عرض مشاركة واحدة
قديم 05-01-2009
  #1
أبو يوسف
عضو شرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 518
معدل تقييم المستوى: 16
أبو يوسف is on a distinguished road
افتراضي الشيخ محمد الحامد

:sm152:

[
COLOR="RoyalBlue"]


سيدي الشيخ محمد الحامد




عاش الشيخ محمود الحامد والد سيدي رحمهما الله تعالى ، غلبت عليه صفة التصوف واشتهر بها ، وكان حار المزاج حاد الطبع ، كثيراً ما تطغى عليه الأحوال الشديدة ، على جانب كبير من الصلابة الدينية والورع ، عفيف النفس ، كريم القلب ، يعيش من كتّـابه الذي أنشأه لتعليم الأطفال القراءة والكتابة . ولقد تربى وتلقى التصوف على يد الشيخ الكبير عبد الفتاح العبد رحمه الله تعالى ، الذي تتلمذ على يد الشيخ محمد سليمان الاروادي رحمه الله تعالى ، وهو أحد خلفاء مولانا خالد النقشبندي رحمه الله تعالى .




مولده :

في هذا البيت ، بيت العلم والتصوف ، ولد سيدي رحمه الله تعلى سنة 1328هـ - 1910م ، وكانت ولادته بعد انقطاع حمل أمه عدداً من السنين ، حتى شكا والده إلى بعض خواصه انقطاع حمل زوجته ، فأخبروه أنه كان في حمص شيخ مبارك اسمه الشيخ سليم خلف [ 1 "> ، يكتب بعض الكلمات على ورقة يعطيها لمن تشكو إليه انقطاع حملها ، فتلحسها ، فتحمل بإذن الله تعالى ، ولقد توفي ؛ لكن ولده الشيخ محمد أبو النصر يقوم مقامه في هذا ، وهو يتردد على حماة لتفقد مريديه.

وبتقدير الله سبحانه كتبت الورقة بيد الشيخ أبي النصر ، وحملت الأم بعد ذلك بإذن الله تعالى ، وولد الشيخ رحمه الله تعالى . وعاش في كنف والديه وبين أخويه ستة أعوام تقريباً ، وفجع في السادسة من عمره بوالده ، وفي العام نفسه فجع أيضاً بأمه ، وذاق مرارة اليتم والفقر عدداً من السنوات ، وكانت من أشد السنوات التي مرت على البلاد ، وهي سنوات الحرب العالمية الأولى .

وكان والده يتحدث مراراً أن ولده هذا سيكون عالماً ، ورآه مرة بعض الصالحين ، فأسرع إليه مقبلاً ومعانقاً وهو يردد : الشيخ محمد ، الشيخ محمد .

ولما مرض الوالد مرض الوفاة ، اشتد به القلق على أولاده ، خاصة وأنه لم يتمكن في خلال حياته كلها ، أن يوفر لهم شيئاً من المال يتركه لهم ، والبلاد تلفها المجاعات والأوبئة طيلة الحرب العالمية الأولى ، فأخذ يبحث عن وصي يوصيه عليهم ، فلم يجد أحداً ؛ لأن كل إنسان يشغل خلال الأزمات بنفسه ، فما كان منه إلا أن أوصى الله عليهم ، فكان يردد في مرض وفاته : " إني أوصي الله على أولادي " وأشار إلى ولده الكبير بدر – وكان حينئذ في سن الخامسة عشرة من عمره – ليقترب منه ، فهمس في أذنه بكلمات ، أوصاه بها أن يعتني بأخويه الصغيرين .

كانت وفاة الوالد في تلك الظروف القاسية ضربة شديدة ، تبعتها أخرى بوفاة الوالدة ، فلم تحتمل العائلة الصغيرة شدة هذه المصائب فتفرق شمل الإخوة ن واضطر الأخ الكبير للانفصال عن أخويه الصغيرين .

ذكر لي سيدي رحمه الله تعالى ، هذه المرحلة في حياته ، حدثني عن مشاعر الألم التي كانت تحز في نفسه ، وتمور في فؤاده ، دون أن يستطيع في ذلك الوقت التعبير عنها ، قال : لو كان لليتيم لسان يبين به عن لوعاته وآلامه ؛ لأبكي الحجارة الصماء ، مرت بنا أيام ، كنا كثيراً ما نبقى في المدرسة في فرصة الغداء دون طعام ، معظم التلاميذ يذهبون إلى بيوتهم ، ونحن نبقى في المدرسة ؛ لأنه لم يكن لنا بيت ولا طعام ، حتى إن أخي كان يبكي أحياناً من شدة الجوع ، أما أنا فكنت أشغل نفسي باللعب عن آلام الجوع .



نشأته العلمية :

لم يغفل بدر الدين عن تعليم أخيه محمد حتى في أشد أيام البؤس ، فقد أدخله المدرسة الابتدائية ، وهو ما يزال في الفترة التي كان يعيش فيها عند الأسر الفقيرة في أطراف البلد ، وأيقظ فيه روح الجد ، لما كان يرى فيه من مخايل الذكاء ، نال الدرجة الأولى على رفاقه في الصف الأول ، وفي السنة الثالثة من دراسته إنفرجت الحياة قليلاً لأخيه بدر الدين من بعد إنسحاب الأتراك من سورية وقيام الحكم الفيصلي فيها ، حيث عمل أخوه معلماً ابتدائياً ، واستمر الأمر هكذا حتى أنهى محمد مرحلة الدراسة الابتدائية ، وتخرج من الصف السادس سنة 1922م ، فأدخله أخوه المدرسة الإعدادية ، لكن محمداً لم ينسجم مع بيئته الجديدة في المدرسة ، وشعر بنفره منها ، وبدا عليه التقصير في دروسها ، فإن ميله إلى العلم الشرعي والتزامه حلقات بعض الشيوخ في طلبه ، وسلوكه الديني الصارم ، فأحس أخوه أنه يحمله على الذهاب إليها حملاً ، فأخرجه من المدرسة الإعدادية سنة 1923م ، ووضعه عند معلم خياطة للملابس العربية ليتعلم عنده مهنة الخياطة ، ويتابع معها طلب العلم الشرعي كما يريد فكان محمد يعمل في النهار في الدكان ، ويحضر بعد المغرب دروس العلماء في المساجد ، وينضم بعد العشاء إلى الحلقات الخاصة لطلب العلم ، إلى أن افتتحت في حماة مدرسة دار العلوم الشرعية سنة 1924م ، فرغب محمد في دخولها ، وكان أخوه بدر الدين في تلك السنة في دمشق يتمم دراسة الصف الأخير من دار المعلمين ، فأرسل خاله الشيخ سعيد الجابي يستشيره في إدخاله فيها ، فأقر بدر الدين الفكرة ، وعلى الفور ترك محمد دكان الخياطة ، ودخل المدرسة الشرعية ، التي كانت أسعد أيام حياته ، فرغم صغر سنة بين أقرانه من طلاب المدرسة كان الأول بينهم . وما كان رحمه الله يهتم لشؤون المعيشة ، إنما كان همة في إرواء ظمأه العلمي وإشباع طموحه الفكري ، ولم تكن المدرسة الشرعية كافية له بل كان يتردد صباحاً ومساءً على الدروس العلمية الخاصة التي كان يعقدها الشيوخ في المساجد لخواص طلابهم ، حتى بلغ عدد الحلقات العلمية التي كن يحضرها تسع حلقات في اليوم ، سمعت هذا منه رحمه الله تعالى.



مشايخه :

تتلمذ على أيدي كبار العلماء منهم شيخ الشافعية في حماة ، ورئيس جمعية العلماء فيها ، الشيخ محمد توفيق الصباغ أدام الله توفيقه ، ومنهم سماحة الأستاذ الجليل الشيخ محمد سعيد النعساني مفتي حماة ، ذو الباع الطويل في العلوم والمعارف ، ومنهم فضيلة الأستاذ الفقيه الحنفي ،

الحجة العالم العامل ، التقي الورع ، الزاهد في الدنيا ، شمس علماء حماة ، الشيخ أحمد المراد رحمه الله .



المدرسة الخسروية بحلب :

في سنة 1347هـ – 1928م أنهى رحمه الله دراسته في مدرسة حماة ، فرحل في السنة نفسها إلى حلب يبحث عن منهل علمي جديد يروي منه ظمأه العلمي ، فهيأ الله له سبيل الانتساب إلى المدرسة الخسروية الشرعية فيها ، ( وكانت تعتبر في ذلك الوقت من أرقى المدارس الشرعية في بلاد الشام ) ، وهنا ظهرت شخصيته العلمية بين أقرانه وحتى بين شيوخه ، فقد وصفه الشيخ أجمد الشماع -وهو أحد الشيوخ في المدرسة - قائلاً : " بحر علم لا تنزحه الدلاء " ، كان يحرص رحمه الله تعالى على شهود الدروس العلمية التي تلقى في مساجد حلب ، فكان يداوم على دروس عالم حلب الكبير الشيخ نجيب سراج الدين رحمه الله تعالى ، ولم يقتصر في دراسته على المناهج الرسمية بل كان يطالع الكثير من المصنفات ، يدفعه إلى ذلك شغفه العلمي ، وحرصه على بناء شخصيته العلمية بناءً كاملاً ، وكم كان يذكر رحمه الله كلمة أخيه الأستاذ بدر الدين وهو في وداعه قبل سفره إلى حلب ، قال له في محطة القطار : " أعوذ بالله من نصف عالم " .

شيوخه في حلب :

الأستاذ الشيخ أحمد الزرقا الفقه الجليل ، وكالشيخ أحمد الكردي مفتي الحنفية في حلب ، والشيخ عيسى البيانوني ، والشيخ إبراهيم السلقيني العالم العامل والتقي الورع ، والشيخ محمد الناشد ، والشيخ راغب الطباخ ، والشيخ أحمد الشماع ، والشيخ عبد المعطي ، والشيخ فيض الله الأيوبي الكردي المحقق العظيم في علمي التوحيد والمنطق ، والشيخ محمد أسعد العبجي مفتي الشافعية في حلب وهو والشيخ عبد الله حماد الباقيان في قيد الحياة من مشايخي ، جزاهم الله خير الجزاء وبارك عليهم أحياءً وأمواتاً .

ومما يزيد في أهمية هذه المرحلة بالنسبة لسيدي رحمه الله أنه فيها حصل له التحول الكبير عن أفكار دعاة السلفية ، التي كان يتبناها منذ كان في حماة ، إلى السلوك في طريق التصوف على يد شيخه العظيم الشيخ محمد أبي النصر خلف النقشبندي رحمه الله تعالى .

العودة إلى حَمَاة :

وفي سنة 1353هـ عاد رحمه الله بعد أن أنهى دراسته في حلب ، ولم تطل فترة استقراره في حماة ، فقد رحل عنها سنة 1356هـ إلى مصر ، ملتحقاً بالأزهر الشريف ، ففي هذه السنوات الأربعة أثبت الشيخ مكانته العلمية فجذب أنظار علماء البلد لديه ؛ حتى أكرهوه على أن يستلم بعض المناصب الدينية في البلد ، وكان كارهاً لها، ففي سنة 1354هـ كلف بالخطبة في جامع الأشقر، وألقى أول خطبة في الجامع المذكور يوم الجمعة لأربع خلون من ربيع الآخر .

وفي هذه الفترة أيضاً ، خاض الشيخ صراعاً فكرياً عنيفاً ضد الذين كانو يناوئون الصوفية في حماة ، وهم أتباع خاله الشيخ سعيد الجابي رحمه الله تعالى ، ومن المعلوم أن سيدي كان موافقاً لهم قبل رحلته إلى حلب ، بل إن خاله الشيخ سعيد كان يعدّه ليكون خليفته في هذا ، فأصيبوا بتحوله إلى الصوفية بخيبة أمل مريرة ، زاد من مرارتها الموقف الصارم الذي وقفه الشيخ منهم ، حتى تمكن رحمه الله من تثبيت أقدام الصوفية في البلد ، بعد أن زعزعتها الحملات العنيفة التي كان يشنها الشيخ سعيد عليهم في دروسه العامة .

وموقف سيدي هذا أدّى إلى تركه الخطبة في جامع الأشقر ، لكن الله سبحانه وتعالى عوضه عنه بجامع السلطان ، كما جر عليه كثيراً من التعب والعناء ، فنصحه شيخه أبو النصر أن يبتعد عنهم ، وعن مجادلتهم . وأنى له هذا وهو قريب منهم ! لذلك كتب إلى شيخه رحمه الله قائلاً : " كنتم أرسلتم لي كتاباً تأمرونني فيه بالإبتعاد عن المنكرين بقدر الإمكان ، وعدم مكالمتهم ومجادلتهم فيما يتعلق بأمر الطريق ، وقد وفقني الله تعالى لامتثال أمركم حسب الطاقة ، ووجدت له أثراً حميداً في نفسي وأشعرتُ بالتقدم والزيادة من الخير ببركتكم وعطفكم ، غير أني لا بد لي ياسيدي من الخلطة ببعضهم ، والاجتماع بهم ، وأنا من هذا تجاه أمر واقع ، أتمنى الخلاص منه ، فلا أقدر عليه ، ولا يخفى على مولاي – أعزه الله تعالى – أن المنكر لا يصبر عن الجدال مصداقاً لقوله – صلى الله عليه وسلم - : " ما ضل قوم بعد هديّ كانوا عليه ؛ إلا أعطوا الجدل " وعن هذا تقوم المجادلات بيننا ويشتد الخصام ، ولا نتوصل لنتيجة مرضية ، ويتعبني ذلك تعباً عظيماً وعناءً كبيراً ، وأحس بظلمة أرواحهم تسري إلى قلبي ... هذا وقد صار لي سوء الحظ بهم ، وليتني أتمكن من النجاة منهم ، فلا أراهم ولا أسمع بهم " اهـ

ومع هذا لم ينقطع الشيخ عن دراسته العلمية ، فقد كان دائب المطالعة ، وقد يسر الله له أن يستلم حجرة في الجامع الجديد ، جعل منها مكان لدارسة العلم مع بعض زملائه من شباب المشايخ في البلد ، كما بدأ يلقي دروسه العامة في هذه الفترة ، ففي سنة 1353هـ عهد إليه الشيخ أحمد المراد – رحمه الله تعالى – بالتدريس مكانه بعد الظهر في الجامع الجديد . وبعد تركه جامع الأشقر ، طلب منه الشيخ أديب الحوراني – رحمه الله تعالى – أن يخطب عنه في جامع السلطان ، وبعد مدة كلفه بالتدريس . ومنذ ذلك الوقت أصبح مسجد السلطان المركز الرئيسي لجهوده العلمية.



الرحلة إلى مصر :


وفي عام 1356هـ الموافق 1938م سهل الله له سبيل الارتحال إلى مصر ، والانتساب إلى الأزهر ، ومن الأسباب دراسته في مصر ما ذكره في رسالة أرسلها إلى شيخه أبي النصر بعد عودته إلى حماة ، قال فيها : " إن موقفي في حماة أرحج موقف ، فقد عاداني أقاربي وأتباع خالي ، وهم أكثر الناس عندنا ، وأصبحت غير مقبول النصح عندهم ، ومخدوشاً من الوجهة العلمية في نظرهم ، إذ يرون أن علمي خرافات وبدع ، جئتهم بها ، وقد فسد الرأي العام عندنا ، وأصبحت غريباً في وطني ، وغير خافٍ عليكم ضعف الطلب في حماة ، وإني أمرؤ أرغب في العلم ، لهذا كله أسأذنتكم فأذنتم لي ، وإني أعلم ما سأحمله من المشقة في البعد عنكم وعن إخواني ، ولكن الغاية التي أطلبها تدفعني إلى احتمال المصائب وتلقِّي الشدائد ، وقد قال لي أحد أشياخي لما ذكرت له أن الشوق لسيدي يكاد يحملني على العدول عن الأزهر : ( إن هذا السفر سعاد نلتها بسر شيخك. وذكر لي أن الذي يريد نشر الطريق في حماة ، ينبغي أن يكون واسع العلم ، لا يعبأ بالمنكرين ، بل يقيم الحجة عليهم ، ويلزمهم الحق بالدليل ، وهذا أمر لا تقدر عليه بدون تعلمك في الأزهر الشريف ) فوجدت لقوله وجهاً من الصواب " .اهـ

وسافر إلى مصر وهو يظن أنه يفاجأ باختلاف كبير ، فقد سبقت مصر البلاد العربية في تأثرها بأفكار الغربيين وعاداتهم ، فانتشر فيها السفور والاختلاط بين الرجان والنساء إنتشاراً كبيراً، ولم يستطع رحمه الله تحمل رؤية المنكرات ، فما كان منه بعد بضعة أيام من وصوله ، إلا أن عاد إلى حماة . ولكن الناس في حماة استهجنوا عودته ، ولاموه أشد لوم ، وأصبحت عودته حديث الأندية ، فأينما ذهب تأخذه الأبصار ، وحيثما سار تتبعه الغمزات و الابتسامات ، وسبب ذلك أن الناس كانوا ينظرون إلى الأزهر نظره إجلال وإكبار ، ويعتبرون الدراسة فيه نعمة كبرى ، ولهذا استقبلوا سيدي رحمه الله بما استقبلوه به ، وأنكروا عليه إنكاراً لم يستطع احتماله ، فكر راجعاً إلى مصر وترك حماة ليلاً ، ولم يتمكن من زيارة شيخه لوداعه .

والحقيقة أن ما يراه الزائر لأول وهلة في مصر ، لا يعبر عن حقيقة المجتمع المصري ، فالمجتمع المصري ينطوي على خير كثير ، ولا يزال في مصر الكثير من العلماء والصالحين ، وهذا ما حصل لسيدي رحمه الله ، فبعد بضعة أشهر تغير نظرته إلى المجتمع المصري ؛ وانقلب الكره والنفور عنده إلى محبة لمصر وأنس بالمصريين ، فتعرف على كثير من الصالحين ، وأقام صداقات قوية معهم ، واشتهر بلقب الشيخ الحموي ، وكانوا يراسلونه عندما يعود أثناء العطلة الصيفية إلى حماة.

وفي مصر تعرف على الشهيد حسن البنا رحمه الله تعالى ، وتحولت هذه المعرفة إلى علاقة حبيبة عالية بينهما ، وإلتقى بالعالم الكبير الشيخ زاهد الكوثري رحمه الله تعالى[2"> ، وقد نصح سدي أن لا يختلط بالناس كثيراً ، وذلك لما لاحظه عند سيدي من شدة نفوره من المنكرات ، وتألمه من رؤيتها ، وفيها تعرف على الرجل الصالح ، والعالم العامل ، فضيلة الشيخ مصطفى الحمامي رحمه الله تعالى ، تأثر به كثيراً وأعجب بصلاحه وتقواه ، وكان كثير الزيارة له .

ومن الملاحظ أن أكثر الذين تأثر بهم سيدي في مصر ، كانوا من خارج الأزهر ، ولم يستفد من الأزهر زيادة في علمه . فقد قالوا له بعد إختبار الانتساب إلى الأزهر : " إنك عالم لا تحتاج إلى الدارسة فيه " ، ولكنه كان يعلن أنه استفاد من دراسته في الأزهر طريقة تحقيق المسائل وتدقيقها ، وهو أمر ظاهر في آثاره العلمية وفي أجوبته الفقهية ، وكان زملاؤه في الدراسة يدهشون من كثره معلوماته ، وغزارة محفوظاته ، وخاصة في الأحكام الفقهية .

الاستقرار في حماة :

وفي عام 1362هـ / 1942م عاد رحمه الله إلى حماة ، ليعيش آخر مراحل حياته . وفي هذه المرحلة أثمرت جهودة ، وأينعت ثماره ، ومع أنها مرحلة الاستقرار ؛ فإنها كانت أكثر مراحل حياته ، تعباً ومشقة ، فهي مرحلة الجهاد ، فلما عاد الشيخ إلى حماة ، كانت البلاد في ذروة جهادها الوطني من أجل الحصول على الاستقلال ، وهذا أحد الأسباب التي دفعت الشيخ للرجوع إلى بلده . ليضم صوته إلى أصوات المطالبين بالاستقلال ، ويذكي بخطبه الحماسية جذوه النضال والجهاد في قلوب الأمة ، داعياً إلى الثورة على المستعمرين ، وتطهير البلاد منهم ، وهو الأمل من عمره الذي كان يراوده منذ رآهم يدخلون البلاد ، وكان وقتئذ في العاشرة من عمره ، ودعا الله سبحانه وتعالى ببراءة الطفل وصفائه ، أن يريره خروجهم من حماة كما شاهد دخولهم ، ولقد حقق الله أمنيته هذه ، وأقر عينه برؤيتهم يخرجون من نفس الشارع ، ومن أقواله ضد الإستعمار " أيها الإخوان لقد استخفت فرنسا بنا ، وخاست بكل العهود ، ولم ترع للمواثيق حرمة ، لقد طلبت منا آخراً أن نقبل أموراً ، فيها ترسيخ أقدامها في هذه البلد واستعباد أهلها ، فاغضبوا ثم اغضبوا ، وثوروا ثم ثوروا ، فما عاد السكون ينفع ، وما عاد السكوت يفيد ، لقد كان نبيكم صلوات الله عليه وسلامه يرتجز هو وأصحابه قائلين : *





المشركون قد بغَوا عليناوإن أرادوا فـتـنــة

أبَـــيْـــنــــا

أبَـيْـنـا ، أبَـيْـنـا





وما أجدرنا إعادة ذلك الرجز قائلين :



هذي فرنسا قد بَغَت عليناوإن أرادتْ فـتــنــةً

أبـــيْــــنــــا

أبَـيْـنـا ، أبَـيْـنــا





ولم ينقطع - رحمه الله تعالى - خطبة المنبرية أيام الجمع في أشد ساعات الخطر ، فلقد خطب وطائرات المستعمرين تضرب حماة ، وتلقي قنابلها على المساجد ؛ ولما وقت مأساة فلسطين ، تألم الشيخ كثيراً ، ودعا إلى الخروج للجهاد وأراد أن يخرج بنفسه ، ولكن كبار العلماء أشاروا عليه بالبقاء لحاجة الأمة إليه ، ولكثرة عدد المجاهدين ، ولقد استحوذت قضية فلسطين على اهتمامه ، فخصص لها الكثير من خطبه المنبرية ، وكتب عنها عدداً من المقالات في الصحف والمجلات ، وكان يرى رحمه الله تعالى ، أن حالنا مع اليهود لا تحلها إلا القوة ، وكان دائم الوصية للشباب ، لينضموا إلى الجيش ، ويكونوا من ضباطه وجنوده ، وفي عام 1956م أثناء الاعتداء الثلاثي على مصر انضم الشيخ إلى صفوف المقاومين الشعبيين ، وحمل السلاح بنفسه ، وكان يخرج على رأس إحدى المجموعات إلى حقول التدريب .

جهَادُهُ الاجتماعي :

منذ أن استقلت البلاد ، أدرك الشيخ – رحمه الله تعالى – أن الأمة أصبحت علىمفترق الطرق ، فقد ظهرت فيها دعوات مختلفة الاتجاهات ، تدعو إلى الميوعة ، والتحلل من التكاليف الدينية ، ونشر الفساد في البنية الاجتماعية للأمة ؛ وذلك بتشجيع السفور والتبرج ، واختلاط الرجال والنساء ؛ فضلاً عن أفكار تشكك الناس بعقيدتهم وتدفعهم إلى الإباحية والإلحاد .

ورأى أن واجبه الأول في هذه الحياة ، أن يقف في وجه هذه التيارات ، وأن يعمل للحفاظ على عقيدة الأمة وذاتيتها المستقلة ، وكيانها المتميز ، فقام رحمه الله تعالى بهذا الواجب ، متحملاً كل متاعبه ومسؤولياته ، ومعرضاً نفسه لمخاطر جسيمة .
[/COLOR]
__________________
خَليليَّ وَلّى العمرُ مِنّا وَلَم نَتُب = وَنَنوي فعالَ الصالِحات وَلَكِنّا
أبو يوسف غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس