الموضوع: صيقل الإسلام
عرض مشاركة واحدة
قديم 04-02-2011
  #42
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,201
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: صيقل الإسلام

صيقل الإسلام/المحكمة العسكرية العرفية - ص: 450
ضباطكم الذين هم منورو الفكر ومثقفون ومطلعون على فنون الحرب وذوو الغيرة والشهامة وهم المؤمنون. فلا تظلموا العثمانيين جميعاً والمسلمين بعصيانكم لاوامرهم جراء حركة جزئية غير مشروعة تصدر منهم، ذلك لان العصيان ليس ظلماً واحداً بل هو تجاوز على حقوق ملايين من الافراد. انتم تعلمون أن راية التوحيد الإلهي محمولة على يد شجاعتكم. وقوة تلك اليد في الطاعة والنظام، حيث ان ألفاً من المطيعين المنظمين يعدل مائة الف من السائبين. وغني عن البيان فان ثلاثين مليوناً من العثمانيين لم يقوموا بمثل هذه الانقلابات الدموية طوال مائة سنة، فلقد قمتم بها بطاعتكم من دون اراقة دماء.
واضيف ايضاً، ان اضاعة ضابط ذي حمية وثقافة ودراية يعني اضاعة قوتكم المعنوية، لان الغالب في الوقت الحاضر هو الشجاعة الايمانية والعقلية والعلمية. واحياناً يعدل مثقف واحد منهم مائة من غيرهم. فالاجانب يسعون ان يغلبوكم بهذه الشجاعة، اذ الشجاعة الفطرية وحدها غير كافية.
خلاصة الكلام: اني ابلغكم ماامره الرسول الاعظم صلى الله عليه وسلم وهو:
ان الطاعة فرض، فلا تعصوا ضباطكم.
فليحيا الجنود، ولتعش المشروطية المشروعة.
فانا.. لانني قد تجشمت اعباء هذه المهمات الجسيمة - مع وجود علماء اكفاء - قد ارتكبت اذن جناية!
الجناية الحادية عشرة: كنت ألمس الوضع الردئ لما كان يعيشه اهالي الولايات الشرقية فادركت ان سعادتنا الدنيوية ستحصل - من جهة - بالعلوم الحديثة الحاضرة، وان احد الروافد غير الآسنة لتلك العلوم سيكون العلماء، والمنبع الآخر سيكون حتماً المدارس الدينية، كي يأنس علماء الدين بالعلوم الحديثة.
وحيث ان زمام الأمر في تلك البقاع التي اغلبيتها الساحقة اُميون بيد علماء الدين، فهذا الشعور هو الذي دفعني الى المجئ الى استانبول. ظناً مني ان نلقى السعادة في "دار السعادة" في ذلك الوقت مع ان الاستبداد - الذي اصبح الآن اضراباً وتقوّى اكثر - كان يُسند الى المرحوم السلطان المخلوع، فانه قدّم لي مرتباً


صيقل الإسلام/المحكمة العسكرية العرفية - ص: 451
بواسطة وزير الأمن العام وفضلاً منه وكرماً، فرفضت. فقد اخطأت! ولكن خطأى ذلك اصبح خيراً اذ اظهر خطأ الذين يبغون مال الدنيا بالعلوم الدينية، فضحيت عقلي، ولم ادع حريتي ولم احنِ رأسي لذلك السلطان الرؤوف، فتركت منافعي الشخصية؛ اذ هؤلاء يمكنهم ان يضموني الى صفوفهم بالمحبة وليس بالاضطرار والقوة، فانا منذ سنة ونصف السنة اسعى هنا لتنال بلادي المعارف والعلوم. واغلب الاصدقاء في استانبول على علم بهذا.
فانا الذي ابن حمال فقير. لم اتجاوز طوري وكوني ابن فقير وحمال رغم تيسر الدنيا لي، ولم اوطد علاقاتي مع الدنيا بل تركت احب المناطق الى قلبي وهي ذرى جبال الولايات الشرقية داعياً الى السعادة لأمتي، فدخلت مستشفى المجاذيب والمعتقلات والسجون وعانيت التعذيب والاهانات في فترة المشروطية.. كل ذلك لانني قد تطاولت الى اثال هذه الامور حتى اوقعتني في مثل هذه المحاكم الرهيبة. فاذن قد جنيت!
نصف جناية:
انطلاقاً من مفهوم الحفاظ على مركز الخلافة وهو مركز المسلمين وموضع رابطتهم، والحيلولة دون ضياعه.. وظناً من كون حضرة السلطان عبد الحميد الثاني على استعداد لاستيضاح الأمر والندم على اخطائه الاجتماعية السابقة.. وأخذاً بالقاعدة الجليلة "والصلح خير" لتخفيف الاحداث الحالية التي سارت بعنف وبذرت بذور الفتن والاضطرابات، وتحويلها الى افضل ما يمكن.. لأجل كل ذلك قلت بلسان الجريدة للسلطان السابق ما يأتي:
أجعل قصر يلدز ، ذلك النجم المنخسف، جامعة للعلوم ليرتفع الى الاعالي كالثريا.
وأسكن فيه اهل الحقيقة وملائكة الرحمة بدلاً من السواح وزبانية جهنم ليصبح بهيجة بهجة الجنة.
وأعد الى الامة ما اهدته لك من ثروات في القصر بصرفها في إنشاء جامعات دينية لتزيل الجهل الذي هو داء الامة الوبيل.


صيقل الإسلام/المحكمة العسكرية العرفية - ص: 452
ووطّن الثقة بمروءة الامة ومحبتها، فهي المتكفلة بادارتكم السلطانية. دع الدنيا قبل ان تدعك واصرف زكاة العمر في سبيل العمر التالي. انه ينبغي التفكر في الآخرة وحدها بعد هذا العمر.
والآن لنقارن؛ أيُّما افضل: ان يكون قصر يلدز موضع لهو أم جامعة علوم؟ وان يجول فيه السواح ام يدرّس فيه العلماء ؟ يُغصب ام يُهدى؟ فليقضِ اصحاب الانصاف في هذا.
فأنا الفقير المعدم قمت باسداء النصيحة الى سلطان عظيم ، قد جنيت اذن نصف جناية!
اما النصف الاخر من الجناية فلم يحن وقت الافصاح عنه 1.
وا أسفى لقد وضع المعجبون بالتطرف في هذه الحادثة سداً امام رغبات الامة المشتاقة الى المشروطية المشروعة التي فيها سعادتنا ومنبع حياتنا الاجتماعية العطشى الى المعارف والعلوم الحديثة المنسجمة مع الاسلام وذلك بإلقائهم الاغراض الشخصية والفتن في المشروطية. زد على ذلك أعمال المثقفين المتسمة بالالحاد وعدم الاكتراث بالدين.
فعلى الذين أقاموا هذا السد المنيع ان يرفعوه ويزيلوه، وهذا ما نرجوه منهم باسم الوطن.
ايها القواد والضباط!
ان الشهود على هذه الجنايات الاحدى عشرة ونصف الجناية هم ألوف بل يمكن ان يكون نصف اهالي استانبول شهوداً على بعض الجنايات.
ولكن أطلب الاجابة عن الاسئلة الاحد عشر سؤالاً ونصف سؤال. فضلاً عن رضاي بالعقاب النازل بي عن تلك الجنايات. ومع هذا فلي حسنة واحدة عوضاً عن هذه السيئات، وسأقولها وهي:
انني عارضت شعبة - الاتحاد والترقي - المستبدة هنا، تلك التي اذهبت شوق الجميع واطارت نشوتهم وايقظت عروق النفاق والتحيّز وسببت التفرقة بين الناس
_____________________
1 انظروا الى البحث الموجود في ختام مجموعة » سراج النور« لتطلعوا على النصف الآخر من الجناية، والتي يعاقب المؤلف من جرائها بثمان وعشرين سنة. المؤلف (المقصود : الشعاع الخامس) المترجم.



صيقل الإسلام/المحكمة العسكرية العرفية - ص: 453
واوجدت الفرق والاحزاب القومية، وتسمت بالمشروطية بينما مثلت الاستبداد في الحقيقة، بل حتى لطخت اسم الاتحاد والترقي.
ان لكلٍ فكرُه ، وانا حرّ في إبداء الفكر. فالصلح العام والعفو العام، ورفع الامتيازات ضروري، لئلا يتولد النفاق من استخفاف أصحابُ الامتياز الآخرين.
واقول بلا فخر: نحن المسلمين الحقيقيين ننخدع ولكن لا نخدع، ولا نتنزل للخداع لاجل حياة دنيوية. لاننا نعلم " انما الحيلة في ترك الحيل".ولكن لانني قد عاهدت المشروطية الحقيقية المشروعة ساصفع الاستبداد ان قابلته في أي لباس كان، حتى لو كان لابساً ملابس المشروطية او تقلّد اسمها. وفي اعتقادي ان اعداء المشروطية هم اولئك الذين يشوّهون صورتها باظهارها مخالفة للشريعة وانها ظالمة، فيكثرون بهذا أعداء الشورى ايضاً. علماً ان القاعدة هي : لا تتبدل الحقائق بتبدل الاسماء.
وحيث ان اعظم الخطأ هو ظن المرء انه لا يخطأ. فإني اعترف بخطأي وهو: اردت نصح الناس قبل ان آخذ بنصيحتهم، سعيت في ارشاد الآخرين قبل إرشاد نفسي، فهوّنت بهذا شأن الامر بالمعروف حتى اصبح لا يجدي.
ثم انه ثابت بالتجربة ان العقاب يأتي نتيجة ذنب. الاّ انه احياناً ينزل العقاب ولمّا يُرتكب ذلك الذنب إلاّ انه اظهر نفسه في صورة ذنب آخر. فذلك الشخص رغم انه برئ من هذا الذنب الاّ انه يستحق العقاب لذنب آخر خفي. فالله سبحانه ينزل به المصيبة فيلقيه في السجن لذنب خفي، فيعدل. بينما الحاكم يظلم لعدم ارتكاب الشخص ذلك الذنب ، ولخفاء الذنب الخفي عنه.
فيا اولي الامر!
كانت لي كرامة وعزة، وكنت ارغب ان اخدم بها الامة الاسلامية، الاّ انكم اهنتموها.
وكنت املك شهرة كاذبة - دون رغبتي - واُجري نصحي بها الى العوام، فافنيتموها مشكورين.
والآن ظلت لدي حياة ضعيفة مللت منها، فليهلكني الله إن صُنتها خوفاً من الاعدام، ولا اكون شريفاً إن لم اقدم على الموت ببشاشة.


صيقل الإسلام/المحكمة العسكرية العرفية - ص: 454
ان الحكم عليّ صورةً يورث الحكم عليكم وجداناً. وهذا لا يضرني بل هو رفعة وشرف لي، ولكنكم تلحقون الضرر بالامة، لانكم تزيلون تأثير نصائحي، فضلاً عن إضراركم بانفسكم، حيث أكون حجة قاطعة بيد عدوّكم.
فلقد وضعتموني على المحك، تُرى لو وضعت ما تسمونه بالفرق الخالصة (الاحزاب) على مثل هذا المحك كم سيسلم منهم؟
ان كانت المشروطية تعني مخالفة الشريعة واستبداد جماعة معينة، [فليشهد الثقلان اني مرتجع] 1.
ذلك لان الاتحاد القائم على الكذب كذب ايضاً، والمشروطية القائمة على اسس فاسدة ومفسدة مشروطية فاسدة، اذ المشروطية الحقة التي لها الدوام والبقاء هي المشروطية القائمة على الحق وعلى الصدقوعلى المحبة وعلى اساس عدم الامتيازات.
انني انبّه الى هذا وكلي أسف وقلق:
مثلاً: عالم جليل تحجزه صفة العلم عن الفساد، ولكن يُقرن ذكر الفساد الناشئ من تهوره كلما ذكر علمه. ومن ثم تُمسّ صفة العلم بسوء. ألا يومئ هذا الى العداء للعلم؟ كذلك حينما زرعت الفرقاء بذور التفرقة والفتن - خلافاً للشريعة - واطلقت مليوناً من الطلقات عبثاً ، وظلت السياسة والنظام العام بيد أفراد اعتياديين وعمّت الفوضى في الاوساط .. وما هدأ ذلك الطوفان العارم الاّ معجزة الشريعة حتى مرّ بسلام من دون إراقة دم. بمعنى ان الاسم السامي للشريعة المطهرة والاتحاد المحمدي انزل تأثير ذلك الفساد الرهيب من الالف الى الواحد.
فبينما الامر هكذا فان ذكر ذلك الاسم الطاهر ، الشريعة، مقروناً باصحاب الفتن وجعله ترساً لهم هو مسّ لنقطة خطرة جداً، بل هو تعرض لعقدة الحياة. بحيث يرجف من هوله كل صاحب وجدان سليم وتذهب نفسه حسرات عليه.
ان الذي يستطيع ان يتصور انه بالامكان جعل الثريا مكنسة واطفائه بالنفخ، لا يعلن الاّ عن بلاهته!
_____________________
1 هذا القول نظير قول الامام الشافعي رضي الله عنه.
ان كان رفضاً حب آل محمد
فليشهد الثقلان اني رافضي (ديوان الامام الشافعى) - المترجم.



صيقل الإسلام/المحكمة العسكرية العرفية - ص: 455
فلو ان مَلَكاً في جو السماء، في زحل مثلاً، امسك بيده ميزاناً يزن جبل ارارات وجبل سبحان. واضيف على جبل ارارات وزنٌ بقدر درهم، فالمشاهدون القاصرو النظر عند ما يرون نزول كفة ارارات الى الارض وصعود كفة سبحان الى السماء، يسندون الامر والثقل الى ذلك الوزن البسيط بقدر درهم!
وهكذا فالكرامة العسكرية والحمية الاسلامية والشريعة المحمدية شبيهة بتلك الجبال الشامخة، اما الاسباب الخارجية فهي بوزن درهم فحسب. فاتخاذ هذه الاسباب التافهة اساساً في الامور دليل على الجهل بشأن الانسانية والاسلام، بل تهوين بهما.
سوف اقول الحقيقة فقط. ولن اجانب الحق ابداً ، ذلك لان مقام الحق سامٍ ولن اُضحي به لاجل احد، لذا لن تصرفني عن ذكر الحق لومة لائم.
ان ما يسمى بحادثة 31 مارت، ذلك الطوفان الرهيب والصاعقة المحرقة، قد هيأت - تحت اسباب اعتيادية - استعداداً طبيعياً بحيث ورد - من عند الله - على لسان القائمين بها اسم الشريعة المظهرة معجزتها دوماً رغم ان نتائج تلك الحادثة كانت الهرج والمرج.
ولأن اسم الشريعة جعل ذلك الطوفان يمر بسلام فانه يُدين - امام الله - تلك الصحف التي اطلقت لسانها بالسوء بعد منتصف نيسان.
فاذا ما أُخذ بنظر الاعتبار الاسباب السبعة والاحوال السبع التي ادت الى تلك الحادثة تظهر الحقيقة بجلاء وهي الآتية:
1- لقد كان تسعون بالمائة من هذه الحركة موجهة ضد الاتحاد والترقي وضد استبدادهم ودكتاتوريتهم.
2- كما كانت ترمي الى تبديل الوزراء الذين كانوا محل نقاش وجدال بين الفرقاء والاحزاب.
3- انقاذ السلطان المظلوم من الخلع الذي قد تقرر وصُمّم عليه.
4- منع التعليمات وانهاء التلقينات التي لا تليق مع الآداب العسكرية والاداب الدينية.


صيقل الإسلام/المحكمة العسكرية العرفية - ص: 456
5- الكشف عن قاتل السيد "حسن فهمي" 1 بعد ان تم تضخيم موضوع اغتياله.
6- تسوية موضوع الضباط " الآلايلي" 2 الذين اُخرجوا من الخدمة العسكرية وانصافهم.
7- الوقوف تجاه تعميم مفهوم الحرية على التصرفات السفيهة، اي تحديد معنى الحرية بالآداب الشرعية، ثم القيام بتطبيق الحدود الشرعية التي لا يفهم العوام منها سوى القصاص وقطع اليد.
بيد ان الارضية الآسنة كانت مهيأة والخطط والمنزلقات كانت جاهزة حتى ذهبت الطاعة العسكرية السامية جداً ضحية لها.
ان اس اساس الاسباب هو المناقشات العنيفة المتحيّزة للفرقاء وغلو الصحف في المجادلات المبالغ فيها بالكذب عوضاً عن بلاغة الكلام. وكما ان دوران القرص الملون لا يظهر الاّ اللون الابيض فالشريعة الغراء هي التي تجلت من بين هذه المطالب السبعة المذكورة فسدّت طريق الفساد.

الحاصل:لقد عمت الفوضى والارهاب في الاوساط بما نشرته الصحف من مقالات محرضة، وشروع الفرقاء بتسجيل اسماء الفدائيين ، وسيطرة الاشخاص الذين قادوا الانقلاب، وسريان الحرية المطلقة الى الجنود بما ينافي الطاعة العسكرية، وتلقين بعض المهملين الجنود ما يظنونه مخالفاً للآداب الدينية. وبعد ان انفرط عقد الطاعة زرع المستبدون والمتعصبون الجهلاء - والذين تنقصهم المحاكمة العقلية في الدين - البذور في ذلك المستنقع الآسن - بظن الاحسان - وظلت السياسة العامة للدولة بيد الجهلاء واطلق ما يقارب المليون من الطلقات في الهواء وتدخلت الايادي الداخلية والخارجية.

_____________________
1 حسن فهمي: صحفي معروف بمعارضته لجمعية الاتحاد والترقي. تم اغتياله فوق جسر "غلطة سراي" من قبل هذه الجمعية. واثار اغتياله استياءً عاماً ونقمة ضد الاتحاديين. المترجم
2 ضابط الالايلي: هم الضباط الذين ترقوا من الجندية، ولم يكونوا من خريجي الكلية الحربية. المترجم.



صيقل الإسلام/المحكمة العسكرية العرفية - ص: 457
فبينما الامرالطبيعي ان تؤدي هذه الحادثة الى الهرج والمرج وتدخل الاجانب في البلاد، الاّ ان اسم الشريعة - بفضل الله - ارجع الارواح الخبيثة الناتجة من تلك الاسباب المذكورة الى اوكارها. فظهرت معجزة اخرى بعد ثلاثة عشر قرناً.
ثم ان الصوت الداوي للجيش والعلماء في ذلك الانقلاب العظيم الفائت: "ان المشروطية مستندة الى الشريعة" سرى سريان التيار الكهربائي في وجدان المسلمين عامة. فخرق ذلك الانقلاب القاعدة الطبيعية للانقلابات واظهر التأثير المعجز للشريعة الغراء، وسيظهره دوماً.
انني اعترض على اساس فكر الصحف التي ظهرت بعد منتصف نيسان وذلك: انهم اوجدوا منفذاً ومبرراً للتضحية بالعزة والكرامة والطاعة العسكرية - التي هي اسمى من الحياة بل تضحى لاجلها الحياة - في سبيل اعمال غير مشروعة، وافعال خسيسة خادمة للحياة نفسها لدى اهل الوجدان.
ثم انهم ظنوا ان شمس الشريعة التي تنجذب اليها الحقائق والاحوال وترتبط بها، تابعة للسلطة اومنقادة للخلافة او اداة لاية سياسة اخرى. فاظهروا - ما اعتقدوه - ان الشمس المنيرة تابعة لنجم منخسف.
اقول بكل ما املك من قوة: انه لا رقي لنا الاّ برقي الاسلام الذي هو مليتنا، ولا رفعة لنا الاّ بتجلي حقائق الشريعة. وبخلافه نكون مصداقاً للمثل القائل: "اضاع المشيتين".
نعم، علينا ان نستشعر بشرف الامة وعزتها وثواب الآخرة وبشأن المجتمع، وقيمته، والحمية الاسلامية، وحب الوطن وبحب الدين، ففي المضاعفات قوة اية قوة.
ايها القادة والضباط!
اطالبكم بانزال العقاب على جناياتي، وبالاجابة حالاً عن اسئلتي الآتية، فان الاسلام هو الانسانية الكبرى وان الشريعة الغراء هي المدنية الفضلى ، لذا فالعالم الاسلامي اهلٌ ليكون المدينة الفاضلة التي تصورها افلاطون.


صيقل الإسلام/المحكمة العسكرية العرفية - ص: 458
السؤال الاول: ماجزاء المنخدعين بالصحافة والمنجرفين مع التيار العام المتولد حالياً من العادات والتقاليد التي يرونها مشروعة؟السؤال الثاني:
ما جزاء من يتعرض لإنسان تشكّل في صورة ثعبان، ولولي صالح تقمص صفة شقيّ، وللمشروطية التي لبست لباس الاستبداد ، وما هم في الحقيقة سوى ثعابين وشقاة ومستبدين؟السؤال الثالث:
هل يكون المستبد شخصاًفرداً واحداً؟ ام يمكن ان يكون اشخاص عديدون مستبدين؟ وأرى ان القوة يجب ان تكون في القانون، والاّ سيتوزع الاستبداد ويشتد اكثر بالمنظمات.السؤال الرابع:ايّما اضرّ : اعدام برئ أم العفو عن عشرة جناة؟السؤال الخامس:افلا يزيد من سبل النفاق والتفرقة تشديد الخناق على ارباب المسالك والفكر ، علماً انه لا يغلبهم؟السؤال السادس:أيمكن بغير رفع المحسوبية والامتيازات حصول اتحاد لامة الذي هو معدن حياتنا الاجتماعية؟السؤال السابع:
ان الإخلال بالمساواة ، وتخصيصها لبعض الافراد فحسب، وتنفيذ القانون بحقهم، وان كان ظاهراً يوحي بالعدالة ، ولكن عدم المساواة يولد الظلم والنفاق في جهة اخرى، فضلاً عن ان براءة اغلب المسجونين قد توضحت بالافراج عن ثمانين بالمئة منهم، وهم بريئون.


صيقل الإسلام/المحكمة العسكرية العرفية - ص: 459
انني لا اوجه الكلام هنا الى المحكمة العسكرية، بل على المخبرين ان يتدبروا في الامر.السؤال الثامن:
اذا عدّت فرقة معينة نفسها صاحبة امتيازات على الآخرين، وألجأت الناس الى الظهور بمظهر المخالف للمشروطية، وذلك بكثرة تعرض تلك الفرقة لهم وجرحها لمشاعرهم، فعلى من يقع الذنب لو تعرض الجميع للاستبداد العنيد المتستر تحت اسم المشروطية، التي تقلدته تلك الفرقة؟السؤال التاسع:
على من تقع المسؤولية فيما لو ترك بستاني باب البستان مفتوحاً، ودخل فيه من دخل، ثم ظهر حدوث السرقات؟السؤال العاشر:
لو منحت حرية الفكر والكلام للناس ، ثم حوسب شخص على كلامه او فكره، أفلا يكون ذلك خطة مدبّرة لدفع الامة المنكوبة الى النار؟السؤال الحادي عشر:
نرى الجميع يعاهدون المشروطية ويقسمون بها. بينما المعاهد هو نفسه مخالف لمسمّى المشروطية او ساكت عن مخالفيها. ألا يحتاج ذلك الى كفّارة اليمين؟ ألا تكون الامة اذن كاذبة؟ أفلا يعتبر اذن الرأى العام النزيه انه كاذب ومعتوه؟
حاصل الكلام: ان المهيمن على الوضع الحاضر استبداد شديد وتحكم صارم، وذلك من حيث الجهل المتفشي. وكأن الاستبداد والتجسس قد تناسخا روحاً. والذي يبدو ان الغاية ما كانت استرداد الحرية من السلطان عبد الحميد، بل تحويل استبداد ضعيف وضئيل الى استبداد شديد وقوي.نصف سؤال:
شخص ضعيف رقيق يحاول جاهداً دفع اذى البعوض والزنابير عنه لعدم تحمله لها. أفيمكن ان يقنع احدُهم أحمقاً بقوله ان هذا يقصد بعمله هذا تسليط اسد هصور على نفسه وليس دفع البعوض والدبابير؟

عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس