عرض مشاركة واحدة
قديم 10-06-2008
  #2
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: علّامة الشام ومحدثها الأكبر

دروسه وطريقته في التدريس :
بدأ الشيخ بالتدريس في سن مبكرة ، وهو ابن خمس عشرة سنة تقريباً ، وراح يلقي دروساً خاصة ، على طلاب ربما كانوا أكبر منه سناً ، في غرفته في دار الحديث ,وكانت في النحو والصرف والبلاغة والفقه ، وكان قبلها يلقي درساً عاماً بين العشاءين ، وهو في الثالثة عشرة من عمره ، ولم يكن قد نبت شعر الرجولة في وجهه بعد .
ثم بعد انتهاء خلوته التي أشرنا إليها وعودته من مصر ، بدأ التدريس العام وهو في الثلاثين من عمره ، بشكل منتظم استمر حتى نهاية حياته . ويمكن تصنيف هذه الدروس في ثلاثة أنواع من حيث الهدف منها وطريقتها ومادتها .
1- النوع الأول منها : هو الدروس الخاصة التي كان يلقيها في غرفته في دار الحديث ، والتي كان يؤمها من طلاب العلم مَن يقصد دراسة كتاب خاص , أو الإلمام بعلم من العلوم على الشيخ ، وكان هؤلاء من أجناس وطبقات ودرجات وأعمار متفاوتة ، كان بعضهم من علماء وشيوخ البلد ، وبعضهم شباناً من رواد المعرفة .
وكان الشيخ يُدرِّس إلى جانب العلوم الشرعية وتوابعها ، علم الحساب والهندسة والجبر والفلك ، وكانت توجد أمامه على منصة التدريس ، أشكال الهندسة من كرة واسطوانة ، ومخروط وهرم و موشور ، كما كان يلقي بعض الأبحاث في الكيمياء والعلوم الطبيعية ، وكان له اهتمام بالاطلاع على كل جديد في هذه العلوم .
2- النوع الثاني من دروس الشيخ : هو درسه العام ، الذي كان يلقيه في المسجد على جمهور كبير من العامة والخاصة ، وكان يبدؤه غالباً بحديث نبوي شريف من صحيح البخاري ، ثم يشرحه ويلم بجوانبه وبكل ما يتصل به من علوم ، وكان الشيخ ينتخب موضوع الدرس مما له علاقة بحال الناس في ذلك الوقت ،وكان في درسه ذاك جهوري الصوت ،حتى قيل إن الداخل من باب المسجد على سعته يسمع صوته وظل كذلك حتى وفاته رحمه الله .
وكثيراً ما حضر هذا الدرس أجلة علماء دمشق ، ومَن يزورها من علماء الأقطار الإسلامية الأخرى ، فكانوا يخرجون معجبين مُكْبرين ، قال الشيخ رشيد رضا من علماء الأزهر يصف هذا الدرس ( إنه دائرة معارف سيارة ) , وقال الشيخ محمود العطار أحد كبار علماء دمشق وتلميذ الشيخ ( لو كُتب درسه بالحرف الواحد لبلغ جزءً لطيفاً بلا شك ) .
بدأ هذا الدرس في جامع السادات ، ولما كثر الناس وضاق بهم المسجد ، انتقل إلى جامع سنان باشا ، ثم أوكل إليه تدريس الحديث الشريف في الجامع الأموي في زمن الوالي ( مدحت باشا ) سنة 1880م / 1298هـ , وافتتح درسه باحتفال حضره أعيان العلماء ورجال الدولة والوالي وغيرهم .
3- النوع الثالث من دروس الشيخ : هو دروسه العامة ، التي كان يلقيها في داره التي تُفتح للوافدين من بعد صلاة المغرب إلى ما بعد العشاء بقليل ، يدخلها من يشاء , وكان يحضرها عدد من الطلبة وكثير من العامة .
هذه هي الأنواع الثلاثة من دروس الشيخ التي كانت تستغرق معظم وقته ، حتى قيل إن أخاه الشيخ بهاء الدين كان يتولى أمور منزله ، وينصرف هو إلى التدريس .
لقد كان العلم والتعليم ديدن الشيخ في حياته كلها ، أينما كان وحيثما حلَّ ، فقد كان طلبة العلم والعلماء يتوافدون عليه للاستفادة من علمه ، ولأخذ الإجازة عنه ، هذا ما كان من شأنه في رحلة الحج في مكة المكرمة وفي المدينة المنورة ، حيث لم يبق ممن وُجد من العلماء فيهما أحد إلا وزاره مستفيداً ، أو متبركا ،ً أو مستجيزاً .
وكان إلى جانب تفوقه في العلوم الشرعية والعقلية كلها ، ذا قدم راسخة في علم التصوف والأخلاق والسلوك إلى الله تبارك وتعالى ، وصاحب حالٍ عظيمة مع ربه عز وجل ، متمتعاً بصفاء روحي ونفسي راقٍ وعجيب .
بعض مظاهر من سلوكه وأدبه في تربيته :
كان رحمه الله يُعنى بنشر السنة الشريفة عناية كبيرة ، ويحمل نفسه ومَن استطاع التأثير عليه من الناس ، على العمل بكل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وكان يسلك سبيل الحكمة في تربية النفوس ، ويتجنب سبيل العنف والقسوة ، ومن وسائله التذكير والتعريض في الغالب ، والتصريح والخطاب أحياناً ، لكنه لم يكن يقابل أحداً بما يكره ، وكان يربي مريديه بالنظر دون الكلام ، ويتحين الفرص والمناسبات ، ويترك المجال للزمن ليمارس دوره في تربية النفس ، ويرى أن إعطاء الأسوة من نفسه من أفضل طرق النصح ، وأن القدوة ولسان الحال من أحسن الوسائل للتأثير ، ومن هنا لم يكن يشترط ابتداءً شروطاً خاصة على حاضري دروسه وملازميه .
وكان رضي الله عنه كثير التشجيع للشبان الذين يتوسم فيهم الاستعداد العلمي ، كثير التلطف معهم ، يُوسِّع لهم في المكان إذا دخلوا ، ويشير إلى مَن حوله ليكرموهم ويقربوا مجلسهم ، ويوصي بهم خيراً ، ويبين لهم ما ورد في فضل الشاب الصالح الناشئ في طاعة الله تعالى .
وكان رحمه الله يجثو في درسه العام على ركبتيه ، أدباً مع الحديث الشريف وذكر الله تعالى ، لا يتحرك ولا يضطرب في جلسته ، ولم يكن يتكلم قط بكلام الدنيا في المسجد مهما عظم شأن مَن يكلمه ، بل كان يأخذ بيده ويصافحه ويبتسم له حتى يخرجا من المسجد .
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات

التعديل الأخير تم بواسطة عبدالقادر حمود ; 10-06-2008 الساعة 02:59 PM
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس