عرض مشاركة واحدة
قديم 05-01-2009
  #2
أبو يوسف
عضو شرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 518
معدل تقييم المستوى: 16
أبو يوسف is on a distinguished road
افتراضي رد: الشيخ محمد الحامد

جهَادُهُ التعليمي :

المدرسة والمسجد هما الميدانان الرئيسيان لجهاده التعليمي . أما المدرسة فقد كانت مركز عمله الرئيسي ، فمنذ أن عاد من مصر ، اختار طريق المدرسة ، وفضله على منصب القضاء ، لأنه رحمه الله كان حريصاً على نشر العلم ، مع أن منصب القضاء كان ميسراً له .

أما المسجد ، فقد كان الميدان الثاني لجهادة التعليمي ، وكما كانت وسيلة لاتصاله بالطبقة المثقفة في الأمة ، كان المسجد وسيلة اتصاله بأفراد الأمة جميعاً ، يلتقي بهم كل جمعة في خطب المنبرية التي كان يتناول فيها موضوعات مختلفة . بعضها في العقيدة ، وبعضها في عرض مسائل علمية يحتاج إلى معرفتها الناس ، ويختار في أكثر خطبه المواضيع ذات الصلة بحياة الأمة .



المرحلة الأخيرة :

وما ترك رحمه الله تعالى ميادين جهاده هذه حتى آخر حياته ، إلى جانب أعماله العلمية الكبيرة ، وواجباته الاجتماعية الكثيرة ، ولم يفطن - رحمه الله تعالى – وهو في خضم أعماله ومسؤولياته إلى العلة التي تسربت إلى كبده ، والتي ساعد على سرعة سريانها الأثقال الكثيرة التي ينوء بحملها العديد من الرجال . ولما بدأ أثرها يظهر في إضعاف جسده ، كان - رحمه الله – يتألم لما يشعر به من ضعف ويعجب منه ، ومع ذلك كان يجاهد ضعف جسمه بقوة روحه وشدة عزمه ؛ أصدق إنسان في هذا ، الأخ الطبيب ، السيد سلمان نجار حفظه الله تعالى ، لأنه كان ألصق الناس بروح الشيخ وقلبه وجسده ، شرفه الله تعالى بخدمة الشيخ وملازمته طيلة فترة المرض .



ظهور المرض :

كان مرض الشيخ رحمه الله تعالى كما وصفته مرضاً عضالاً ، من أهم أسبابه ، تلك الأحداث الخطيرة التي واجهته في حياته ؛ سواء منها ما حل ببلدته حماة خاصة ، أو ما حلّ بالعالم الإسلامي عامة ، وكثيراً ما كنت أسمعه يقول بيني وبينه : " أخشى أن أقع في مرض عضال لا أشفى منه " وقد حدث فعلاً ما كان يخشاه ، إذ وقع فريسة لمرض السكري منذ أكثر من خمس سنوات ، ثم كشف عنده قبل وفاته بسنة تقريباً ، أنه مصاب بتشمع الكبد الذي ظهر بعرضه الخطر المسمى بالحبن ، وإن السكري عنده مظهر لضعف الكبد ، بسبب إختلال وظيفته الاستقلابية ، وليس ناشئاً عن قصور غدة المعثكلة ( البانكرياس ) والتي تعتبر المتهم الأول لظهور السكري ، عند الأشخاص الذين هم في مثل سن الفقيد رحمه الله تعالى .

والشيخ كان مشغولاً عن مرضه بجهادة العلمي الطويل الذي ملك عليه أوقاته ، ولم يفسح له المجال لتتبع أسباب علته تتبعاً دقيقاً ، بالسفر إلى أطباء مختصين ؛ ونصحه الطبيب المختص

" موفق المالكي " - أسعده الله تعالى – بتركه سبعين بالمئة من أعماله التي اعتاد عملها ، وكانت هذه هي نسبة إصابة الكبد عنده .

تطور المرض :

ثم تطورت عنده العلة ، وداهمة العرض الأخطر لتشمع الكبد وهو النزف الداخلي الشديد المتسبب من إنفجار دوالي المريء ، والذي تكرر ثلاث مرات في حماة ، كاد يودي بحياته ، لولا أن تداركته عناية الله تعالى ، بما بذله أطباء بلدته الكرم من إسعافات ، كنقل الدم ، وسهر متواصل على صحته الغالية ، وخاصة الطبيب المؤمن عبد الرزاق الكيلاني ، وقد التف تلامذته ومريدوه حول بيته الشريف المتواضع ، لا ينامون الليل طيلة ثلاثة أشهر قبل سفره إلى بيروت ، بقلوب وجلة ، وأعين ساهرة ، أن يداهم حبيبهم الغالي ما يكرهون ، وليسعفوه بدمائهم الزكية ، لأن كل واحد منهم يعتقد أن حياته لا قيمة لها إلا بالمحافظة على حياة حبيبة ، الذي حل منه محل الروح من الجسد ، والسواد من العين . ولقد كان يقول – رحمه الله تعالى – أمام هذه المشاعر الفياضة والعواطف الجياشة : " إنه أن شفي من مرضه هذا ، فسيعمل للإسلام – وكأنه ما عمل قط !!! وأن عمله كله سيكون جارياً في صحائفهم " ويضفي على كلامه شيئاً من دعابته المعهودة ، وخفه روحه المألوفة ، فيقول : " كيف لا وأنا أعيش بدم غيري ! وقد جدد دمي مرتين ! " أي عشرة لترات تقريباً .

ومع أنه في هذه الحالة التي يرثى لها ، لم يترك جهادة العلمي ، وبيان الحقائق الشرعية في هذه الحال ؛ بل إنه لم يترك ذلك . ويدلك على مبلغ حرصه ، أنه كان يستحلف بالله الأشخاص الذين كانوا يوصلون إليه الرسائل التي ترده من البلاد والآفاق ، هل أخفى أحد منهم رسالة عنه ؟ ويقول : " ما وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه في غمده حتى لقي ربه " .

السفر إلى بيروت :

الخميس 24ذي الحجة سنة 1388هـ الموافق 3آذار سنة 1969م

بعد زيارة الطبيب المالكي له في حماة ، تقرر سفره إلى بيروت لدراسة إمكانية عملية جراحية ، من شأنها قطع النزف وتخفيف الحبن ، وتركه بعدها يعيش ضمن إمكانية كبده ، ومن المواقف التي أذكرها ولا أنساها قبل وفاته بشهرين تقريباً ، ساعة الوداع ، عندما غادر بيته المبارك متوجهاً إلى لبنان ، وقد تحلق حوله لفيف من محبيه وتلامذته ، يكفكفون دموعهم ، ويكتمون زفراتهم ، خشية أن يتأثر فضيلته – رحمه الله – من هذا الموقف ، وخوفاً منهم أن يكون آخر عهدهم بحبيبهم وحبة قلوبهم ، وكأن ابن زريق عناهم بقوله :



ودعتُه وبودي لو يودعنيصفوُ الحياة وأني لا أودعهُ





وفي الطريق إلى بيروت ، كنت ثالث ثلاثة من أطباء بلدته ، رافقناه لنرعى شأنه ، ونسعفه إذا احتاج الأمر ، ولما وصلنا إلى حمص زار قبر شيخه سيدي : محمد أبي النصر خلف النقشبندي قدس الله سره [3"> . والذي كانت له المنزلة الأولى في نفسه حياً وميتاً ، وفاءً له وتبركاً بروحه الطاهرة .

في مُسْتشفى المقاصد الإسلامية :

وقد كتب لي شرف الخدمة بجوار سريره المبارك في مستشفى المقاصد الإسلامية في بيروت ، وكنت أرى الوفود الكثير المختلفة من أهل العلم وغيرهم ، يتسابقون للتشرف بزيارته ، وسماع حديثه العذب ، ولطالما سمعوا عن فضيلته الكثير الطيب ولم يروه .

وكنت اقول له رحمة به : " لا تنس أنك مريض " ، ويجيبني : " إن الله تعالى سائلي عن هذا العلم ماذا صنعت به ؟ فبم أجيبه ؟ وقد يسر لي التحصيل العالي ، وسماع الكلمة ، وقبولها عند الناس ، وقد جاءوني وأنا أحب أن أنصح لهم لله تعالى " .

وأذكر أنه زاره شيخ شابٌ ، كان على جانب عظيم من المحبة لفضيلة الشيخ رحمه الله تعالى ، رقم حداثة عهدة به . وما أن لاحت أمام ناظريه ، وأن فضيلة مولانا أحد الأقطاب المؤسسين للمجلس الشريف في الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حماة ، وغيرها من البلاد الشامية ، حتى اشتعلت في قلبه محبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ، وطلب إجازة من الشيخ رحمه الله تعالى في إقامة مجلس شريف في الديار اللبنانية ، لتعود على لبنان بالخير والبركة . فأجابه رحمه الله وشجعه على ذلك ، وقال : " لو استطعت أن آمر حفظتي بالصلاة عليه لفعلت " .وكان هذا المجلس الشريف من بركة زيارته إلى بيروت رحمه الله تعالى.



النزفة الرّابعَة :

وفي خلال إقامة مولانا - قدس الله روحه الطاهرة - في المستشفى ، فاجأه النزف الرابع قبل إجراء العملية الجراحية ، لكنه مر بسلام بعونه تعالى ، وتداركه أطباء المستشفى بالسرعة المطلوبة .

ومن طريف ما حدث أن زاره أحد الشبان ، فأحبه لمجرد رؤيته له ، وسارع إلى التبرع بدمه ، فاستوقفه إخوانه ، لأن فضيلة الشيخ رحمه الله تعالى لن يقبل منه هذا التبرع ، إلا إذا تاب توبة نصوحاً ، وعاهد نفسه على القيام بطاعة الله تعالى ، وإقلاعه عما فرط به في حق نفسه ، فقبلوا منه عند ذلك أخذ الدم .

قبيل العَمَليةِ الجرَاحيَّة :

ولما كان النزف بشبحه الرهيب يتهدد حياة الشيخ رحمه الله تعالى ، مرة في كل خمسة وعشرين يوماً ، ومن المعلوم لدى أرباب مهنة الطب أنه كلما تكرر النزف ؛ زاد مقداره ، وعظم خطره ، وقضى على المريض بشكل صاعق .

وعلى هذا ، فالعملية من باب اختيار أخف الضررين ، وأهون الشرين ، وهي ملطفة وليست شافية ، تعالج اختلاط المرض " وهو النزف " ولا تقضي على المرض الحقيقي ، الذي لا يقبل التراجع ( وهو تشمع الكبد ) .وهذه العملية تجري في بيروت كأي بلد أوروبي متقدم طبياً ؛ وهذا مما أثلج صدر فضيلة الشيخ رحمه الله تعالى ، ووافق رغبته بإجرائها في بلد إسلامي ، لا يغيب عنه صوت المؤذن فيه ، كما كان يقول .

وإني لأشهد أن ذلك الطبيب المؤمن [4"> ، أضفى على فضيلة مولانا رحمه الله كل عنايته ، التي استمرت نحواً من شهرين ، وهي مدة المكث في بيروت ، وكم كنت أعجب من شدة محبته للشيخ رحمه الله تعالى ، وتعلقه به في هذه الفترة الوجيزة التي تعرف بها عليه .

العملية الجراحية :
الثلاثاء بتاريخ 1 / نيسان / 1969م

وفي صباح اليوم الذي حدد لإجراء العملية الجراحية ، دخلت على فضيلة مولانا - قدس الله سرَّه - في حجرته ، فوجدته يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ، وسبحته في يده الشريفة ، رابط الجأش ، هادئ النفس ، مستسلماً لقضاء الله وقدره ، فلما رآني قال لي : " يا بني اشهد بأني مسلم ، مؤمن بالله ورسالاته " . ثم أحضر إلى غرفة العمليات ، وهو لا ينفك عن ذكر الله تعالى في قلبه الشريف ، كما هو معهود عن السادة النقشبندية في مثل هذه الأحوال ، ولقد شاهدت مع اثنين من أطباء حماة العملية التي كانت على درجة عظيمة من الصعوبة ، استغرقت نحواً من ست ساعات ونصف ، ولم يستعمل خلالها مخدر ، يؤثر على الكبد الضعيف تأثيراً ضاراً ، وقد نجحت ، وخرج فضيلة مولانا رحمه الله تعالى بسلام .

فَترة الصَّحو:

وفي خلال الفترة التي أعقبت العملية ، حيث يبقى المريض تحت تأثير المخدر لمدة ما ، كان فضيلة الشيخ رحمه الله تعالى ، لا ينفك عن ذكر الله تعالى ، ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وقراءة القرآن الكريم بشكل صحيح ، وضبط متقن للآيات الكريمة ، حتى إنه كان يجيب ولده عندما كان يسأله عن موضع الآية من سور القرآن الكريم ، وهو أمر غير معهود في مثل هذه الحال ، إذ تصيب المريض اضطرابات تعتري تفكيره ، وهذيان ، وبوح للأسرار .

كما أذكر من خلال هذه الفترة ، أنه كان يأمرنا بالتصدق على الجيران ، وتهيئة الطعام للعصافير التي اعتاد أن يطعمها يومياً في بيته المبارك ؛ لشدة رحمته بالحيوان ، وشفقته على الضعفاء من خلق الله تعالى ، كما أريد أن بمزيد من العجب ، كيف كان فضيلة مولانا – قدس الله روحه – يفيق في أوقات الصلوات ، وكأن إنساناً يوقظه ن فيصلي مضطجعاً على قدر استطاعته ، ثم يعود بعدها إلى الإغفاء ، بسبب بقاء أثر المخدر في جسمه الشريف .

وقد حدث أن صحا فضيلة الشيخ رحمه الله تعالى بعد ذلك ، صحواً جيداً لفترة لا بأس بها ، زاره خلالها كثير من إخوانه وأحبابه من شتى البلاد ، وتهافتت عليه البرقيات والمكالمات الهاتفية من بلدته الكريمة حماة وغيرها ، للسؤال عن صحته ، وتهنئته بنجاح العملية الجراحية ، وهو يحمد الله تعالى ، ويشكره على ذلك .

حَفاوة العُلمَاء بعَالم الأوليَاء :

وكان رحمه الله تعالى ، من الذين يقال فيهم : " من كانت له فكرة ، كانت له بكل شيء عبرة " . فكان إذا ظهر الصباح ، قال : " النهار من آثار صفات الجمال لله عز وجل " ، وكان لا يترك صغيرة ولا كبيرة ، إلا ويوجهنا إلى الحكم الشرعي ، والأدب مع الله تعالى فيها . وإني لأذكر إذ كنت واقفاً تلقاء قدميه الشريفتين ، أدلكهما لآلام حلت بهما من طيلة المكث في السرير ، فأشار إليَّ بالتنحي عن وجهة قدميه ، لأن القلم الذي أحمله في صدري ، أصبح قبالة قدميه الطاهرتين ، وهذا لا يليق بالقلم ، مشيراً إلى القلم الذي ذكره الله تعالى في اللوح المحفوظ ، وتأدباً مع سلاح العلم والعلماء .

قبَيل العَودَة إلى حماة :

ثم أخذت صحته تسير نحو الإنحدار شيئاً فشيئاً ، وهو آسف لذلك أشد الأسف ؛ يتمنى أن تكون صحته في حالة تسمح له بقيام الليل ، وعبادة الله تعالى في جوفه ، وذلك عندما كان يفيق أثناء الليل إفاقات متقطعة . ولشد ما كان حزنه وأسفه ، يتضاعف إذا سمع نداءات المؤذن يدعو إلى صلاة الجمعة ، فيبكي ويقول : " أنا كنت أجمع الناس للجمعة وأخطبهم ، وأنا الآن لا أستطيع أداءها . والله إنها لحرقات في قلبي " .

وَدَاعُهُ الدّنيَا :

و قبيل عودته إلى حماة ، ألمت به وعكة شديدة ، قال لي خلالها : إنه سوف ينزل إلى حماة بعد خمسة أيام إن شاء الله تعالى . وعلى أثر هذه الوعكة ، عزف عن الطعام والشراب ، وذكر الأصحاب والأحباب ، كأنه قد ودع هذه الدنيا ، فاتجه بقلبه إلى ربه ، لا يشرك أحداً في حبه ، مازجاً مرارة الألم بحلاوة الإيمان ، فأشهد أنه راضٍ عن ربه سبحانه وتعالى.

العودة إلى حماة :

السبت 16 صفر لعام 1389هـ الموافق 3 أيار 1969م .

وبالرغم مما كان يعانيه فضيلة مولانا ، قدس الله روحه الطاهرة ، من ضعف بالجسم ، وشدة في المرض ، فإني لم ألحظ عليه أنه فقد وعيه وغاب عن الدنيا ؛ بل كان مالكاً لوعيه ، لكنه لا يستطيع النطق بسبب ضعفه الشديد ، وقد سافر إلى حماة في اليوم الثاني بعد تلك الوعكة ، بعد أن يئس الطبيب من العلاج ، وفوض أمره إلى الله تعالى ، فقال : " هو أرحم به منا " وودعه أهل المستشفى ، والمحبون في بيروت بين باك عليه - رحمه الله تعالى - وفارغ الفؤاد ملتاع على فراقه . كما استقبل أهل بلدته نبأ قدومه المفاجئ بالذعر والهلع .

إلى جوَار الرَّحمن :

وفي يوم الاثنين الثامن عشر من صفر عام تسعة وثمانين وثلاثمائة وألف هجرية . الموافق الخامس من أيار لعام تسعة وستين وتسعمائة وألف ميلادية ، في الساعة الثامنة وثمان دقائق زوالي تقريباً ؛ أي بعد صلاة العشاء بقليل ، بعد أن تليت عليه سورة ياسين ، ووصل القارئ إلى الآية الكريمة :

( الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، طوبى لهم ، وحسن مآب )

من سورة الرعد ، فاضت روحه الشريفة رحمه الله تعالى إلى بارئها ، وأنا أقرب الناس إليه ، أرطب فمه الشريف بالماء ، وأشتم منه رائحة العطر الزكية ، وإني لأرى النور يتلألأ من وجهة الشريف كالبرق المتلاحق ، فكان والله أجمل ما رأيته في حياتي ، وقد عمّ الجميع صمت سكنت فيه قلوبهم وجوارحهم ، بما أفاضه الله عليهم من سكينة وروح ، وكأنها عاجل بشراهم له في رحمة الله ورضوانه وفسيح جناته : ( يا أيتها النفس المطمئنة . ارجعي إلى ربك راضية مرضية . فادخلي في عبادي وادخلي جنتي ) .

تشييعُ الجثمان الطاهِر :

ونعته نشرات الأنباء إلى العالم الإسلامي عدة مرات ، وضجت مآذن حماة وحمص في اليوم الثاني بالتهليل والتكبير ، وإذاعة النبأ على الناس ، وقد حضرت الجموع الغفيرة من أهل العلم وغيرهم من أقاصي البلاد ، وبعد صلاة الظهر ، أذيع على جميع الناس من مآذن حماة المقالة التالية : " يا أيها الأخوة المؤمنون ، من كان له حق على فضيلة الشيخ محمد الحامد رحمه الله ، فليتقدم به إلى أهله ، وذلك بناء على وصيته " .

رحم الله الفقيد رحمة واسعة ، وإني لأشهد أنه كان راضياً عن ربه ، كثير الاتهام لنفسه ، يعتقد أن المرض كفارة لذنبه ، لارفعٌ لدرجاته ، وأن طلبه للمعالجة الطبية ، لم يكن بسبب حبه لهذه الحياة الدنيا ، بل ليستعيد صحته ونشاطه ؛ حتى يتابع رسالته في نشر العلم والدعوة إلى الله تعالى . وكأنه أدرك حاجة المسلمين إلى علمه النافع ، لكنه لما شعر أن أمنيته هذه أصبحت متعذرة ، سمع منه بعض أولاده ، ما يشير إلى أنه أحب لقاء الله تعالى ، ومغادرة هذه الحياة الدنيا التافهة ، متمثلاً قول شيخ سيدي أبي النصر النقشبندي رحمه الله تعالى في آخر حياته ، وقد ضعف عن العمل : " من لا يعمل خيراً في هذه الدنيا فالموت خير له " .



خاتمـــــــــــــــة :


فأنت ترى مما تقدم ، أن مولانا - قدس الله سره - من أولي العزم من الأولياء ، صوفياً قطباً ، ليست له شطحة ، قهر أحواله حتى استولى عليها ، فاستوى متمكناً على عرش الإرشاد كاملاً مكمِّلاً ، كنت أفتقده وهو حي ، وأشتاقه وهو أمامي ، وأحن له وأنا قريب منه .

رحمه الله رحمه واسعة وإنا لله وإنا إليه راجعون .

الشيخ عبد الحميد طِهماز
__________________
خَليليَّ وَلّى العمرُ مِنّا وَلَم نَتُب = وَنَنوي فعالَ الصالِحات وَلَكِنّا
أبو يوسف غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس