الصحابيِّ الجليلِ العرباض بن ِساريةَ السُّلميِّ رضي الله عنه
الصحابيِّ الجليلِ
العرباض بن ِساريةَ السُّلميِّ t
أبو نَجيْحٍ
وحولة حمصَ
((الدِّمشقيِّ مَنزِلاً الحِمْصِيِّ مسْكَناً الحُولِيِّ مَرْقَداً))
(ت 75هــ)
إعداد
الدكتور عبد الكافي توفيق المرعب
مدرس النحو والصرف في جامعة البعث
نشر هذا البحث في مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق الجزء الرابع – المجلد (86)
عِرْباضُ البُهْثَةُ نِسْبَتُهُ
مِصْباحُ الزُّهْدِ وسَيِّـــدُهُ
عِرْباضُ الصُّفَّةُ نَشْأتُهُ
في حُولةَ حِمصٍ مَرْقَــــدُهُ
عِرْباضَ البَكْوَةِ نَعْهَدُهُ
أنُقِرُّ بهِ أمْ نَجْحَــــــدُهُ
أنْشَدْتُ الشِّعْرَ على شَحَطٍ
نُعْماكَ قرِيبٌ مَولِدُهُ
عبد الكافي
العِرْباضُ بنُ ساريةَ السُّلَميُّ وحُوْلَةُ حِمْصَ (75 هـ)
لاريبَ أنَّ سِيَرَ الصحابةِ تاريخُ رجالٍ جاءتْهُم دعوةُ الإسلامِ فآمنوا بها، وصدَّقتْها قُلوبُهم، وما كانَ قولُهُم إذا دُعوا إلى اللهِ ورسولِهِ إلا أنْ قالوا: ﴿ربَّنا إنَّنا سمعنا منادياً ينادي للإيمانِ أنْ آمِنُوا بربِّكم فآمَنَّا ﴾ [آل عمران: 193]، ووَضَعوا أيديَهُم في يدِ الرسول e، وهانتْ عليهم نفوسُهُم وأموالُهُم وعشيرتُهُم، واستطابوا المراراتِ والمكارِهَ في سبيلِ الدعوةِ إلى اللهِ، وكان العِرباضُ أحدَ هؤلاءِ الصحبِ والركبِ، فقد آمَن بدعوة النبيِّ e مبكِّراً وهو مدارُ بحثنا هذا. وقبلَ الحديثِ عن الصحابيِّ الجليلِ أبي نَجيْح العِرْباضِ بنِ ساريةَ السُّلميِّ t - الذي تركَ الجزيرةَ العربيَّةَ وولَّى وجْهَهُ شَطْرَ بلادِ الشَّامِ غازياً فاتحاً جُنْديّاً في جيوشِ الفتحِ الإسلاميِّ- لابدَّ من تفصيل القول في "حُوْلَةِ حِمْصَ" التي سكنَها العِرْباضُ ورقدَ فيها واحتضنتْ رُفاتَهُ إلى يومِ الناسِ هذا.
قال القاضي عبدالصمد بن سعيد في تاريخ حِمْصَ: "كان العِرْباضُ بنُ ساريةَ السُّلميُّ يسكنُ حُولةَ حِمْصَ".
فالحُولةُ بالضمِّ ثمَّ السكونِ: اسمٌ لناحيتين بالشَّام، إحداهما من أعمالِ حِمْصَ، ثم من أعمالِ بارينَ بين حِمْصَ وطرابلسَ، والأخرى كورةٌ بين بانياسَ وصُوْرَ من أعمالِ دمشقَ ذاتُ قرًى كثيرةٍ.
والحُوْلَةُ لغةً: العَجَبُ والداهيةُ والأمرُ المنكرُ، ذكر ابنُ سيده (ت 485هـ)، وابنُ منظورٍ(ت711هـ) والفيروزآباديُّ(ت817هـ) الزَّبيديُّ(ت1205هـ): الحُوْلَةُ بالضمِّ: العَجَبُ، والأمرُ المنكرُ، وهذا من حُوْلَةِ الدهرِ: أي من عجائبهِ، ويقالُ أيضاً: هو حُولةٌ من الحُوَلِ: أي داهيةٌ من الدواهي، ويُوصَفُ به، فيقال: جاءَ بأمرٍ حُوْلَةٍ، قال الشاعرُ:
ومِن حُوْلَةِ الأيامِ والدهرِ أنَّنا لنا غَنَمٌ مقْصورَةٌ ولنا بَقَرْ
ولا غَرْوَ ولا عَجَبَ أنْ تُوصَفَ الحُوْلَةُ وغيرُها من البقاعِ بهذهِ الأوصافِ في ماضياتِ الأيام، ولاسيَّما أنّها كانتْ منطقةَ مُسْتنقعاتٍ وغيْطلاتٍ وأجماتٍ تسْكنُها الفهودُ والأسودُ وحُمُرُ الوحشِ والفيلةُ والغِزلان، وهذا ما تؤكِّدُهُ الحملاتُ العسكريةُ المصريةُ في زمن الميتانيين (1490 - 1405 ق.م) على المدنِ السوريَّة، التي بلغت ستَّ عشرةَ حملةً عسكريَّةً مصريَّة، وفي عهد (تحوتمس الثالث) الذي استولى على مدنِ الساحلِ السوريِّ، وانتصرَ على عدوِّهِ في (قادش)، ثمَّ استولى على (قَطْنا) في حملته الثامنة على سوريَّة، ثمَّ ارتحل من (قطْنا) إلى شمالِ سوريَّةَ، إذ خاضَ حرباً في جبل "وَعَن" غربي حلبَ، ومن المؤكَّد أنَّ (تحوتمس الثالث) استولى على حلبَ، وإلا لما استطاع أن يتقدَّم نحو "قرقميش"، إذ بيَّن احتلالُ هذه المدينةِ للفرعون أحسنَ الطرق لعبور الفراتِ، وفي طريقِ العودةِ قامَ (تحوتمس الثالث) ببعض المعاركِ الصغيرةِ في كلٍّ من (سَيْجَر وقادش وني).
ولمــا وصل إلى غربيِّ (قَطْنا) بدأ يصطادُ في مستنقعاتِ حوضِ نهرِ العاصي، ثمَّ صادف قطيعًا كبيراً من الفيلة غربي النهر المذكور، فعمدَ إلى صيدِها وإرسالها إلى العاصمةِ طِيْبةَ، ويذكرُ (أمنمحاب) قائدُ أركانِ جيشِ الفرعون (تحوتمس الثالث) في سيرته الشخصيَّةِ أنَّ فيلاً ضخمًا استدارَ نحو الفرعون ليفتكَ به، لكنَّ (أمنمحاب) عاجلَهُ بضَرْبةٍ من سلاحهِ قطعَتْ خرطومَهَ، واستطاع بذلك أن يُنقِذَ سيِّدَهُ، كما اصطادَ في منطقةِ حوضِ العاصي بالقربِ من قادشَ الغِزْلانَ والمهارَ وحُمُرَ الوحشِ.
ويؤكِّدُ أسامةُ بنُ مُنقذٍ الشّيْزَريُّ (ت 584هـ) في كتابه "الاعتبار" على وجودِ الأسودِ والنُّمورِ والفُهودِ والغِزْلان والخنازير البريّةِ واليحامير والأرانب والطيور في سهول شَيْزرَ الواقعة في الشمال الغربي من مدينة حماة، وله مع هذه الوحوشِ الكاسرةِ طرائفُ وقصصٌ غريبةٌ عجيبةٌ شائقةٌ، ذكرها في مؤلّفاته وأشعاره. إذ صارعَ الأسودَ فصَرَعَها، وكان مولعاً بصيدها.
وسهول الحُولةِ امتدادٌ لهذه السهول، وكلُّ هذه السهولِ تقع في حوض العاصي الغربيِّ. فالمنطقةُ واحدةٌ من حيثُ أوصافُها ومخاوفُها وعجائبُها وغرائبُها.
فالأوصافَ التي نُعِتَتْ بها الحوْلَةُ – الواقعة في حوض العاصي الغربيِّ - من عَجَبٍ وخوفٍ وغيرِهِ كانتْ موجودةً في جُلِّ بقاعِ الأرضِ قبلَ أنْ تكونَ مسكونةً عامرةً بالسكانِ، وزالَ الخوفُ والعجبُ والمَكرُ بعد أن غدّتْ آهلةً بسُكَّانِها الذين ملؤوا الأرضَ عدلاً وأمنًا، بعدما مُلئتْ خوفاً وعَجَباً وظلمًا وجَوْرًا، ومن هؤلاءِ العرباضُ بنُ ساريةَ السُّلميُّ أبو نجيحٍ أحدُ الذين سكنوا الحُوْلَةَ التي أصبحتْ آمنةً به وبأمثاله من أهل الصَّلاحِ والفلاحِ، والعدل والتسامح، والفضلِ والعلم، وكذلك سائرُ بقاعِ الوطنِ العربيِّ والإسلامي.
وبعد التعريف بحُوْلَةِ حِمصَ التي سكنَها أبو نَجيْحٍ، ورَقَد فيها، وضمَّتْهُ أرضُها في طيَّاتِها، لابدَّ أنْ ننتقلَ إلى بيت القصيدِ، وقُطْبِ الرحى أبي نجيحٍ الصحابيِّ الجليلِ t الذي نزلَ الشام ثمَّ سكنَ حمصَ ثمَّ حُوْلتَها، وروى حديثَ رسولِ اللهِ r.
لمتابعة البحث كاملاً اضغط على الملف أدناه
http://www.naseemalsham.com/ar/Pages.php?page=readResearch&pg_id=33863