الموضوع: المكتوبات
عرض مشاركة واحدة
قديم 02-03-2011
  #37
عبدالرزاق
عضو شرف
 الصورة الرمزية عبدالرزاق
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 329
معدل تقييم المستوى: 14
عبدالرزاق is on a distinguished road
افتراضي رد: المكتوبات

كل ذلك يدل على ان وساطة الرزق ليست الاقتدار بل الافتقار.

وان حسن المعيشة التي يرفل بها الصغار ـ سواءً أكانوا اناساً أم حيوانات ـ والاحسان اليهم باللبن الخالص هدية لطيفة تقدم من خزينة الرحمة الإلهية من حيث لايحتسبون؛ رحمةً لضعفهم وشفقة على عجزهم، وضيق العيش في الوحوش الضارية، يدل على ان وسيلة الرزق الحلال هي العجز والافتقار وليست الذكاء والاقتدار.

وان اليهود المشهورين بانهم أحرص الناس على الحياة الدنيا، يسبقون الامم في سعيهم وراء الرزق، بينما هم اكثر الأمم ذلة ومهانة، واكثرهم تعرضاً لسوء المعيشة، بل حتى أغنياؤهم يعيشون عيشاً ذليلاً. ولاتجرح مسألتنا هذه تلك الاموال التي يحصلون عليها بالربا وامثالها من الطرق غير المشروعة، لانها ليست من الرزق الحلال.

وان كثيراً من الادباء والعلماء يعيشون عيش الكفاف، في حين يُثرى كثير من البلداء والبلهاء.. كل ذلك يدل على ان وسيلة جلب الرزق ليست بالذكاء والاقتدار، بل بالعجز والافتقار وبالتسليم المتسم بالتوكل، وبالدعاء بلسان المقال والحال والفعل.

والآية الكريمة : } إنّ الله هُوَ الرّزَاقُ ذُو القُوةِ المَتين{ (الذاريات:58) تعلن هذه الحقيقة، وهي برهان قوي عظيم لدعوانا هذه، بحيث تتلوها جميع النباتات والحيوانات واطفال الانسان بلسان الحال، بل تتلوها كل طائفة تطلب الرزق.

وحيث ان الرزق مقدّر بالقدر الإلهي، وانه يُنعَم به انعاماً، والمنعم المقدّر هو الله سبحانه، وهو رحيم وكريم، فليفكر مَن يقبل مالاً حراماً ممحوقاً رشوة لوجدانه بل احياناً لمقدساته، مريقاً ماء وجهه إراقة غير مشروعة بدرجة اتهام رحمته تعالى واستخفاف كرمه سبحانه.. أقول؛ فليفكر مثل هذا في مدى بلاهة وجنون تصرفه.

نعم! ان اهل الدنيا ولاسيما اهل الضلالة، لايعطون نقودهم رخيصة، بل يعطونها باثمان باهظة، فان مالاً قد يعين على ادامة حياة دنيوية لسنة واحدة، الاّ انه يكون احياناً وسيلة لإبادة خزينة حياة ابدية خالدة. فيجلب بذلك الحرص الفاسد الغضب الإلهي عليه ويحاول جلب رضى اهل الضلالة.

فيا اخوتي!

اذا ما اصطادكم متزلفو اهل الدنيا ومنافقو اهل الضلال بفخ الطمع وعرقه الضعيف المغروز في الانسان، ففكروا في الحقيقة السابقة واجعلوا اخاكم هذا الفقير مثالاً يقتدى به.

فاني اطمئنكم بأن القناعة والاقتصاد يديمان حياتكم ويضمنان رزقكم اكثر من المرتّب، ولاسيما ان تلك النقود غير المشروعة المعطاة لكم ستطلب منكم بدلها أضعافاً مضاعفة، بل ألف ضعف وضعف، او في الاقل تمنع او تقلل من الخدمة القرآنية التي تستطيع ان تفتح ابواب خزينة ابدية لكم ؛ كل ساعة من ساعاتها. وهذا ضرر جسيم وفراغ وخيم لاتملؤه ألوف المرتبات.



تنبيه:

ان اهل الضلالة الذين دأبهم النفاق والكيد، ينصبون فخ الحيلة والخداع، وذلك عندما يعجزون عن الوقوف ازاء ما نشرناه من حقائق الايمان المستلهمة من القرآن الحكيم. ويحاولون - بشتى الطرق - ان يسحبوا أصدقائي عني، ويغرروا بهم بحب الجاه والطمع والخوف، والتهوين من شأني، بإلصاق بعض الامور بي.

نحن لانتحرك في خدمتنا المقدسة الاّ حركة ايجابية، ولكن دفع الموانع التي تعيق كل أمر من أمور الخير، يسوقنا احياناً الى حركة سلبية مع الاسف.

وازاء دعايات المنافقين الخادعة هذه، انبّه اخواني بالنقاط الثلاث السابقة، واسعى لدفع الهجوم عنهم. ويُشن في الوقت الحاضر اكبر هجوم عليّ بالذات إذ يقولون ان سعيداً كردي، فلِمَ تحترمونه كثيراً وتتبعونه؟ لذا اضطر الى كتابة الدسيسة الشيطانية الرابعة بلسان (سعيد القديم) دون رغبة مني، لإسكات امثال هؤلاء.

الدسيسة الشيطانية الرابعة

ان بعض الملحدين الذين يُشغلون مناصب مهمة، يشنون هجوماً عليّ، بترويجهم دعايات تلقوها من الشيطان ومن ايحاءات اهل الضلال، ليغرروا بها باخواني ويثيروا فيهم النعرة القومية، اذ يقولون :

انتم أتراك، وفي الاتراك من اصناف العلماء وارباب الفضل والكمال الكثيرين بفضل الله، وان سعيداً هذا كردي، فالتعاون مع من ليس من قوميتكم ينافي النخوة القومية.

الجواب: ايها الملحد الشقي! اني ولله الحمد مسلم، انتسب الى امتي السامية، وهم ثلاثمائة وخمسون مليوناً في كل عصر، واني استعيذ بالله مائة الف مرة من ان اُضحي بهذه الكثرة الكاثرة من الاخوان الطيبين المترابطين باخوة خالدة ويمدونني بدعواتهم الخالصة وفيهم اكثرية الاكراد المطلقة، واستبدل بهؤلاء الميامين دعوةً عنصرية وقومية سلبية كسباً لودّ بضعة اشخاص معينين يحملون اسم الكرد ويعدّون من عنصر الكرد، ممن سلكوا سبيل الالحاد والانسلاخ من المذاهب والقيم.

ايها الملحد! ان ذلك دأب امثالك من الحمقى، يترك اخوة حقيقية نورانية نافعة لجماعة عظيمة تعدادهم ثلاثمائة وخمسون مليوناً لاجل كسب اخوة كفار (المجر) او عدد من اتراك متفرنجين متحللين من الدين، تلك الاخوة المؤقتة غير المجدية حتى في الدنيا.

ولما كنا قد بيّنا ماهية القومية السلبية وأضرارها بدلائلها في المسألة الثالثة من (المكتوب السادس والعشرين) فاننا نحيلها الى تلك الرسالة ونتناول بشئ من الايضاح حقيقة وردت مجملةً في نهاية المسألة الثالثة هي الآتية:

اقول لأولئك الملحدين، ادعياء النخوة والغيرة، المتسترين تحت ستار القومية التركية، وهم في الحقيقة اعداء الامة التركية، اقول لهم:

انني على علاقة وثيقة جداً بمؤمني هذا الوطن الذين يسمون بالاتراك المرتبطين ارتباطاً قوياً، وبأخوة صادقة ابدية وحقيقية بالامة الاسلامية.. واكنّ حباً عميقاً وولاءً بفخر واعتزاز ـ باسم الاسلام ـ لابناء هذا الوطن الذين رفعوا راية القرآن خفاقة عزيزة في ربوع العالم اجمع زهاء ألف عام.

اما انت ايها المخادع المدّعي، فليس لك الاّ اخوة مجازية غير حقيقية ومؤقتة ومبنية على العنصرية والاغراض الشخصية، بحيث تهمل وتطرح جانباً المفاخر القومية الحقيقية للترك. فانا أسألك:

هل الامة التركية عبارة عن شباب غافلين، سارحين وراء الاهواء، ممن تتراوح اعمارهم بين العشرين والاربعين من العمر فقط؟

وهل ماتستوجبه النخوة القومية من منافع تمسهم محصورة في تربية متفرنجة تزيد غفلتهم، وتعوّدهم على الفساد وسوء الاخلاق، وتحثهم على ارتكاب الموبقات؟

وهل هي في دفعهم الى متعة مؤقتة وضحك آني يبكون عليها اياماً في شيخوختهم؟.

فان كانت النخوة القومية هي هذه الامور، وان كان الرقي وسعادة الحياة هي هذه.. وان كنت انت داعية الى هذا النمط من القومية التركية، وتدافع عن الامة على هذه الصورة. فانا أفرّ من هذه الدعوة القومية التركية فراراً بعيداً ولك ان تفرّ مني ايضاً.

وان كنت مالكاً لذرة من شعور وانصاف وغيرة قومية حقة، فانظر الى هذه التقسيمات ثم اجب عنها، هي:

ان ابناء هذا الوطن الذين يسمّون بالاتراك، ينقسمون الى ستة اقسام:

القسم الاول: هم اهل التقوى والصلاح.

القسم الثاني: هم المرضى واهل الضر والمصائب.

القسم الثالث: هم الشيوخ.

القسم الرابع: هم الاطفال والصبيان.

القسم الخامس: هم الفقراء والمعوزون.

القسم السادس: هم الشباب.

أليست الطوائف الخمس الاولى أتراكاً؟ أوَ ليس لهم حصة من الحمية القومية؟ أفمن الأِباء القومي أيذاء اولئك الطوائف الخمس وسلب سرورهم وتعكير صفوهم وافساد سلوانهم في سبيل ادخال بهجة مسكرة غافلة في نفوس الطائفة السادسة؟ أهذه نخوة أم عداء للأمة؟ ان الذي يُلحق الضرر بالاكثرية لاشك انه عدوّ لاصديق، اذ الحكم يبنى على الاكثرية.

فأنا أسألك:

هل اعظم ما ينتفع به القسم الاول ـ وهم اهل الايمان والتقوى ـ هو في مدنية متفرنجة؟ أم هو في سلوك طريق الحق التي يشتاقون اليها، ووجدان سلوان حقيقي في انوار حقائق الايمان باستحـضار السعادة الابدية.

ان الطريق التي تسلكونها، انت وامثالك من ادعياء القومية المتمادين في الضلالة، تطفئ الانوار المعنوية للمؤمنين المتقين، وتخل بسلوانهم الحقيقي، وتريهم الموت اعداماً ابدياً، وتدلّهم على ان القبر باب الى فراق ابدي.

وهل منافع القسم الثاني وهم المرضى واهل المصائب الآيسون من حياتهم، هي في تربية مدنية لادينية متفرنجة؟. بينما اولئك البائسون يريدون نوراً ويطلبون سلواناً ويبتغون ثواباً على ما نزل بهم من مصائب، ويرومون أخذ الثأر والانتقام ممن ظلمهم، ويترقبون دفع الخوف عن باب القبر الذي دنوا منه. ولكن بالنخوة الكاذبة التي تدعيها انت وامثالك تنزلون صفعات موجعة على رؤوس اولئك المبتلين المحتاجين أشد الحاجة الى العزاء والاشفاق عليهم وضماد جروحهم واللطف بهم، بل تغرزون الآلام في قلوبهم الجريحة، فتخيبون آمالهم دون رحمة، وتلقونهم في يأس قاتم دائم!

أهذه غيرة قومية؟ أبهذا تخدمون الامة وتُسدون اليها النفع؟

والطائفة الثالثة وهم الشيوخ؛ الذين يمثلون ثلث الامة، فهؤلاء يقتربون من القبر، ويدنون من الموت،ويبتعدون عن الدنيا، ويجاورون الآخرة! فهل سلوان هؤلاء ونفعهم في الاستماع الى سيرة الظالمين من امثال (جنكيز خان) و (هولاكو) المليئة بالغدر؟ وهل هي في هذا النمط من افعالكم الحاضرة التي تُنسي الآخرة، وتُلصق بالدنيا، وهي افعال لاطائل تحتها، وهي سقوط وتردٍ معنوي رغم ما يطلق عليها من رقي في الظاهر. وهل أن نور الآخرة في السينما؟ وهل السلوان الحقيقي في المسرح؟

واذ ينتظر هؤلاء الشيوخ الضعفاء الاحترام والتوقير من اهل النخوة والغيرة اذا بهم يخاطَبون: انكم تساقون الى اعدام ابدي، بما ينفث في روعهم ان باب القبر الذي يتصورونه رحمة ما هو الاّ فم ثعبان يبتلعهم، ويهمس في اذانهم المعنوية : انكم ماضون الى هناك وكأن هذا الكلام طعنات معنوية تنزل عليهم، فتذبحهم ذبحاً معنوياً.

فان كانت هذه غيرة قومية وحمية ملية، فاني استعيذ باللّه مائة ألف مرة من هذه الحمية والنخوة القومية.

اما الطائفة الرابعة؛ وهم الاطفال، فانهم يطلبون من الحمية القومية الرحمة وينتظرون منها الشفقة عليهم.

وان الايمان باللّه الخالق القدير الرحيم هو الذي يجعل ارواحهم تنبسط، وقابلياتهم تنمو، ومواهبهم تتربى بسعادة ـ بما يكمن فيهم من ضعف وعجز ـ ويستطيعون ان ينظروا الى الحياة نظرة اشتياق بتلقين التوكل الايماني والتسليم الاسلامي تلقيناً يمكّنهم من ان يصمدوا ازاء ما ستجابههم من احوال واهوال.

فهل يمكن ان يعوّض ذلك بتعليم دروس تقدم حضاري لايرتبطون بها الاّ ارتباطاً واهياً، وبتدريس الفلسفة المادية التي لا نور فيها، تلك التي تنقض قواهم المعنوية وتطفئ نور أرواحهم؟

اذ لو كان الانسان عبارة عن جسد حيوان فحسب، غير مالك للعقل، فلربما يُلهي هؤلاء الاطفال الابرياء لهواً مؤقتاً صبيانياً بهذه الاصول الاجنبية وينتفعون منها نفعاً دنيوياً بالتربية الحديثة التي زيّنتموها بالتربية القومية.

ولكن اولئك الابرياء سينزلون حتماً الى حلبة الحياة كأي انسان كان ولاشك انهم سيحملون آمالاً بعيدة جداً في قلوبهم اللطيفة الصغيرة، وستنشأ في عقولهم الصغيرة مقاصد جليلة.

وحيث ان الحقيقة هي هذه، يلزم أن يقرّ في قلوبهم نقطة استناد قوية ونقطة استمداد لاتنضب بترسيخ الايمان بالله وباليوم الآخر. وذلك من مقتضى الشفقة عليهم وهم يحملون عجزاً وفقراً لامنتهى لهما. وبهذا وحده تكون الشفقة عليهم والرحمة بهم. والاّ فان الاشفاق عليهم بسُكر الغيرة القومية وحدها يكون ذبحاً معنوياً لاولئك الصغار الابرياء، كقيام والدة مجنونة بذبح طفلها، بل هو غدر قاسٍ ووحشية ظالمة لهم، كمن يُخرج قلب الطفل ودماغه ويقدمهما له طعاماً لينمو جسده!.

الطائفة الخامسة وهم الضعفاء والفقراء!

فالفقراء الذين يقاسون تكاليف الحياة المرهقة والتي تصبح اكثر ايلاماً بالفقر، والضعفاء المساكين الذين يتألمون اكثر من تقلبات الحياة الهائلة. أليس لهؤلاء حظ من الغيرة القومية؟

وهل حظهم هو في الاعمال التي ترتكبونها تحت ستار التفرنج والتمدن بمدنية فرعونية تزيل حجاب الحياء وتشبع نزوات اغنياء سفهاء وتكون وسيلة لشهرة طغاة أقوياء ظلمة، والتي تزيد يأس هؤلاء البائسين وألمهم؟

ألا إن المرهم الشافي لضماد جرح الفقر لهؤلاء ليس في العنصرية ابداً، بل يؤخذ من صيدلية الاسلام المقدسة، ولاتستمد القوة للضعفاء ومقاومتهم من الفلسفة الطبيعية المظلمة المستندة الى المصادفة العمياء والطبيعة الصماء، بل تستمد من الحمية الاسلامية ومن الامة الاسلامية السامية.

الطائفة السادسة وهم الشباب: لو كانت فتوة هؤلاء الشباب دائمية، لكان للشراب المسكر الذي سقيتموهم اياه بالقومية السلبية منفعة مؤقتة وفائدة دقيقة. ولكن الإفاقة من نشوة الشباب اللذيذة بالشيب وبالآلام، والتنبه من ذلك النوم الممتع في صبح المشيب بالحسرات؛ سيدفع الشاب الى البكاء المرير وتجرّع الآلام من جراء نشوة ذلك الشراب. فضلاً عن ان الألم الذي يشعر به من زوال ذلك الحلم الممتع، سيكون حزناً شديداً عليه، حتى يجعله يتأوه وتذهب نفسه حسرات عليه قائلاً: وآأسفى، لقد ذهب الشباب، ومضى العمر، وسأدخل القبر صفر اليدين، ليتني استرشدت وعدت الى صوابي!

فهل حصة هذه الطائفة من القومية هي متعة مؤقتة في مدة محدودة، ثم دفعهم الى الحسرات والبكاء مدة مديدة؟ أم أن سعادة دنياهم ولذة حياتهم هي في اداء الشكر على نعمة الشباب، بصرف ذلك العهد اللذيذ في الاستقامة ـ لا في السفاهة ـ وذلك لإبقاء ذلك الشباب الفاني ابقاء معنوياً بالعبادة، وللفوز بشباب خالد في دار السعادة الابدية، بالتزام الاستقامة في ذلك العهد.

فان كان لك شعور، ولو بمقدار ذرة، اجب عن هذه الاسئلة.

الحاصل: لو كانت الامة التركية قاصرة على الطائفة السادسة، اي على الشباب وحدهم، وكانت فتوتهم خالدة، وليس لهم دار غير الدنيا، لكانت اعمالكم المشوبة بالتفرنج تحت ستار القومية التركية، تعدّ من الغيرة والحمية القومية، وعندئذٍ كان يمكنكم ان تقولوا لشخص مثلي ممن لايكترث بامور الدنيا الاّ قليلاً، ويعدّ العنصرية داءً وبيلاً ـ كداء السيلان ـ ويسعى لصرف الشبان عن الاهواء والرغبات غير المشروعة، وقد ولد في ديار اخرى، أقول: كان يمكنكم ان تقولوا: انه كردي لاتتبعوه! ولربما تكسبون بقولكم هذا حقاً.

ولكن لما كان أبناء هذا الوطن ـ الذين يطلق عليهم اسم الترك ـ هم ستة اقسام كما بينا آنفاً ـ فان إلحاق الضرر بخمسة اقسام منهم وسلب راحتهم، وحصر راحةٍ دنيوية مؤقتة وخيمة العاقبة في قسم واحد منهم فقط بل اسكارهم بها لاشك انه ليس وفاءً للامة التركية بل هو عداء لها.

نعم! انني من حيث العنصر لا اُعد من الترك، ولكن سعيت ومازلت أسعى بكل ما اوتيت من قوة لصالح المتقين وللمبتلين بالمصائب وللشيوخ وللاطفال وللفقراء من الاتراك، واحاول ايضاً صرف الشباب ـ وهم الطائفة السادسة ـ عن افعال غير مشروعة تسمم حياتهم الدنيوية وتبيد حياتهم الاخروية، وتسوق الى سنة من البكاء على ضحك لم يدم ساعة.

وهذا هو دأبي منذ عشرين سنة ـ وليس في هذه السنين الست او السبع ـ اذ ما نشرته من رسائل باللغة التركية واستلهمتها من نور القرآن الكريم، موجودة امام الجميع.

نعم ان الاثار التي اقتبست من كنز أنوار القرآن الكريم ـ وللّه الحمد - قد أظهرت للمتقين الصالحين النور الذي يحتاجونه بشدة، وبينت للمرضى والمبتلين ان أنجع العلاجات والبلسم الشافي لهم هو في صيدلية القرآن المقدسة، واثبتت ـ بالانوار القرآنية ـ للشيوخ القريبين من باب القبر انه باب رحمة وليس باب اعدام. واستخرجت للأطفال الذين يحملون قلوباً لطيفة رقيقة ـ من كنز القرآن الكريم ـ نقطة استناد قوية جداً تجاه المصائب والمهالك والمضرات وابرزت نقطة استمداد فيها تكون محور آمال ورغبات لاحدّ لها لهم واستفيد منها فعلاً. ورفعت ـ تلك الآثار ـ ثقل تكاليف الحياة المرهقة عن كاهل الفقراء الضعفاء التي ينسحقون تحتها، وذلك بحقائق الايمان القرآنية.

وهكذا فنحن نسعى لنفع هذه الطوائف الخمس من الاقسام الستة من الامة التركية، اما القسم السادس وهم الشباب، فلنا اخوّة صادقة مع الطيبين منهم، علماً انه لا صداقة لنا بأي جهة من الجهات مع من هم من امثالك من الملحدين، لاننا لانعدّ الملحد المنسلخ عن ملة الاسلام ـ التي تضم مفاخر الاتراك الحقيقية ـ انه من الامة التركية، بل نعدّه أجنبياً تستر بستار الترك. فمثل هؤلاء مهما زعموا انهم يدعون الى القومية التركية فانهم لايستطيعون ان يخدعوا اهل الحقيقة، لان أفعالهم وتصرفاتهم تكذّب دعواهم.

فيا ايها الملحدون المتفرنجون الذين يسعون لصرف اخواني الحقيقيين عني بدعاياتكم! ايّ نفع تسدونه لهذه الامة؟ انكم تطفئون نور اهل التقوى والصلاح وهم الطائفة الاولى وتضعون السمّ على جروح من هم أحوج ما يكونون الى الضماد والرحمة، وهم الطائفة الثانية.

وتسلبون سلوان من هم أليق بالاحترام والتوقير، بل تلقوهم في يأس مطلق، وهم الطائفة الثالثة.

وتنقضون كلياً القوة المعنوية لمن هم أحوج ما يكونون الى الشفقة وتطفئون انسانيتهم الحقيقية، وهم الطائفة الرابعة.

وتخيبون آمال من هم أحوج الى التعاون والعزاء حتى تجعلوا الحياة في نظرهم أفزع من الموت، وهم الطائفة الخامسة.

وتسقون في غفلة الشباب شراباً عاقبته وخيمة أليمة، من هم أحوج ما يكونون الى الانتباه والافاقة، وهم الطائفة السادسة.

فهل القومية التي تضحون في سبيلها بكثير من المقدسات هي هذه الامور؟

أهكذا تقدمون النفع الى الاتراك بالقومية؟ أما أنا فاستعيذ باللّه ألف ألف مرة من ذلك.

أيها السادة! اني أعلم انكم عندما تُغلبَون في ميدان الحق تتشبثون بالقوة، ولكن لان القوة في الحق وليس الحق في القوة، فلو جعلتم الدنيا على رأسي ناراً تتأجج، فان هذا الرأس الذي أضحي به فداءً للحقيقة القرآنية لايخضع لكم أبداً.

واني اعلمكم ايضاً ؛ انه لو عاداني ألوفٌ من امثالكم، وليس اناس محدودون مكروهون في نظر الامة، فلا أعير لهم اهمية تذكر اكثر مما اهتم بحيوانات مضرة.

ماذا عساكم ان تفعلوا بي؟

ان اقصى ما يمكنكم فعله هو انهاء حياتي، او إعاقة خدماتي للقرآن. اذ لا تعدو علاقتي بالدنيا هذين الامرين.

نحن نؤمن ايماناً يقينياً بدرجة الشهود ان الاجل لايتغير، وهو مقدّر بقدره تعالى. لذا لا اتراجع قطعاً ان استشهدتُ في سبيل الحق، بل انتظره بشوق عارم. وبخاصة أنا شيخ كبير لا أتوقع ان اعيش اكثر من سنة. فان أعظم ما أبغيه هو الفوز بعمر باق بالشهادة بدلاً عن هذا العمر الظاهري.

اما من حيث العمل للقرآن الكريم؛ فلقد وهب لي الله سبحانه وتعالى برحمته؛ اخواناً ميامين في العمل للقرآن والايمان. وستؤدي تلك الخدمة الايمانية عند مماتي في مراكز كثيرة بدلاً من مركز واحد. ولو اسكت الموتُ لساني فستنطلق ألسنة قوية بالنطق بدلاً عني وتديم تلك الخدمة.

بل استطيع القول:

ان بذرة واحدة تحت التراب تنشئ بموتها حياة سنبلة وتتقلد مائة من الحبات الوظيفة بدلاً عن حبة واحدة.

فآمل ان يكون موتي كذلك وسيلة لخدمة القرآن اكثر من حياتي.

الدسيسة الشيطانية الخامسة

ان الموالين للضلالة يرومون سحب اخواني عني مستفيدين من الانانية والغرور الكامن في الانسان، وفي الحقيقة ان اخطر واضعف عرق ينبض في الانسان انما هو عرق الغرور، اذ يمكنهم بالتربيت على ذلك العرق وتلطيفه ان يدفعوه الى كثير من المفاسد.

ياأخواني! كونوا حذرين، لئلا يترصدوكم في هذا الجانب فيصيدوكم من هذا العرق ؛ عرق الغرور.

ان اهل الضلالة في هذا العصر قد امتطوا ((أنا)) فهو يجوب بهم في وديان الضلالة. فأهل الحق لايستطيعون خدمة الحق إلاّ بترك ((أنا)) وحتى لو كانوا على حق وصواب في استعمالهم ((أنا)) فعليهم تركه، لئلا يشبهوا اولئك، اذ يكونون موضع ظنهم انهم مثلهم يعبدون النفس. لذا فان عدم ترك ((أنا)) بخس للحق تجاه خدمة الحق.

زد على ذلك ان الخدمة القرآنية التي اجتمعنا عليها ترفض ((أنا)) وتطلب ((نحن))، فلا تقولوا: أنا! بل قولوا: نحن.

ولاشك انكم قد اقتنعتم ان أخاكم هذا الفقير لم يبرز الى الميدان بـ((أنا))، ولا يجعلكم خداماً لانانيته، بل اراكم نفسه خادماً للقرآن لايملك انانية، فليس هو الا قد اتخذ كما بيّنه لكم ـ مسلك عدم الاعجاب بالنفس وعدم موالاة ((أنا))، فضلاً عن انه قد اثبت لكم بدلائل قاطعة ان الآثار والمؤلفات المعدّة لافادة الناس كافة هي ملك الجميع، اي انها ترشحات من القرآن الكريم لايسع أحد ان يتملكها بأنانيته.

ولنفرض فرضاً محالاً انني اتملك تلك الآثار بأنانيتي، ولكن مادام باب الحقيقة القرآنية هذا قد انفتح ـ كما قال أحد اخواني ـ فينبغي لأهل العلم والكمال ان يغضوا النـظر عن نقائصـي وهـوان شأني ولا يظـلوا مستـغنين عني متردديـن في اسنادي.

وعلى الرغم من ان آثار السلف الصالحين والعلماء المحققين خزينة عظيمة تكفي وتفي بعلاج كل داء. فقد يكون لمفتاح خزينة اهمية اكثر من الخزينة نفسها، لانها مقفولة. وباستطاعة المفتاح فتح خزائن كثيرة.

وأظن ان العلماء الفضلاء الذين لهم غرور علمي قوي، قد أدركوا ايضاً ان ((الكلمات)) المنشورة مفتاح للحقائق القرآنية، وانها سيف ألماسي ينزل على رؤوس اولئك الساعين لإنكار تلك الحقائق.

ألا فليعلم اولئك الحاملون لغرور علمي قوي، انهم لايكونون طلاباً لي بل يكونون طلاباً وتلاميذ للقرآن الحكيم، وانا لا اكون الاّ زميل دراسة معهم. بل حتى لو فرض فرضاً محالاً انني ادّعي الاستاذية، ولكن بما اننا قد وجدنا وسيلة لانقاذ طبقات اهل الايمان كافة من العوام الى الخواص من الشبهات والاوهام التي يتعرضون لها الآن، فعلى اولئك العلماء ان يجدوا وسيلة أيسر منها او يلتزموا هذه الوسيلة ويقوموا بتدريسها وتعهدها.

ان هناك زجراً عظيماً في حق علماء السوء، فليحذر اهل العلم في هذا الزمان حذراً شديداً. فلو افترضتم ـ كما يظن اعداؤنا ـ انني اعمل في هذه الخدمة الايمانية في سبيل ابراز انانيتي وغروري. ولكن هناك اناس كثيرون اجتمعوا حول شخص متفرعن اجتماعاً جاداً خالصاً تاركين غرورهم وعملوا بترابط قوي في سبيل مقصد دنيوي وقومي، أوَ ليس لأخيكم هذا حق في مطالبتكم الاجتماع بتساند وترابط حول الحقائق القرآنية وبترك الانانية، كتساند عرفاء تلك القيادة الدنيوية؟ أوَ ليس اكبر علمائكم غير محق كذلك في عدم تلبية ندائه؟ مع انه يستر أنانيته ويدعو الى الالتفاف حول الحقائق القرآنية والايمانية.

فيا اخواني! ان أخطر جهة من الأنانية في عملنا هذا هو الحسد والغيرة، فاذا لم يكن العمل خالصاً لله وحده، فان الحسد يتدخل فيفسد العمل. فكما ان إحدى يدي الانسان لاتحسد الاخرى ولاتغار منها، وكذا لاتحسد العين اذنه ولايغار قلبُه من عقله، كذلك انتم، فكل منكم في حكم عضو وحاسة في الشخص المعنوي لجماعتنا هذه. فواجبكم الوجداني الاّ يحسد بعضكم بعضاً، بل يفتخر كلٌ منكم بمزايا الآخر ويُنسَرُّ بها.

بقي هناك أمر آخر، وهو أخطر الامور، وهو : وجود الحسد والغيرة فيكم او في احبابكم تجاه أخيكم هذا الفقير. وهذا من اخطر الامور. وفيكم علماء اجلاّء متبحرون، وفي قسم من اهل العلم غرور علمي ولو انه متواضع بالذات، الاّ انه ـ في تلك الجهة ـ مغرور واناني، فلا يدع غروره فوراً. ومهما التزم عقله وتمسّك قلبه بالخدمة الاّ ان نفسه تروم التميز والظهور والشهرة من جراء ذلك الغرور العلمي. بل انها ترغب حتى في اظهار المعارضة للرسائل المكتوبة، وعلى الرغم من ان قلبه يحب الرسائل وان عقله يعجب بها ويجدها رفيعة، فان نفسه تضمر عداءً آتياً من الغيرة العلمية وتتمنى تهوين شأن ((الكلمات)) كي تبلغها نتاجات فكره، وتروّج مثلها، لذا اضطر اضطراراً أن أبلّغ هذا :

ان الذين هم ضمن دائرة هذه الدروس القرآنية، وظيفتهم محصورة ـ من حيث العلوم الايمانية ـ في شرح ((الكلمات)) المكتوبة وايضاحها او تنظيمها، حتى لو كانوا مجتهدين، وعلماء متبحّرين، لانه قد علمنا بامارات كثيرة : اننا موظفون بوظيفة الفتوى في هذه العلوم الايمانية. فلو حاول احدهم ممن هو ضمن دائرتنا ان يكتب شيئاً بما استوحته نفسه من الغرور العلمي ـ خارج نطاق الشرح والايضاح ـ فانه يكون بمثابة معارضة واهية وتقليد مشين. لانه قد تحقق بالادلة والامارات :

ان أجزاء (رسائل النور ) ترشحات من فيض القرآن الكريم، وقد تكفل كل منا ـ على وفق قاعدة توزيع المساعي وتقسيم الاعمال ـ بالقيام بوظيفة من وظائف العمل للقرآن، لنوصل تلك الترشحات الكوثرية الى المحتاجين.

الدسيسة الشيطانية السادسة

وهي استغلال الشيطان حب الراحة والدعة والتطلع الى تسنّم الوظائف لدى الانسان.

نعم! ان شياطين الجن والانس لايدعون ناحية الاّ ويهاجمون منها، فعندما يرون أحداً من أصدقائنا ذا قلب راسخ ووفاء تام ونية خالصة وهمة عالية، يلتفون عليه من جهات عدة ويشنون هجومهم عليه، كالآتي:

انهم يستغلون مالديهم من حب للراحة والدعة ويستفيدون من مكانتهم في الوظائف ليفسدوا علينا مهمتنا، ويعيقوا خدمة القرآن، او ليصرفوهم عن العمل للقرآن بدسائس ومكايد خبيثة الى حد يجدون لقسم منهم اعمالاً كثيرة ليغرقوهم فيها من دون ان يشعروا، كيلا يجدوا متسعاً من الوقت للعمل للقرآن، او يقدّموا لقسم آخر أموراً دنيوية فاتنة ليثيروا فيهم الرغبات والهوى، لتصيبه الغفلة عن الخدمة.. وهكذا.

وعلى كل حال فان طرق الهجوم هذه طويلة، الاّ اننا اختصرناها هنا محيلين الامر الى فطنتكم ونظركم الثاقب.

فيا اخوتي! اعلموا! واحذروا! ان مهمتكم هذه مقدسة وخدمتكم سامية، وان كل ساعة من ساعاتكم ثمينة الى حدٍ يمكن ان تكون بمثابة عبادة يوم كامل.. اعلموا هذا جيداً لئلا تضيع منكم وتفوت.

} يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون{

} ولاتشتروا بآياتي ثمناً قليلاً{

} سبحان ربك رب العزة عمّا يصفون ^ وسلامٌ على المرسلين ^
والحمد لله رب العالمين{

} سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا اِلاّ ما عَلَّمْتَنا اِنَّكَ اَنْتَ الْعَليمُ الْحَكيم{

اللهم صلّ وسلم على سيدنا محمد النبي الامي الحبيب العالي القدرِ

العظيم الجاه وعلى آله وصحبه. آمين

ذيل

القسم السادس

الاسئلة الستة



كتب هذا الذيل (للتداول الخاص)، لتجنُّب مايرد في المستقبل من كلمات الاهانة وشعور الكراهية، اي؛ لئلا يصيب بصاق اهانتهم وجوهنا او لمسحه عنها عندما يقال: تباً لرجال ذلك العصر العديمي الغيرة!

وكتب تقريراً ولائحة لترن آذانٌ صمّ، اذان رؤساء اوروبا المتوحشين المتسترين بقناع الانسانية.. ولينغرز في العيون المطموسة، عيون اولئك العديمي الضمير الجائرين الذين سلطوا علينا هؤلاء الظلمة الغدّارين.. وليُنزل صفعةً كالمطرقة على رؤوس عبيد المدنية الدنية التي اذاقت البشرية في هذا العصر آلاماً جهنمية حتى صرخت في كل مكان: لتعش جهنم!



بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحيمِ

} ومَا لَنا ألاّ نَتوكَلَ على الله وقد هَدينا سُبلَنا وَلنصبِرَنّ على ما آذيتُمُونا وعلى الله فليَتوكلِ المُتوكِلوُن{ (ابراهيم:12)

لقد حدثت في الفترة الاخيرة اعتداءات شنيعة كثيرة على حقوق المؤمنين الضعفاء، من الملحدين المتخفين وراء الأستار، واخص بالذكر اعتداءهم عليّ تعدياً صارخاً، باقتحامهم مسجدي الخاص الذي عمّرته بنفسي، وكنا فيه مع ثلة من رفقائي الاعزاء، نؤدي العبادة، ونرفع الاذان والاقامة سراً. فقيل لنا: لِمَ تقيمون الصلاة باللغة العربية وترفعون الاذان سراً؟

نفد صبري في السكوت عليهم:

وها أنذا لا أخاطب هؤلاء السفلة الدنيئين الذين حرموا من الضمير، وليسوا أهلاً للخطاب، بل أخاطب اولئك الرؤساء المتفرعنين في القيادة الذين يلعبون بمقدرات الأمة حسب أهواء طغيانهم. فأقول:

يا أهل الالحاد والبدعة! اني أطالبكم بالاجابة عن ستة اسئلة.

C السؤال الاول:

ان لكل حكومة، مهما كانت، ولكل قوم، بل حتى اولئك الذين يأكلون لحم البشر، بل حتى رئيس أية عصابة شرسة، منهجاً واصولاً ودساتير، يحكمون وفقها.

فعلى اي اساس من دساتيركم وأصولكم تتعدّون هذا التعدي الفاضح. اظهروه لنا. ام انكم تحسبون اهواء عدد من الموظفين الحقراء قانوناً؟

اذ ليس هناك قانون في العالم يسمح بالتدخل في عبادة شخصية خاصة! ولايسنّ قانون في ذلك قطعاً.

C السؤال الثاني:

ان دستور حرية الضمير (حرية المعتقد الديني) مهيمن بصورة عامة في العالم قاطبة، ولاسيما في هذا العصر، عصر الحريات، وبخاصة في نطاق المدنية الحاضرة.

فالى أية قوة تستندون انتم في جرأتكم هذه، بخروجكم على هذا الدستور، واستخفافكم به، مما يُعدّ اهانة للبشرية كلها، واهمالاً لرفضها لعملكم؟ واية قوة لديكم حتى تمسكتم بالالحاد وكأنه دين لكم في الوقت الذي اطلقتم على انفسكم اسم ((اللادينية)) واعلنتم عدم التعرض للدين ولا للالحاد على السواء.

بيد انكم تتعدون على حقوق اهل الدين الى حدٍ كبير، فلاشك ان أعمالكم هذه لن تبقى في طيّ الخفاء، بل ستُسألون عنها. وعندها بماذا تجيبون؟

فها انتم اولاء لاتطيقون رفض أصغر حكومة من الحكومات العشرين واعتراضها عليكم، فكيف بكم تجاه عشرين حكومة يرفضون معاً محاولتكم نقض حرية الضمير بالقوة وبالاكراه وكأنكم لاتحسبون حساب رفضهم.

C السؤال الثالث:

بأي قانون وبأية قاعدة تكلفون من هو شافعي المذهب مثلي، اتباع فتوى تنافي صفاء المذهب الحنفي وسموه، افتى بها علماء السوء الذين باعوا ضمائرهم لمغنم دنيوي.

فلو حاولتم ازالة المذهب الشافعي ـ علماً ان متبعيه في هذا المسلك يعدّون بالملايين ـ وسعيتم لجعلهم احناف، ثم أكرهتموني على اتباع هذه الفتوى اكراهاً بالقوة، ربما يكون ذلك قانوناً ظالماً من قوانين الملحدين امثالكم، والاّ فهو دناءة يقترفها بعضهم حسب أهوائه!.

اننا لسنا تابعين لأهواء امثال هؤلاء، ولانعرفهم اصلاً.

C السؤال الرابع:

اي اصل من اصولكم هذا الذي تستندون اليه في تكليف امثالي - ممن هم من قوم آخرين: ان أقم الصلاة باللغة التركية، بناء على فتوى محرّفة مبتدعة، باسم العنصرية التركية التي تعني التفرنج المنافي كلياً لقومية وأعراف وعادات هذه الامة التي امتزجت واتحدت بالاسلام منذ القدم واحترمته.

وعلى الرغم من انني على علاقة وثيقة وصداقة صميمة واخوة خالصة بالاتراك الحقيقيين، فاني لست على علاقة ابداً مع الدعوة القومية لأمثالكم من المتفرنجين.

فكيف تكلفوني بذلك؟ وبأي قانون؟

ان الاكراد الذين يبلغ تعدادهم الملايين، لم ينسوا قوميتهم ولا لسانهم منذ الوف السنين، وكانوا اخوة حقيقيين للاتراك في الوطن، ورفاقهم في سوح الجهاد منذ سالف العصور، اقول : إن أزلتم قوميتهم وأنسيتموهم لسانهم، فلربما يكون تكليفكم هذا لأمثالنا ـ ممن يعدّون من عنصر آخر ـ دستوراً همجياً من دساتيركم. والاّ فهو مجرد هوى وتصرف اعتباطي لا غير.

ألا ان اهواء الاشخاص لاتتبع، ولانتبعها نحن.

C السؤال الخامس:

ان أية حكومة كانت لها ان تطبق قوانينها على رعيتها ومن تعدّهم من رعاياها، ولكنها لاتستطيع ان تجري قوانينها على من لا تعدّهم من رعاياها، لان اولئك يقولون:

لما لم نكن من رعاياكم، فلستم حكومتنا كذلك.

زد على ذلك ان عقابين اثنين لاينزلان في آن واحد على شخص، في دولة من الدول. فاِما ان يُعدم القاتل، او يُلقى به في السجن، ولايجوز تنفيذ السجن والاعدام معاً عليه.

وفي ضوء هذا. فانني لم ألحق اي ضرر كان للوطن او الامة ومع ذلك فقد وضعتموني في الاسر طوال ثماني سنوات، وعاملتموني معاملة لايعامل بها حتى من كان مجرماً حقاً ومن قوم آخرين، بل من أبعد الاجانب عن البلاد.

ولقد سلبتموني حريتي، واسقطتموني من الحقوق المدنية، مع انكم أصدرتم العفو عن المجرمين، ولم يقل أحدٌ منكم: ان هذا الشخص ايضاً من ابناء هذا الوطن.

فبأي قانون من قوانينكم تكلفون شخصاً غريباً عنكم مثلي من كل جهة بدساتيركم هذه المناقضة للحرية والتي طبقتموها على أمتكم المنكوبة خلاف رضاهم؟

ولما كنتم قد اعتبرتم البطولات الجسام في سبيل الحفاظ على الوطن والجهاد بالنفس والنفيس ـ التي أصبحتُ وسيلة لها بشهادة قواد الجيش في الحرب العالمية الاولى(1) ـ اعتبرتموها جريمة، كما اعتبرتم السعي الجاد للحفاظ على الاخلاق الفاضلة للامة المنكوبة، وضمان سعادتها الدنيوية والاخروية خيانة .

ومادمتم قد عاقبتم من لايرضى ان يطبق في نفسه اصولكم ومنهجكم المتفرنج الالحادي الذي لانفع فيه بل ملؤه الضرر والهلاك، بثماني سنوات من الحياة تحت المراقبة والترصد (والان اصبحت ثمانياً وعشرين سنة)، مع ان العقاب لايكون الاّ واحداً، فرفضته. ولكنكم اكرهتموني عليه واذقتموني إياه.

فبأي قانون تنزلون بي عقاباً آخر؟

C السؤال السادس:

انكم ترون ان لنا خلافاً ومعارضة كلية معكم، ومعاملاتكم القاسية شاهدة على ذلك. فانتم تضحون بدينكم وآخرتكم في سبيل دنياكم. ونحن بدورنا مستعدون على الدوام للتضحية بدنيانا في سبيل ديننا، وفي سبيل آخرتنا، وهذا هو سر المعارضة التي بيننا حسب ظنكم.

ولاجرم ان التضحية ببضع سنين من حياتنا التي تمضي في ذل وهوان في ظل حكمكم القاسي قساوة الوحوش لنكسب بها شهادة خالصة في سبيل الله، تعدّ ماء كوثر لنا.

ولكن استناداً الى فيض القرآن الحكيم واشاراته، اخبركم بالآتي لترتعد فرائصكم:

انكم لن تعيشوا بعد قتلي، فان يداً قاهرة ستأخذكم من دنياكم التي هي جنتكم وانتم مغرمون بها، وتطردكم عنها، وتقذف بكم فوراً الى ظلمات ابدية، وسيقتل بعدي رؤساءكم الذين تَنمرَدوا وطغوا قتلة الدواب، ويُرسَلون اليّ، وسأمسك بخناقهم امام الحضرة الإلهية، وسآخذ حقي منهم بإلقاء العدالة الإلهية اياهم في اسفل سافلين.

ايها الشقاة الذين باعوا دينهم وآخرتهم بحطام الدنيا!

ان كنتم تريدون ان تعيشوا حقاً فلا تتعرضوا لي ولاتمسّوني بسوء، وان تعرضتم فاعلموا ان ثأري سيؤخذ منكم أضعافاً مضاعفة.

اعلموا هذا جيداً ولترتعد فرائصكم!

واني آمل من رحمة الله سبحانه ان موتي سيخدم الدين اكثر من حياتي، وان وفاتي ستنفلق على رؤوسكم انفلاق القنبلة، وستشتت رؤوسكم وتبعثرها.

فان كانت لكم جرأة، فتعرضوا لي، فلئن كان لكم ما تفعلونه بي، لتَعلمُنّ ان لكم ما تنتظرونه وتلاقونه من عقاب.

اما أنا فسأتلو بكل ما أملك من قوة هذه الآية الكريمة ازاء جميع تهديداتكم :

} الذينَ قَالَ لَهُمُ النّاسُ إنّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لكُمْ فَاخشَوهُم فَزادَهُمْ اِيماناً وَقَالوُا حَسبُنَا الله وَنِعمَ الوَكيلُ{ (آل عمران:173).

القسم السابع

وهو الأشارات السبع



بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحيمِ

} فآمِنُوا باللّه ورَسُولهِ النبيّ الأُميّ الذي يُؤمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتهِ وَاتَّبِعوهُ لَعَلّكُم تَهتَدُون{ (الاعراف:158)

} يُريدُونَ أنْ يُطفِئُوا نُورَ الله بِافواهِهم وَيَأبَى الله إلاّ أنْ يُتِم نُورَهُ وَلَو كَرِهَ الكافِروُن{ (التوبة:32)

هذا القسم عبارة عن سبع إشارات، كتب جواباً عن ثلاثة اسئلة، والسؤال الاول منها يتضمن اربع اشارات .



C الاشارة الاولى: ان مـستند الذين يحـاولون تـغيــيـر الشـعـائر الاسـلامية وتبــديلـها، وحجتهم نابعة من تقليد الاجانب تقليداً أعمى، كما هو في كل الامور الفاسدة. فهم يقولون :

(( ان المهتدين في لندن، والذين دخلوا في حظيرة الايمان من الاجانب يترجمون كثيراً من الامور امثال الأذان والاقامة للصلاة، الى ألسنتهم، ويعملون بها في بلادهم، والعالم الاسلامي ازاء عملهم هذا ساكت، لا يعترض عليهم، فاذاً هناك جواز شرعي في عملهم هذا بحيث يجعلهم يلزمون الصمت ازاءه!)).

الجـواب: ان الفرق في هذا القياس ظاهر جداً، وليس من شأن ذي شعور تقليدهم، وقياس الامور عليهم مهما كان. لأن بلاد الاجانب يطلق عليها في لسان الشريعة ((دار الحرب)). فكثير من الامور لها جواز شرعي في ((دار الحرب))، ولامساغ لها في ((دار الاسلام)).

ثم ان بلاد الافرنج تتميز بقوة النصرانية وشوكتها. فليس هناك محيط يلقّن بلسان الحال ما يشيع مفاهيم الكلمات المقدسة ومعاني الاصطلاحات الشرعية، لذا فبالضرورة رُجحّت المعاني القدسية على الالفاظ المقدسة، اي تُركت الالفاظ حفاظاً على المعاني، اي اختير أخف الضررين، واهون الشرين.

اما في ((دار الاسلام))؛ فان المحيط يرشد ويلقن المسلمين بلسان الحال المعاني الاجمالية لتلك الكلمات المقدسة، إذ ان جميع المحاورات، والمسائل الدائرة بين المسلمين حول الاعراف والعادات والتاريخ الاسلامي، والشعائر الاسلامية عامة، وأركان الاسلام كافة تلقّن باستمرار المعاني المجملة لتلك الكلمات المقدسة لأهل الايمان. حتى ان معابد هذه البلاد ومدارسها الدينية، بل حتى شواهد القبور في المقابر، تؤدي مهمة ملقن ومعلّم تُذكّر المؤمنين بتلك المعاني المقدسة. فيا ترى إن مَن يعدّ نفسه مسلماً، ويتعلم يومياً خمسين كلمة من الكلمات الاجنبية في سبيل مصلحة دنيوية؛ ان لم يتعلم فيخمسين سنة مايكررها كل يوم خمسين مرة من الكلمات المقدسة، امثال (سبحان الله والحمدلله ولا إله إلاّ الله والله أكبر) ألا يتردى الى ادنى من الحيوان بخمسين مرة؟ ألا إن هذه الكلمات المقدسة لاتحرّف، ولاتُترجم، ولاتهجّر لأجل هؤلاء الانعام!. بل ان هجر هذه الكلمات وتحريفها ما هو الاّ نقض لشواهد القبور كلها وتسويتها بالتراب وإعراض عن الاجداد، واهانة لهم، واتخاذهم اعداءاً .. وعليه فهم يرتعدون في قبورهم من هول هذا التحقير والاهانة.

ان علماء السوء الذين انخدعوا بالملحدين، يقولون تغريراً بالامة : لقد قال الامام الاعظم (ابو حنيفة النعمان): ((يجوز قراءة ترجمة الفاتحة بالفارسية، ان وجدت الحاجة، وحسب درجة الحاجة، لمن لايعرف العربية اصلاً، في الديار البعيدة)). فبناءً على هذه الفتوى، ونحن محتاجون، فلنا اذاً ان نقرأها بالتركية(1).

الجـواب: ان جميع الائمة العظام ـ سوى الامام الاعظم ـ والائمة الاثنى عشر المجتهدين، كلهم يفتون خلاف فتوى الامام الاعظم هذه. وان الجادة الكبرى للعالم الاسلامي هي التي سلكها اولئك الائمة العظام كلهم. فالامة العظيمة لاتسير الاّ في الجادة الكبرى. فالذين يريدون ان يسوقوها الى طريق مخصوصة وضيقة انما يضلون الناس.

ان فتوى الامام الاعظم، فتوى خاصة بخمس جهات:

الاولى: انها تخص اولئك القاطنين في دار اخرى، وبلاد بعيدة عن مركز دار الاسلام.

الثانية: انها مبنية على الحاجة الحقيقية.

الثالثة: انها خاصة بترجمتها الى الفارسية، التي تعد ـ في رواية ـ من لسان اهل الجنة.

الرابعة: انها حكم بالجواز خصيصاً لسورة الفاتحة، لئلا يترك الصلاة من لايعرف سورة الفاتحة.

الخامسة: لقد أظهر الجواز ليكون باعثاً لفهم العوام المعاني المقدسة ـ بحمية اسلامية نابعة عن قوة الايمان ـ والحال ان ترك أصلها العربي، وترجمتها بدافع الهدم الناشئ من ضعف الايمان، والنابع من فكر العنصرية والنفور من لسان العربية ـ الناجمة من ضعف الايمان ـ ما هو الاّ دفع للناس الى ترك الدين والخروج عليه.

C الاشـارة الثانيـة: ان اهـل البدعة الذين يغـيّرون الشعائر الاسلامية، طلبوا اولاً فتوى من علماء السوء لتسويغ عملهم. فدلّوهم على الفتوى السابقة التي بيّنا انها فتوى خاصة بخمسة وجوه.

ثانياً: ان اهل البدعة قد استوحوا فكراً مشؤوماً من الانقلابيين الاجانب، وهو:

ان اوروبا لم يعجبها مذهب الكاثوليك. فالتزم الثوار والانقلابيون والفلاسفة قبل الناس مذهب البروتستانية الذي كان يعدّ من البدع والاعتزال، حسب مذهب الكاثوليكية، وقد استفادوا من الثورة الفرنسية، فهدموا قسماً من الكاثوليكية، واعلنوا البروتستانية.

فادعياء الحمية هنا، في هذه البلاد، وقد اعتادوا التقليد الاعمى، يقولون: ((لما كان هذا الانقلاب قد حدث في الديانة النصرانية، وقد عُدّ الانقلابيون في بداية الامر مرتدين، ثم قُبلوا ايضاً نصارى، فيمكن إذن ان يحدث في الاسلام ايضاً انقلاب ديني كهذا)).

الجواب: ان الفرق في هذا القياس أظهر مما في الاشارة الاولى، لأن: الاسس الدينية في النصرانية قد اُخذت وحدها عن سيدنا عيسى عليه السلام. بينما اكثر الاحكام التي تعود الى الحياة الاجتماعية والفروع الشرعية قد وضعت من قبل الحواريين، وبقية الرؤساء الروحانيين، وأخذ القسم الاعظم منها من الكتب المقدسة السابقة. لأن سيدنا عيسى عليه السلام، لم يَتول الحكم والسلطة، ولم يكن مرجعاً للقوانين الاجتماعية العامة، فلذلك أخذت القوانين العرفية والدساتير المدنية باسم الشريعة النصرانية، وكأن أسس دينه قد ألبست ثياباً من الخارج وأعطيت لها صورة اخرى. فلو بدّلت هذه الصورة وغيّرت تلك الثياب فان أسس دينه لاتتبدل. ولايؤدي هذا الامر الى تكذيبه وانكاره.

بينما سيدنا الرسول e الذي هو صاحب الدين والشريعة الاسلامية هو فخر العالم وسيد العالمين، واصبح كلٌ من الشرق والغرب والاندلس والهند عرشاً من عروش سلطانه، فكما انه e قد بين ـــ بذاته ـــ أسس الاسلام، فان فروع ذلك الدين ودساتير أحكامه، بل حتى أصغر أمر جزئي من آدابه هو الذي أتى به، وهو الذي يخبر عنه وهو الذي يأمر به، بمعنى ان الامور الفرعية في الشريعة الاسلامية ليست على صورة لباس وثياب قابلة للتغيير والتبديل. بحيث لو بدّلت لظلت أسس الدين ثابتة، بل انها جسد تلك الاسس وفي الاقل جلدها. اذ قد امتزجت والتحمت معها بحيث لاتقبل التفريق والفصل. وان تبديلها مباشرة يؤدي الى تكذيب صاحب الشريعة وانكاره.

اما اختلاف المذاهب فقد نشأ من اسلوب فهم الدساتير النظرية التي بيّنها صاحب الشريعة. والدساتير التي هي ((المحكمات)) والتي تسمى بالضروريات الدينية، فلا تقبل التأويل، ولا التبديل قطعاً بأي صورة كانت من الصور، ولن تكون موضع اجتهاد ابداً. فمن بدّلها فقد خرج على الدين وكان ضمن القاعدة: (يمرقون من الدين كما يمرق السهم من القوس).

ان اهل البدع لأجل تبرير الحادهم، وخروجهم على الدين يجدون هذه الوسيلة، اذ يقولون: لقد شُنّ هجوم على القسس والرؤساء الروحانيين ومذهب الكاثوليكية، الذي هو مذهبهم الخاص، وتم تخريب هذا المذهب في احداث الثورة الفرنسية التي أدت الى سلسلة من حوادث في عالم الانسانية. ثم استصوب هجومهم هذا من قبل الكثيرين، وترقى الافرنج بعد ذلك كثيراً!

الجـواب: ان الفرق في هذا القياس ـ كسابقه ـ فرق ظاهر جداً، لان النصرانية، ولاسيما مذهب الكاثوليك قد استغله رجالات الدولة وخواص الناس كأداة للتحكم والاستبداد. فكان الخواص يديمون نفوذهم على العوام بتلك الوساطة. حتى أصبحت وسيلة لسحق اصحاب الهمم والحمية من العوام الذين كانوا يطلق عليهم اسم؛ (الفوضويين والدهماء)، وباتت وسيلة لسحق المفكرين من دعاة الحرية الذين كانوا يتصدون لاستبداد الخواص ومظالمهم. بل قد عُدّ ذلك المذهب هو السبب في سلب راحة الناس وبث الفوضى في الحياة الاجتماعية، بسبب الثورات التي حدثت في بلاد الافرنج طوال ما يقارب اربعمائة سنة، لذا هوجم ذلك المذهب باسم مذهب آخر للنصرانية لاباسم الالحاد. ونما السخط والعداء عليه لدى طبقة العوام ولدى الفلاسفة، حتى وقعت تلك الحادثة التاريخية المعروفة.

بينما في الاسلام، لايحق لأي مظلوم كان، ولا لأي مفكر كان ان يشكو من الدين المحمدي (على صاحبه الصلاة والسلام) والشريعة الاسلامية، لان هذا الدين لايسخطهم بل يحميهم، وهذا تاريخ الاسلام بين ايدينا، فلم تحدث صراعات دينية طوال التاريخ سوى حادثة او حادثتين. بينما سبّب المذهب الكاثوليكي ثورات داخلية دامت اربعمائة سنة.

ثم ان الاسلام قد اصبح حصناً حصيناً للعوام اكثر منه للخواص، اذ لايجعل الخواص مستبدين على العوام بل يجعلهم خادمين لهم ـ من جهة ـ وذلك بوجوب الزكاة وتحريم الربا. اذ يقول :

((خير الناس أنفعهم للناس))(1) .. ((سيد القوم خادمهم))(2).

فضلاً عن انه يستشهد العقل وينبهه باحالة كثير من الامور ـ في القرآن الكريم ـ الى العقل، ويحثه على التدبر والملاحظة. بقوله تعالى :

[أفلا يتفكرون.. أفلا يتدبرون.. أفلا تعقلون] فيمنح لأهل العلم وارباب الفكر والعقل بهذا مقاماً رفيعاً باسم الدين ويوليهم اهمية خاصة، فلا يعزل العقل، ولايحجر على عقول اهل الفكر ويكمم أفواههم، ولايطلب التقليد الاعمى، كما هو في المذهب الكاثوليكي.

ان اساس النصرانية الحاضرة - لا النصرانية الحقة - واساس الاسلام يفترقان في نقطة مهمة، لذا يسلك كل منهما طريقاً مغايرةً لطريق الآخر في كثير من الجهات الشبيهة بالفروق السابقة. وتلك النقطة المهمة هي:

ان الاسلام دين التوحيد الخالص، يسقط الوسائط والاسباب عن التأثير ويهوّن من شأن أنانية الانسان، مؤسساً العبودية الخالصة لله وحده. فيقطع دابر كل نوع من انواع الربوبيات الباطلة، ويرفضها رفضاً باتاً بدءاً من ربوبية النفس الامارة. لذا لو اصبح أحد الخواص متقياً، لاضطر الى ترك الانانية والغرور. ومن لم يترك الانانية والغرور يتراخ في التدين، بل يدع قسماً من امور الدين.

اما في النصرانية الحاضرة، فلقد ارتضت عقيدة البنوة، لذا تعطي للوسائط والاسباب تأثيراً حقيقياً، ولاتقاوم الانانية باسم الدين، بل تمنح الانانية نوعاً من القداسة، وكأنها وكيل مقدس عن سيدنا عيسى عليه السلام. ولأجل هذا فان خواص النصارى الذين يشغلون أرفع المقامات الدنيوية يستطيعون ان يكونوا متدينين تديناً كاملاً، ومنهم الكثيرون من امثال: (ولسن) وهو الرئيس الأسبق لأمريكا، و(لويد جورج) رئيس الوزراء الاسبق لانكلترا. فهؤلاء أصبحوا متدينين كأي قس متعصب لدينه.

بينما في المسلمين نادراً ما يظل الذين يلجون مثل هذه المقامات على صلابتهم الدينية، وقلما يكونون من اهل التقوى والصلاح، لعدم تركهم الانانية والغرور، والتقوى الحقيقية لاتجتمع والانانية والغرور.

نعم، كما ان تعصب خواص النصارى بدينهم، وتهاون خواص المسلمين بدينهم، يبين فرقاً مهماً ؛ كذلك اتخاذ الفلاسفة الذين برزوا في النصرانية طور المعارض او الاهمال لدينهم، وبناء أغلب الحكماء الذين ظهروا في الاسلام حكمتهم على اسس الدين، يدل على فرق مهم ايضاً.

ثم ان النصارى العوام الذين عانوا البلايا والمصائب وقضوا شطراً من حياتهم في السجون، لم ينتظروا العون من الدين ولم يرجوا منه شيئاً. فكان أكثرهم - في السابق - يضلون ويلحدون. حتى ان الثوار الذين أوقدوا الثورة الفرنسية والذين يطلق عليهم(الدهماء والفوضويون)المشهورون في التاريخ هم من اولئك العوام المنكوبين.

اما في الاسلام، فان الاكثرية المطلقة ممن أفنوا عمراً في السجون وقاسوا البلايا والمصائب ينتظرون العون والمدد من الدين بل يصبحون متدينين.

وهذه الحالة تدل على فرق آخر مهم ايضاً.



C الاشـارة الثـالثــة: يـقـول اهــل الـبـــدع: لـقـد أخـرّنا هـذا التعــصــب الدينــي عــن ركب الحضارة. وان مواكبة العصر بترك التعصب، ولقد تقدمت اوروبا بعد تركها التعصب.

الجواب: انكم مخطئون، وقد انخدعتم، وغُرّر بكم، او تغررون بالناس وتخدعونهم.

ان اوروبا متعصبة بدينها، فلو قلت لشخص بلغاري اعتيادي او لجندي انكليزي، او لشخص سفيه فرنسي: إلبس العمامة، او تلقى في السجن. لقال لكبمقتضى تعصبه: انني لااُهين ديني، ولاأحقر أمتي بمثل هذه الاهانة والتحقير حتى لو قتلتموني.

ثم ان التاريخ شاهد على ان المسلمين ما تمسكوا بدينهم الاّ وترقوا بالنسبة لذلك الزمان، وما أهملوا الدين الاّ تدنوا. بينما النصرانية خلاف هذا. وهذا ايضاً ناشئ من فرق اساسي بينهما.

ثم ان الاسلام لايقاس بغيره من الاديان، لان المسلم اذا انخلع عن الاسلام فلا يؤمن بعدُ بأيّ نبي آخر، بل لا يقرّ بوجوده تعالى، بل لايعتقد بشئ مقدس اصلاً، ولا يجد في وجدانه موضعاً ليكون مبعث الفضائل. اذ يتفسخ وجدانه كلياً. ولأجل هذا فالمرتد عن الاسلام ليس له حق الحياة لتفسخ وجدانه ولأنه يكون كالسم القاتل للمجتمع، بينما الكافر المحارب ـــ في نظر الاسلام ـــ له حق الحياة، فان كان في الخارج وعاهد أو في الداخل وأعطى الجزية. فان حياته مصانة في الاسلام.

اما الملحد من النصارى فيستطيع ان يظل نافعاً للمجتمع، اذ يقبل بعض المقدسات ويؤمن ببعض الانبياء، ويكون مؤمناً بالله من جهة.

فاي مصلحة ياترى يجنيها اهل البدعة - هؤلاء، بل الاصوب اهل الالحاد - في الخروج على الدين؟ فان كانوا يرومون منه أمن البلاد واستتباب النظام فيها، فان ادارة عشرة من الملحدين السفلة الذين لايؤمنون باللّه، ودفع شرورهم أصعب بكثير من ادارة ألف من المؤمنين. وان كانوا يرغبون في الرقي الحضاري، فان امثال هؤلاء الملحدين مثلما يضرون بادارة الدولة فهم يعيقون التقدم ايضاً ؛ اذ يخلّون بالامن والنظام، وهما اساسا الرقي والتجارة. وفي الحقيقة هم مخرّبون بمقتضى مسلكهم. وان أحمق الحمقى في الدنيا هو من ينتظر من امثال هؤلاء الملحدين السفهاء الرقي وسعادة الحياة.

ولقد قال أحد هؤلاء الحمقى، وهو يشغل منصباً مهماً: اننا تأخرنا لقولنا: الله.. الله.. بينما اوروبا تقدمت لقولها : المدفع.. البندقية.!.

ان جواب امثال هؤلاء: السكوت حسب قاعدةL (جواب الاحمق السكوت)) ولكننا نقول قولاً لاولئك العقلاء الشقاة الذين يتبعون امثال هؤلاء الحمقى:

ايها البائسون! هذه الدنيا انما هي دار ضيافة، وان الموت حق، اذ يشهد على ذلك ثلاثون ألف شاهد بجنائزهم يومياً. أتقدرون على قتل الموت؟ أيمكنكم تكذيب هؤلاء الشهود؟ فما دمتم عاجزين عن ذلك فاعلموا ان الموت يدفعكم الى قول: الله.. الله.. فاي من مدافعكم وبنادقكم تتمكن من ان تبدد الظلمات الابدية للمحتضر الذي يعاني السكرات وينور عالمه، بدلاً عن ذكر ((الله.. الله)) واي منها يستطيع ان يبدل يأسه القاتم الى أمل مشرق، غير ذكر ((الله.. الله)).

فما دام الموت موجوداً، وان المصير الى القبر حتماً، وان هذه الحياة ماضية راحلة، وستأتي حياة باقية خالدة، فان قيل : المدفع.. البندقية مرة واحدة فلابد من القول ألف مرة : ((الله.. الله)) بل البندقية نفسها ستقول: ((الله.. الله)) ان كانت في سبيل الله! وسيصرخ المدفع نفسه بـ: الله اكبر. عند الافطار وعند الامساك!.

C الاشارة الرابعة: ان اهل البدع الهدّامين على قسمين :

قسم منهم يظهرون ولاءً للدين، ويقولون: ((اننا نريد تقوية الدين الذي ضعف بغرس شجرته النورانية في تراب القومية))، فيريدون ان يقووا الدين بالقومية. وكأنهم بهذا يخدمون الاسلام.

القسم الثاني؛ ممن يحدثون البدع، فيقولون: اننا نريد تطعيم الامة بلقاحات الاسلام. فيعملون باسم الامة، وفي سبيل القومية، لاجل تقوية العنصرية!

نقول للقسم الاول:

يا علماء السوء البائسين الذين يصدق عليهم اسم ((الصادق الاحمق)).

ويا ايها الصوفيون الجهلاء المجذوبون الفاقدون للعقل:

ان شجرة طوبى الاسلام قد ترسخت عروقها في صلب الكون وحقيقته، وبثت جذورها في ثنايا حقائق الكون كله، فهذه الشجرة العظيمة لايمكن غرسها في تراب العنصرية الموهومة المؤقتة الجزئية الخصوصية السلبية، بل التي لا أساس لها اصلاً وهي المشحونة بالاغراض الظالمة المظلمة. وان السعي لغرسها هناك محاولة بدعية هدامة رعناء.

ونقول للقوميين؛ وهم القسم الثاني من اهل البدع!

يا ادعياء القومية السكارى!

ان العصر السابق، ربما كان يعدّ عصر القومية، اما هذا العصر فليس بعصر القومية، اذ ان مسائل البلشفية والاشتراكية تستحوذ على الافكار، وتحطم مفهوم العنصرية، فلقد ولى عصر العنصرية.

واعلموا ان مليّة الاسلام الدائمة الابدية لا ترتبط مع العنصرية الموقتة المضطربة، ولا تلقح بلقاحاتها.

وحتى لو حدث هذا التطعيم بلقاحات العنصرية فانها تفسد امة الاسلام، ولاتصلح ملية العنصرية ايضاً، ولايبعثها اصلاً.

نعم ان في التطعيم بلقاحات العنصرية ذوقاً موقتاً وقوة موقتة، بل موقتة جداً، وذات عاقبة وخيمة.

ثم - بهذا الامر - سيتولد انشقاق عظيم في امة الترك، انشقاق ابدي غير قابل للالتئام، وحينئذٍ تتلاشى قوة الامة وتذهب هباءً، اذ كل شق يحاول هدم الشق الآخر. فكما إن وجد جبلان في كفتي ميزان، فان قوة ضئيلة جداً تؤدي دوراً مهماً بين تلك القوتين، اذ تقدر ان تنزل احداها الى الاسفل وترفع الاخرى الى الاعلى.

السؤال الثاني: عبارة عن اشارتين:

C الاشـارة الاولى: وهــي الاشــارة الخامســة. وهـي جـواب مختـصر جـداً لسـؤال مهم:

السؤال: هناك روايات صحيحة عديدة حول ظهور المهدي، واصلاحه لهذا العالم بعد فساده في آخر الزمان، إلاّ اننا نعلم ان هذا العصر هو عصر الجماعة، لا الفرد، لأن الفرد مهما أوتي من دهاء - بل حتى لو كان في قوة مائة داهية ـ ولم يكن ممثلاً لجماعة عظيمة، ولم يكن معبراً عن الشخصية المعنوية لها، فانه مغلوب أمام قوة الشخصية المعنوية للجماعة المناوئة له. فكيف اذاً يمكن (للمهدي) - مهما بلغ من قوة الولاية ـ ان يقوم بالاصلاح في هذا الزمان الذي استشري فيه الفساد وعمّ المجتمعات البشرية، وان كانت أعماله كلها خارقة للعادة لخالفت اذاً الحكمة الإلهية الجارية في الكون وسننه المطردة فيها. والخلاصة نريد ان نفهم سرّ مسألة (المهدي).

الجواب: ان الله سبحانه وتعالى، لكمال رحمته، ودليل حمايته للشريعة الاسلامية واستمراريتها وخلودها، قد أرسل في كل فترة من فترات فساد الأمة مصلحاً، أو مجدداً، او خليفة عظيماً، او قطباً أعظم، او مرشداً كاملاً من الاشخاص العظام الأفذاذ ممن يشبهون المهدي، فـازال الفساد،واصلح الامة وحافـظ على الدين.

وما دامت سنة الله قد جرت هكذا، مما لاشك فيه انه سبحانه وتعالى سيبعث في أشد أوقات الفساد، في آخر الزمان، من هو أعظم مجتهد وأعظم مجدد، واعظم قطب، ويكون في الوقت نفسه حاكماً ومهدياً ومرشداً، وسيكون من اهل البيت النبوي.

وان القدير الذي يملأ ما بين السماء والارض بالسحب، ثم يفرغه في دقيقة واحدة لقادر على تهدئة عواصف البحر الجامحة في طرفة عين.. وان القدير ذا الجلال الذي يوجد في ساعة من ايام الربيع نموذج فصل الصيف، ويوجد في ساعة من ايام الصيف زوبعة من زوابع الشتاء، لقادر على تبديد الظلمات المتراكمة في سماء العالم الاسلامي والمخاطر المحدقة به على يدي (المهدي) وقد وَعدَنا بذلك، وهو منجزٌ وعده لامحالة.

وهكذا، اذا ما نظرنا الى هذه المسألة من زاوية دائرة القدرة الإلهية فهي في منتهى السهولة، واذا مانظرنا اليها وتأملنا فيها من زاوية دائرة الاسباب والحكمة الربانية فهي ايضاً في غاية السهولة - بل هو اقرب وأولى شئ للحدوث ـــ حتى قرر أرباب الفكر والنظر على ان الحكمة الربانية تقتضي هكذا، وسيكون حتماً، حتى وإن لم توجد رواية عن المخبر الصادق e في شأنه اي ان مجيئه أمر لازم وضروري. ذلك لان دعاء:

(اللهم صلّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم في العالمين انك حميد مجيد)..

الذي تكرره الامة، في صلواتهم جميعها، كل يوم خمس مرات في الاقل، وثبت قبوله بالمشاهدة، فان آل محمد e كآل ابراهيم عليه السلام كانوا يتبؤون مركز الصدارة والزعامة دوماً وفي مقدمة جميع السلالات المباركة في مختلف الاعصار والاقطار(1)، وهؤلاء الأبطال من الكثرة، بحيث ان مجموعهم يشكل جيشاً عظيماً جداً.

فاذا ما اتحد هؤلاء السادة وتعاضدوا فعلياً وتساندوا فيما بينهم تسانداً جاداً، وكوّنوا من أنفسهم فرقة موحدة بالفعل، جاعلين الدين الاسلامي الرابطة المقدسة للأمة ومدار صحوتها، فلايمكن لجيش أية امة في العالم أن يصمد أمامهم.

فذلك الجيش الضخم العرمرم، ذو القوة والسطوة هو آل محمد e وهو أخصّ جيش من جيوش (المهدي).

نعم! انه ليس هناك نسل من أنسال البشرية وسلالاتها في تأريخ العالم اليوم، له من القوة والأهمية، والذي امتاز بأعلى مراتب الشرف والحسب الرفيع والنسب العريق، واتصل بمنشئها بالشجرة والمسانيد والاعراف، مثل السادة الذين حظوا بالانتساب الى الدوحة النبوية السامية، آل البيت.

لقد كان هؤلاء السادة دوماً، منذ سالف العصور، رواد كل فرقة من فرق أهل الحقيقة، وزعماء اهل الكمال المشاهير ايضاً. واليوم هم النسل المبارك الطيب الذين يربون على الملايين، وهم المتيقظون ذوو القلوب العامرة والطافحة بالحب النبوي، حظوا بالانتساب الى الدوحة الطاهرة الزكية.. وتتهيأ الحادثات العظام التي ستدفع الى ايقاظ واثارة هذه القوة المقدسة التي تنطوي عليها نفوس هذه الجماعة العظيمة.

فلابد ان تثور تلك الحمية السامية الكامنة لتلك القوة العظيمة، وسيأخذ (المهدي) زمام القيادة ويقودها الى طريق الحق والحقيقة.

ونحن ننتظر من سنته، ومن رحمته تعالى ـ انتظارنا للربيع عقب هذا الشتاء ـ وقوع هذا الحدث العظيم، ونحن محقون في هذا الانتظار.

C الاشارة الثانية: أي؛ الاشارة السادسة:

ان جماعة السيد المهدي النورانية ستصلح وتعمّر ما أفسده نظام السفياني البدعي الهدام، وتحيي السنة النبوية. أي: ان جماعة السفياني الساعية لهدم الشريعة الأحمدية ـ بنية انكار الرسالة الأحمدية في عالم الاسلام ـ ستُقتل وتُبدّد بالسيف المعنوي المعجز لجماعة السيد المهدي.

ثم ان جماعة نصرانية غيورة فدائية ـ ممن يستحقون اسم ((النصرانيون المسلمون)) ـ تسعى هذه الجماعة للجمع والتوفيق بين الدين الحقيقي لسيدنا عيسى عليه السلام وحقائق الاسلام. وتحت رئاسة سيدنا عيسى عليه السلام تقوم هذه الجماعة بتقويض نظام الدجال وقتل قيادته، تلك القيادة التي تدمّر المدنية والمقدسات البشرية وتجعلها هباءً منثوراً بنية انكار الالوهية في عالم الانسانية. وبهذا تنجي تلك الجماعة بقيادة سيدنا عيسى عليه السلام، البشرية من ويلات انكار الالوهية.

ان هذا السر طويل جداً، اكتفيت بهذه الاشارة القصيرة، حيث قد ذكرنا فيه نبذاً في مواضع أخرى.

C الاشارة السابعة: أي: السؤال الثالث:

يقولون: ان دفاعاتك السابقة، واسلوب جهادك في سبيل الاسلام، ليس هو بما عليه في الوقت الحاضر، ثم انك لاتسلك سلوك المفكرين الذين يدافعون عن الاسلام تجاه أوروبا. فلماذا غيّرت طور (سعيد القديم)؟ ولِمَ لاتجاهد باسلوب المجاهدين المعنويين العظام؟.

الجواب: ان (سعيداً القديم) والمفكرين، قد ارتضوا بقسم من دساتير الفلسفة البشرية، أي يقبلون شيئاً منها، ويبارزونهم باسلحتهم، ويعدّون قسماً من دساتيرها كأنها العلوم الحديثة فيسلّمون بها. ولهذا لايتمكنون من اعطاء الصورة الحقيقية للاسلام على تلك الصورة من العمل. اذ يطعّمون شجرة الاسلام باغصان الحكمة التي يظنونها عميقة الجذور. وكأنهم بهذا يقوون الاسلام.

ولكن لما كان الظهور على الاعداء بهذا النمط من العمل قليل، ولأن فيه شيئاً من التهوين لشأن الاسلام. فقد تركت ذلك المسلك. وأظهرت فعلاً: ان أسس الاسلام عريقة وغائرة الى درجة لاتبلغها ابداً أعمق أسس الفلسفة، بل تظل سطحية تجاهها.

ولقد أظهرت هذه الحقيقة ببراهينها (الكلمة الثلاثون) و (المكتوب الرابع والعشرون) و (الكلمة التاسعة والعشرون).

ففي المسلك السابق؛ يُظن الفلسفة عميقة، بينما الاحكام الاسلامية ظاهرية سطحية، لذا يتشبث باغصان الفلسفة للحفاظ على الاسلام.

ولكن هيهات! أنّى لدساتير الفلسفة من بلوغ تلك الاحكام.

} سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا اِلاّ ما عَلَّمْتَنا اِنَّكَ اَنْتَ الْعَليمُ الْحَكيم{

} الحمد لله الذي هدينا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدينا الله لقد جآءتْ رُسُل ربنا بالحق{

اللهم صلّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا ابراهيم وعلى آل ابراهيم في العالمين انك حميد مجيد.

القسم الثامن

الرموز الثمانية

عبارة عن ثماني رسائل صغيرة ، ستنشر كرسالة مستقلة ان شاء الله لذا لم تدرج هنا.

القسم التاسع

التلويحات التسعة



بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحيمِ

} الا إن اولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون{ (يونس: 62)

(هذا القسم يخص طرق الولاية وهي تسعة تلويحات)(1)

C التلويح الاول:

هناك تحت عناوين " التصوف، والطريقة، والولاية، والسير والسلوك" حقيقة روحانية نورانية مقدسة، طافحة باللذة والنشوة، اعلن عنها كثير من علماء ارباب الكشف والأذواق وتناولوها بالدرس والتمحيص والتعريف، فكتبوا آلاف المجلدات حولها فأخبروا الامة واخبرونا بها، جزاهم الله خيرا كثيرا.

ونحن هنا سنبين بضع رشحات في ضوء ما تلجئنا اليه الاحوال الحاضرة، فهي بمثابة بضع قطرات من بحر تلك الحقيقة الزاخر.

سؤال: ما الطريقة؟

الجواب: ان غاية ((الطريقة)) وهدفها هو معرفة الحقائق الايمانية والقرآنية، ونيلها عبر السير والسلوك الروحاني في ظل المعراج الاحمدي وتحت رايته، بخطوات القلب وصولا الى حالة وجدانية وذوقية بما يشبه الشهود. فالطريقة والتصوف سر انساني رفيع وكمال بشري سام.

اجل!لمّا كان الانسان خلاصة جامعة لهذا الكون، فان قلبه بمثابة خريطة معنوية لآلاف العوالم، اذ كما ان دماغ الانسان - الشبيه بمجمع مركزي للبث والاستقبال السلكي واللاسلكي - وهو بمثابة مركز معنوي لهذا الكون، يستقبل ما في الكون من علوم وفنون ويكشف عنها و يبثها ايضاً، فان قلب الانسان كذلك هو محور لما في الكون من حقائق لا تحد، ومظهر لها، بل هو نواتها. كما بيّن ذلك من لا يحصرهم العد من اهل الولاية فيما سطروه من ملايين الكتب الباهرة.

فما دام قلب الانسان ودماغه لهما هذه المنزلة والموقع، وقد ادرجت في القلب آلاف من مكائن اخروية ضخمة واجهزتها الابدية، كاندراج اجهزة الشجرة الضخمة في بذرتها، فان فاطر ذلك القلب الذي خلقه على هذه الصورة قد اراد تشغيل هذا القلب وتحريكه والكشف عن قدراته والانتقال به من طور ((القوة)) الى طور ((الفعل)).

فما دام سبحانه وتعالى قد اراد هكذا، فعلى القلب اذن ان يقوم بعمله الذي خلق من اجله، كما يقوم العقل بعمله، ولا شك ان اعظم وسيلة لعمل القلب وتشغيله هو التوجه الى الحقائق الايمانية بالاقبال على ذكر الله ضمن مراتب الولاية عبر سبيل ((الطريقة)).

C التلويح الثاني:

ان مفاتيح هذا السير والسلوك القلبي ووسائل التحرك الروحاني ان هي الا ((ذكر الله)) و ((التفكر)) فمحاسن الذكر وفضائل التفكر لا تحصى. فلو صرفنا النظر عن فوائدهما الاخروية التي لا حد لها ونتائجهما في رقي الانسانية الى الكمالات، واخذنا بنظر الاعتبار فائدة واحدة من فوائدهما الجزئية التي يعود نفعها على الانسان في هذه الحياة الدنيوية المضطربة نرى:

ان اي انسان كان لا بد ان يبحث عن سلوان، ويفتش عن ذوق ويتحرى عن انيس يستطيع ان يزيل عنه وحشته ويخفف عنه ثقل هذه الحياة، ويتخفف من غلوائها، ولو جزئياً

وحيث ان ما يهيؤه المجتمع الحضاري من الوسائل المسلية والانس بالآخرين قد تمنح واحداً او اثنين من عشرة من الناس ُانسا موقتا بل ذا غفلة وذهول، والثمانين بالمائة من الناس اما انهم يحيون منفردين بين الجبال والوديان، او ساقتهم هموم العيش الى اماكن نائية موحشة، او ابتلوا بالمصائب او الشيخوخة النذيرة بالآخرة... فهؤلاء جميعاً يظلون محرومين من الانس فلا يأنسون ولا يجدون العزاء بوسائل المجتمع الحضارية!.. لذا فالسلوان الكامل لأمثال هؤلاء، والانس الخالص لهم ليس الا في تشغيل القلب بوسائل الذكر والتفكر.. ففي الاصقاع النائية، وبين شعاب الجبال، وعبر مهاوي الوديان يتوجه الى قلبه مردداً: ((الله .. الله)) مستأنساً بهذا الذكر، ومتفكراً فيما حوله من الاشياء التي يتوجس منها خيفة وتوحي اليه بالوحشة، فإذا بالذكر يضفي عليه الانس والمودة، واذا بالذاكر يقول: ان لخالقي الذي اذكره عباداً لا حد لهم منتشرين في جميع الارجاء فهم كثيرون جداً.. اذن فانا لست وحيداً، فلا داعي للاستيحاش، ولا معنى له.. وبذلك يذوق معنى الانس في هذه الحياة الايمانية، ويلمس سعادة الحياة فيزداد شكره لربه.

C التلويح الثالث:

ان الولاية حجة الرسالة، وان الطريقة برهان الشريعة، ذلك لان ما بلغته الرسالة من الحقائق الايمانية تراها ((الولاية)) بدرجة ((عين اليقين)) بشهود قلبي وتذوق روحاني فتصدّقها، وتصديقها هذا حجة قاطعة لأحقية الرسالة.

وان ما جاءت به ((الشريعة)) من حقائق الاحكام، فان ((الطريقة)) برهان على أحقية تلك الاحكام، وعلى صدورها من الحق تبارك وتعالى بما استفاضت منها واستفادت بكشفياتها واذواقها.

نعم، فكما ان ((الولاية والطريقة)) هما حجتان على أحقية ((الرسالة والشريعة)) ودليلان عليهما، فانهما كذلك سر كمال الاسلام، ومحور انواره، وهما معدن سمو الانسانية ورقيها ومنبع فيوضاتها بأنوار الاسلام وتجليات اضوائه.

ولكن على الرغم مما فيهما من اهمية قصوى فقد انحاز قسم من الفرق الضالة الى انكار اهميتهما، فحرموا الآخرين من انوار هم محرومون منها. ومما يؤسف له بالغ الاسف ان عددا من علماء اهل السنة والجماعة الذين يحكمون على الظاهر وقسما من اهل السياسة الغافلين المنسوبين الى اهل السنة والجماعة يسعون لإيصاد ابواب تلك الخزينة العظمى، خزينة الولاية والطريقة، متذرعين بما يرونه من اخطاء قسم من اهل الطريقة وسوء تصرفاتهم، بل يبذلون جهدهم لهدمها وتدميرها وتجفيف ذلك النبع الفياض بالكوثر الباعث على الحياة، علماً انه يندر ان يوجد في الاشياء او في المناهج او المسالك ما هو مبرأ من النقص والقصور، وان تكون جوانبه كلها حسنة صالحة، فلا بد اذاً من حدوث نقص وأخطاء وسوء تصرف، اذ ما دخل امراً من ليسوا من أهله الا اساؤا اليه. ولكن الله تعالى يظهر عدالته الربانية في الاخرة على وفق موازنة الاعمال وتقويمها، برجحان الحسنات او السيئات، فمن رجحت حسناته وثقلت، فله الثواب الحسن وتقبل اعماله، ومن رجحت سيئاته وخفت حسناته فله العقاب وتُردّ اعماله، علما انه لا تؤخذ ((كمية)) الاعمال بنظر الاعتبار في هذه الموازنة مثلما ينظر الى ((النوعية)). فربّ حسنة واحدة ترجح الف سيئة بل قد تذهبها وتمحوها وتكون سبباً في انقاذ صاحبها.

فما دامت العدالة الإلهية تحكم على وفق هذا الميزان، وان الحقيقة تراها عين الحق، فلا ريب ان حسنات الطريقة التي هي ضمن دائرة السنة المطهرة لهي ارجح من سيئاتها.

ولا ادل على ذلك من احتفاظ اهل الطريقة بايمانهم اثناء هجوم اهل الضلالة، حتى ان منتسباً اعتيادياً مخلصاً من اهل الطريقة يحافظ على نفسه اكثر من اي مدّع كان للعلم. اذ ينقذ ايمانه بما حصل عليه من الذوق الروحي في الطريقة وبما يحمله من حب تجاه الأولياء، فحتى بارتكابه الكبائر لا يكون كافراً وانما يكون فاسقاً، اذ لا يلج صفوف الزندقة بيسر، وليست هناك قوة تستطيع ان تجرح ما ارتضاه من ولاء تجاه سلسلة اقطاب المشايخ الذين ارتبط بهم بمحبة شديدة واعتقاد جازم، وحيث ان الضلالة لا تستطيع ان تفند او تفسد ما لديه من الثقة والاطمئنان بهم، فلن تحل ما لديه من الثقة والرضا بهم، ولن يدخل الكفر والالحاد ما لم يفقد تلك الثقة بهم. فالذي ليس له حظ من الطريقة، ولم يشرع قلبه بالحركة، من الصعوبة بمكان - في هذا الوقت - ان يحافظ على نفسه محافظة تامة امام دسائس الزنادقة الحاليين، ولوكان عالماً مدققاً.

بقي امر آخر هو انه لا يمكن ان تدان ((الطريقة)) ولا يحكم عليها بسيئات مذاهب ومشارب اطلقت على نفسها ظلماً اسم ((الطريقة)) وربما اتخذت لها صورة خارج دائرة التقوى بل خارج نطاق الاسلام.

فلو صرفنا النظر عن النتائج السامية التي تُوصل اليها الطريقة سواء منها الدينية او الاخروية او الروحية، ونظرنا فقط الى نتيجة واحدة منها ضمن نطاق العالم الاسلامي نرى ان ((الطريقة)) هي في مقدمة الوسائل الايمانية التي توسع من دائرة الاخوة الاسلامية بين المسلمين وتبسط لواء رابطتها المقدسة في ارجاء العالم الاسلامي.

وقد كانت الطرق الصوفية وما زالت كذلك احدى القلاع الثلاث التي تتحطم على جدرانها الصلدة هجمات النصارى بسياساتهم ومكايد الذين يسعون لاطفاء نورالاسلام.. فيجب ألاّ ننسى فضل اهل الطرق في المحافظة على مركز الخلافة الاسلامية ((استانبول)) طوال خمسمائة وخمسين سنة رغم هجمات عالم الكفر وصليبية اوروبا. فالقوة الايمانية، والمحبة الروحانية، والاشواق المتفجرة من المعرفة الإلهية لاولئك الذين يرددون ((الله.. الله..)) في الزوايا والتكايا المتممة لرسالة الجوامع والمساجد، والرافدة لهما بجداول الايمان حيث كانت تنبعث انوار التوحيد في خمسمائة مكان، لتشكّل بمجموعها اعظم نقطة ارتكاز للمؤمنين في ذلك المركز الاسلامي.

فيا ادعياء الحمية ويا سماسرة القومية المزيفين! الا تقولون اية سيئة من سيئات الطريقة تفسد هذه الحسنة العظيمة في حياتكم الاجتماعية؟!

C التلويح الرابع

ان سلوك طريق الولاية مع سهولته هو ذو مصاعب، ومع قصره فهو طويل جداً، ومع نفاسته وعلوه فهو محفوف بالمخاطر، ومع سعته فهو ضيق جداً.

فلأجل هذه الاسرار الدقيقة، قد يغرق السالكون في هذه السبيل، وقد يتعثرون ويتأذون، بل قد ينكصون على اعقابهم ويضلون الآخرين. فعلى سبيل المثال؛ هناك ((السير الانفسي)) و ((السير الآفاقي)) وهما مشربان ونهجان في الطريقة.

فالسير الانفسي يبدأ من النفس، ويصرف صاحب هذا السير نظره عن الخارج، ويحدق في القلب مخترقاً انانيته. ثم ينفذ منها ويفتح في القلب ومن القلب سبيلاً الى الحقيقة.. ومن هناك ينفذ الى الآفاق الكونية فيجدها منورة بنور قلبه، فيصل سريعاً، لان الحقيقة التي شاهدها في دائرة النفس يراها بمقياس اكبر في الآفاق. واغلب طرق المجاهدة الخفية تسير وفق هذه السبيل.

واهم اسس هذا السلوك هو كسر شوكة الانانية وتحطيمها، وترك الهوى واماتة النفس.

اما النهج الثاني فيبدأ من الآفاق، ويشاهد صاحب هذا النهج تجليات اسماء الله الحسنى، وصفاته الجليلة في مظاهر تلك الدائرة الافاقية الكونية الواسعة ثم ينفذ الى دائرة النفس، فيرى انوار تلك التجليات بمقاييس مصغرة في آفاق كونه القلبي، فيفتح في هذا القلب اقرب طريق اليه تعالى، ويشاهد ان القلب حقا مرآة الصمد. فيصل الى مقصوده، ومنتهى امله.

وهكذا ففي المشرب الاول ان عجز السالك عن قتل النفس الامارة، ولم يتمكن من تحطيم الانانية بترك الهوى، فانه يسقط من مقام الشكر الى موقع الفخر، ومنه يتردى الى الغرور، واذا ما اقترن هذا بما يشبه السكر الناشئ من انجذاب آت من المحبة، فسوف يصدر عنه دعاوى اكبر من حده، واعظم من طوقه، تلك التي يطلق عليها ((الشطحات)). فيضر نفسه ويكون سبباً في الاضرار بالاخرين.

ان مثل صاحب الشطحات كمثل ضابط صغير برتبة ملازم. تستخفه نشوة القيادة واذواقها في محيط دائرته الصغرى، فيتخيل نفسه في لحظة انتشاء وكأنه المشير الذي يقود الفيالق والجحافل، فتختلط في ذهنه الامور، ويلتبس عليه امر القيادة ضمن دائرته الصغرى مع القيادة الكلية الواسعة ضمن دائرتها الكبرى، تماما كما يلتبس في النظر على بعض الناس صورة الشمس المنعكسة من مرآة صغيرة، مع صورتها المنعكسة من سطح البحر الشاسع، من حيث تشابههما في صورة الانعكاس، رغم اختلافهما في السعة والكبر.

وكذلك فان كثيرا من اهل الولاية من يرى نفسه اكبر واعظم بكثير ممن هم ارقى واسمى منه، بل ممن نسبته اليهم كنسبة الذباب الى الطاووس.

ولكنه ـــ اي صاحب الدعاوى ـــ يرى نفسه كما يصف، و يراها كما يقول، محقا في رؤيته. حتى انني رأيت من يتقلد شارات القطب الاعظم ويدعي حالاته، ويتقمص اطواره، وليس له من صفات القطبية الا انتباه القلب وصحوته، وسوى الشعور بسر الولاية من بعيد، فقلت له:

يا اخي! كما ان قانون السلطنة له مظاهر عديدة جزئية او كلية على نمط واحد في جميع دوائر الدولة، ابتداء من رئاسة الوزارة الى ادارة ناحية صغيرة، فان الولاية، والقطبية كذلك لها دوائر مختلفة ومظاهر متنوعة، ولكل مقام ظلال كثيرة. فأنت قد شاهدت الجلوة العظمى والمظهر الاعظم للقطبية الشبيهة برئاسة الوزارة ضمن دائرتك الصغيرة الشبيهة بادارة الناحية، فالتبس عليك الامر وانخدعت، اذ ان ما شاهدته صواب وصدق، الا ان حكمك هو الخطأ، حيث ان غرفة من الماء بالنسبة للذبابة بحر واسع.

فانتبه ذلك الاخ بكلامي، ونجا من تلك الورطة بمشيئة الله.

ورأيت كذلك عدداً من الناس يعدون انفسهم مقاربين او مشابهين ((للمهدى))، ويقول كل منهم: سأصبح ((المهدى))!

هؤلاء ليسوا كاذبين ولا مخادعين، ولكنهم ينخدعون، اذ يظنون ما يرونه هو الحق، ولكن كما ان الاسماء الحسنى لها تجلياتها ابتداء من العرش الاعظم وحتى الذرة، فان مظاهر هذه التجليات في الاكوان والنفوس تتفاوت بالنسبة نفسها، وان مراتب الولاية التي هي نيل مظاهرها والتشرف بها هي الاخرى متفاوتة.
__________________
رفيقك علم الله فلابد ان لا تنسى رفيقك
عبدالرزاق غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس