عرض مشاركة واحدة
قديم 03-09-2009
  #8
أبو أنور
يارب لطفك الخفي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 3,299
معدل تقييم المستوى: 19
أبو أنور is on a distinguished road
افتراضي رد: ألف دلالة ودلالة في الصلاة على نور الوحي والرسالة

سيرة محدث سيرة تعظيم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم:

ولنتبين هذه المسيرة من خلال سيرة أحد العلماء الربانيين الذين عاينت منهم حملهم لمشروع تعظيم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حياتهم دعاءا ومقالا وحالا ودعوة.

إنه شيخنا وقدوتنا إلى الله سيدي أبو الفتوح عبد الله بن عبد القادر التليدي حفظه الله.

بدأت مسيرة تعظيم النبي الكريم في نفس شيخنا حفظه الله يوم اقتنى كتاب تنبيه الغافلين للإمام أبي الليث السمرقندي الذي صار أنيسه الدائم أثناء طلبه العلم بالجامع الكبير بطنجة ابتداءا من سنة 1947، فختمه مرات عديدة مستفيدا منه تلك الومضات القلبية التي جعلته يحدد موقعه من خريطة الربانيين ليبدأ مسيره نحو المثال الأول والأسوة الحسنة العليا.

يقول شيخنا سيدي عبد الله حفظه الله في كتابه نصب الموائد الجزء الأول عن هذا الكتاب وعن كتب الرقائق عموما:

وقراءة الكتب الوعظية وأبواب الرقائق من كتب الحديث وغيرها لها تأثير ملموس في تنوير القلوب وتهذيب النفوس وتزكية الأخلاق وحب الآخرة والعمل لها، وكاتب هذه الحروف ممن جرب هذا ولمسه، فإنني لما أنهيت قراءة القرآن الكريم وهداني الله تعالى لطلب العلم وقد ناهزت العشرين من عمري وقع بيدي كتاب تنبيه الغافلين لأبي الليث السمرقندي فجعلته أنيس وحدتي وشغفت بقراءته فتأثرت به كثيرا وتغيرت أحوالي ورأيت فيه ما لم أكن أعلمه ـ لأني لم أكن آنذاك قد طلبت العلم لأني كغيري نشأت في وسط جاهل عمته الفتن من طرف الاستعمار ـ فلما من الله علي بطلب العلم واقتنيت الكتاب المذكور صادف الوعاء فارغا والقلب على الفطرة لم يتدنس بعد بشيء فكان النفع به عظيما. والكتاب وإن كان مزيجا من الأحاديث والآثار الصحيحة والموضوعة فهذا لا يمنع من الاستفادة منه والانتفاع به.. فعليك يا أخي به وبغيره من كتب الرقائق والزهديات تر ما رأيته.. وقد أكرمني الله بسبب قراءته وقراءة كتب أخرى أوسع فحفظني من طيش الشباب وتأثرت بسير الصالحين والزهاد والعباد والأولياء فكنت دائم التطلع إلى مراتبهم وكثير التعلق بأحوالهم وأخلاقهم هـ.

من هذا الكتاب بدأ مشروع تعظيم النبي صلى الله عليه وآله وسلم يأخذ طريقه في قرارات نفس شيخنا وعقله وروحه ومخيلته وذهنه وسائر كيانه.

من يومها وهو دائم التطلع إلى المراتب العليا وإلى أصحاب المراتب العليا.. بل كان تطلعه متجها اتجاها دقيقا وحثيثا نحو صاحب المقام المحمود سيد ولد آدم أجمعين حبيبنا ومولانا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

ولا أدل على ذلك من أن في هذه السنة بالذات رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المنام في أولى مبشراته العظيمة التي حكاها بنفسه في كتابه "المبشرات التليدية".

كان ذلك بعد متابعته لدرس في النحو على الشيخ العالم الفقيه الحسن اللمتوني رحمه الله في الجامع الكبير ما بين الساعة العاشرة إلى الحادية عشر من الصباح. وكان من عادة شيخنا النوم بعد هذا الدرس لقلة ساعات النوم بالليل في ركن من هذا المسجد التاريخي.

قال حفظه الله في المنح الإلهية بالمبشرات التليدية:

رأيت سنة سبع وستين وثلاثمائة وألف كأنني بالمسجد الأعظم من طنجة فقيل لي: هذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالس، فقصدته فوجدته جالسا على صفة عالم عليه جلابة بيضاء وبرنس وعمامة ولحية سوداء، فقبلت يده الشريفة فقال لي:
قم لتجمع الزكاة،
فذهبت وجعلت أجمع القروش في حجري فأتيته بها فقال لي:
زكها، فقلت له: وكيف ذلك؟ فقال لي:
ألست تزكي القرآن وأنك تقرأ منه حزبا صباحا ومثله مساءا، فقلت: بلى، فقال:
وكذلك هذه،
ثم قلت في نفسي: الحمد لله الذي أتاني به لآخذ عنه العلم وأدرس عليه.
فاستيقظت فرحا والدموع تسيل على خدودي، فكانت فيها إشارة إلى أخذي العلم من سنته صلى الله عليه وآله وسلم وعملي بذلك لأن العمل هو زكاة الشريعة هـ.

إن ما بين قراءة كتاب تنبيه الغافلين إلى غاية ظهور النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم في المنام أشواط ومسافات من تعظيم سيدنا محمد وإعلاء مقامه في النفس والعقل والوجدان.

فقد أصبح شيخنا حفظه الله يريد التتلمذ على الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم الذي تصدر مجلس التعليم في نفس الشيخ وعقله ووجدانه، وبات كل عالم من مشايخه خليفة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتتطلع النفس المزكاة إلى حضور النبي الكريم بذاته وصفته للأخذ عنه.

إن عتبة الاكتفاء التربوي هنا قد اجتازها شيخنا حفظه الله وبامتياز، ما دام مسلسل تعظيمه للنبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم مستمر، وبرنامج إعلاء ذكره ومقامه في خويصة نفسه لم يتوقف.

إنها حالة مستدامة وليست مجرد ومضة خاطفة لتختفي مع أول هم من هموم المعاش.

إن التتلمذ هنا على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ضرورة أقوى من أي ضرورات بقاء الروح في الجسد. إنها ضرورة المحبة المتفانية في الجناب النبوي التي لا قرار للذات معها إلا بمشاهدة المحبوب ومخاطبته.

إن هذا الجهد النفسي والعقلي من شيخنا حفظه الله عصامي بحت، إذ لم يكن له آنذاك انتساب إلى طريقة من الطرق الصوفية المنتشرة في مدينة طنجة.

فما الذي قام مقام شيخ التربية الروحية في ذات شيخنا حفظه الله، حتى نال ما ناله في بداية مشروعه من وسام التعلم بين يدي الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.

إنها، إلى جانب تفانيه في طلب العلم الشرعي، الصلاة والسلام على سيد المرسلين التي تعين على قلب الأحوال وتغيير النفوس إلى مقام عظيم في المحبة والمتابعة.

قال شيخنا في نصب الموائد الجزء الأول:

ومن أسباب محبة الرسول: الإكثار من النظر في سيرته وحياته وأيامه وشمائله وفضائله ومعجزاته والإكثار من الصلاة والسلام عليه مع استحضار شخصه الشريف وصورته الطاهرة.. ومن أقوى هذه الأسباب أيضا قراءة حديثه الشريف والاشتغال به على الدوام، فكل ذلك مما يوجب محبته صلى الله عليه وآله وسلم وينميها هـ.

فبعد كتاب تنبيه الغافلين مباشرة عرف شيخنا كتابا آخر داوم على قراءته مع التدبر في معانيه وأضحى وردا من أوراد يومه وليلته إلى جانب ورده من القرآن الكريم.

فقد كان شيخنا حفظه الله من الطلبة الأحرار الآخذين من التصوف جوهره ولبه، فكان يكثر من الصلاة على الحبيب المصطفى سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم بكتاب دلائل الخيرات للإمام محمد بن سليمان الجزولي رحمه الله.

وإلى جانب هذا الورد اليومي كان حفظه الله مع ثلة من الطلبة يجتمعون أسبوعيا في محل بحي الدرادب بطنجة لقراءة دلائل الخيرات والبردة جماعة، ولم يكن لهم شيخ بالمفهوم التربوي الروحي، وكان يحضر معهم هذا الجمع الأسبوعي المبارك الفقيه عبد السلام الخنوس والفقيه أحمد الغيلاني رحمهما الله.

يقول شيخنا حفظه الله في كتابه المطرب عند ترجمته لسيدي محمد بن سليمان الجزولي وذكره لكتابه هذا العظيم:

والمقصود أن دلائل الخيرات قيم لا مثيل له في موضوعه، وكاتب هذه الحروف ممن شاهد ولمس بركته.. والكتاب بحمد الله تعالى ليس فيه ما يؤاخذ على مؤلفه إلا ما فيه من بعض أحاديث موضوعة أو التي لا أصل لها، وهذا مما لا يخلو منه كتاب لا يعرف صاحبه الحديث، .. أما ما انتقدوه عليه كقوله: وصل على سيدنا محمد عدد علمك، وقوله: عدد ما أحيط به علمك وأضعاف ذلك، وقوله: كنت حيث كنت، الخ فهي مؤولة ومحمولة على محامل حسنة كما يعرف من جواب أبي المحاسن سيدي يوسف الفاسي كما في ممتع الأسماع ومرآة المحاسن .. أما ما فيه من الاستشفاع برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والتوسل به وندائه باسمه: يا سيدنا محمد، فالاعتراض على ذلك من وساوس الوهابية وترهاتهم الباطلة، وفي السنة المطهرة ولغة العرب ما يدل على ذلك كما يعرفه أهل العلم الصحيح، وكما هو مذكور في كتب الرد على الوهابية وأذنابهم،.. .

إلى أن قال حفظه الله: وأنا أنصح كل مسلم بملازمة قراءة دلائل الخيرات، فإنه إن لازمه مع التفكر في عظمة الرسول الكريم والتحبب إليه فسوف يسعد إن شاء الله تعالى هـ.

قلت: كيف لا يسعد من شاهد طلعة الحبيب المصطفى سيدنا محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله بل وخاطبه وأخذ عنه.. ؟!

هذا التطلع إلى المقام المحمدي سيفيض على عقل شيخنا بعدما غمر النفس والوجدان ليصبح الاغتراف من العلم والفقه عند أبي الفتوح حفظه الله مشدودا إلى معين النبوة.

ولابد من التذكير هنا بأن السمة المناهضة لهذا التطلع التي ميزت هذه الفترة هي التعصب للمذهب المالكي من طرف كثير من الفقهاء، حتى إن شيوخ الطرق الصوفية، لقوة تيار التقليد، ألغى أكثرهم أسا عظيما من أسس التربية وهو التزام السنة النبوية الصحيحة دون رأي الرجال خصوصا في مجال العبادات، كما سطره الإمام الجنيد رضي الله عنه حين قال:

من لم يحفظ القرآن، ولم يكتب الحديث لا يقتدى به في هذا الأمر لأن علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة هـ.

وقال أيضا: الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا على من اقتفى أثر الرسول عليه الصلاة والسلام هـ.

ومع ذلك فقد كانت أكثر المصنفات تدريسا في تلك الفترة وقبلها: مختصر خليل بالخرشي أو الزرقاني أو بناني أو الدردير أو الرهوني، ومتن ابن عاشر المرشد المعين بميارة الصغير أو الكبير، ورسالة ابن أبي زيد القيرواني بشرح زروق .. ، بالإضافة إلى طالع الأماني وغيرها من كتب المالكية، فكان يختمها الواحد من الطلبة على شيخ من شيوخه مرات عديدة، وقليلا ما كان يدرس فقه الحديث بالكتب المصنفة فيه كسبل السلام شرح بلوغ المرام من جمع أدلة الأحكام ونيل الأوطار شرح منتقى الأخبار وإحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام بل لم يكن على علم بها الطلبة المبتدئين ولا حتى بعض الفقهاء المدرسين.

فكيف تفاعل شيخنا مع هذا الوسط العلمي المتعصب والمتشنج والحال أن العقل بدأ يستجيب لنداءات الروح المتحررة من أوحال الذات في معراجها إلى يعسوب الأرواح ومعلمها الأول سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

فلم يكن شيخنا حفظه الله ليكتفي فقهيا بما كان يدرس في جل ،إن لم نقل كل، معاهد العلوم الشرعية. وفور اطلاعه بوجود كتابين هما أصح الكتب الحديثية بعد القرآن الكريم كما هو مقرر في بدايات كتب علوم الحديث، اشترى شيخنا حفظه أول كتاب حديثي له وهو شرح الإمام النووي لصحيح مسلم، فأخذ في قراءته فإذا به يقف على أمور يخالف فيها المالكية قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.

إن الأمر في أولى انطباعاته وتأثيراته على نفس شيخنا لجلل وخطير !!

فالمسألة لا تحتمل المزيد من التأخير في البيان لأن وقت الحاجة قد تأكد وحان.

فسأل شيخنا أحد مشايخه عن هذه المخالفة وما سببها فكان جواب هذا الشيخ المتعصب للمذهب المالكي سقفا بشريا مانعا لمسلسل الاغتراف من معين النبوة أن يأخذ طريقه في تأصيل وتقعيد متابعة النبي الكريم وتقديم قوله وبيانه على قول وبيان أي إنسان.

أجابه الشيخ المتعصب بأن يترك جانبا كتب الحديث ويقتصر في طلبه للفقه على الفقه المالكي الذي "صفاه علماؤنا من كل شائبة خطأ أو نقص" في زعم هذا العالم.

وتكرر بروز هذا التطلع الفائر للمقام المحمدي مرة ثانية حين قرأ شيخنا كتاب زاد المعاد في هدي خير العباد فذهب إلى أحد مشايخه الذي أجابه قائلا: إن صاحب الكتاب حنبلي ونحن مالكية، وأخذ في مدح المذهب المالكي ورجالاته وفقهائه وأنه لا يجوز للمغاربة أن يعملوا بغير ما ذهب إليه مالك بن أنس رحمه الله.

واستمر حال شيخنا في شوق وتلهف لاستئناف مشروعه في تعظيم النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وإعلاء ذكره وسنته إلى غاية سنة 1952 حيث سيلتقي بالإخوة الصديقيين سيدي محمد الزمزمي وسيدي عبد الحي وسيدي عبد العزيز رحمهم الله.

فقضى سنة كاملة إلى جانبهم يتعلم كيفية التخلص من تقليد أقوال الفقهاء المتعارضة مع بيانات السنة النبوية الصحيحة لتأخذ مسيرة إعلائه للمقام المحمدي في نفسه وعقله طريقها نحو التألق والتقدم.

وفي سنة 1953 سيتتلمذ شيخنا على شيخه الحافظ سيدي أحمد بن الصديق رحمه الله الذي سيصبح من أول يوم لقائه به شيخه في الحديث النبوي وشيخه أيضا في التربية الروحية. وكان هذا اللقاء في مدينة سلا المغربية.
أكمل الحافظ سيدي أحمد ما بدأه إخوته من مشروع تعظيم النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم في ذات شيخنا فإذا ببوادر النجاح تلوح في أفق المنامات المبشرة التي جاءت الواحدة تلو الأخرى لتثبت قدمي شيخنا على طريق المواصلة في مشروعه العظيم.

ومن التوفيق الإلهي لشيخنا في هذه الصحبة، أن مشروعه لتعظيم النبي الكريم في ذاته وعقله ووجدانه ونفسه قد التقى بما كان عليه شيخه الحافظ سيدي أحمد رحمه الله من متابعة دقيقة للنبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وحب وهيام في جنابه وحديثه وكل ما يشد إليه.

فكان برهان هذا التلاقي الرباني واضحا في مبشرات شيخنا المنامية حيث سيرى سيدي عبد الله في المنام كأنه مع شيخه بداره بسلا وليس معهما أحد فقال له سيدي أحمد رضي الله عنه:

ادن مني فأنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وشرف وعظم ومجد وكرم،

فدنا منه شيخنا وصار يقبل يده الشريفة وكان عليه لباس أبيض ووجهه مشرق يتلألأ نورا.

ولكم أن تواصلوا قراءة مسيرة هذا التعظيم التليدي للمقام المحمدي بقراءة كل من كتاب شيخنا: ذكريات من حياتي، أو كتابي المختصر في ترجمته: عبد الله التليدي العلامة الأثري والمحدث المربي، ريثما يأذن الله في طبع أصله وهو أنيس دربي وهداية ربي لسيرة الشريف والمحدث المربي سيدي أبي الفتوح عبد الله التليدي.

يكفينا هنا أن نتبين مستوى التعظيم التليدي للمقام المحمدي بالتعريج على مستويين مهمين في هذا الموضوع وهما: مستوى التدريس ومستوى الكتابة.
أبو أنور غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس