عرض مشاركة واحدة
قديم 08-31-2008
  #1
نوح
رحمتك يارب
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,437
معدل تقييم المستوى: 18
نوح is on a distinguished road
افتراضي رجال في الهجره النبويه

رجال في الهجرة النبوية

إن الحق يحتاج إلى رجال يلتزمون به أمانة سلوك، ويبلغونه أمانة رسالة، والحق بغير الرجال يصبح حلما يداعب خيال البشر.

وإن الحق يحتاج إلى قوة تحميه وترد كيد الأعداء، لأن الحق بغير القوة يتيم يستدر بعض الدموع ولكن الدموع لا تغسل المظالم.

وإن الحق مؤيد من الله عز وجل، فالله هو الحق وقوله ووعده الحق: “ذَلِكَ بِأَن اللهَ هُوَ الْحَق وَأَن مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَن اللهَ هُوَ الْعلى الْكَبِيرُ”، (الحج: 62).

وقد اجتمعت هذه الجوانب كلها في الهجرة، فهي رسالة تحملها رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمكن الله لهم في الأرض وأقاموا شريعة العدل وسط صراع تاريخي طويل بدأ ولم ينته.

إن الشيطان له وعيد لبني الإنسان منذ بدء الخليفة قال فيه (كما حكى القرآن): “لأَقْعُدَن لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ، ثُم لآتِيَنهُم من بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ”، (الأعراف: 16و17). وقابل هذا الوعيد الشيطاني وعد إلهي: “إِن عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبكَ وَكِيلاً”، (الإسراء: 65)

لقد بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، ومكث صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة سنة في مكة ينادي بأعلى صوته: “أيها الناس قولوا لا اله إلا الله تفلحوا”.. لكن القوم ناصبوه العداء حمية جاهلية وآذوه وأصحابه إيذاء شديدا وصل إلى مرحلة الحصار الاقتصادي والاجتماعي في شِعب بالجبل مدة ثلاث سنين، أكل المسلمون خلالها أوراق الأشجار، وكان يسمع صوت نسائهم وأطفالهم من الجوع، ووسط الآلام تولدت الآمال، فعن صحيح البخاري أن خباب بن الأرت قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوسد ببردة وهو في ظل الكعبة وقد لقينا من المشركين شدة فقلت: ألا تدعو الله؟

فقعد وهو محمر وجهه فقال: “لقد كان من كان قبلكم ليمشط بأمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم أو عصب ما يصرفه ذلك عن دينه، ويوضع المنشار على مفرق رأسه ينشق باثنين ما يصرفه ذلك عن دينه، وليتمنّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله عز وجل والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون”.


مبادئ سامية


لقد أحاط برسول الله صلى الله عليه وسلم رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه وبذلوا النفس والنفيس فداء لهذا الدين القيم، وكانت هناك مواقف ينحني لها التاريخ إجلالا. لقد وقف جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه أمام نجاشي الحبشة يدافع عن دينه ويقول: “أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الرحم ويأكل القوي الضعيف، فكنا مع ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله عز وجل لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دون الله من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة، وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وشهادة الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة.. فصدقناه وآمنا به واتبعناه على ما جاء به من الله”.

لقد استطاع جعفر أن يقدم الإسلام بمبادئه ودلائله إلى نجاشي الحبشة وقال: إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة.

وخرج أبو بكر الصديق رضي الله عنه ليلة الهجرة إلى المدينة المنورة يجوب الصحراء، ويأوي إلى الكهوف ويحرس رسول الله من أمامه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله حتى سجل القرآن الكريم له شرف الصحبة ونزل قول الله تعالى: “إِلا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِن اللّهَ مَعَنَا”، (التوبة: 40).

وبات علي بن أبي طالب رضي الله عنه في فراش رسول الله ليلة الهجرة وأمامه أربعون فتى جلدا يحملون السيوف ينتظرون خروج رسول الله ليضربوه ضربة رجل واحد فيتفرق دمه بين القبائل ويرضى قومه بالدية.

ولا ننسى أن مصعب بن عمير بعثه رسول الله بعد بيعة العقبة الأولى ليقرئ الأنصار القرآن ويعلمهم الإسلام ويفقههم في الدين، وخلال عام واحد لم تبق دار من دور الأنصار إلا وبها رهط من المسلمين.

لقد كان مصعب قبل إسلامه فتى مكة شبابا وجمالا وغنى، فلما أسلم جهد جهدا شديدا، ولما مات شهيدا لم يترك غير ثوب كان إذا غطوا رأسه خرجت رجلاه، وإذا غطوا به رجليه خرجت رأسه وفيه نزل قول الله تعالى: “مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم من قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم من يَنتَظِرُ وَمَا بَدلُوا تَبْدِيلاً”، (الأحزاب: 23).


فضل المدينة


إن مجتمع المدينة بعد الهجرة كان له جناحان هما: المهاجرون والأنصار الذين بنوا المجتمع الإسلامي وحققوا الحضارة ونشروا دين الله في الآفاق وصدق الله حيث يقول: “وَالذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالذِينَ آوَواْ ونَصَرُواْ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لهُم مغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ”، (الأنفال: 74).

من كان منكم متأسيا فليتاسَ بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فإنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوبا وأعمقهم علما وأقلهم تكلفا وأقومهم هديا وأحسنهم حالا، قوما اختارهم الله بصحبة نبيه وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم واتبعوهم في آثارهم فإنهم كانوا على الهدي المستقيم.

والمدينة المنورة كانت تسمى قبل الهجرة “يثرب”، فسماها الرسول صلى الله عليه وسلم “المدينة” ووصفها المسلمون ب “المنورة”.

وتضم المدينة المسجد النبوي الشريف وهو أحد المساجد الثلاثة التي اختصها الله تعالى بمضاعفة الثواب، فهو في المرتبة الثانية بعد المسجد الحرام ويليه المسجد الأقصى بالقدس الشريف، ويضم المسجد النبوي الروضة الشريفة التي هي من رياض الجنة، وتقع بين المنبر والقبر الشريف.

ويظل للمدينة ورجالها الفضل إلى يوم القيامة فلا يدخلها الطاعون ولا الدجال، وفي آخر الزمان يأوي إليها الإيمان ويلجأ المؤمنون الصادقون إلى رحابها لا يخالطهم أحد في قلبه نفاق أو ريبة.

وقد جعل الرسول المدينة حرما آمنا كما جعل إبراهيم الخليل مكة حرما آمنا، وقد دعا الرسول صلى الله عليه وسلم بالبركة لأهل المدينة في معاشهم وشؤون حياتهم كافة. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اللهم بارك لنا في تمرنا وبارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في صاعنا، وبارك لنا في مدنا اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك، وإني عبدك ونبيك، وإنه دعاك لمكة وإني أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك لمكة ومثله معه”، وقد كرم الرسول صلى الله عليه وسلم الأنصار أهل المدينة فقال كما في صحيح البخاري : “آية الإيمان حب الأنصار وآية النفاق بغض الأنصار”.

كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم آثر الأنصار بنفسه ورضي أن يعيش بقية حياته الشريفة في المدينة ويدفن في أرضهم، فقال عليه الصلاة والسلام: “المحيا محياكم والممات مماتكم”.
د. محمد سيد أحمد المسير
__________________

نوح غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس