رد: السادة آل باعلوي الحضارمة حماةُ العقيدة، وخُدّام الكتاب والسنة، وفرسَانُ دعوة الإسلام
تحذير فقهاء آل باعلوي وعلمائهم
من بدع الرافضة كاللطم وغيره من الطقوس المحرمة
مما لخصه العلامة السيد الفقيه عبدالرحمن بن محمد المشهر باعلوي (ت 1320هـ) من فتاوى مفتي حضرموت في عصره السيد العلامة الفقيه عبدالله بن عمر بن يحيى باعلوي (ت 1265هـ) هذه المسألة المهمة، وهي:
«مسألة (ي): العمل بيا حسين في جهة الهند وجاوة، المفعول يوم عاشوراء أو قبله أو بعده، بدعةٌ مذمومةٌ شديدة التحريم. وفاعلوه فسَّاقٌ وضُلاّل، متشبهون بالرافضة والناصبة. إذ الفاعلون لذلك قسمان:
[1] قسمٌ ينوحون ويندبون، ويظهرون الحزنَ والجزعَ، بتغيير لباسٍ، أو ترك لبس معتاد ، فهُم عصاةٌ بذلكَ، لحرمة هذه الأشياء. بل بعضُها من الكبائر، وفاعلها فاسق. وورد: «إن الميت ليعذب ببكاء أهله»، وأنه يتأذى من ذلك. فانظر لهؤلاء الجهال الحمقى، يريدون تعظيم الحسين، سبط رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بما يتأذى به، ويكون خصمهم به عند الله تعالى. بل الذي ينبغي لمن ذكر مصابَ الحسين، رضي الله عنه، ذلك اليوم، أن يشتغل بالاسترجاع، امتثالاً للأمر، وإحرازاً للأجر، وما أصيب به السبطُ يوم عاشوراءَ إنما هو الشهادةُ، الدالة على مزيد حظوته ورفعة درجته عند ربه.
[2] وقسمٌ يلعبون ويفرحونَ، ويتخذونه عيداً، وقصدُهم إظهار الفرح والسرور بمقتلِ الحسين، فهم بذلك أشدّ عصياناً وإثماً. بل فعلهم هذا من أكبر الكبائر بعدَ الشركِ، إذ قتلُ النفس أكبرُ الكبائر بعد الشرك، فكيف بقتل سيد المؤمنين ريحانة سيد الكونين! والفرحُ بالمعصية وإظهار السرور بها شديدُ التحريم، ومرتبته كالمعصية في الإثم. بل جاء عن الإمام أحمد أنه كفر. وقد اتفق أهلُ السنة: أن بُغضَ الحسين، والفرحَ بمصابه كبيرةٌ، يخشى منها سوءُ الخاتمة. ولأن الفرحَ بذلك يؤذي جدّه عليه الصلاة والسلام وعلياً والحسنين والزهراء رضوان الله عليهم ، وقد قال تعالى : }إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله{ الآية». إلى أن قال: «.. فعُلمَ: أن إنفاقَ المالِ على العاملينَ لهذه المخازي شديدُ التحريمِ، وأخذَه: من أكلِ أموال الناسِ بالباطل»(38).
موقفهم من أتباع المذهب الزيدي في الاعتقاد
تقدم نقل فتوى للإمام الحداد في جواب سؤال رفعه إليه أحد الزيدية، في الكلام عمن قاتلهم الخليفة الراشد سيدنا علي رضي الله عنه. وأيضاً، فللإمام الحداد جهد في دفع بعض العقائد التي يقول بها الزيدية، موافقين فيها للمعتزلة، كالقول بخلق الأفعال، وهي مسألة شهيرة(39).
كما أنه رحمه الله لما جمع «راتبه الشهير» الذي يقرأ بين العشاءين في كثير من المساجد بحضرموت، جعل من جملة أذكاره عبارة: «بسم الله والحمدلله، والخير والشر بمشيئة الله». قال حفيده العلامة السيد علوي بن أحمد الحداد (ت 1232هـ) في «شرح الراتب»: «وذكر سيدنا أن الخير والشر بمشيئة الله، لأن المبتدعة، وكافة الزيدية، يقولون بقول القدرية. ولما خرجوا، قال سيدنا، لما سأله أحمد بن محمد الغشم الزيدي، عما حاصله، فأجاب رضي الله عنه، ونفع به الإسلام والمسلمين: اعلم وفقك الله تعالى، أن مذهبنا والذي نعتقده وندين الله به، أن لا يكون كائن من خير وشر، ونفع وضر، إلا بقضاء الله تعالى وبقدره، وإرادته ومشيئته»، الى أن قال: «فمذهبنا برزخ بين مذهبين: أحدهما مذهب الجبرية، القائلين بأن العباد مجبورون على ما يأتون ويذرون. .... والثاني: مذهب المعتزلة، القائلين بأن أفعال العباد الاختيارية خلقت لهم، وأنهم إن شاءوا فعلوا، وإن شاءوا تركوا»(40).
ومن جملة الردود على الزيدية، ما ورد في «مجموع الأعمال الكاملة لمؤلفات العلامة السيد عبدالرحمن بن عبدالله بلفقيه باعلوي» (ت 1163هـ)، من جواب مطولٍ على سؤال قدمه له عالم يدعى عبدالحق الزيدي، مؤرخ في 5 جمادى الأولى سنة 1136هـ، والعالم الزيدي المشار إليه، ذكره في خاتمة جواب آخر له، على السؤال رفع إليه عن المهدي المنتظر، وكان رد بلفقيه عليه نظماً في أرجوزة سماها: «كشف الغطا عن اعتقاد آل بيت المصطفى».
ومن شعر العلامة بلفقيه في جوابه المسدّد، قوله(41):
علومُ الدّينِ فينا واضِحاتٌ
وأعلامُ الهدى فينَا مقيمَةْ
وما نخشَى ضلالاً بعد نُورٍ
تغشّانا وآيَاتٍ عظيمَةْ
فمن يشْهدْ فإنّ الحقَّ أجلَى
ومن يجحَد فذو عَينٍ سقيمَةْ
لفت نظر:
هناك أمور يصعب في أيامنا هذه كتمانها، أو الابتعاد عنها، من الدخول في حوارات مع المخالفين، وهذه أمورٌ لها حسنات وسيئات، فمن حسناتها أن يطلع ويقف الإنسان على الحقائق مجردةً عن أهواء الناقلين، ومن سيئاتها أن بعض قليلي العلم والتحصيل يتلقفون الشبهات التي لا يستطيعون ردها فيقعون في الشكوك. وقد تنبه الإمام عبدالله بن علوي الحداد لهذه الحيثية، فقال في رسالة منه لبعض مريديه وتلاميذه، الذي كتب إليه يسأله عن قيمة كتاب «الفصول المهمة» للصباغ المالكي، فأجابه بجواب في غاية الروعة والدقة والفهم: «.. فهو كتاب مليح، وليس في مطالعته محذور، ونحن قد حصلناه وطالعناه، ومصنفه من أهل السنة والجماعة، وتخصيصهم بذكر مناقبهم لا يدل على شيء، فقد ذكر الشيخ ابن حجر مناقبهم والثناء عليهم في «الصواعق». وذكر مذهب الغير لا يلزم منه الأخذ به. فشأن المصنفين والعلماء نقل المذاهب، ونقل أقوال الموافقين والمخالفين. والمذكورون في الكتاب من أكابر السلف الصالحين، ومن أئمة الدين. وإنما المحذور حصر الإمامة الظاهرة، كما تقول به الفرقة المخالفة، وفقنا الله وإياكم، وجعلنا من الذين هداهم الله لما اختلف فيه من الحق بإذنه»(42).
كما نلفت النظر الى أمر مبحث مهم أورده العلامة المفتي السيد علوي بن طاهر الحداد باعلوي (ت 1382هـ) في كتابه النافع المفيد «عقود الألماس»، في ذكر معتقد السادة آل باعلوي، وتنبيهه على وقوع الزلل من بعض معاصريه من السادة بالتجرؤ على اقتحام أمر خطير، وهو المنافحة عن الإمامية، والرد على أهل السنة الأشاعرة، الى غير ذلك مما أطالَ به. فهو ببيانه ذلك أقام الحجة على أن آل باعلوي لا يسكتون في كل عصرٍ على من شذَّ منهم برأي، أو تفرّد بخلافِ ما عليه جمهورُ المسلمين، من السلف عموماً، ومن سلفهم من آل باعلوي خصوصاً، ولاشكّ أن الحكم والاعتبار للسواد الأعظم.
ما أشبه الليلة بالبارحة:
إن الهجمة التي يتبناها بعض المغرضين في هذه الأيام، قاصدين منها تشويه هذه الأسرة الكريمة، والبيت الشريف المحتد، ليست بالجديدة ولا بالغريبة عن واقع المسلمين المتداعي المريض. فقبل قرن من الزمان، وفي النصف الأول من القرن الرابع عشر، ثارت زوابع وعواصف لا أخلاقية، رصدتها ذاكرة التاريخ، ودونتها في سجلاتها المتراكمة. نكتفي من الأمثلة المرصودة، بمثالٍ ونموذجٍ واحد، يكشف لنا عما جرى في زمَنٍ متقدم.
كتبَ الأستاذ الصحفي المخضرم، السيد أحمد بن عمر بافقيه باعلوي (ت 1426هـ) في صحيفته الشهيرة «صحيفة العرب» التي كان يصدرها في سنغافورا، مقالاً عنوانه «الحدُّ القاطعُ لاتهام العلويين بالرفض»، نشر في الصفحة الأولى من تلك الصحيفة بتاريخ يوم الجمعة 3 ذي القعدة سنة 1350هـ/ 1930م. جاء فيه قوله: «يتشدَّقُ بعضُ ذوي الأغراضِ باتهامِ العلويينَ بالرفضِ، وهم أبعَدُ الناسِ عنه، بمعناه المعروف عند أهلِ السنة والجماعة من كل جماعةٍ أخرَى في المسلمين، ليسوا أبعدَ عن الرفضِ فحسب، بل أبعدُ عن كلِّ تشيعٍ لا يتفقُ مع مذاهبِ أهلِ السنة، لأنهم من أشدِّ الناس تمسّكا بطريقةِ الرسولِ r وخلفائه الراشدين من بعده وسلفِ الأمة. وإذ لا يجدُ هؤلاء المغرضونَ ما يدعمون به اتهامهم الباطل، يقولون : إنّ العلويينَ يتستّرون عن الظهور أمام الناس بالرفض!!.
وقد اصطلحَ الناسُ على تسمية أنصارِ أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أولاد علي بن أبي طالبٍ t شيعةً، والشيعةُ فرقٌ، أقربهم إلى الصواب الزيديةُ، وليسَ بينهم وبين أهل السنة كبيرُ خلافٍ في المعتقدات كما ذكر المحققون. والعلويون ليسُوا حتّى من هذه الفرقة، كما هو الثابتُ من أعمالهم وكتبهم وسيرةِ سلفهم، بل هم كما قلنا : من أشدِّ الناسِ تمسكا بمذهب أهل السنة، ولو كانَ هناك شيء مما يرميهم به المغرضُون لجاهروا به ودعوا الناس إليه، لأنّ من يعتقدُ شيئا -خصوصاً فيما له اتصال بالدين- يعملُ على بيانه ونشره، ما دام لا يضطره على كتمانه أمرٌ قاهر. والعلويون أحرارٌ في إبداء آرائهم، سواءً كانوا في هذه البلاد أو في غيرها، فلمَ لا يعلنون الرفض إن كانوا يرونه ؟ ويدعون إليا نهارا جهارا ؟ فهل هناك قوةٌ قاهرةٌ تمنعهم ؟ أم هم كغيرهم أحرارٌ ، وغايةُ ما في تظاهرِهم به : أن يكون موقفُهم من بقية المسلمين موقفَ شيعةِ اليمنِ والعراق. والغريبُ أنه بالرّغم من أنه لم يبدُ من العلويينَ إلا ما يدلُّ على شدة تمسّكهم بمذهب جمهورِ أهل السنة، لا يتهّمهم المغرضونَ بما يشبه تشيّعَ الزيديةِ فحسبُ، بل بـ«الرفضِ» الذي هو الغلوُّ في التشيع.
- للعلويين مؤلفاتٌ تعدُّ بالألوف، فهل حوتْ شيئا مما يتهمهم به أعداؤهم؟
- للعلويينَ من المساجدِ ما ربما يبلُغ الألفَ، فهل ظهر في واحدٍ منها شيء مما يتهمهم به ذوو الأغراض؟ أم أنهم في جميع مساجدهم بلا استثناءٍ يترضَّونَ عن الخلفاء الراشدين في خطب الجمعة، على الترتيب المعروف في مساجد جمهور أهل السنة، فيترضَّون عن أبي بكر فعمر فعثمان فعلي رضي الله عنهم.
وإذا قلنا (العلويون)، فإنما نعني طبعا الأغلبية الساحقة منهم، أما أن يرَى فردٌ أو أفرادٌ قليلونَ غيرَ ما تراه أكثريتهم المطلقة، فلا ينهض دليلا ينفي ما عُرفَ عنهم من حرصهم على التمسك بمذهب أهل السنة والجماعة، بل إن كونَ هذه الأقليةِ لا تتجاوز أصابع اليدينِ مما يؤيدُ أن العلويينَ من أبعدِ الناسِ تأثراً بالتشيع، معَ أنهم من أهل البيت، وأولى به وبالغلوِّ في محبة الامام علي كرم الله وجهه، غير أنهم لا يرَون ذلك. وإن زعمَ المغرضونَ أن هذه الأقليةَ أكثرُ من عددِ أصابع اليدين، لا يستطيع أحدٌ مطلقا أن يزعمَ أنها تبلغُ ولو عشرَ العشرِ من العلويين، على أنّ هذه الأقلية لم تذهبْ في تشيعها إلى أكثرَ مما ذهبت إليه الزيدية»(43).
موقف علماء آل باعلوي
من مكائد أعداء الإسلام وشبهات المنصرين
ومن الفرق الضالة التي ظهرت في العصر الحديث
كفرقة القاديانية
لم يكن علماء آل باعلوي، وهم يشكلون أجزاء كبيرة من النسيج الاجتماعي في عموم العالم الإسلامي، إلا أن يهتموا بكافة الشئون التي تجري على إخوانهم المسلمين، وأن يشاركوهم في التصدي لمكائد أعداء الإسلام، فقاوموا التنصير، واتخذوا كافة السبل لحفظ المجتمعات الإسلامية في المناطق النائية من ذلك الشر العظيم، فشادوا المساجد والجوامع، وأسسوا المدارس، وانتشروا في الأدغال، واخترقوا الصحارى، وصعدوا الجبال، وهبطوا الوديان، كل ذلك في سبيل إعلاء شأن كلمة التوحيد.
كما وقف علماء آل باعلوي أمامَ مدّ الفرق الهدامة، وصدعوا بالحق في وجه دعاتها، وأعلنوا النكير عليها. كتلك الفرقة الضالة المضلة، المعروفة بالقاديانية، التي ظهرت في الهند، وانتشرت في عدد من البلدان الإسلامية شرقاً وغرباً. وامتدت نيرانها المحرقة الى أرخبيل الملايو، وإلى شرق أفريقيا.
فكان من المتصدين لها في بلاد الملايو، فضيلة مفتي جوهور، السيد العلامة علوي بن طاهر الحداد باعلوي (ت 1382هـ)، فكتب مقالات عديدة في الصحف العربية والملايوية، في التحذير من تلك الفرقة، الخارجة عن الإسلام، وأوضح بطلان ما هي عليه في الاعتقاد، وحذر من ضلالاتها، وقد جمعت تلك المقالات في أربعة كتيبات لطيفة الحجم، طبعت باللغة الملايوية في ولاية جوهور، بدولة ماليزيا، بعنوان «أنوار القرآن الماحية لظلمات متنبي قاديان»، طبعت سنة 1376هـ/ 1956م.
وتقديراً لجهود العلامة مفتي جوهور في الدفاع عن حياض الإسلام، كتب الأستاذ محمد جسمي بن عبد الرحمن، أطروحته للماجستير، باللغة الملايوية الحديثة، في قسم التاريخ بكلية العلوم الاجتماعية والبشرية، بالجامعة الوطنية بماليزيا، سنة 1992-1993م، وكانت بعنوان «السيد علوي بن طاهر الحداد : خدمته، وجهده ودوره في هدم الفرق الضالة بجوهور 1934-1961»، تقع هذه الأطروحة في حوالي 180 صفحة، وقد قام بترجمتها الى العربية أخينا السيد الفاضل توفيق جمل الليل، من أهل برليس، وقمت بإعادة صياغتها وتصحيح عباراتها، تمهيداً لنشرها خدمة لتراث المفتي الحداد، الغني الثري.
وامتداداً لذلك الجهد الذي قام به مفتي جوهور في شرق آسيا، فإن تلميذه الأنجب الأعلم، الداعية الجليل، السيد أحمد مشهور الحداد باعلوي، (ت 1416هـ)، دفين المعلاة بمكة المكرمة، قام بنحو ما قام به شيخه، في موطن إقامته في شرق أفريقيا، حيث قام ضد انتشار أفكار القاديانية في تلك الأصقاع، وعمل على توعية المسلمين بذلك الخطر الداهم.
وهل نسي التاريخ والعالم جهود آل باعلوي في حمل راية هذا الدين العظيم، وإعلاء شأنها في المشارق والمغارب. وهل نسيت بلاد جاوة جهاد العلامة السيد عمر الزاهر باعلوي الذي حارب الهولنديين ودوخهم في آشي، حتى ظفروا به فنفوه إلى سري لانكا ومنها إلى مكة المكرمة حيث توفي سنة 1305هـ.
وهل سينسى مسلمو كيرلا، جنوب الهند، جهاد السيد العلامة علوي بن محمد مولى الدويلة (ت 1263هـ) دفين ممبُرَم (منفُرَم)(44)، وابنه السيد الأمير فضل باشا (ت 1318هـ)(45)، اللذان جاهدَا الإنجليز ودوخوهم، حتى قاموا بنفي السيد فضل إلى مكة وبعدها قربه السلطان عبدالحميد العثماني (ت 1336هـ) وخلع عليه النياشين، وتولى إمارة ظفار العمانية مدة من الزمن، ثم عاد إلى اسطنبول وتوفي بها، ينظر عن جهادهم كتاب راقم هذا البحث، وهو بعنوان «إسهامات علماء حضرموت في نشر الإسلام وعلومه في الهند».
آل باعلوي في صدور مجالس العلم
وحلقات التعليم
العلم والدعوة، أمران متلازمان في حياة علماء ودعاة السادة آل باعلوي، كيف لا! والعلم أول الأصول الخمسة التي تقوم عليها طريقتهم، والتي سار عليها رجالاتهم جيلا بعد جيل، وهي: (العلم، والعمل، والخوف، والزهد، والورع).
فهل يا ترى! نسي الحرمان الشريفان، وأرضُ الحجاز وساكنوها، أولئك الرجال الأفذاذ من علماء السادة آل باعلوي، الذين ازدانت بهم حلقات العلم في الحرمين الشريفين، منذ القرن التاسع الهجري إلى وقت الناس هذا! من ذا الذي يستطيع إنكار شيء من ذلك! وهذه المصادر والمراجع المكية والمدنية، كلها طافحة بأخبارهم وسيرهم وتراجمهم. سنكتفي هنا بذكر أعلام العلماء من آل باعلوي، الذين تصدروا للتدريس في الحرم المكي الشريف، أو في مكة المكرمة عموماً، مكتفين بهم كنماذج يتشرف بحثنا الوجيز هذا بذكرهم.
فمن أهل القرن العاشر الهجري:
1.محمد بن أحمد الخون باعلوي (ت 929هـ).
2.حسين بن محمد شنبل باعلوي (ت 932هـ).
3.محمد بن أبي بكر باعلوي (ت 937هـ).
4.إبراهيم بن علي خرد باعلوي (ت 938هـ).
5.شيخ بن حسن مولى الدويلة باعلوي (950هـ).
6.عبدالله بن محمد مولى الشبيكة باعلوي (ت 974هـ).
7.شيخ بن عمر السقاف باعلوي (ت 979هـ).
في القرن الحادي عشر الهجري:
8.علي بن عبدالله ابن صاحب الشبيكة باعلوي (ت 1021هـ).
9.هاشم بن أحمد الحبشي باعلوي (ت 1043هـ).
10.أحمد بن شيخان باعبود باعلوي (ت 1044هـ).
11.أحمد الهادي بن محمد شهاب الدين باعلوي (ت 1045هـ).
12.سالم بن أحمد شيخان باعبود باعلوي (ت 1046هـ).
13.علي بن عقيل السقاف باعلوي (ت 1048هـ).
14.عبدالله بن علي العيدروس باعلوي (ت 1050هـ).
15.محمد الغزالي بن عمر الحبشي باعلوي (ت 1052هـ).
16.علوي بن حسين العيدروس باعلوي (ت 1055هـ).
17.محمد بن أبي بكر السقاف باعلوي (ت 1062هـ).
18.محمد بن علي بن عبدالله صاحب الشبيكة باعلوي (ت 1066هـ).
19.أبوبكر بن حسين العيدروس باعلوي (ت 1068هـ).
20.علي بن حسين بن عمر باعلوي (ت 1069هـ).
21.محمد بن علوي السقاف باعلوي (ت 1071هـ).
22.أبوبكر بن محمد السقاف باعلوي (ت 1074هـ).
23.أبوبكر بن سالم بن شيخان باعبود باعلوي (ت 1085هـ).
24.علي بن أبي بكر بن سالم مولى الدويلة باعلوي (ت 1086هـ).
25.محمد بن سهل الحديلي باعلوي (ت 1088هـ).
26.أحمد بن أبي بكر بن شيخان باعبود باعلوي (ت 1091هـ).
27.محمد بن أبي بكر الشلي باعلوي (ت 1093هـ).
في القرن الثاني عشر الهجري:
28.عبدالله بن عبدالرحمن كريشة السقاف باعلوي (ت 1104هـ).
29.محمد بن عمر بن شيخان باعبود باعلوي (ت 1122هـ).
30.سالم بن عبدالله السقاف باعلوي (ت 1123هـ).
31.عبدالله بن علي باحسين السقاف باعلوي (ت 1124هـ).
32.علوي بن عبدالله بن علوي الحداد باعلوي (ت 1155هـ).
33.عبدالله بن جعفر مدهر باعلوي (ت 1160هـ).
34.عمر بن أحمد بن عقيل السقاف باعلوي (ت 1171هـ).
35.جعفر بن محمد البيتي باعلوي (ت 1182هـ).
في القرن الثالث عشر الهجري:
36.أحمد بن أبي بكر بن عقيل السقاف باعلوي (ت 1240هـ).
37.عقيل بن عمر بن يحيى باعلوي (ت 1247هـ). وشهرته بالسقاف، وأحفاده يعرفون ببيت عقيل، ومنهم شيخ السادة الشهيد السيد إسحاق.
38.علي بن محمد البيتي باعلوي (ت 1250 تقريباً).
39.حسين بن عبدالرحمن الجفري باعلوي (ت 1258هـ).
40.محمد بن محسن العطاس باعلوي (ت 1260هـ).
41.محمد بن محمد السقاف باعلوي (ت 1283هـ).
42.محمد بن حسين الحبشي باعلوي (ت 1281هـ).
43.عمر بن عقيل بن يحيى باعلوي (ت 1291هـ).
44.محمد بن إسحاق بن عقيل بن يحيى باعلوي (ت 1293هـ).
في القرن الرابع عشر الهجري:
45.حسين بن صالح جمل الليل باعلوي (ت 1305هـ).
46.عمر بن عبدالله السقاف باعلوي (ت 1305هـ)، شيخ السادة.
47.محضار بن عبدالله السقاف باعلوي (ت 1311هـ).
48.سالم بن أحمد العطاس باعلوي (ت 1316هـ).
49.حسين بن محمد الحبشي باعلوي (ت 1330هـ)، مفتي الشافعية.
50.عبدالله بن عمر باروم باعلوي (ت 1335هـ)، سبط آل الطبري.
51.علوي بن أحمد السقاف باعلوي (ت 1335هـ)، شيخ السادة.
52.عبدالله بن أحمد الغمري باعبود باعلوي (ت 1339هـ).
53.أحمد بن عبدالله بافقيه باعلوي (ت حوالي 1340هـ).
54.علوي بن صالح عقيل بن يحيى باعلوي (ت حوالي 1340هـ).
55.محمد بن عبدالله السقاف باعلوي (ت 1332هـ).
56.عيدروس بن سالم البار باعلوي (ت 1367هـ).
57.أبوبكر بن أحمد الحبشي باعلوي (ت 1374هـ).
58.أبوبكر بن سالم البار باعلوي (ت 1384هـ).
ومن أراد تراجم المذكورين، والتعرف على أحوالهم، فعليه بكتاب «نشر النور والزهر» للعلامة القاضي عبدالله أبوالخير مرداد (ت 1343هـ) و«مختصره» المطبوع. وكتاب «نظم الدرر» للشيخ المؤرخ عبدالله غازي المكي (ت 1364)، وأصول هذين الكتابين، من مؤلفات آل باعلوي ككتاب «المشرع الروي»، وكتاب «عقد اليواقيت الجوهرية»، وغيرها.
وممن عرف بالعلم وتصدى لتدريس العلوم، بمكة المكرمة، بعد من تقدم:
59.محمد الهادي العطاس باعلوي.
60.سالم بن طالب العطاس باعلوي.
61.حامد بن علوي الكاف باعلوي.
62.نبيل بن هاشم بن عبدالله الغمري باعبود باعلوي.
السادة آل باعلوي
في ميدان الدعوة الى الله في الوطن والمهجر
عرف عن السادة آل باعلوي بالدعوة الى الله تعالى، بالحكمة والموعظة الحسنة، وما ذاع صيتهم إلا بدعوتهم الناس الى ربهم، فكانوا يجوبون السهول والقفار في سبيل الله، وهل وجودهم وانتشارهم، وبقاء ذراريهم الى اليوم في القرى النائية إلا أكبر دليل على ذلك. ألم يكن لهم في سكنى الحواضر الكبرى في أوطانهم، كتريم ونحوها، غنية عن الرحلة والجولان في الأصقاع المتباعدة!. فلله درهم من رجال أخلصوا لله، فأنالهم المحبة في قلوب صالحي عباده، ونشر ذكرهم وصيتهم الحسن في الآفاق.
إن دعوة السادة آل باعلوي في أرض الوطن، في بلاد حضرموت، قراها ووديانها، ساحلها وداخلها، أمر من الشهرة والذيوع بمكان، لقد حفروا أسماءهم في التاريخ، بل أصبحوا هم التاريخ. وهل التاريخ إلا رجال وأحداث، فهم الرجال، وهم صانعوا تلك الأحداث. ونظرة عجلى على تواريخ حضرموت، المتقدمة والمتأخرة، المخطوط منها والمطبوع، ترجع الناظر منبهراً مندهشاً من عظمة الرجال الأوائل، الذين كانت هممهم أقوى وأصلب من الجبال الرواسي. ودونك أيها القارئ كتاب «الشامل في تاريخ حضرموت» تأليف السيد العلامة علوي بن طاهر الحداد باعلوي (ت 1382هـ) وليد قيدون ودفين جوهور بماليزيا. وكتاب «إدام القوت» للسيد العلامة عبدالرحمن بن عبيدالله السقاف باعلوي (ت 1375هـ) وليد سيون ودفينها.
وإن أردت من مؤلفات غير آل باعلوي، فدونك مؤلفات العلماء من آل باقشير، وآل بافضل، وآل باعباد، وآل باجمال، وآل العمودي، وآل باوزير، وآل باشعيب، وآل باصهي، وآل مزروع، وغيرهم، ممن كتبوا في التراجم وألفوا فيها المؤلفات، ترى أنه لا تخلو ترجمة من التراجم، ولا حقبة من أحقاب التاريخ في حضرموت، إلا وآل باعلوي حاضرون فيها، إما شيوخا أو تلاميذ أو دعاة أو ناصحين مرشدين. فماذا بقي لنا أن نقول بعد هذا!.
اهتمام آل باعلوي بتأسيس الأربطة والمدارس: العلم ثم العلم ثم العلم، هذا هو شعار أكابر السادات من آل باعلوي، لا تفتح ترجمة لأحدهم إلا وتجده موصوفاً بأنه حليف المصحف والكتاب، والعلم والمحراب. ألم يقل أمير البيان شكيب أرسلان إنه لشدة إعجابه بتراجم آل باعلوي اعتزم تأليف كتاب يسميه «الحجر الكريم فيمن ولد بتريم وحفظ القرآن العظيم»، وليته فعل، على أن ما يوجد من الإرث العلمي لسادتنا الأكارم يغني عما سواه.
افتتح آل باعلوي الأربطة، في تريم، وفي بقية البلدان، وشاركهم بطبيعة الحال غيرهم من العلماء الحضارمة، ولكننا آثرنا التركيز على جهود آل باعلوي، لما يقتضيه المقال والحال. ففي شبام أسس العلامة الجليل السيد أحمد بن عمر بن سميط باعلوي (ت 1257هـ) مسجد ومدرسة حارة الفتح والإمداد سنة 1220هـ تقريباً. وفي سيون أنشأ العلامة السيد علي بن محمد الحبشي باعلوي (ت 1333هـ) رباط العلم الشهير بها سنة 1296هـ. وفي تريم تأسس رباطها الشهير سنة 1304هـ على أيدي نخبة من أهالي ووجهاء تريم وأعيانها، من آل عرفان بارجا وآل الحداد وآل الجنيد وآل الشاطري، وغيرهم.
وتفرع عن رباط تريم أربطة كثيرة، أسسها خريجو ذلك الرباط العظيم، أزهر حضرموت بحق. منها رباط عينات، أسسه السيد العلامة الحسن بن إسماعيل الحامد باعلوي (ت 1367هـ)، ورباط البيضاء أسسه السيد العلامة محمد بن عبدالله الهدار باعلوي (ت 1418هـ)، وأربطة أخرى لسنا بصدد استقصائها هنا.
وهناك من المدارس الحديثة، كانت مدرسة جمعية الحق بتريم تأسست سنة 1310هـ على يد السادة آل الكاف باعلوي، تلتها مدرسة جمعية نشر الفضائل أسسها السيد العلامة أحمد بن عمر الشاطري باعلوي (ت 1360هـ)، فمدرسة جمعية الأخوة والمعاونة أسسها السيد العلامة محمد بن أحمد الشاطري باعلوي (ت 1422هـ). وفي سيون مدرسة النهضة، واحة العلوم والمعارف، أسسها السادة الأشراف من آل السقاف، وتجد في «ديوان أزهار الربا» لأديب حضرموت وشاعرها الأشهر علي أحمد باكثير، أشعار كثيرة في ذكر النهضة ومؤسسيها ومدرسيها. كل تلك المدارس لها تاريخٌ زكي، عنبريٌ ذكي، ليت الشبان يتجهون لتدوينه وخدمته وإشاعته، وقد فعل بعضٌ شيئاً من ذلك.
اهتمامهم بدعوة القبائل: هناك فرية افتراها بعض المثقفين، وأشاعها في مؤلفٍ له، نشر في وقت قريب، تقول: إن السادة آل باعلوي يكتمون العلم عمن سواهم، وأنهم كانوا يحتكرون الثقافة، وكانوا يعملون على تجهيل القبائل وحملة السلاح. ولعمر الحق، إنها لفريةٌ عظيمة، وكذبةٌ في حق الإسلام وحق الدعاة الصالحين من آل باعلوي جسيمة، والعجب أن قائلها تربى في عش آل باعلوي، ودرج في أكنافهم. أأشياخك وأساتذتك من آل باعلوي يحتكرون العلم!! حاشَ لله، ما علمَتْ أمةُ الإسلام دعاةً وعلماءَ بذلوا العمْر، والنفس والنفيسَ، في خدمة العلم والدين ونشره لوجه الله، وفي سبيله، بالجمة والموعظة الحسنة، أفضلَ وأكرَمَ من أولئك الدعاة الأكرمين، الطاهرين.
ومن الكذبات الكبرى، التي زعمها ذلك المثقف: أن إمام الدعاة في عصره، السيد العلامة أحمد بن عمر بن سميط باعلوي ينهى عن تعليم أبناء القبائل القراءة والكتابة، من باب (ترسيخ المجتمع الطبقي الذي أوجده الدور الصوفي في حضرموت)!. فلننظر الى «مجموع كلامه ومواعظه»، لنجد فيه أبلغ الرد على هذا الكذب الصريح الذي فاه به ذلك الكاتب.
يقول الإمام ابن سميط: «ما بقي معَنا حيلةٌ إلا دعوة الصغار من عيال القبائل وغيرهم، لأنه إذا انتفع الصغير، سرى ذلك إلى الكبير بميل الطبع، لأن الوازع الديني يغني عن الوازع الشرعي»(46). وقال مخاطباً أحد تلامذته عندما همَّ بالانصراف من مجلسه ليجمعَ القبائل لتذكيرهم، بسببِ عُدوانٍ وقتلٍ وقع من بعضهم منهم على أحد المساكين، فقال له: « ... ولعل يقع تذكيرٌ في تعليمِ أولادهم: الأولاد والبنات، لأنهم قابلين، كما في الحديث: «كل مولود يولد على الفطرة»، يرجع الصغير يرد الكبير»(47)، انتهى. فهل بعد هذا الكلام الواضح المشرق كالشمس في رابعة النهار كلام، وهل بعد الحق إلا الضلال! هذا العلم الشامخ أحمد بن عمر ابن سميط الذي هدى الله به أمة، وأحيى به أجيالاً ومجتمعات، يقال في حقه: أنه يمنع من تعليم أبناء القبائل لترسيخ الفكر الصوفي!! وأقول: سبحانك هذا بهتان عظيم.
هذا، ويضاف إلى ما سبق، التنويه إلى ما للعلامة السيد عبدالله بن حسين بن طاهر باعلوي (ت 1272هـ) من رسائلَ خصصها للقبائل وحملة السلاح، منها «العهد المعهود في نصيحة الجنود» وهي (الرسالة الخامسة) من «مجموع الرسائل»، ومنها: «نصيحته للقبائل»، وهي (الرسالة التاسعة عشر) من «مجموع رسائله». ذلك «المجموع» النافع المبارك، الذي طبع مراراً وتكراراً، وكانت طبعته الأولى في القاهرة سنة 1306هـ/ 1888م، وهو مجموع يشتمل على اثنين وعشرين (22) رسالةً، كلها تنضح بالعلم والفقه والدعوة الى الله(48).
قال في «العهد المعهود»: «هذه التذكرة الباعث لها تذكير الجند بالخصوص، والنصيحة لهم، لأني رأيت في هذا الزمان من الجنود ما لا يسع مؤمناً السكوت عليه، من التعدي، والظلم، والعدوان، والنهب، والسرقة، وغيرها من المظالم المآلية والحالية، لكل من لا ناصر له إلا الله، مع عدم مبالاة بما ورد في ذلك من الوعيد الشديد»(49).
وممن عانى تدريس البادية ودعوتهم إلى الله، ونشر العلم في أكنافهم، السيد العلامة علي بن أبي بكر المشهور باعلوي (ت 1402هـ) الذي سكن أحور معلماً وداعياً، وظهر من بعده بنوه فأكملوا مسيرته، واشتهر منهم السيد الداعية أبوبكر العدني بن علي المشهور، حفظه الله، وقد أفرد سيرة والده في مجلد مطبوع سماه «قبسات النور». ومنهم السيد العلامة مفتي البيضاء محمد بن عبدالله الهدار باعلوي (ت 1418هـ)، فقد أسس في البيضاء وفي قراها أربطةً ومعاهد، لا تزال قائمة إلى اليوم، يرعاها بنوه، وقد أفرد سيرته أيضاً ابنه السيد العلامة، وكيل وزارة الأوقاف باليمن، حسين بن محمد، في مجلدين، بعنوان «هداية الأخيار»، وهو مطبوع أيضاً.
الدعوة في شرق آسيا:
ففي الهند: كان للعلامة السيد شيخ بن محمد الجفري باعلوي (ت 1222هـ) دعوة عظيمة، وانتشار كبير في جنوب الهند، في أرض المليبار، ولا يزال المسلمون الى يومنا هذا يذكرونه بالخير ويدعون له عقب الصلوات في المساجد والزوايا والتكايا، ولعل الأمر أكبر وأظهر وأشهر في جزيرة سيلان. كما كان للسيد العلامة عبدالله بن علوي العطاس باعلوي (ت 1334هـ) كانت له دعوة واسعة في كلكتا، وبلاد البنقال، وأرض بورما، وله هناك زوايا ومريدون الى الوقت الراهن(50).
وفي سيلان: اشتهر وظهر دور العلامة السيد شيخ الجفري، كما تقدم. والسيد العلامة أحمد بن عبدالله بافقيه (ت 1250 تقريباً)، والسيد العلامة علوي بن عبدالرحمن المشهور (ت 1342هـ)، وحفيده السيد الداعية المعمر أحمد بن أبي بكر بن علوي المشهور (ت 1420هـ). وللمزيد ينظر كتاب «إسهامات علماء حضرموت في نشر الإسلام وعلومه في الهند»، لكاتب هذا البحث.
وفي بلاد جاوة والملايو: الأمر أشهر وأعظم وأوسع، والكتابة فيه تحتاج الى مؤلفات، على أن من أشهر الدعاة هناك السادة الأشراف المعروفون تاريخياً بالأولياء التسعة، وهم من ذرية السيد الشريف عبدالملك بن علوي بن محمد صاحب مرباط باعلوي، المتوفى بأرض الهند منتصف القرن السابع الهجري تقريباً، وعرفت ذريته في الهند بآل عظمت خان، وكان منهم الدعاة والساسة والجنود، ثم دخلت ذريتهم وانتقلت الى جزر الهند الشرقية التي عرفت فيما بعد بإندونيسيا، أو أرخبيل الملايو، فكان لهم بها شهرة فائقة.
العلامة النحرير السيد علوي بن طاهر الحداد
مفتي جوهور بماليزيا، رحمه الله
والكلام في هذا الصدد يطول، ويراجع للمزيد: كتاب «المدخل الى تاريخ الإسلام في الشرق الأقصى» للعلامة السيد علوي بن طاهر الحداد (ت 1382هـ)، وله كلام نفيس أيضاً في كتابه «عقود الألماس»، كما أورد السيد المؤرخ محمد ضياء شهاب (ت 1405هـ) دفين مكة المكرمة، الكثير من الفوائد والمعلومات في هذا الباب في تعليقاته على كتاب «شمس الظهيرة» لمفتي تريم العلامة السيد عبدالرحمن المشهور باعلوي (ت 1320هـ).
الداعية المعمر السيد علي بن عبدالرحمن الحبشي
ومن مشاهير الدعاة في القرن الرابع عشر الهجري: السيد العلامة علي بن عبدالرحمن الحبشي باعلوي (ت 1386هـ) المشهور بصاحب كويتان، وهي حارة من حارات العاصمة جاكرتا، يقام بها كل يوم أحد مجلس للتعليم والإرشاد، تحضره جموع غفيرة، حتى أن مداخل شوارع تلك الحارة أو ذلك الحي تغلق وتفرش للناس مفارش للجلوس والاستماع للدروس والمواعظ الدينية، ولا يزال هذا الأمر معمولاً به الى هذا الوقت.
الدعوة في شرق أفريقيا:
فمن كبار الدعاة في شرق أفريقيا، في القرن الرابع عشر الهجري: السيد العلامة القاضي أحمد بن أبي بكر بن سميط باعلوي (ت 1341هـ) دفين أتساندا في جزيرة أنجزيجة من جزر القمُر، والسيد العلامة صالح بن علوي جمل الليل باعلوي (ت 1354هـ) دفين جزيرة لامو بكينيا، والسيد العلامة القاضي عمر بن أحمد بن سميط (ت 1396هـ) دفين أنجزيجة بجوار أبيه. والسيد العلامة الفقيه أحمد مشهور الحداد (ت 1416هـ) الذي أمضى معظم سني حياته في أفريقيا ثم وافته منيته في مدينة جدة، ودفن بمقبرة المعلاة بمكة في حوطة السادة آل باعلوي الشهيرة.
السيد العلامة عبدالقادر الجنيد، رحمه الله والسيد العلامة المؤرخ عبدالقادر الجنيد باعلوي (ت 1427هـ) دفين مدينة دار السلام عاصمة تنزانيا، والسيد العلامة الداعية سعيد بن عبدالله البيض باعلوي (ت 1366هـ)، وابنه العلامة الداعية الموفق محمد بن سعيد (ت 1434هـ) دفينا كينيا، والإفاضة والتفصيل في ذكر مآثرهم يطول جداً. ونحيل القارئ الكريم على كتابين مهمين، كلاهما من تأليف الأستاذ الأديب السيد حامد بن أحمد مشهور الحداد باعلوي (ت 1434هـ)، أولهما: «صفحات من حياة السيد الداعية أحمد مشهور الحداد»، وهو منشور في دار الفتح، الأردن، سنة 1424هـ/ 2004م، وكتابه الآخر: «دراسات عن العرب والإسلام في شرق أفريقيا»، صدر في مجلد عن دار المنهاج، جدة، سنة 1428هـ/ 2007م.
السيد العلامة الداعية أحمد مشهور الحداد، رحمه اللهوللشيخ الفاضل ياسر القضماني، معاصر، من أهل دمشق، كتاب «السادة آل أبي علوي وغيض من فيض أقوالهم الشريفة وأحوالهم المنيفة»، صدر في مجلد بدمشق، عن دار نور الصباح، سنة 2014م، يقع في 448 صفحة، عقد فيه فصلا ماتعاً عن دعوة السادة آل باعلوي الى الأصقاع المتنائية، وفي الكتاب تراجم لعدد من الدعاة المعاصرين من آل باعلوي المباركين.
لسنا هنا بصدد الاستيعاب والإحاطة بكل النصوص الواردة في كل مبحث من مباحث مقالنا هذا، وإنما حسبنا من القلادة ما أحاط منها بالجيد. على أننا نشير الى أمر مهم، وهو التنبيه على أن طريق التصوف الذي انتهجه السادة آل باعلوي، لم يكن إلا التصوفَ العمليَّ، الذي هو السلوكُ القويم، والثبات على العبادة، والدوام على الذكر، الذي جاءت به نصوص الكتاب والسنة. قال الإمام المجدد السيد عبدالله الحداد باعلوي (ت 1132هـ): «إن طريق السادة العلويين، ليس إلا الكتاب والسنة، وهم درجات عند الله، والله بصير بما يعملون. فمن متوسط في ذلك، وكامل، وأكمل. فهم على المهيع الواسع الموصل إلى الله تعالى، من سار عليه وصل، إلا أن سلوكهم متفاوت»، إلى آخر كلامه(51).
وفي التعريف بطريقة السادة آل باعلوي، ألفت المؤلفات، وصنفت الرسائل والمصنفات، فمنها كتاب «العقود اللؤلؤية في بيان طريقة السادة العلوية»، للعلامة مفتي الشافعية بمكة المكرمة، السيد محمد بن حسين الحبشي باعلوي (ت 1281هـ)، وغيره من المؤلفات، وقد لخصها العلامة السيد عيدروس بن عمر الحبشي باعلوي في كتابه «عقد اليواقيت الجوهرية»، وهو مطبوع متداول، كما من الكتب المعاصرة النافعة في الباب كتاب «المنهج السوي شرح أصول طريقة السادة بني علوي»، للسيد العلامة زين بن إبراهيم بن سميط، حفظه الله(52).
تحذيرهم من كتب فلاسفة الصوفية: جاء في كتاب «المنهج السوي» تحت عنوان (الفصل الرابع: في كتب تحذر القراءة فيها): «ينبغي للإنسان أن يحترز من مطالعة الكتب التي تشتمل على الأمور الغامضة، إيثاراً للسلامة، وخشية أن يفهمها على غير وجهها، فيضل عن سواء السبيل، ويهلك مع الهالكين. وذلك مثل مؤلفات الشيخ ابن العربي، وكتابي «المعراج» و«المضنون» للإمام الغزالي، وكذلك مؤلفات الشيخ عبدالكريم الجيلي، كما ذكر ذلك سيدنا عبدالله الحداد في «رسالة المعاونة»، انتهى(53).
والكلام في هذا الباب يطول، وهذا أنموذج كافٍ للتعريف باستقامتهم على المنهج العام لأهل السنة والجماعة وعدم مخالفتهم بما عليه حفاظ الأمة وفقهاؤها وأئمتها.
بيوت وأسر السادة آل باعلوي
من أعرق البيوت والأسر في الحرمين الشريفين
وعدا الحلقات والدروس، فقد كان للسادة آل باعلوي القدح المعلى في الخدمات الاجتماعية، وكان السيد صافي الجفري باعلوي (ت حوالي 1336هـ) المشرفَ العام على عمارة وتوسعة الحرم النبوي الشريف زمان السلطان عبدالمجيد العثماني، المعروفة بالعمارة المجيدية. وكان شيوخ السادة ال باعلوي في مكة والمدينة أهل مكانة لا تخفى، وكان السادة آل السقاف في مكة والمدينة من شيوخ آل باعلوي، ومن أعلامهم: العلامة المفتي السيد علوي بن أحمد السقاف باعلوي (ت 1335هـ) بمكة. والسيد علوي بن عبدالرحيم السقاف باعلوي بالمدينة، وابنه السيد عباس، فابنه السيد عمر بن عباس (ت 1394هـ) وزير الخارجية السعودية في عهد الملك فيصل آل سعود رحم الله الجميع.
الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود
وخلفه وزير الخارجية السيد عمر السقاف، رحمهم الله
وهل ينسى التاريخ دور السيد إبراهيم بن عمر السقاف باعلوي، قنصل المملكة العربية السعودية في سنغافورة، الذي عيّنه الملك فيصل بن عبد العزيز في 4 نوفمبر 1964م(54).
قصر السقاف بمكة المكرمة
وهل قصر السقاف بعابدية مكة المكرمة إلا من إرث السادة آل السقاف من آل باعلوي الأشراف!. وما عهد السيد أمين عقيل العطاس باعلوي (ت 1435هـ) منا ببعيد، وقد تولى منصب الأمين العام المساعد برابطة العالم الإسلامي. وهل أمين مكة المكرمة الحالي، السيد أسامة بن السيد فضل بن السيد العلامة عيدروس بن سالم البار باعلوي، إلا أحد أفراد هذا البيت الكريم! .. وكم سنعدد ونذكر، وكم سنترك من رجالات آل باعلوي.
فهمُ الكثير الطيّبُ المدعو لهم مِنْ جدِّهِمْ يومَ الزّفافِ، ألا تَعي!
* * *
تُرى! أيَّ شيء نأتي، وأيَّ شيء نذَرُ! الكلام على آل باعلوي متعدد الوجوه، متشعب الكلام، لا يمكن أن تحيط به مقالة في صفحات معدودة. لقد كانت تلك جولة سريعة، في مسارب التاريخ، ونصوص مختارة من بطون الكتب، أردنا أن تكون على ذهن القراء الكرام، ليعرفوا فضل هذا البيت الكريم، وما عليه أهله وأفراده في الحديث والقديم.
فهل يصح بعد ما تقدم أن يصدق أحد المطاعن السخيفة التي يرمى بها السادة آل باعلوي من كونهم مناصرين للشيعة الحاقدة، أو بأنهم طائفة باطنية، أو غير ذلك من الترهات السخيفة. أو أن يروج لهذه الفرية الحمقاء، والكذبة الصلعاء في أي وسيلة من وسائل الإعلام، أو تصدر في بيانات يكتبها أناس جاهلون بأسس العلم ومقومات المسلم الغيور على دينه وأرضه ومجتمعه!.
وإننا، بناءً على جميع ما تقدم .. نصدع بالقول بملء أفواهنا، ونتساءل تساؤل المستفهم المستنكر، بكل ثقة وصلابة: منذُ متى كان السادة آل باعلوي ـ وهم أهل العلم والفضل، والحضارة والنزاهة، في طول التاريخ وعرضه ـ في يوم من الأيام، أو ليلة من الليالي .. مثيري شَغبٍ، أو ناشري الفتن، أو ذوي عصبيات دينية أو طائفية!! سبحانَ الله!، (قل هاتوا برهانكم إن كنت صادقين). إن من يزعم تلك المزاعم، ينادي على نفسه بالجهل الفاضح لمسيرة التاريخ، وللسِّيَر البيضاء النقية الناصعة لهذا البيتِ الكريم الأصيل، ذي المجد الأثيل.
وهل إلا في مثلهم يقولُ الحطيئة:
أقِلُّوا علَيهم لا أباً لأبيكُمُ
من اللَّومِ أو سُدّوا المكانَ الذي سَدّوا
أولئك قومٌ إن بنَوا أحسَنُوا البِنَا
وإن عاهَدُوا أوفَوا وإن عقَدُوا شَدّوا
وإن كانَت النُّعْمَى عليهِمْ جزَوا بها
وإن أنعَمُوا لا كدّرُوها ولا كدُّوا
|
وإن قالَ مولاهُمْ على كُلّ حَادثٍ
من الدّهْرِ ردُّوا فضْلَ أحلامِكُمْ رَدُّوا
مطَاعينُ في الهيجَا مكاشيفُ للدّجَى
بنَى لهمُ آباؤهُمْ وبنَى الجدُّ
* * *
ختاماً، لم يكن ما سقناه إلا مقدمة لأبحاثٍ مستفيض، يقوم بها الباحثون الجادون، نسأل الله تعالى أن يبارك في أوقاتهم، ويعينهم على إتمام أبحاثهم، لأنها من الواجبات المهمات، والفروض المحتمات، دفعاً للشبه المضلات، وقطعاً للألسن المتخرصات، ونسأله تعالى أن يجعل ما سقناه في هذه العجالة وافياً بالغرض والمقصد، والحمدلله على ما وفق وألهم وأرشد، وصلى الله على سيدنا محمدٍ، وآل سيدنا محمد، وصحبه وسلم وباركَ ومجّد.
__________________
اللهم يا من جعلت الصلاة على النبي قربة من القربات نتقرب اليك
بكل صلاة صليت عليه من اول النشأة الى ما لا نهاية الكمالات