عرض مشاركة واحدة
قديم 12-16-2008
  #2
محب الاولياء
عضو شرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 120
معدل تقييم المستوى: 16
محب الاولياء is on a distinguished road
افتراضي رد: شرح الصلاة المشيشة للشيخ سعد الدين العارف الحموي

(شرح صلاة ـ سيدي ـ ابن مشيش رضي الله عنه)

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم: أي يا الله، واسم الجلالة هذا علم على الذات الأقدس الواجب الوجود، المستحق لكل كمال وجمال، الدال علية تعالى دلالةً جامعةً لمعاني أسمائه الحسنى كلها ما علم منها وما لم يعلم.
صلِّ: أي ارحم رحمةً مقرونةً بالتعظيم والثناء والمغفرة والبركة والتشريف والتكريم.
وتعظيمه في الدنيا يكون: بإعلاء ذكره، وإظهار دينه، وإبقاء شريعته.
وفي الآخرة يكون: بجزيل مثوبته، وتشفعه في أمته، وإبداء فضله بالمقام المحمود وغيره.
على من منه انشقت الأسرار: أي على من انفتح واتضح وظهر بنوره صلى الله عليه وسلم ما كان خفياً من العلوم والمعارف المستفادة منه عليه الصلاة والسلام، ومنها اطلع العارفون على أسرار الذات والصفات والأفعال
وانفلقت الأنوار: أي انفتح بأصل خلقه باب الأنوار الحسية والمعنوية من الإيمان واليقين والمعرفة.
وفيه ارتقت الحقائق: أي بظهوره عليه الصلاة والسلام ظهرت وارتفعت حقائق الأشياء وعرف الحق من الباطل.
وتنزلت علوم آدم فأعجز الخلائق: أي جميع العلوم التي نزلت على آدم عليه السلام، نزلت على المصطفى صلى الله عليه وسلم، وزاد عليه علم حقائق المسميات وغيرها، فأعجز جميع المخلوقات من الأولين والآخرين ملائكةً وغيرهم.
وله تضاءلت الفهوم: أي تصاغرت وكلت وعجزت ووقفت عقول وأفهام الخلائق جميعاً عن التطاول لنيل معارفه وأسراره وما منحه الله سبحانه وتعالى له صلى الله عليه وسلم من العلوم، فلم يدركوا كمالها، وكذلك تصاغرت أفهام الخلائق عن إدراك حقيقته عليه الصلاة والسلام.
فلم يدركه منا سابق ولا لاحق: أي جميع البشر السابقين له في الوجود كآدم عليه السلام والآتين بعده كالصحابة رضوان الله تعالى عليهم ومن بعدهم إلى قيام الساعة لم ولن ندرك حقيقة مقامه أو مكانته أو علومه، ولا يُدرَكُ ذلك إلا في الآخرة لكشف الحجاب عن الخلائق آنذاك.
فرياض الملكوت بزهر جماله مونقة: أي أن نور جمال المصطفى صلى الله عليه وسلم زَيّن ونضّر وزركش عالم الملكوت وهو: (ما غاب عنا من المحسوسات كالجنة والعرش والكرسي).
وحياض الجبروت بفيض أنواره متدفقة: أي أن إمداد بحر علمه الممتلئ صلى الله عليه وسلم من عالم الأسرار والعلوم والمعارف لا ينقطع عن قلوب العارفين والعلماء الربانيين والفقهاء النجباء المخلصين.
ولا شيء إلا وهو به منوط: أي لا يوجد شيء من الأشياء من إنسٍ وجن وملك وجماد ومحسوس ومعقول وعالم سفلي وعالم علوي إلا وهو مرتبط بالنبي صلى الله عليه وسلم ومتعلق به من جملة الوجود والإمداد.
إذ لولا الواسطة لذهب كما قيل الموسوط: أي أنه صلى الله عليه وسلم هو سبب النعمتين اللتين ما خلا كل موجود عنهما، ولا بد لكل مُكوَّن منهما: 1- نعمة الإيجاد 2- ونعمة الإمداد.
إذ لولا أسبقية وجوده ما وجد موجود، ولولا سريان نوره في الكون (الشريعة والقرآن) لهدمت دعائمه.
فقد روى البيهقي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لما اقترف آدم الخطيئة قال: يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي، فقال الله: يا آدم وكيف عرفت محمداً ولم أخلقه؟ قال: لأنك يا رب لما خلقتني بيدك، ونفخت فيَّ من روحك، رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوباً لا اله إلا الله محمد رسول الله، فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك. فقال الله تعالى: صدقت يا آدم إنه لأحب الخلق إليَّ، وإذ سألتني بحقه قد غفرت لك، ولولا محمد ما خلقتك) قال في مجمع الزوائد رواه الطبراني في الأوسط والصغير وفيه من لم أعرفهم، ورواه الحاكم وصححه والطبراني وزاد فيه (وهو آخر الأنبياء من ذريتك).
وذكر العلامة القسطلاني في المواهب اللدنية (1/ 6970) أنه لما خلق الله تعالى آدم ألهمه أن قال: يا رب لمَ كنيتني أبا محمد؟ قال الله تعالى: يا آدم ارفع رأسك، فرفع رأسه فرأى نور محمد صلى الله عليه وسلم في سرادق العرش. فقال يا رب ما هذا النور؟ قال: هذا نور نبي من ذريتك اسمه في السماء أحمد وفي الأرض محمد لولاه ما خلقتك ولا خلقت سماءً ولا أرضاً. وعند ابن عساكر من حديث سلمان كما ذكر العلامة القسطلاني في المواهب اللدنية (1/83) قال: هبط جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن ربك يقول: إن كنتُ اتخذت إبراهيم خليلاً فقد اتخذتك حبيباً، وما خلقت خلقاً أكرم عليَّ منك، ولقد خلقت الدنيا وأهلها لأعرفهم كرامتك ومنزلتك عندي ولولاك ما خلقت الدنيا.
صلاةً تليق بك منك إليه كما هو أهله: أي يا الله صل بجنابك وإحسانك على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم صلاةً كاملةً مخصوصةً موصولةً منك إليه بدون واسطة تناسب عظيم قدره ومقداره لديك إذ لا يعرف حق قدره ومقداره إلا أنت.
فقد أخرج الطبراني وأبو نُعيم وابن النجار والخطيب بالسند عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من قال جزى الله عنا محمداً ما هو أهله أتعب سبعين كاتباً ألف صباح) وفي رواية (ألفي صباح).
اللهم إنه سرك الجامع: أي يا الله إن هذا الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام معدن سرك الجامع لما تفرق في غيره، إذ ما أّعطيه غيره من الأنبياء صلوات الله تعالى وسلاماته عليهم من الكمالات والمعارف والعلوم والبركات والمعجزات مجموع فيه صلى الله عليه وسلم وزاد عليهم بالمنح الإلهية والعطايا الربانية ما لا يعلمه إلا صاحب المن والعطاء اللطيف الخبير.
الدال عليك: لكونه صلى الله عليه وسلم هادياً للخلائق جميعاً، ومرشداً لهم، ومعرفاً لهم الطريق الموصلة إلى الله تعالى بأقواله وأفعاله، وكل دال على الله تعالى إنما يدل عليه بدلالته صلى الله عليه وسلم، فنبوته صلى الله عليه وسلم جمعت سائر النبوات، ونوره صلى الله عليه وسلم جمع سائر الأنوار، وكتابه صلى الله عليه وسلم جامع لجميع الكتب المنزلة.
وحجابك الأعظم: أي المانع الأعظم للعقول حيث عقلها بعقال شرعه عن النظر في حقيقة الذات الإلهية، لما رواه أبو الشيخ عن أبي ذر رضي الله عنه قوله عليه الصلاة والسلام (تفكروا في خلق الله ولا تتفكروا في الله فتهلكوا) وهو المانع الأعظم للمؤمنين من العذاب بإرشادهم ودعائهم إلى الإيمان، وهو حجاب رحمة بين العبد وهيبة ربه، وبواسطته تلقَّى المؤمنون شرع ربهم، وهو مانع المضار الدنيوية والأخروية عن أمته (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون)، وبما أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام حجب لأممهم فرسول الله صلى الله عليه وسلم أعظمهم، فلا يمكن لأحد الوصول إلى الله تعالى إلا عن طريق شرعه واتباع نبيه صلى الله عليه وسلم.
القائم لك بين يديك: أي القائم أتم قيام بتكاليف الرسالة وتوفية حقوقها لأجلك يا الله تعظيماً وإجلالاً، قيام الخادم بين يدي المخدوم إذ شرعه الشريف صلى الله عليه وسلم زاجر عن انتهاك حرماتك، ومانع عظيم عن إساءة الأدب معك سبحانك، فهو داعي الخلق إليك بك من غير واسطة بينك وبينه، قائم بحضرة القرب المعنوي منهمك في طاعتك.
اللهم ألحقني بنسبه: أي أدم عليَّ يا الله نعمة الثبات على دينه صلى الله عليه وسلم علماً وعملاً قولاً وحالاً، واختم لي بالحسنى على ذلك حتى أكون من رفقائه صلى الله عليه وسلم في دار نعيم الوصال.
وحققني بحسبه: أي وفقني يا الله للتخلق بأخلاقه صلى الله عليه وسلم، واجعلني من المهتدين بهديه، المقتفين للتقوى بكتابه وسنته في أقواله وأفعاله وأحواله، إذ متابعته صلى الله عليه وسلم موجبة للرحمة في الدنيا وموجبة للفلاح في الآخرة، وموجبة للرفع إلى أعلى الجنان، وموجبة للمحبة من الله تعالى.
وعرفني إياه معرفةً أسلم بها من موارد الجهل، وأكرع بها من موارد الفضل: أي يا الله عرفني على مصطفاك معرفةً تامةً حتى لا أقع بالجهل المفسد للأديان، لأنه صلى الله عليه وسلم المرآة الكبرى والواسطة العظمى، فمعرفته موصلة إلى معرفة الله تعالى، وعلى حسب معرفته صلى الله عليه وسلم تكون معرفة الله تعالى، إذ هو باب الله الأعظم، ومعرفته تثمر مقام المحبوبية عند الله تعالى، فان محبة الله تعالى لعبده على حسب محبة العبد للنبي صلى الله عليه وسلم ومتابعته، ومحبة العبد له على قدر معرفته واطلاعه على جماله ونواله وشرعه، فان العلم فيه كالماء الزلال النافع لحياة القلوب والأرواح والأجساد والأشباح.
واحملني على سبيله إلى حضرتك حملاً محفوفاً بنصرتك: أي يا الله اسلك بي طريقته، واجعلني عاملاً بشريعته وسنته لأنها سبيل الوصول إلى الحضرة العلية، محفوظاً من كل عائق حتى أصل إليك بعنايتك (وهذا مقام السائرين إلى الله تعالى المستدلين بالصنعة على الصانع).
واقذف بي على الباطل فأدمغه: أي اجعل الحق يا الله معي، ليخمد ويذهب الباطل، واجعلني حجةً بالغةً ظاهرةً ليتم لي الاهتداء ويصح بيَ الاقتداء حتى ينزاح بيَ الباطل ويظهر بيَ الحق.
وزجَّ بي في بحار الأحدية: أي يا الله ارم بي في أنوار لا إله إلا الله، وأدخلني في طائفة المتحققين بالتوحيد الخالص، حتى تفنى عندي الرسوم ولا يبقى إلا الحي القيوم، وهذا مقام أهل الفناء المحض الذين غرقوا في توحيد الأحدية فلم يشهدوا سوى ذات الله تعالى العلية (ويسمى هذا المقام عين الجمع المعبر عنه بتجريد التوحيد).
وانشلني من أوحال التوحيد: أي خلصني يا الله سريعاً من مخاوف ومزالق الاعتقادات الرديئة الباطلة ومن متشابهات الأحكام التي زلت فيها أقدام الكثيرين إلا من رحم الله تعالى ومما يعرض للسالكين المستدلين بالأشياء على الله تعالى من الشبهات، فلا تسلك بي مسلك من شطح في كلامه واصطلم، أو ممن لُبِّسَ عليه الأمر فقال بالحلول والاتحاد ووحدة الوجود، أو ممن غلبت عليه الحقيقة فادعى الجبر ونفى الحكمة والأحكام، لأن صاحب الفناء إن لم تدركه العناية الإلهية أنكر ثبوت الآثار ومنها الرسل وما جاءوا به بل والعالم برمته، وتخليصه من تلك الأوحال نقله من مقام الفناء إلى مقام البقاء.
وأغرقني في عين بحر الوحدة: أي ردَّني إلى البقاء بعد الفناء لأصلح للخلافة في الأرض وأكمل غيري، وهو المعبر عنه بجمع الجمع، إذ يكون الجمع في باطنه موجوداً والفرق على ظاهره مشهوداً، ولذلك كان مقصوده الزج في بحار الأحدية الدفع لا على سبيل الإغراق بل على سبيل الركوب والمرور ليعلم ما فيها من الذخائر، وهو مقام الفناء ثم الاستغراق في عين بحر الوحدة (وهي مدد البحر) حتى يكون ممداً لمن خاض لججه، ولا يكون ذلك إلا في مقام البقاء، إذ التوحيد الخالص الكامل هو شهود الذات متّصفةً بالصفات، فيستدل على الصنعة بالصانع لكونه لا يشهد إلا الله تعالى وصفاته، والصنعة آثار صفاته (وهذا مقام العارفين).
حتى لا أرى ولا أسمع ولا أجد ولا أحس إلا بها: هذا غاية الاستغراق المذكور وهو الغيبة عن الأكوان بشهود المكوِّن، أي لا أرى ولا أسمع ولا أجد ولا أحس أي أثر من آثار خلق الله تعالى إلا بعد شهوده، فلا يوجد شيء إلا وهو قائم به سبحانه، وبقاؤه مستمد بتقدير بقاء الله تعالى له.
ولما كان كمال العبودية وكمال التوحيد والمعرفة لا يتم لصاحبه إلا بالاستقاء من يد المصطفى صلى الله عليه وسلم قال:
واجعل الحجاب الأعظم حياة روحي: أي يا الله مد روحي من النبي صلى الله عليه وسلم كما تمد العود الأخضر بالماء، لأنه صلى الله عليه وسلم حياتها، فالأرواح التي لا تشاهده ولا تستقي منه كأنها أموات، وهذه إشارة إلى أن العارف بالله تعالى لا غنى له عن واسطة النبي عليه الصلاة والسلام وإن وصل إلى حضرة القدس، وفني عن وجوده وفنائه وعن كل شيء في هيبة شهوده، واجعله يا الله حاجباً لروحي عما فيه هلاكها فتكون حيةً متمتعةً في معرفتك يا الله بسببه، فانَّ من لم يحتجب بالنبي صلى الله عليه وسلم وقع في المهالك وابتدع وضل وماتت روحه.

يتبع إن شاء الله تعالى
محب الاولياء غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس