في آلاف المرايا- فيمدّ الرابطة الحياتية لتلك العشيرة بالنور والقوة. كذلك الأمر اذا ارتكب احدهم جناية فان أفراد العشيرة كلهم يعدّون متهمين معه الى حدّ ما. فمثلاً: اذا ارتبط أفراد هذا المجلس برباط، والقى أحدهم نفسه في الطين، فاما أن يوقع اصدقاءه في الطين أو يضجرهم بكثرة الحركة، وبناء على هذا فان السيئة الواحدة تتصاعد الى الألف والحسنة المنفردة تصير
(كمثل حبّة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبّة) (البقرة: 261).
فهذا السر الذي يقود الى التوبة أجهش المتيقظين فكراً أو روحاً بالبكاء، ولكن العقل الذي هو في قمة المنارة لايرى جيداً سببه الذي هو في قعر بئر الوجدان.
الحاصل: ان المسلمين تنبهوا ويتنبهون 2 وبدأوا يرون الشر شراً والخير خيراً.. فهذا هو السرّ الذي جعل عشائر هذه البوادي والوديان يتوبون الى الله توبة نصوحاً والمسلمون كلهم بدورهم يستعدّون لكسب هذا السرّ شيئاً فشيئاً.
الاّ انكم أقرب الى الملّية الاسلامية لأنكم بدو لم تفسد بعدُ فطرتكم الأصلية.
س: مع علمك بأن اكرام الضيف عادة مستحسنة عندنا، فَلِمَ لاتنزل ضيفاً على أحدنا وتحجم عنا، فعاداتنا هذه قديمة وأصيلة فلِمَ تستحف بهذه العادات وتمنع طلابك من تناول طعامنا وقبول هدايانا، مع أنه واجبٌ علينا خدمتكم والاحسان اليكم، وهو من حقكم علينا.
_____________________
1 لما كان طلاب النور قد دخلوا ضمن مامه خوران، فيجب اطلاق شيخ رسائل النور - بدلاً عن الشيخ المشروطية - لانهم ستار الاحرار والحمية الاسلامية والملّية وهم لامحالة ضمن دائرة الاتحاد المحمدي - المؤلف.
2 نعم قد استقلت بعد خمس واربعين سنة كلٌ من عشائر البلدان العربية وباكستان، فهم يصدقون سعيداً القديم في درسه هذا، وسيصدقونه في المستقبل - المؤلف.



صيقل الإسلام/المناظرات - ص: 419
ج:
اولاً: العلم عزيز، لاأريد أن أذلّه.. وأريد أن أريكم أن من أهل العلم من لايتنزل للدنيا، ولايجعل صنعة العلم وسيلة العيش، وأن الطلاب ليسوا متسولين ولا شحاذين.
ثانياً: اريد ان انصح فعلاً بعض الموظفين الذين يظهرون الاهمال والكسل في وظيفتهم ولا يقنعون بمرتّباتهم فلا تمسك تلك المرتبات ايديهم عن اكرام الضيوف.
ثالثاً: بعض الرؤساء الذين انقطعت مجاري وارداتهم الظالمة يزلّون الى ظلمات الظلم بفتحهم ابواب مصاريف واسعة جداً، فأريد أن أبيّن لهم طريقاً لسد تلك الأبواب.
رابعاً: أريد أن أريكم مقياساً تقيسون به من يسيح فيما بينكم ويجول، أهُم يقومون بهذا العمل لأجل الملّة أم لهوى أنفسهم؟ فأبيّن بذلك محكّاً بين الحيلة والحمية.
س: تصبح بهذا مانعاً لإحسان الناس، ألا ينتج هذا استخفافاً بسخاوتهم؟
ج: الإحسان انما يكون إحساناً حقاً إن كان للنوع او للمحتاج أو الفقير، وعنده يكون السخاء سخاءً حقاً، واذا كان السخاء لأجل الأمة، أو للفرد الذي يتضمن الأمة، فهو سخاء جميل، ولكن ان كان لغير المحتاج يعوّده الكسل والتسوّل.
والخلاصة: ان الأمة باقية، بينما الفرد فانٍ.
س: [ما تقول في الاحسانات الشخصية في السلف، أمناء الأمة، ورشدائها، وسيوف الدولة وصلاحها... تجلت العبوسية بمكارمها باهداء عشرة دنانير لشعرٍ لايوزن شعيرة].
ج: 1 [فيه مافيه... مع انها بالنهاية قد انجرّت الى النوع والملّة، لأن اللسان الذي خَدَمه الشعرُ خيط الملّية، مع أن هذا الزمان هو الذي كشف عن احتياج الملّية وفتح الباب لهذا المقصد العالي].
س: ان الرؤساء المتغلبون، قد تهاووا، وأوصد باب الظلم دونهم، دع الساقطين وشأنهم، واترك الذين يعانون السكرات، يتمّوا سكراتهم...
_____________________
1 هذه العبارة نابعة من مصنع الموضوع ولابسة ما اهدي اليه من الأسلوب المحلّي - المؤلف.



صيقل الإسلام/المناظرات - ص: 420
ج: انني أريد ان أحفّظَكم سنّة الحرية الشرعية حتى يمتثلوها ماداموا على قيد الحياة. نعم، لقد تساقط الرؤساء الذين تربَّوا بقوة الاستبداد وحدها، وهم يستحقونه، الاّ أن فيهم حماة.
[نعم أن بينهم حماة للمليّة، فنشكرهم.. ومتكاسلين، فنشكوَهم.. ومتحيرين، فنرشدهم.. وأمواتاً فنحافظ على ميراثهم لئلا يأخذه مَنْ..] برز الى الميدان حديثاً.
س: لقد كنتَ - سابقاً - تودّ الشيوخ جميعاً وتحبهم بل تحسن الظن حتى بالمتشيخين، فما هذا الهجوم على قسم من المتشيخين الذين ابتلوا بالبدع؟
ج: قد يرد العداء من فرط المحبة وشدتها! نعم، فكما كنت أحبّهم لأجل نفسي، فقد عشقتهم لنفس الاسلام أضعاف أضعافها،
[لقد انتقش في سويداء قلوبهم الطاهرة الصبغة الربّانية وفي خلدهم ضياء الحقيقة] 1
[نديمانْ بادَهَا خوْر دند رفتند تهى خمخانها كردندورَفتنْد]. 2
الاّ أن أس أساس مسلكهم: تنوير القلوب وربطها بالفضيلة الاسلامية والسير عليها، أي: الانطباع بالحمية الاسلامية، اي: ترك المنافع الشخصية لأجل الاخلاص، اي: التوجه الى تأسيس المحبة العامة، أي: خدمة الاتحاد الاسلامي والدعوة اليه.
[فوا أسفاً لقد أساؤا متكئين وتكاسلوا في خدمتهم فحينئذٍ أريد تحويل هممهم الى مجراها الحقيقي القديم ].
س: انت تذكر دوماً "الاتحاد الاسلامي" ألا تعرّفه لنا؟.
ج: قد عرّفته في مؤلفي "المحكمة العسكرية العرفية"وسوف أريكم حجراً من ذلك القصر المعلّى ونقشاً منه:
ان "الكعبة المكرمة" هي الحجر الأسود لكعبة سعادتنا التي هي الاتحاد الاسلامي المنوّر. و "الروضة المطهّرة" درّته البيضاء، و"جزيرة العرب" مكته المكرمة و"الدولة العثمانية" المنفّذة للحرية الشرعية بحذافيرها هي مدينته المنورة لمدنيّتها.
_____________________
1 ان هذا الاسلوب قد نسج من قطع الخرق المباركة لأحد السلاسل (للأولياء الصوفيين) أي هو اشارة الى أولياء عظام من أمثال: الشاه النقشبندي، الامام الرباني، خالد ضياء الدين، سيد طه، سيد صبغة الله ، وسيدا - المؤلف.
2 بيت بالفارسية تعنى: ان الندماء شربوا ما شربوا وتركوا الحانة خالية. المترجم.




صيقل الإسلام/المناظرات - ص: 421
فان شئت ان ترى مليّة الاسلام والحجر الاساس للاتحاد الاسلامي ونقشه، فدونك التوقير اللائق الغيور النابع من الحياء والحمية.. والتبسم البرئ الناشئ من الاحترام والرحمة.. والحلاوة الروحانية الحاصلة من الفصاحة والملاحة.. والنشوة السماوية الناشئة من العشق الفتي والشوق الربيعي.. واللذة الملكوتية المتولدة من الحزن الغروبي والفرح السَحَري.. والزينة المقدّسة المتجلّية من الحُسن المجرد والجمال المجلّى 1 فيمكن أن يرى من اللون النوراني الباعث من امتزاج هذه الخصال الحميدة شئ من منظر اللون الأرجواني من بين الألوان السبعة لقوس قزح قاب قوسي الشرق والغرب والطاق المعلّى لكعبة سعادتهما.
ولكن لايحصل الاتحاد بالجهل، بل الاتحاد امتزاج للأفكار، وهذا الامتزاج لايتمّ الاّ بالنور الوضئ للمعرفة.
س: لِمَ سكتّ في السابق؟.
ج: [لأن الاستبداد كان مانعاً للاتحاد فكنت سكتّ على جمر الغضى] 2
س: الهجوم على المشايخ الذين وقعوا في البدع فيه خطر عليك، لأن فيهم أولياء [ألا تخاف أن تصيبهم بجهالة فتصبح على ما فعلت من النادمين].
ج: [ان المولى جل جلاله قد وَسَم بقدرته على جباههم الرفيعة نقش الحقيقة. ومُرادي أن أرشد من طاش فهمه من ذلك النقش] 3 نعم ان هجومي ليس عليهم بل لهم. وذلك لئلا يقلل من شأنهم غير الكفوئين الذين يتزيّونَ بزيّهم. فعلى هذا أعلن ولا أبالي:
اني على عزم جازم ان أقتحم المهالك - ايّاً كانت - أمام ما أصبو اليه من سلامة الاسلام، ولن يثنوني عن عزمي بالتهديد والتخويف. وما قيمة هذه الحياة الدنيا التي يفديها أدنى أرمني لقومه؟. فكيف أخاف عليها وعلاقتي واهية معها، ولاسيما انها كادت تطير مني سبع مرات، الاّ أن الله سبحانه أبقاها عندي أمانةً. فاذاً ليس لي
_____________________
1 ان كل فقرة من هذه الفقرات في هذا الاسلوب المسلسل تشير الى شعاع من اشعة الاسلام والى جمال من جماله والى سجية من سجاياه والى رابطة من روابطه والى اساس من اسسه - المؤلف.
2 قلت هذا الكلام عندما كنت افكر في لزوم اللغة العربية - المؤلف.
3 ان المرشدين قد اجتمعوا في هذه التكية، اي في هذه العبارة، فلا تغادرهم دون زيارة لهم ففيها اشارة الى كل من المولوي والقادري والنقشبندي والبكتاش - المؤلف.




صيقل الإسلام/المناظرات - ص: 422
حق المنّة في بذلها والتضحية بها. ومع ان الروح ارادت الطيران من القفص الى الشجر، والعقل نزع الى الهروب الى اليأس، الاّ انهما استُبقيا كي تفدي الحياة نفسها في المستقبل. فالتهديد اذن باستلاب هذه الحياة لاقيمة له وليس بشئ عندي. ولم يبق ما يهددوني به الاّ الحياة الأخروية، فلو حرمت حتى من هذه الحياة، فلن أحجم عن مقصدي ولا أرضى بالبقاء تحت وطء منّتها وثقلها. فان دَعوا على تلك الروح المحترقة الآن بنار الأسى والأسف لتحرق في نار جهنم، فليكن ولا أبالي، لأن الوجدان باخراجه نار الاسى منه يتضمن فردوساً من المقاصد، كما أن الخيال يشكل جنة من الأمل. فليكن الجميع على علم أنني قابض على حياتيّ بيدي كلتيهما ومنهمك بحربين مع عدوين في ميدانين للمبارزة، فلا يرتقينّ أحدٌ إلى ميداني من يملك حياة واحدة!.
س: ما تطلب من الشيوخ الحاليين؟.
ج: الإخلاص الذي يترنمون به دوماً، والجهاد الأكبر الذي يرابطون في التكايا التي هي معسكرات معنوية بالطريقة، التي هي جندية روحانية فيها.. وترك التزام النفس وترك المنافع الشخصية الذي هو معنى الزهد، الذي هو شعارهم.. والمحبة التي يدعونها وهي جوهر مزاج الاسلام. ها هم قد أخذوا منا اجرتهم باستخدامنا، فالآن نطالبهم بالعمل وهو دَيْن في رقابهم.
س: كيف يكونون؟
ج: اِما أن يولّوا وينصرفوا عنّا أو يرفعوا العناد والغيبة والانحياز فيما بينهم، لأن قسماً من المتشيخين المبتدعين قد تسببوا في تشكيل فرقٍ من أهل البدع والضلالة.
س: كيف يمكن أن يتحدوا ويتفقوا فيما بينهم، وبعضهم ينكر على بعض. وتحرم في قواعدهم ودساتيرهم محبة المُنكِر، بل حتى الأنس به، فلا ريب أن مسألة الانكار مسألة مهمة؟!.
ج: وعلى هذا فلي الحق اذاً أن أخاطب بما يأتي: ايها الحمقى أما سمعتم أو أما علمتم ان الآية الكريمة
(انما المؤمنون إخوة) (الحجرات :10) ناموس إلهي، وهل


صيقل الإسلام/المناظرات - ص: 423
تعاميتم عن الدستور النبوي الكريم (لايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)؟ 1.
فيا للعجب... كيف تتمكن أن تنسخ مسألة الانكار هذه - الواهية المترددة بين الصدق والكذب - هذين الأساسين العظيمين الضروريين، ألا إن مسألة الانكار ليست بكلام الله تعالى حتى لاتقبل النسخ.. أما علموا أن الزمان قد نَسَخَ ذلك الانكار بفتوى غلبة ضرّه على نفعه، والعمل بالمنسوخ لايجوز؟.
س: ألا يمكن أن يكون العداء فيما بينهم لرؤية بعضهم من بعض أفعالاً غير مشروعة؟.
ج: عجباًَ ! بأى وجه حق، وبأي انصاف وبأي سبب تغلبت أسبابُ العداء الناشئة من تصرفات غير مشروعة واهية كحجج الصبيان، وترجحت على اسباب المحبة العظيمة - كجبل سَبحان - 2 الناشئة من الايمان والاسلام والانسانية والجنسية.
نعم، ان الاسلام والانسانية اللتين تقتضيان المحبة هما كجبل "أُحُد" أما الأسباب المنتجة للعداء فليست الاّ كالحصيّات الصغيرة. فالذي يجعل العداء يتغلب على المحبة يرتكب في الحقيقة حماقة عظيمة، كمن يبخس من قيمة جبل "أُحد" ويستصغره الى أدنى من حصاة !!.
ان العداء والمحبة كالضياء والظلام لايجتمعان أبداً، فاذا تغلب العداء، انقلبت المحبة الى مداراة وتصنّع، أما اذا تغلبت المحبة فالعداء ينقلب الى ترحّم واشفاق ورقّة قلب.
ان مذهبي هو ابداء الحب للمحبة، واظهار الخصام للعداء، أي أن أحبّ شئ اليّ في الدنيا هي المحبة، وابغض شئ عندي هو الخصام والعداء.
س: ما الفرق بين الشيخ الولي والمتشيخ المدّعي للولاية؟.
ج: ان كان هدف الشخص وغايته الاتحاد بضياء القلب ونور الفكر، وكان مسلكه المحبة، وشعاره ترك حبّ الذات والأنانية، وكان مشربه انكار الذات
_____________________
1 رواه مسلم في كتاب الايمان: 71 والبخاري في الايمان: 7 .
2 جبل في شرقى تركيا. المترجم.




صيقل الإسلام/المناظرات - ص: 424
(المحويّة) وطريقته الحميّة الاسلامية، ربما يكون شيخاًَ مرشداً حقاً. ولكن ان كان مسلكه اظهار مزاياه بتنقيص الآخرين، ويلقّن محبته - الى مريديه - بخصومة الآخرين، وينحاز الى نفسه ويلتزم جانبها مما يستلزم الاختلاف وشق العصا، وكان يظهر أن محبته متوقفة على خصومة الآخرين مما ينتج الغيبة والميل اليها.. فما هو الاّ متشيّخ يتطلع الى الرئاسة، أو ذئب متغنّم (في زي غنم) فلا ينتهي به الأمر الاّ الى جعل الدين وسيلة لجرّ مغانم الدنيا. أو هو منخدع بلذة منحوسة مشؤومة أو بأجتهادٍ خطأ يجعله يُحسن الظن بنفسه ويفتح طريق سوء الظن في المشايخ الكرام والذوات المباركة.
س: كلامك حسن جميل، ولكن اين من يسمع؟ ومسلكك عالٍ ورفيع ولكن من يتّبع؟
ج: [ما لايدرك كله لايترك كله] 1.. و [انما الاعمال بالنيات] 2.. [ان الملام على من اتبع الهوى والسلام على من اتبع الهدى].
س: مارأيك في الاختلافات الرهيبة بين علماء العالم الاسلامي؟ وماذا تقول فيها؟
ج: ان العالم الاسلامي في نظري كمجلس النواب (البرلمان) غير المنتظم أو كمجلس الشورى اختل نظامه، وما نسمعه في الفقه بأن: "هذا هو رأي الجمهور، وعليه الفتوى" انما هو نظير رأى الأكثرية في ذلك المجلس. وما عدا رأى الجمهور من الأقوال ان لم تكن خالية من الحقيقة والجوهر واللب، تفوّض الى رأي صاحب القابليات والمواهب والاستعدادات لينتخب كلُّ استعدادٍ وموهبة مايناسب تربيته وينسجم معها. وهاهنا نقطتان مهمتان 3.
الأولى: ان "القول" الذي أُنتخب بميل هذا الاستعداد، والذي يتضمن الحقيقة - الى حدّ ما - وظلَّ في الأقلية، مقيّد في نفس الأمر، ومخصَّص بالاستعداد الذي انتخبه، الاّ أن صاحبه اهمله فتركَهُ مطلقاً، والتزمه متبعوه فجعلوهُ عاماً، وتعصّب له
_____________________
1 (ما لا يدرك كله لا يترك جلّه) هو معنى الآية (فاتقوا الله ما استطعتم) والحديث (اتق الله ما استطعت) ولفظ الترجمة قاعدة وليس بحديث (كشف الخفاء للعجلونى 2/196)
2 متفق عليه.
3 تأمل جيداً في هاتين النقطتين ويحسن بك أن تقدرهما حق قدرهما. المؤلف.


عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس