عرض مشاركة واحدة
قديم 03-02-2013
  #35
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: فقه العبادات على المذهب الشافعي تأليف الحاجة دريّة العيطة

الباب العاشر : الجنائز
- معناها :
الجنائز بفتح الجيم جمع جنازة وهي بالفتح والكسر اسم للميت في النعش
ذكر الموت وعيادة المريض وخدمته :

- لئن كان الموت أعظم المصائب فإن الغفلة عنه أعظم من أجل هذا سنت كثرة ذكره
روى أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( أكثروا ذكر هاذم اللذات ) ( 1 ) يعني الموت . كما يجب الاستعداد له بالتوبة لحديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال : ( كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في جنازة فجلس على شفير القبر فبكى حتى بل الثرى ثم قال : ( يا إخواني لمثل هذا فأعدوا ) ( 2 ) وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : ( أخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم بمنكبي فقال : ( كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ) ( 3 )
والمريض بالاستعداد أولى
ومن السنة عيادة المريض السليم حتى الأرمد لحديث زيد بن أرقم رضي الله عنه قال : ( عادني رسول الله صلى الله عليه و سلم من وجع كان بعيني ) ( 4 ) . وحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ( حق المسلم على المسلم خمس : رد السلام وعيادة المريض وإتباع الجنائز وإجابة الدعوة وتشميت العاطس ) ( 5 )
كما تسن عيادة الجار المريض ولو كان كافرا
ويسن تخفيف الزيارة ويدعو له بالعافية إن طمع في حياته . ومن الأدعية المأثورة ما روت عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( كان النبي صلى الله عليه و سلم يعوذ بعضهم يمسحه بيمينه : ( أذهب الباس رب الناس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما ) ( 6 )
فإن رأى حياته غير مرجوة رغبه بتوبة ووصية ويستحب لأهل المريض ومن يخدمه الرفق به واحتماله والصبر على ما يشق من أمره وكذلك من قرب موته بسبب حد أو قصاص ويستحب للأجنبي أن يوصيهم بذلك لحديث عمران بن حصين رضي الله عنه : ( أن امرأة من جهينة أتت النبي صلى الله عليه و سلم فقالت إنها زنت وهي حبلى فدعا نبي الله صلى الله عليه و سلم وليا لها فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( أحسن إليها فإذا وضعت فجئ بها . . . ) ( 7 )
ويستحب طلب الموت في بلد شريف لما روي عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر رضي الله عنه قال : ( اللهم ارزقني شهادة في سبيلك واجعل موتي في بلد رسولك ) ( 8 )
ويستحب ألا يكره المريض على الدواء وغيره من الطعام
ويستحب طلب الدعاء من المريض لحديث عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( إذا دخلت على مريض فمره يدعو لك فإن دعاءه كدعاء الملائكة ) ( 9 )
ويستحب وعظ المريض بعد عافيته وتذكيره الوفاء بما عاهد الله تعالى من التوبة وغيرها من ضروب الخير . وينبغي له هو المحافظة على ذلك قال تعالى : { وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا } ( 10 )
_________
( 1 ) ابن ماجه ج 2 / كتاب الزهد باب 31 / 4258 ، و هاذم : قاطع سمي كذلك لأنه يقطع لذات الدنيا قطعا
( 2 ) ابن ماجه ج 2 / كتاب الزهد باب 19 / 4195 ، و شفير القبر حرفه
( 3 ) البخاري ج 5 / كتاب الرقاق باب 3 / 6053
( 4 ) أبو داود ج 3 / كتاب الجنائز باب 9 / 3102
( 5 ) البخاري ج 1 / كتاب الجنائز باب 2 / 1183
( 6 ) البخاري ج 5 / كتاب الطب باب 39 / 5418
( 7 ) أبو داود ج 4 / كتاب الحدود باب 25 / 4440
( 8 ) البخاري ج 2 / كتاب فضائل المدينة باب 11 / 1791
( 9 ) ابن ماجه ج 1 / كتاب الجنائز باب 1 / 1441
( 10 ) الإسراء : 34


ما يسن للمريض :
- أن يحسن ظنه بالله تعالى بالمغفرة وبقرب التوبة لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول قبل موته بثلاث : ( لا يموت أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله ( 1 ) . وتكره له الشكوى إلا لطبيب أو قريب أو صديق إن سألوه عن حاله أخبرهم بالشدة التي هو فيها لا على حالة الجزع . كما يكره له تمني الموت بلا خوف فتنة في الدين عن أنس ابن مالك رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه و سلم : ( لا يتمنين أحدكم الموت من ضر أصابه فإن كان لابد فاعلا فليقل : اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي ) ( 2 )
ويسن له التداوي لما روي أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء ) ( 3 )
كما ينبغي له أن يحرص على تحسين خلقه وأن يجتنب المخاصمة والمنازعة في أمور الدنيا وأن يستحضر في ذهنه أن هذا آخر أوقاته في دار الأعمال فيختمها بخير وأن يستحل زوجته وأولاده وسائر أهله وغلمانه وجيرانه وأصدقائه وكل من كانت بينه وبينه معاملة أو مصالحة أو تعلق ويرضيهم وأن يتعاهد نفسه بقراءة القرآن والذكر وحكايات الصالحين وأحوالهم عند الموت . وأن يحافظ على الصلوات وغيرها من وظائف الدين وأن يوصي أهله بالصبر عليه وبترك النوح عليه وكثرة البكاء وما جرت عليه العادة من البدع فغي الجنائز وبتعاهده بالدعاء له لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ( أن حفصة بكت على عمر رضي الله عنه فقال : مهلا يا بنية ألم تعلمي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه ) ( 4 )
_________
( 1 ) أبو داود ج 3 / كتاب الجنائز باب 17 / 3113
( 2 ) البخاري ج 5 / كتاب المرضى باب 19 / 5347
( 3 ) البخاري ج 5 / كتاب الطب باب 1 / 5354
( 4 ) مسلم ج 2 / كتاب الجنائز باب 9 / 16




ما يسن عند الاحتضار :
- يسن إذا حضره الموت أن يضطجع على شقه الأيمن ووجه إلى القبلة فإن تعذر فعلى شقه الأيسر ووجهه للقبلة وإلا فعلى قفاه ووجهه وأخمصاه إلى القبلة ويرفع رأسه بشيء حتى يتوجه إلى القبلة لما روي عن أبي قتادة رضي الله عنه ( أن النبي صلى الله عليه و سلم حين قدم المدينة سأل عن البراء بن معرور رضي الله عنه فقالوا : توفي وأوصى بثلثه لك يا رسول الله وأوصى أو يوجه إلى القبلة لما احتضر . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( أصاب الفطرة وقد رددت ثلثه على ولده ) ثم ذهب فصلى عليه وقال : ( اللهم اغفر له وارحمه وأدخله جنتك وقد فعلت ) ( 1 )
ويسن أن يجلس أمامه أرفق محارمه به ليلقنه كلمات التوحيد والأفضل أن يكون غير وارث كيلا يتهمه بالطمع في الإرث فيخرج من تلقينه فإن لم يحضره إلا الورثة لقنه أشفقهم عليه يلقنه لا إله إلا الله وذلك بأن يقولها أمامه ليذكره بها لما روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( لقنوا موتاكم ( 2 ) لا إله إلا الله ) ( 3 ) فإن نطقها المحتضر فلا يعيدها الجالس أمامه إلا إن نطق بها ثم تكلم فيعيدها له ليعود إلى قولها فتكون آخر كلامه من الدنيا لما روى معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة ) ( 4 ) ولا يلح عليه ولا يقال له : قل لا إله إلا الله لئلا يضجر فيقول كلاما قبيحا فيأثم
_________
( 1 ) البيهقي ج 3 / ص 384
( 2 ) موتاكم : أي من قرب موتهم وهو من باب تسمية الشيء بما يصير إليه ومنه قوله تعالى : { إني أراني أعصر خمرا } يوسف : 36
( 3 ) مسلم ج 2 / كتاب الجنائز باب 1 / 1
( 4 ) أبو داود ج 3 / كتاب الجنائز باب 20 / 3116




ما يسن بعد الوفاة :
- فإذا مات تولى أرفقهم به إغماض عينيه لئلا يقبح منظره ولأن البصر يتبع الروح فينظر أين تذهب لما روت أم سلمة رضي الله عنها قالت : ( دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه ثم قال : ( إن الروح إذا قبض تبعه البصر . . . ) ( 1 )
ويشد لحييه بعصابة عريضة ثم يشد العصابة على رأسه حتى لا ينفتح فمه فيقبح منظره وتدخل إليه الهوام ويلين مفاصله بالتحريك وبدهن إن احتيج إليه لأن ذلك يسهل غسله ولئلا تبقى أعضاؤه جافية فلا يمكن تكفينه
وينزع عنه ثيابه ويستره بثوب خفيف ويجعله على سرير أو لوح حتى لا تصيبه نداوة الأرض فتغيره ويضع على بطنه شيئا ثقيلا حتى لا ينتفخ لما روى البيهقي قال : ( مات مولى لأنس بن مالك عند مغيب الشمس فقال أنس رضي الله عنه ضعوا على بطنه حديدة ) ( 2 )
ثم يستقبل به القبلة ويدعى له ويبادر إلى تبرئة ذمته لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه ) ( 3 )
ويستحب إعلام أهله وأصدقائه بموته للصلاة عليه ولا يكون ذلك من النعي المكروه كما يستحب لأقربائه وجيرانه أن يصلحوا طعاما لأهله لما روى عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال : ( لما جاء نعي جعفر قال النبي صلى الله عليه و سلم : ( اصنعوا لأهل جعفر طعاما فإنه قد جاءهم ما يشغلهم ) ( 4 ) . ثم يبادر إلى تجهيزه ثم إلى إنفاذ وصيته لما روى علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال له : ( يا علي ثلاث لا تؤخرها : الصلاة إذا أتت والجنازة إذا حضرت والأيم إذا وجدت لها كفؤا ) ( 5 )
فإن مات فجأة وجب تركه حتى يتعين موته بظهور أمارات الموت فيه من ميل أنف وانخفاض صدغ واسترخاء قدم . ولا عبرة برأي الطبيب إن لم تظهر هذه العلامات
_________
( 1 ) مسلم ج 2 / كتاب الجنائز باب 4 / 7
( 2 ) البيهقي ج 3 / ص 385
( 3 ) الترمذي ج 3 / كتاب الجنائز باب 76 / 1078
( 4 ) الترمذي ج 3 / كتاب الجنائز باب 21 / 998
( 5 ) الترمذي ج 3 / كتاب الجنائز باب 73 / 1075 ، والأيم : من لا زوج لها بكرا أو ثيبا





حق الميت على المكلفين :

- يجب على الناس في موتاهم وجوبا كفائيا تجهيز الموتى بحسب أقسام الموتى السبعة الآتية :
- 1 - مسلم غير شهيد : يجب غسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه وإن كان سقطا ( 1 ) إذا علمت حياته بالاستهلال ( 2 ) أو الاختلاج أو التنفس أو التحرك . فإن مات محرما كان تكفينه غير كامل فلا يغطى رأس المحرم ولا يستر وجه المحرمة لأن الإحرام لا يبطل بالموت فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا لما روى ابن عباس رضي الله عنهما من قوله صلى الله عليه و سلم في المحرم الذي سقط عن راحلته فوقصته : ( اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبين ولا تمسوه طيبا ولا تخمروا رأسه ولا تحنطوه فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبيا ) ( 3 )
- 2 - مسلم شهيد ( 4 ) :
يجب تكفينه ودفنه والأولى تكفينه بثيابه الملطخة بالدم فإن لم تكفه وجب إتمامها بما يستر جميع بدنه ويجوز التكفين بغيرها . أما الثياب التي لا تلبس عادة إلا للحرب مثل الدرع والخف فيندب نزعها عنه كسائر الموتى لما روى ابن عباس رضي الله عنهما ( أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمر بقتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد والجلود وأن يدفنوا في ثيابهم بدمائهم ) ( 5 )
ويحرم غسله لإبقاء أثر الشهادة وهو الدم لما ورد أن رائحته يوم القيامة تكون كرائحة المسك روى أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( . . . والذي نفس محمد بيده ما من كلم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة كهيئته حين كلم لونه لون الدم وريحه مسك ) ( 6 )
لكن إن أصابه نجس آخر وجبت إزالته ولو أدى ذلك إلى إزالة دم الشهادة
كما تحرم الصلاة عليه ولا تصح أما خبر أن الرسول صلى الله عليه و سلم خرج وصلى على قتلى أحد صلاته على الميت ففي تفسيره قولان : أحدهما : أنه من خصوصيات النبي صلى الله عليه و سلم والثاني : أن المراد بصلاته صلى الله عليه و سلم أنه دعا لهم كدعائه للميت وقد تقدم أن الصلاة في اللغة الدعاء . يعضد هذا التفسير ما ورد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في قتلى أحد : ( أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمر بدفنهم في دمائهم ولم يصل عليهم ولم يغسلوا ) ( 7 )
- 3 - سقط مسلم بعد التخلق دون أن تظهر فيه بعد وضعه علائم الحياة : يجب غسله وتكفينه ودفنه بلا صلاة عليه
- 4 - سقط مسلم قبل التخلق : لا يجب فيه شيء بل تحرم الصلاة عليه ويسن ستره بخرقة ودفنه ويجوز طرحه لقطة ونحوها
- 5 - ذمي : يجب تكفينه ودفنه وتحرم الصلاة عليه
- 6 - الكافر : يجوز غسله ودفنه وإتباع جنازته على الإطلاق ولكن لا تجوز الصلاة عليه ولا الدعاء له بالمغفرة بل هما حرامان مطلقا ( 8 ) بنص القرآن والإجماع
ولو اختلط مسلم وكافر صلى عليهما ويقول في دعائه : اللهم اغفر للمسلم منهما أو يقول على كل واحد منهما : اللهم اغفر له إن كان مسلما
- 7 - الحربي والمرتد : يجوز لكل منهما الغسل فقط . ولا حرمة لهما بل يجوز إغراء الكلاب بجيفتهما أما إن تضرر الناس بروائحهما فيجب دفنهما
وتكون أجرة التجهيز كثمن الماء وأجرة الغسل وثمن الكفن وما إلى ذلك من تركة الميت تخرج منها قبل وفاء الدين وإخراج الوصايا والإرث ولكن بعد الرهن والزكاة المتعلقة بعين النصاب . أما الزوجة غير الناشزة وخادمها فتلزم مؤنة تجهيز كل منهما على الزوج الموسر ولو كانت غنية ولو بما يرثه منها وإلا فمن تركتها . فإن لم تكن للميت تركة فمؤنة تجهيزه على من تلزمه نفقته ثم من موقوف على تجهيز الموتى ثم من بيت المال ثم على أغنياء المسلمين
_________
( 1 ) السقط : هو الجنين النازل قبل تمام أشهره
( 2 ) الاستهلال : رفع الصوت
( 3 ) البخاري ج 2 / كتاب الإحصار وجزاء الصيد باب 31 / 1752
( 4 ) والشهيد هو من مات في المعركة مع الكفار والمشركين لإعلاء كلمة الله سواء قتله كافر أو مسلم خطأ أو عاد سلاحه إليه أو سقط عن دابته أو نحو ذلك . أما لو مات في قتال البغاة أو مات في المعركة لا بسببها بل بمرض فليس بشهيد
( 5 ) ابن ماجه ج 1 / كتاب الجنائز باب 28 / 1515
( 6 ) مسلم ج 3 / كتاب الإمارة باب 28 / 103
( 7 ) ابن ماجه ج 1 / كتاب الجنائز باب 28 / 1514
( 8 ) ولو كان الكافر صغيرا غير مميز




تغسيل الميت :
- أقل الغسل تعميم بدن الميت بالماء مرة واحدة
وأكمله : أن يغسل في خلوة لا يدخلها إلا الغاسل ومن يعينه - إن احتاج - ولولي الميت - وهو أقرب الورثة - أن يدخل وإن لم يغسل وإن لم يعن . وأن يلبس الميت قميصا رقيقا لا يمنع وصول الماء لما روت عائشة رضي الله عنها : ( أن رسول الله صلى الله عليه و سلم غسلوه وعليه قميصه يصبون الماء فوق القميص ويدلكونه بالقميص دون أيديهم ) ( 1 ) . ولما روى البيهقي ( أن عليا رضي الله عنه غسل النبي صلى الله عليه و سلم وعلى النبي صلى الله عليه و سلم قميص وبيد علي رضي الله عنه خرقة يتبع بها تحت القميص ) ( 2 ) . ولأن ذلك أستر له فإن أمكن الغاسل أن يدخل يده في كمه الواسع اكتفى بذلك وإن لم يمكن شقه من الجانبين فإن لم يكن القميص واسعا يمكن تقليبه فيه نزع عنه وطرح عليه مئزر يغطي ما بين سرته وركبتيه
ويجعل على مرتفع كلوح ويغسل بماء مالح بارد لأن الماء العذب يسرع إليه البلاء ولأن البارد يشد البدن إلا لحاجة كبرد ووسخ فيسخنه قليلا . وأن يجلسه على المرتفع برفق مائلا قليلا إلى ورائه ويضع يمينه على كافه وإبهامه في نقرة قفاه لئلا يميل رأسه ويسند ظهره بركبته اليمنى ويمر يده اليسرى على بطنه بتحامل يسير مع التكرار ليخرج ما في بطنه من فضلات . ثم يضجعه على قفاه ويغسل سوأتيه بخرقة ملفوفة على يساره ثم يلقيها ويلف خرقة أخرى على يده بعد غسلها بماء وصابون وينظف بها أسنانه ومنخريه ثم يوضئه كالحي مع النية ثم يغسل رأسه فلحييه بنحو سدر ( 3 ) أو صابون ويسرح شعرهما - إن كان لهما شعر وتلبد - بمشط واسع الأسنان برفق ويرد شعرهما ندبا في الكفن أو القبر . ثم يبدأ بميامنه لحديث أم عطية رضي الله عنها قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم في غسل ابنته : ( ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها ) ( 4 ) فيغسل شقه الأيمن ثم الأيسر ثم يحرفه إلى شقه الأيسر فيغسل شقه الأيمن مما يلي قفاه ثم يحرفه إلى شقه الأيمن فيغسل الأيسر كذلك مستعينا في ذلك بنحو سدر ثم يزيله بماء من فرق رأسه إلى قدمه . ثم يعممه كذلك بماء قراح ( 5 ) فيه قليل من الكافور حتى لا يتغير الماء
وهذه الغسلات كلها تعتبر غسلة واحدة لأن العبرة في العدد للغسل بالماء القراح ويسن الغسل ثانية وثالثة أو أكثر إن احتيج على أن يوتر لحديث أم عطية رضي الله عنها في رواية أخرى قالت : ( دخل علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم حين توفيت ابنته فقال : ( اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر واجعلن في الآخرة كافورا ) ( 6 )
ويندب ألا ينظر الغاسل من غير عورته إلا قدر الحاجة كما يندب ألا يمسه أما عورته فيحرم النظر إليها ومسها فيلف على يده خرقة أو يلبس قفازا ثم يغسل له فرجه وسائر بدنه لحديث علي رضي الله عنه المتقدم . ويندب أن يغطي وجهه بخرقة تزال بعد الغسل
وإذا كان الميت محرما فلا يقرب منه الطيب لحديث ابن عباس رضي الله عنهما المتقدم في المحرم الذي خر من بعيره ( . . . ولا تمسوه طيبا ) ومحل ذلك إذا توفي قبل التحلل الأول أما إذا توفي بعد التحلل الأول فهو كغيره في طلب الطيب . ويستحب أن يبخر عند الميت من حين يموت حتى نهاية غسله لأنه ربما ظهر منه شيء فيغلبه رائحة البخور
ومن تعذر غسله لفقد الماء أو غيره كما لو احترق بحيث لو غسل لهرئ يمم
_________
( 1 ) أبو داود ج 3 / كتاب الجنائز باب 32 / 3141
( 2 ) البيهقي ج 3 / ص 388
( 3 ) السدر : نبات كان يستعمل في التنظيف بدل الصابون في عصرنا
( 4 ) البخاري ج 1 / كتاب الجنائز باب 1197
( 5 ) خالص صاف
( 6 ) البخاري ج 1 / كتاب الجنائز باب 8 / 1195




- ما يتعلق بالغاسل :
الأولى أن يغسل الرجال الرجل وأن يغسل النساء امرأة . ويجوز للرجل غسل زوجته غير الرجعية ( 1 ) لحديث عائشة رضي الله عنها قالت : ( رجع رسول الله صلى الله عليه و سلم من البقيع فوجدني وأنا أجد صداعا في رأسي وأنا أقول : وارأساه فقال : ( بل أنا يا عائشة وارأساه ) . ثم قال : ( ما ضرك لو مت قبلي فقمت عليك فغسلتك وكفنتك وصليت عليك ودفنتك ) ( 2 )
ويجوز للزوجة غير الرجعية غسل زوجها
ولو مات مسلم وكان هناك رجل كافر وامرأة مسلمة غسله الكافر وصلت عليه المرأة المسلمة وإن لم يحضر إلا أجنبي في الميتة أو أجنبية في الميت ييمهها الأجنبي أو تيممه الأجنبية من وراء حائل . بخلاف ما لو كان على بدن أحدهما نجاسة فالأوجه أن يزيلها الأجنبي أو الأجنبية لأن إزالة النجاسة لابد منها بخلاف الغسل
وأولى الناس بغسل الرجل أولاهم بالصلاة عليه وهم رجال العصبة من النسب ( 3 ) ثم الولاء ( 4 ) ثم الإمام أو نائبه ثم ذوو الأرحام وإن اتحدوا بالدرجة قدم للغسل الأفقه وقدم للصلاة الأسن
وأولى الناس بغسل المرأة قريباتها وأولاهن ذات المحرمية وبعد القريبات ذات الولاء فالأجنبية فالزوج فالرجال المحارم وإلا يممت من قبل الأجنبي
والصغير الذي لم يبلغ حد الشهوة يغسله الرجال والنساء ومثله الخنثى الكبيرة عند فقد المحرم
ويسن أن يكون الغاسل أمينا لأنه إن رأى خيرا كاستنارة وجه وطيب رائحة سن ذكره أو ضده كسواد وتغير رائحة وانقلاب صورة حرم ذكره إلا لمصلحة . لما روى ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساويهم ( 5 ) . وروى أبو رافع رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( من غسل ميتا فكتم عليه غفر له أربعين مرة ( 6 ) . وروى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قوله : ( لا يستر عبد عبدا في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة ( 7 )
_________
( 1 ) الزوجة الرجعية : هي المطلقة الطلقة الأولى أو الثانية خلال فترة عدتها
( 2 ) ابن ماجه ج 1 / كتاب الجنائز باب 9 / 1465
( 3 ) العصبات هم الأب ثم الجد ثم الابن ثم ابن الابن ثم الأخ ثم ابن الأخ ثم العم ثم ابن العم
( 4 ) من أعتقهم من العبيد
( 5 ) الترمذي ج 3 / كتاب الجنائز باب 34 / 1019
( 6 ) البيهقي ج 3 / ص 395
( 7 ) مسلم ج 4 / كتاب البر والصلة والآداب باب 21 / 72
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس