عرض مشاركة واحدة
قديم 12-02-2008
  #17
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: كتاب أسرار الحج في إحياء علوم الدين للغزالي

"وأما الإحرام والتلبـية من الميقات: فليعلم أن معناه إجابة نداء الله عز وجل. فارج أن يكون مقبولاً واخش أن يقال لك لا لبـيك ولا سعديك، فكن بـين الرجاء والخوف متردداً وعن حولك وقوّتك متبرئاً وعلى فضل الله عز وجل وكرمه متكلاً. فإن وقت التلبـية هو بداية الأمر وهي محل الخطر. قال سفيان بن عيـينة: حج علي بن الحسين رضي الله عنهما فلما أحرم واستوت به راحلته اصفرّ لونه وانتفض ووقعت عليه الرعدة ولم يستطع أن يلبـي فقيل له: لم لا تلبـي؟ فقال: أخشى أن يقال لي لا لبـيك ولا سعديك. فلما لبـي غشي عليه ووقع عن راحلته فلم يزل يعتريه ذلك حتى قضى حجه.

وقال أحمد بن أبـي الحواري: كنت مع أبـي سليمان الداراني رضي الله عنه حين أراد الإحرام فلم يلبِّ حتى سرنا ميلاً فأخذته الغشية ثم أفاق وقال: يا أحمد إن الله سبحانه أوحى إلى موسى عليه السلام مُرْ ظلمة بني إسرائيل أن يقلوا من ذكري فإني أذكر من ذكرني منهم باللعنة. ويحك يا أحمد بلغني أن من حج من غير حله ثم لبى قال الله عز وجل لا لبـيك ولا سعديك حتى ترد ما في يديك فما نأمن أن يقال لنا ذلك. وليتذكر الملبـي عند رفع الصوت بالتلبـية في الميقات إجابته لنداء الله عز وجل إذ قال: {وَأَذِّنْ في النَّاسِ بالحَجِّ} ونداء الخلق بنفخ الصور وحشرهم من القبور وازدحامهم في عرصات القيامة مجيبـين لنداء الله سبحانه؛ ومنقسمين إلى مقرّبـين وممقوتين. ومقبولين ومردودين. ومترددين في أوّل الأمر بـين الخوف والرجاء تردد الحاج في الميقات حيث لا يدرون أيتيسر لهم إتمام الحج وقبوله أم لا؟." اهـ.


".وأما دخول مكة: فليتذكر عندها أنه قد انتهى إلى حرم الله تعالى آمناً وليرج عنده أن يأمن بدخوله من عقاب الله عز وجل وليخش أن لا يكون أهلاً للقرب فيكون بدخوله الحرم خائباً ومستحقاً للمقت. وليكن رجاؤه في جميع الأوقات غالباً فالكرم عميم، والرب رحيم، وشرف البـيت عظيم، وحق الزائر مرعي، وذمام المستجير اللائذ غير مضيع." اهـ.



"وأما وقوع البصر على البـيت: فينبغي أن يحضر عنده عظمة البـيت في القلب ويقدّر كأنه مشاهد لرب البـيت لشدّة تعظيمه إياه. وارج أن يرزقك الله تعالى النظر إلى وجهه الكريم كما رزقك الله النظر إلى بـيته العظيم. واشكر الله تعالى على تبليغه إياك هذه الرتبة وإلحاقه إياك بزمرة الوافدين عليه. واذكر عند ذلك انصباب الناس في القيامة إلى جهة الجنة آملين لدخولها كافة، ثم انقسامهم إلى مأذونين في الدخول ومصروفين انقسام الحاج إلى مقبولين ومردودين. ولا تغفل عن تذكر أمور الآخرة في شيء مما تراه فإن كل أحوال الحاج دليل على أحوال الآخرة." اهـ.



"وأما الطواف بالبـيت: فاعلم أنه صلاة فأحضر في قلبك فيه من التعظيم والخوف والرجاء والمحبة ما فصلناه في كتاب الصلاة. واعلم أنك بالطواف متشبه بالملائكة المقرّبـين الحافين حول العرش الطائفين حوله. ولا تظنن أن المقصود طواف جسمك بالبـيت بل المقصود طواف قلبك بذكر رب البـيت حتى لا تبتدىء الذكر إلا منه ولا تختم إلا به كما تبتدىء الطواف من البـيت وتختم بالبـيت.

واعلم أن الطواف الشريف هو طواف القلب بحضرة الربوبـية. وأن البـيت مثال ظاهر في عالم الملك لتلك الحضرة التي لا تشاهد بالبصر وهي عالم الملكوت، كما أن البدن مثال ظاهر في عالم الشهادة للقلب الذي لا يشاهد بالبصر وهو في عالم الغيب. وأن عالم الملك والشهادة مدركة إلى عالم الغيب والملكوت لمن فتح الله له الباب وإلى هذه الموازنة وقعت الإشارة بأن البـيت المعمور في السموات بإزاء الكعبة. فإن طواف الملائكة به كطواف الإنس بهذا البـيت. ولما قصرت رتبة أكثر الخلق عن مثل ذلك الطواف أمروا بالتشبه بهم بحسب الإمكان ووعدوا بأن من تشبه بقوم فهو منهم ، والذي يقدر على مثل ذلك الطواف هو الذي يقال إن الكعبة تزوره وتطوف به على ما رآه بعض المكاشفين لبعض أولياء الله سبحانه وتعالى.." اهـ.
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس