عرض مشاركة واحدة
قديم 11-13-2008
  #2
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: سيرة سيد التابعين (سعيد بن المسيب)

أما الدنيا فمالها وسعيد بن المسيب فلقد كان يعيش من كسب يده له أربعمائة دينار يتجر بها فى الزيت ويقول عن هذا المال (اللهم إنك تعلم أنى لم أمسكه بخلا ولا حرصا عليه ولا محبة للدنيا ونيل شهواتها وإنما أريد أن أصون به وجهى عن بنى مروان حتى ألقى الله فيحكم فىّ وفيهم وأصل منه رحمى وأؤدى منه الحقوق التى فيه وأعود منه على الأرملة والفقير والمسكين واليتيم والجار) وكان له فى بيت المال بضعة وثلاثون ألفا من الدراهم عطاؤه تراكمت بسبب رفضه قبولها فكان حين يدعى إليها يأبى ويقول (لا حاجة لى فيها حتى يحكم الله بينى وبين بنى مروان) وكان من أورع الناس فيما يدخل بيته وبطنه فيروى ابن سعد فى الطبقات عن طلحة الخزاعى قال (كان فى رمضان يؤتى بالأشربة فى مسجد النبى ? فليس أحد يطمع أن يأتى سعيد بن المسيب بشراب فيشربه فإن أتى من منزله بشراب شربه وإن لم يؤت من منزله بشئ لم يشرب شيئا حتى ينصرف) أما طعامه فهو بسيط يشمل فى الغالب خبزا وزيتا ولما حبس صنعت ابنته طعاما كثيرا فلما جاءه أرسل إليها قائلا (لا تعودى لمثل هذا أبدا فهذه حاجة هشام بن إسماعيل يريد أن يذهب مالى فأحتاج إلى ما فى أيديهم وأنا لا أدرى ما أحبس فانظرى إلى القوت الذى كنت آكل فى بيتى فابعثى إلى به).

ومن أقواله الرائعة (من استغنى بالله افتقر الناس إليه) وقوله (الدنيا نذلة وهى إلى كل نذل أميل وأنذل منها من أخذها من غير وجهها ووضعها فى غير سبيلها).
إن هذه المعانى الغالية لهى خير دواء لهذه المادية التى خيمت على كل شئ فى حياتنا وأردت الكثيرين منا وأخلدتهم إلى الأرض فضاعت من حياتهم كل فضيلة وصاروا لا يفهمون إلا لغة الدينار والدرهم فلم يحصدوا من وراء كل هذا إلا القلق والحيرة والشك واستعصت عليهم السعادة الحقيقية فكانوا بمنأى عنها.
لا تأخذك فى الحق لومه لائم
تجلت هذه القاعدة فى حياة سيد التابعين فى أكثر من موقف ونطق بها لسان حاله فى كل لحظة من لحظات أيام عمره المباركة فكان الواثق بالله الذى لا يحابى فى الحق أحدا ولا يرده ما يتخمض عن ذلك المنهج من تبعات فهانت عليه نفسه فى الله كما قال عمران بن عبد الله (أرى نفس سعيد بن المسيب كانت أهون عليه فى ذات الله من نفس ذباب)
ومن مواقفه الشهيرة فى ذلك قصه تزويج ابنته وقد كان الخليفة عبد الملك بن مروان تقدم لخطبتها لأبنه الوليد حين ولاه العهد ويذكر المؤرخون أنه أرسل موكبا كبيرا على رأسه مندوب خاص نزل المسجد ووقف على حلقة سعيد فأبلغه سلام أمير المؤمنين وأنه قدم يخطب إليه ابنته لابنه الوليد ولى العهد وانتظر الناس أن يستبشر سعيد بهذا التشريف الذى ناله ولكنه لم يزد على كلمة (لا) وكان لسعيد تلميذ متين الدين والخلق يدعى عبد الله بن أبى وداعة افتقده أياما فلما عاد إليه قال له سعيد: أين كنت فقال توفيت زوجتى فانشغلت بها قال سعيد فهلا أخبرتنا فشهدناها ثم أراد التلميذ أن يقوم فقال سعيد هل أحدثت امرأة غيرها قال يرحمك الله ومن يزوجنى وما أملك إلا درهمين أو ثلاثة؟ قال سعيد إن أنا فعلت تفعل؟ قال نعم فأمر بالشهود وكتابة العقد قال ابن أبى وداعة: فقمت وما أدرى ما أصنع من الفرح وصرت إلى منزلى وجعلت أفكر ممن آخذ وأستدين؟ وصليت المغرب. وكنت صائما فقدمت عشائى لأفطر وكان خبزا وزيتا وإذا بالباب يقرع فقلت من هذا فقال سعيد ففكرت فى كل إنسان إسمه سعيد إلا سعيد بن المسيب فإنه لم ير منذ أربعين سنه إلا ما بين بيته والمسجد فقمت وخرجت وإذا بسعيد بن المسيب وظننت أنه بدا له فقلت يا أبا محمد هلا أرسلت إلى فأتيتك قال لا أنت أحق أن تزار قلت فما تأمرنى قال رأيتك رجلا عزبا قد تزوجت فكرهت أن تبيت الليلة وحدك وهذه امرأتك فإذا هى قائمة خلفه فى طوله ثم دفعها فى الباب ورد الباب فسقطت المرأة من الحياء فاستوثقت من الباب ثم صعدت إلى السطح وناديت الجيران فجاءونى وقالوا ما شأنك قلت زوجنى سعيد بن المسيب ابنته وقد جاء بها على غفلة وها هى فى الدار فنزلوا إليها وبلغ أمى فجاءت وقالت وجهى من وجهك حرام إن مسستها قبل أن أصلحها ثلاثة أيام فأقمت ثلاثا ثم دخلت بها فإذا هى من أجمل الناس وأحفظهم لكتاب الله تعالى وأعلمهم بسنة رسول الله ? وأعرفهم بحق الزوج.

وكان رحمه الله يقول (لا تملئوا أعينكم من أعوان الظلمة إلا بالإنكار من قلوبكم لكيلا تحبط أعمالكم) وعن المطلب بن السائب قال كنت جالسا مع سعيد بن المسيب بالسوق فمر بريد لبنى مروان فقال له سعيد من رسل بنى مروان أنت؟ قال نعم قال فكيف تركتهم؟ قال بخير قال تركتهم يجيعون الناس ويشبعون الكلاب؟ قال فاشرأب الرسول فقمت إليه فلم أزل أرجيه حتى انطلق ثم قلت لسعيد يغفر الله لك تشيط بدمك بالكلمة هكذا تليقها قال اسكت يا أحمق فوالله لا يسلمنى الله ما أخذت بحقوقه.

وعقد عبد الملك لابنيه الوليد وسليمان بالعهد وكتب بالبيعة لهما إلى المدينة وعامله يومئذ عليها هشام بن إسماعيل فدعا الناس إلى البيعة فبايعوا وأبى سعيد أن يبايع لهما وقال لا أبايع اثنين ما اختلف الليل والنهار فقيل له ادخل واخرج من الباب الآخر قال والله لا يقتدى بى أحد من الناس فضربه هشام ستين سوطا وطاف به فى تبان من شعر وسجنه فكتب إليه عبد الملك يلومه فيما صنع ويقول سعيد ! كان والله أحوج أن تصل رحمه من أن تضربه.
وقيل لسعيد بن المسيب: ما شأن الحجاج لا يبعث إليك ولا يحركك ولا يؤذيك قال والله ما أدرى إلا أنه دخل ذات يوم مع أبيه المسجد فصل صلاة لا يتم ركوعها ولا سجودها فأخذت كفا من حصى فحصبته بها زعم أن الحجاج قال: ما زلت بعد ذلك أحسن الصلاة.

وفى سنة 91هـ حج الوليد بالناس فلما اقترب من المدينة أمر عامله عليها عمر بن عبد العزيز أشرافها فتلقوه فرحب بهم وأحسن إليهم ودخل المدينة النبوية فأخلى له المسجد النبوى فلم يبق بهد أحد سوى سعيد بن المسيب لم يتجاسر أحد أن يخرجه وعليه ثياب لا تساوى خمسة دراهم فقالوا له تنح عن المسجد أيها الشيخ فإن أمير المؤمنين قادم فقال والله لا أخرج منه فدخل الوليد المسجد فجعل يدور فيه ويصلى ههنا وههنا ويدعو الله عزوجل قال عمر بن عبد العزيز وجعلت أعدل به عن موضع سعيد خشية أن يراه فحانت منه التفاته فقال من هذا؟! أهو سعيد بن المسيب؟ فقلت نعم يا أمير المؤمنين ولو علم أنك قادم لقام إليك وسلم عليك فقال قد علمت بغضه لنا فقلت يا أمير المؤمنين إنه وإنه وشرعت أثنى عليه وشرع الوليد يثنى عليه بالعلم والدين فقلت يا أمير المؤمنين إنه ضعيف البصر – وإنما قلت ذلك لأعتذر له – فقال نحن أحق بالسعى إليه فجاء فوقف عليه فسلم عليه فرد عليه سعيد السلام ولم يقم له ثم قال الوليد كيف الشيخ؟ فقال بخير والحمد لله كيف أمير المؤمنين؟ فقال الوليد بخير والحمد لله وحده ثم انصرف وهو يقول لعمر بن عبد العزيز هذا فقيه الناس فقال أجل يا أمير المؤمنين.

نسوق هذه المواقف للذين يأكلون بدينهم ويداهنون الظالم بغية عرض من الدنيا فلا يسعنا إلا أن نهمس فى آذانهم قائلين (تشبهوا بالكرام البررة واقتدوا بخير سلف تكتب لكم النجاة فى الدنيا والآخرة).
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس