ليلة النصف من شعبان - سيدي الشيخ محمد عبدالله رجو حفظه الله
ليلة النصف من شعبان
هذه مقتطفات من الدرس الذي ألقاه الشيخ محمد عبدالله رجو حول ليلة النصف من شعبان بتاريخ: الإثنين ٩ / شعبان ١٤٤٢ هـ – ٢٢ / آذار / ٢٠٢١ م
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصلاة وأكمل التَّسليم على سيِّدنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللَّهم علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علَّمتنا، وزدنا علمًا وعملًا في الدِّين، وألحقنا بعبادك الصَّالحين، واجعلنا مِمَّن يستمِعون القولَ فيتَّبعون أحسنه، برحمتك يا أرحم الراحمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وهو حسبنا ونعم الوكيل. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا.
نُذكِّر أنفسنا وإخواننا والمسلمين بما نحن بصدده، وهو إحياء الليلة المباركة ليلة النصف من شعبان.
يقول الإمام الشعراني رحمه الله تعالى في كتابه لواقح الأنوار القدسية في بيان العهود المحمدية:
أُخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقوم ليلة النصف من شعبان، ونصومَ نهارها، ونستعدَّ لها بالجوع السابق عليها، وقلّة الكلام والصمت. فإنّ من شبع ليلتها وأكثر اللغو من الكلام والغفلة عن الله تعالى، لا يذوق لما فيها من الخيرات طعماً. ولو سهِر فهو كالجماد الذي لا يحسّ بشيء. وما حثَّ الشارعُ العبدَ على الاستعداد لحضور المواكب الإلهية إلّا ليشعر بما يمنحه في تلك المواكب، ويتلقّى ما يخصّه من الإمداد بالأدب، ومن لا يشعر بذلك فاته خيرٌ كثير.
يقول شيخنا سيدي الشيخ أحمد حفظه الله تعالى: هذا الاستشعار لهذه النفحات والتجليات في هذه الليالي المباركة وفي أيام الخصوصيّة ليس مقصودًا لذاته، ولكن مَن لم يجدْه يبقَ جامدًا، ومن أهم فوائده: أنه يشوّق العبد إلى الله سبحانه وتعالى؛ ولذلك يحذّر أهل الله من أن يتعلّق الإنسان بالنفحات والتجليات.
فعُلم أنه يجب على كلّ مؤمنٍ أن يتوب من جميع ما ورد في الحديث قبل دخول ليلة النصف، لأنه يمنع حصولَ المغفرة لصاحبه؛ كالمشاحنة وكأخذ العشور من المَكْسِ ـ وهو أخذ عُشر أموال الناس بغير حقّ ـ وكالعقوق للوالدين ونحو ذلك، فيجب السعي في إزالة ما عندنا من الشحناء، وما عند غيرنا منها في حقنا، ولو بإرسال كلامٍ طيّبٍ أو مدحٍ بين الأقران ونحو ذلك؛ كإهداء هديةٍ وبذل مالٍ، لننال الرحمة والمغفرة من الله تعالى في تلك الليلة. ولا نتهاون بالمبادرة في إزالة الشحناء إلى ليلة النصف، فربَّما يتعسّر علينا إزالة ما عندنا أو عند المشاحن لنا من الحقد الكمين، فتفوتنا المغفرة تلك الليلة.
ويحتاج من يُريد العمل بهذا العهد إلى السلوك على يد شيخٍ، ليُخرجه من محبّة الدنيا وأغراضها ومناصبها وطلب المقام عند أهلها. ومن لم يسلك كذلك فمِن لَازِمِه غالباً الشحناء بواسطة الدنيا؛ إما لكونه يحوفُ على الناس أو يحُوفونَ عليه. ولذلك قلَّ العاملون بهذا العهد، فتراهم تدخل عليهم ليلةُ النصف من شعبان وأحدهم مشاحنٌ أخاه ولا يُبالي بما يفوته من المغفرة العظيمة.
سمعت سيدي عليًّا الخواص رحمه الله تعالى يقول: يجب على قاطع الرحم المبادرة قبل ليلة النصف من شعبان إلى زوال القطيعة، وكذلك الحكم في حق جميع ما ورد فيه التجلي الإلهي، كالثلث الأخير من الليل في جميع ليالي السنة، فيجب عليه أن يتوب من جميع الذنوب، وإلا لم يُمكَّن من دخول حضرة الله عز وجل، ولو وقف يُصلي فصلاته صورةٌ لا روح فيها.
وسمعت سيدي محمد بن عِنَان رحمه الله تعالى يقول: تجب المبادرة على قاطع الرحم، إلى صلة رحمه، ولا يؤخِّر الصِّلة حتى تدخل ليلة النصف، فربَّما يتعسّر صلتها تلك الليلة. وكذلك تجب المبادرة إلى برِّ الوالدين على كل مَنْ كان عاقاً لوالديه.
وكذلك يجب علينا إذا كان أحد من معارفنا عشَّاراً أو مَكَّاساً أن نأمرَه بالتوبة عن تلك الوظيفة، والعزم على أن لا يعود إليها، لينال المغفرة تلك الليلة. فإن الله تعالى أخبر أنه لا يغفر لأهل هذه الذنوب، ولا يرفع لهم عملاً؛ وذلك عنوان الغضب من الله تعالى عليهم. نسأل الله تعالى اللطف.
فعُلم أن التوبة عن هذه الأمور وإن كانت واجبةً على الدوام فهي في ليلة النصف آكد.
روى الإمام الطبراني وابن حبان في صحيحه مرفوعاً: (يطَّلع الله تعالى إلى جميع خلقه ليلة النصف من شعبان فيَغفر لجميع خلقه إلا لمشركٍ أو مشاحن). وروى الإمام البيهقي مرفوعاً: (أتاني جبريل عليه السلام فقال: هذه ليلة النصف من شعبان ولله فيها عُتقاء من النار بعدد شعور غنم كلب، لا ينظر الله – أي لا ينظر نظر رحمة – إلى مشركٍ ولا إلى مشاحنٍ ولا إلى قاطع رحمٍ ولا إلى مُسبلٍ إزاره ولا إلى عاقٍّ لوالديه ولا إلى مُدمن خمرٍ)، وفي روايةٍ للإمام أحمد رحمه الله تعالى: (فيغفر لعباده إلا اثنين: مشاحنٍ أو قاتل نفس)، وفي روايةٍ للإمام البيهقي مرفوعاً: (يطّلع الله على عباده في ليلة النصف من شعبان فيغفر للمستغفرين ويرحم المسترحِمين، ويُؤخِّر أهلَ الحقد كما هم).
فهذا وعدٌ من الله جل وعلا؛ إن لم يتصف العبد بأحد هذه الصفات: من الحقد وغيره، إذا استغفر في ليلة النصف من شعبان أن يغفر له وإذا استرحم أن يرحمه. فلا بدَّ من إزالة الموانع قبل هذه الليلة المباركة والاستغفار. اللهم اغفر لنا يا غفور وارحمنا يا رحيم.
وروى ابن ماجه مرفوعاً: (إذا كانت ليلة النصف من شعبان، فقوموا ليلتها وصوموا يومها، فإن الله تبارك وتعالى ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا فيقول: ألا مِن مستغفرٍ فأغفرَ له، ألا مِن مسترزقٍ فأرزقَه، ألا مِن مبتلىً فأعافيَه، ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر).
ثمّ يقول الإمام الشعراني رحمه الله تعالى: أُخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نصوم ثلاثة أيامٍ من كل شهرٍ ـ لا سيما أيام الليالي البيض ـ ولا نترك صيامها إلا لعذرٍ شرعيٍ، لا إيثاراً لشهوة الأكل، فإنَّ اللوم إنما هو على تَرْكِ مَن ترَك الصوم إيثاراً للشهوة.
ومن فوائد صومها: أنها تُزيل ما في القلب من الحقد والغشِّ وسوء الظنّ وغيرها من الكبائر الباطنة. روى الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: (أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاثٍ: صيام ثلاثة أيامٍ من كل شهر وركعتي الضحى وأن أُوتر قبل أن أنام).
وروى الشيخان مرفوعاً: (صوم ثلاثة أيامٍ من كل شهرٍ صوم الدهر).
وروى الإمام أحمد وابن حبان في صحيحه والبزار مرفوعاً: (صوم شهر الصبر – يعني رمضان – وثلاثة أيامٍ من كل شهرٍ يُذهبن وَحَرَ الصَّدر). ووَحَرُ الصَّدر: غشُّه وحقدُه ووساوسُه.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا والحمد لله رب العالمين.
***
لمتابعة نسيم الرياض:
على الفيسبوك:
https://www.facebook.com/naseemalriad
وعلى التليغرام:
https://t.me/naseemalriad
وعلى تويتر:
https://twitter.com/naseemalriad
وعلى اليوتيوب:
https://youtube.com/@naseemalriad
وعلى الواتساب:
https://whatsapp.com/channel/0029Va5g8PK5vKA2zNJvVo3b
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات