عرض مشاركة واحدة
قديم 12-02-2008
  #14
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: كتاب أسرار الحج في إحياء علوم الدين للغزالي

"السابع: أن يكون رث الهيئة أشعث أغبر غير مستكثر من الزينة ولا مائل إلى أسباب التفاخر والتكاثر، فيكتب في ديوانه المتكبرين المترفهين ويخرج عن حزب الضعفاء والمساكين وخصوص الصالحين، فقد أمر بالشعث والاختفاء ، ونهى عن التنعم والرفاهية في حديث فضالة بن عبـيد وفي الحديث: «إنما الحاج الشعث التفث ، ويقول الله تعالى: انظروا إلى زوار بـيتي قد جاؤوني شعثاً غبراً من كل فج عميق» وقال تعالى: {ثُمَّ ليَقْضُوا تَفَثَهُمْ} والتفث الشعث والاغبرار، وقضاؤه بالحلق وقص الشارب والأظفار،

وكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أمراء الأجناد: اخلولقوا واخشوشنوا. أي البسوا الخلقان واستعملوا الخشونة في الأشياء. وقد قيل: زين الحجيج أهل اليمن لأنهم على هيئة التواضع والضعف وسيرة السلف، فينبغي أن يجتنب الحمرة في زيه على الخصوص والشهرة كيفما كانت على العموم. فقد روي: «أنه كان في سفر فنزل أصحابه منزلاً فسرحت الإبل فنظر إلى أكسية حمر على الأقتاب فقال : أَرَى هذِهِ الْحُمْرَةُ قَدْ غَلَبَتْ عَلَيْكُمْ ، قالوا فقمنا إليها ونزعناها عن ظهورها حتى شرد بعض الإبل». " اهـ.



"الثامن: أن يرفق بالدابة فلا يحملها ما لا تطيق والمحمل خارج عن حدّ طاقتها والنوم عليها يؤذيها ويثقل عليها. كان أهل الورع لا ينامون على الدواب إلا غفوة عن قعود وكانوا لا يقفون عليها الوقوف الطويل، قال : «لا تَتَّخِذُوا ظُهُورَ دَوَابِّكُمْ كَرَاسِيَّ» ويستحب أن ينزل عن دابته غدوة وعشية يروّحها بذلك فهو سنة ، وفيه آثار عن السلف.

وكان بعض السلف يكتري بشرط أن لا ينزل ويوفي الأجرة ثم كان ينزل عنها ليكون يذلك محسناً إلى الدابة، فيكون في حسناته ويوضع في ميزانه لا في ميزان المكاري. وكل من آذى بهيمة وحملها ما لا تطيق طولب به يوم القيامة. قال أبو الدرداء لبعير له عند الموت: يا أيها البعير لا تخاصمني إلى ربك فإني لم أكن أحملك فوق طاقتك. وعلى الجملة في كل كبد حرّاء أجر فليراع حق الدابة وحق المكاري جميعاً. وفي نزوله ساعة ترويح الدابة وسرور قلب المكاري. قال رجل لابن المبارك: احمل لي هذا الكتاب معك لتوصله فقال: حتى أستأمر الجمال فإني قد اكتريت. فانظر يكف تورع من استصحاب كتاب لا وزن له؟ وهو طريق الحزم في الورع فإنه إذا فتح باب القليل انجرّ إلى الكثير يسيراً يسيراً." اهـ.



"التاسع: أن يتقرب بإراقة دم وإن لم يكن واجباً عليه ويجتهد أن يكون من سمين النعم ونفيسه، وليأكل منه إن كان تطوعاً ولا يأكل منه إن كان واجباً. قيل في تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ} إنه تحسينه وتسمينه. وسوق الهدي من الميقات أفضل إن كان لا يجهده ولا يكده. وليترك المكاس في شرائه فقد كانوا يغالون في ثلاث ويكرهون المكاس فيهنّ: الهدي والأضحية والرقبة، فإن أفضل ذلك أغلاه ثمناً وأنفسه عند أهله، وروى ابن عمر: أنّ عمر رضي الله عنهما أهدي بختية فطلبت منه بثلاثمائة دينار فسأل رسول الله أن يبـيعها ويشتري بثمنها بدناً فنهاه عن ذلك وقال: «بل أَهْدِهَا» . وذلك لأن القليل الجيد خير من الكثير الدون. وفي ثلاثمائة دينار قيمة ثلاثين بدنة وفيها تكثير اللحم، ولكن ليس المقصود اللحم إنما المقصود تزكية النفس وتطهيرها عن صفة البخل وتزيـينها بجمال التعظيم لله عز وجل فـ {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحومُها وَلاَ دِمَاؤها وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوى مِنْكُم} وذلك يحصل بمراعاة النفاسة في القيمة كثر العدد أو قلَّ. وسئل رسول الله : ما برّ الحج؟ فقال: «العَجُّ والثَّجُّ» . والعج هو رفع الصوت بالتلبـية، والثج هو نحر البدن.

وروت عائشة رضي الله عنها أنّ رسول الله قال: «ما عَمِلَ آدَمِيٌّ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ إِهْرَاقِهِ دَماً وَإِنَّها لَتَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَظْلافِهَا وَإِنَّ الدَّمَ يَقَعُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ بِالأَرْضِ فَطِيبُوا بِها نَفْساً» . وفي الخبر: «لَكُمْ بِكُلِّ صُوفَةٍ مِنْ جِلْدِهَا حَسَنَةٌ وَكُلِّ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهَا حَسَنَةٌ وَإِنَّهَا لَتُوضَعُ فِي المِيزَانِ فَأَبْشِرُوا» . وقال : «اسْتَنْجِدُوا هَدَايَاكُمْ فَإِنَّها مَطَايَاكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ» ." اهـ.




"العاشر: أن يكون طيب النفس بما أنفقه من نفقة وهدي وبما أصابه من خسران ومصيبة في مال أو بدن إن أصابه ذلك، فإن ذلك من دلائل قبول حجه. فإن المصيبة في طريق الحج تعدل النفقة في سبـيل الله عز وجل الدرهم بسبعمائة درهم بمثابة الشدائد في طريق الجهاد فله بكل أذى احتمله وخسران أصابه ثواب فلا يضيع منه شيء عند الله عز وجل. ويقال، إن من علامة قبول الحج أيضاً ترك ما كان عليه من المعاصي وأن يتبدل بإخوانه البطالين إخواناً صالحين، وبمجالس اللهو والغفلة مجالس الذكر واليقظة." اهـ.

بـيان الأعمال الباطنة ووجه الإخلاص في النية وطريق الاعتبار بالمشاهد الشريفة وكيفية الافتكار فيها والتذكر لأسرارها ومعانيها من أول الحج إلى آخره:

"اعلم أن أول الحج الفهم ــــ أعني فهم موقع الحج في الدين ــــ ثم الشوق إليه، ثم العزم عليه، ثم قطع العلائق المانعة منه، ثم شراء ثوب الإحرام، ثم شراء الزاد، ثم اكتراء الراحلة، ثم الخروج، ثم المسير في البادية، ثم الإحرام من الميقات بالتلبـية، ثم دخول مكة، ثم استتمام الأفعال كما سبق. وفي كل واحد من هذه الأمور تذكرة للمتذكر وعبرة للمعتبر وتنبـيه للمريد الصادق وتعريف وإشارة للفطن. فلنرمز إلى مفاتحها حتى إذا انفتح بابها وعرفت أسبابها انكشف لكل حاج من أسرارها ما يقتضيه صفاء قلبه وطهارة باطنه وغزارة فهمه." اهـ.
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس