عرض مشاركة واحدة
قديم 09-07-2016
  #1
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,217
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي ترجمة الإمام المجدد أبي الحسن الأشعري

هذه ترجمة الإمام الهمام حجة الإسلام وعلم الأعلام ناصر السنة والدين أبي الحسن الأشعري رضي الله عنه وأرضاه
بقلم الإمامِ الأكبر شيخ الجامع الأزهر ِ السَّيد محمد الخَضِربن الحُسَين التُّونُسِي المتوفى سنة 1377هـ رحمه الله تعالى


التحق النبي صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى وقد أورث الناس دينا ساطع الحجج، محكم الآيات، فساروا في ضوئه أمة واحدة، لا يختلفون في شيء يرجع إلى العقائد حتى آخر خلافة عثمان رضي الله عنه حيث حميت تلك المناقشات السياسية، واتخذها مرضى القلوب أمثال (عبدالله بن سبأ) ذريعة إلى فتنة يكيدون بها الإسلام، ففتحوا بابها بقتل الخليفة، ونشأت خلافة علي كرم الله وجهه، وغبار الفتنة ثائر، فتولدت تحت مثاره آراء سياسية، ثم جعلت تلك الآراء تتحول إلى مذاهب دينية، ودب في النفوس مرض الاختلاف، ومن هذا الاختلاف ما يرجع إلى أصول العقائد، فيحل عروة الإيمان، ومنه ما يرجع إلى فروعها، فلا يزيد على أن يسمى انحرافا عن الصواب.

كثرت الفرق، وتعددت الألقاب، فوهن حبل الاتحادالإسلامي، ولولا هذا التفرق لبلغ الإسلام من القوة فوق ما بلغ، وارتقى في السيادة ذروة فوق التي ارتقى.
ومن هذه الفرق فرقة يغالون في (التشيع) للإمام علي كرم الله وجهه، ويقابل هذه الفرقة فرقة يدينون بكراهة علي رضي الله عنه، وهم (الخوارج)، ونشأ هذا المذهب من جماعة كانوا مع علي في حرب صفين، ثم خرجوا عليه عقب قضية التحيكم.
ومن هذه الفرق فرقة يشَبِّهُون الله ـ وهو واجب الوجود ـ ببعض مخلوقاته، وهم (المشبهة)، وممن تعزى إليه هذه البدعة (الجعد بن درهم) مؤدب مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية.
ومن غلاة المشبهة (الكرَّامية) أتباع (محمد بن كَرَّام) وهو شيخ نشأ في سجستان، ثم دخل نيسابور، وباح بالتجسيم، فحبسه عبدالله بن طاهر، ثم أطلقه فتخلص إلى القدس الشريف، وهناك توفي سنة 256هـ.
ومن هذه الفرق فرقة (المعتزلة)، وزاد مذهبَ الاعتزال في القرن الثاني والثالث رواجا أن أهل السنة كانوا لا يعنون بمجادلتهم على طريقة نظرية يرخي فيها الخصم لخصمه العنان، ثم يدفع شبهه شبهة بعد أخرى، وينقض أدلته دليلا بعد دليل، وكان الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه يكره التصدي لمجادلة المبتدعين، وحكى عنه الغزالي في كتاب (المنقذ) أنه أنكر على الحارث المحاسبي تصنيفه في الرد على المعتزلة، فقال الحارث: الرد على المبتدعة فرض، فقال أحمد: نعم، ولكن حيث حكيت شبهتهم أولا، ثم أجبت عنها، فلا يؤمن أن يطالع الشبهة من تعلق بفهمه، ولا يلتفت إلى الجواب، أو ينظرإلى الجواب، ولا يفهم كنهه، قال الغزالي: وما ذكره أحمد حق، ولكن في شبهة لم تنتشر ولم تشتهر، أما إذا انتشرت فالجواب عنها واجب، ولا يمكن الجواب إلا بعد الحكاية.
كان أهل السنة من ناحية التفقه في الدين وتقرير أصول الأحكام يبسطون القول إلى أبعد غاية، أما موقفهم أمام الفرق التي تتكلم في العقائد وما يتصل بها، فيشبه موقف من يستخف بقوة خصمه، فلا يعد لهم ما استطاع من قوة، أو لا يُعمل في دفاعهم ما لديه من سلاح، حتى يجوسوا خلال أرضه، وينقصوها من أطرافها.
سادت في القرن الثالث الآراء المخالفة لمذهب السلف، حتى ظهر أبو الحسن الأشعري فأحسن التعبير عن مذهب أهل السنة، وانقلب علم الكلام إلى هيئة غير هيئته التي خلعها عليه المعتزلة والمرجئة والمشبهة والقدرية، والذي يستطيع أن يجاهد فيقلب أمما كثيرة من جهة إلى أخرى، جدير بأن يعد في أعاظم الرجال، فإذا عرضنا عليك صحيفة من حياة أبي الحسن الأشعري، فإنما نعرض عليك شيئا من سيرة رجل كان له في إصلاح النفوس وتقويم العقول جهاد أي جهاد.
[[ نَسَب أبي الحسن الأشعري ومولده ]] :
هو علي بن إسماعيل بن إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبدالله بن موسى بن بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأشعري نسبة إلى (أشعر) قبيلة باليمن، فنسبه عربي صريح، ومولده بالبصرة سنة ستين ومائتين.
[[ نشأته العلمية ]] :
نشأ الأشعري بالبصرة، وهي يومئذ زاهية بالعلوم الدينية والعربية وفن الكلام، فأخذ السنة عن: الحافظ زكريا بن يحيى الساجي، وأبي خليفة الجمحي، وسهل بن نوح، ومحمد بن يعقوب المقرئ، وعبدالرحمن بن خلف الضبي، وقد أكثر في تفسيره من الرواية عن هؤلاء، ثم رحل إلى بغداد، وأخذ عمن لقيه فيها من علماء الحديث، ودرس علم الكلام على مذهب المعتزلة، فكان يتلقى على طائفة من كبارهم مثل أبي علي الجبائي، والشحام، والعطوي، وكان متقدما في هذا العلم على أقرانه، وسنحدثك قريبا عن براءته من مذهب المعتزلة، ورجوعه إلى مذهب أهل السنة.
وكثير ممن عاصروه أو تلقوا عنه قد شهدوا له بغزارة العلم، وحسن التصرف فيما يعلم، وقال الأستاذ (أبو إسحق الإسفرائيني): كنت في جنب الشيخ (أبي الحسن الباهلي) كقطرة في جنب البحر، وسمعت الباهلي يقول: كنت في جنب الأشعري كقطرة في جنب البحر.
وهذه الشهادة وإن كانت صادرة عن تواضع من أبي الحسن الباهلي، لا تخلو من إيماء إلى عظم منـزلة أبي الحسن الأشعري في العلم.
[[ مذهبه في أصول الدين ]] :
كان أبو الحسن الأشعري في مبدأ أمره على مذهب الاعتزال، ولزم أبا علي الجبائي سنين كثيرة، ثم اهتدى إلى أن الحق في جانب أهل السنة، وأراد أن يكون رجوعه عن الاعتزال علانية، فأتى المسجد الجامع بالبصرة يوم الجمعة ورقي كرسيا، ونادى بأعلى صوته قائلا: من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا أعرفه بنفسي: أنا فلان بن فلان، كنت أقول بخلق القرآن، وأن الله لا تراه الأبصار ـ يعني في الدار الآخرة ـ وأن أفعال الشر أنا أفعلها، وأنا تائب مقلع معتقد للرد على المعتزلة.
والواقع أنه لم يأت بمذهب جديد، وإنما صار إلى مذهب السلف وما كان عليه الأئمة الراشدون، فقام بتأييده والنضال عنه، وإنما يُنسب إليه المتمسكون بمذهب أهل السنة لأنه زاد المذهب حججا، وألف فيه كتبا كثيرة، وقد صرح في كتاب (الإبانة) بأنه على طريق السلف فقال: ((وديانتنا التي بها ندين التمسك بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون، وبما كان عليه أحمد بن حنبل نضر الله وجهه ورفع درجته وأجزل مثوبته قائلون، ولمن خالف قوله مجانبون)).
وعوده إلى مذهب أهل السنة بعد الاعتزال شاهد ـ كما قال القاضي عياض في (المدارك) ـ على ثبات قدمه، وصحة يقينه في الالتزام بالسنة، إذ لم يلزمها لأنه نشأ عليها، ولا اعتقدها تقليدا.
[[ مذهبه في الأحكام العملية ]] :
تنازع بعض أصحاب المذاهب أبا الحسن الأشعري، كل ينسبه إلى مذهبه، والذي يظهر أن أبا الحسن الأشعري لم يؤلف كتابا في الأحكام يستفاد منه أنه مستقل النظر في الأحكام، أو أنه مقتد بأحد الأئمة.
[[ قوته على المناظرة ]] :
تمرن الأشعري على المناظرات منذ كان على مذهب الاعتزال، حتى إن أستاذه أبا علي الجبائي كان إذا حضرت مناظرة، قال له: نُبْ عني، وكان الجبائي صاحب قلم، ولم يكن قويا على المناظرة في المجالس.
وكان رحمه الله يقصد إلى مواطن المعتزلة ليناظرهم، فقيل له: كيف تخالط أهل البدع، وتقصدهم بنفسك، وقد أمرت بهجرهم؟ فقال: هم أولو رئاسة: منهم الوالي والقاضي، ولرئاستهم لا ينـزلون إليّ، فإذا كانوا هم لا ينـزلون إليّ، ولا أسير أنا إليهم، فكيف يظهر الحق، ويعلمون أن لأهل السنة ناصرا بالحجة! .
وكان لا يبتدئ مناظريه بالسؤال، بل يقف موقف المجيب المدافع، حضر الأستاذ أبو عبدالله بن خفيف مناظرة بين الأشعري وبعض مخالفيه، فقضى العجب من علمه وفصاحته، وقال له: لم لا تسأل أنت ابتداء؟ فقال الأشعري: أنا لا أكلم هؤلاء ابتداء، ولكن إذا خاضوا في ذكر ما لا يجوز في دين الله، رددنا عليهم بحكم ما فرض الله سبحانه وتعالى علينا من الرد على مخالفي الحق.
وجرت مناظرات بين أبي الحسن الأشعري والجبائي، منها مناظرة في قول الجبائي كسائر معتزلة البصرة: إنه يجب على الله تعالى مراعاة الأصلح بمعنى الأنفع للعبد، فسأل الأشعريُّ أبا علي الجبائي عن ثلاثة إخوة عاش أحدهم في الطاعة، وأحدهم في الكفر والمعصية، والآخر مات صغيرا، فقال له الجبائي: يثاب الأول ويعاقب الثاني، ولا يعاقب الثالث ولا يثاب، فقال الأشعري: إن قال الثالث: يارب هلا عمرتني، فأصلح، فأدخل الجنة كما دخلها أخي المؤمن! فأجاب الجبائي بأن الرب يقول: كنت أعلم أنك لو عشت لفسقت فدخلت النار، ثم قال الأشعري: فإن قال الثاني: يارب لِمَ لَمْ تُمِتني صغيرا حتى لا أعصي فلا أدخل النار كما أمَتَّ الثالث! فانقطع الجبائي.
[[ أخلاقه وتقواه ]] :
كان في أبي الحسن دعابة، وكان له مع هذه الدعابة غيرة على الحق حامية، وتلك الغيرة هي التي تدفعه إلى مقارعة مخالفيه غير مبال بما كان لهم من جاه أو رئاسة، قال أحد أصحابه: ((إنه كان حضر معه مجلسا في جماعة من المبتدعة، فقام فيه لله مقاما حسنا، وكسر حجتهم، فلما خرج قلت له: جزاك الله خيرا، قال: وما ذاك؟ قلت: لمقامك هذا لله تعالى ونصر دينه، فقال: يا أخي إنا ابتلينا بأمراء سوء أظهروا بدع المخالفين، ونصروها، فوجب علينا القيام لله، والذب عن دينه حسب الطاقة، فمسألة من معرفة ربك، وما تطيعه به وتتقرب به إليه أجدى عليك من هذا)).

وهذه القصة تدلك على أنه كان يؤثر الحق على رضى الأمراء، وأنه كان من التواضع بحال من يذكر أن الازدياد من معرفة الله والإقبال على فعل الطاعات يفضل ما كان يشتغل به من مقارعة الابتداع على طريقة علم الكلام.
وفي أبي الحسن خصلة يعِزُّ في أهل العلم وجودها، وهي الرجوع عن الرأي عندما يستبين الحق، وشاهد هذا أنه نفض يده من مذهب الاعتزال علانية عندما استبان أن الحق في جانب أهل السنة، وكان قد صنف في أيام اعتزاله كتابا كبيرا نصر فيه مذهب الاعتزال، وقد يقول في بعض مؤلفاته: ألفنا كتابا في مسألة كذا، رجعنا عنه، ونقضناه، فمن وقع إليه فلا يُعَوِّلَن عليه.
وكان رحمه الله متجملا بالحياء والورع، قال أحمد بن علي الفقيه: خدمت الإمام أبا الحسن بالبصرة سنتين، وعاشرته ببغداد إلى أن توفي، فلم أجد أورع منه، ولا أغض طرفا، ولم أر أحدا أكثر حياء منه في أمور الدنيا، ولا أنشط منه في أمور الآخرة.
وكان ينفق من غلة ضيعة وقفها جده بلال بن أبي بردة.
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس