عرض مشاركة واحدة
قديم 12-02-2008
  #19
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: كتاب أسرار الحج في إحياء علوم الدين للغزالي

"وأما رمي الجمار: فاقصد به الانقياد للأمر إظهاراً للرق والعبودية وانتهاضاً لمجرد الامتثال من غير حظ للعقل والنفس فيه. ثم اقصد به التشبه بإبراهيم عليه السلام حيث عرض له إبليس لعنه الله تعالى في ذلك الموضع ليدخل على حجه شبهة أو يفتنه بمعصية فأمره الله عز وجل أن يرميه بالحجارة طرداً له وقطعاً لأمله. فإن خطر لك: أن الشيطان عرض له فشاهده فلذلك رماه، وأما أنا فليس يعرض لي الشيطان؟ فاعلم أن هذا الخاطر من الشيطان وأنه الذي ألقاه في قلبك ليفتر عزمك في الرمي ويخيل إليك أنه فعل لا فائدة فيه وأنه يضاهي اللعب فلم تشتغل به؟ فاطرده عن نفسك بالجدّ والتشمير في الرمي فيه برغم أنف الشيطان. واعلم أنك في الظاهر ترمي الحصى إلى العقبة وفي الحقيقة ترمي به وجه الشيطان وتقصم به ظهره إذ لا يحصل إرغام أنفه إلا بامتثالك أمر الله سبحانه وتعالى تعظيماً له بمجرد الأمر من غير حظ للنفس والعقل فيه.." اهـ.



"وأما ذبح الهدي: فاعلم أنه تقرب إلى الله تعالى بحكم الامتثال فأكمل الهدي وارج أن يعتق الله بكل جزء منه جزءاً منك في النار ، فهكذا ورد الوعد. فكلما كان الهدي أكبر وأجزاؤه أوفر كان فداؤك من النار أعم." اهـ.




"وأما زيارة المدينة: فإذا وقع بصرك على حيطانها فتذكر أنها البلدة التي اختارها الله عز وجل لنبـيه ، وجعل إليها هجرته وأنها داره التي شرع فيها فرائض ربه عز وجل وسننه وجاهد عدوه وأظهر بها دينه إلى أن توفاه الله عز وجل. ثم جعل تربته فيها وتربة وزيريه القائمين بالحق بعده رضي الله عنهما. ثم مثل في نفسك مواقع أقدام رسول الله عند تردداته فيها وأنه ما من موضع قدم تطؤه إلا وهو موضع أقدامه العزيزة فلا تضع قدمك عليه إلا عن سكينة ووجل. وتذكر مشيه وتخطيه في سككها وتصور خشوعه وسكينته في المشي وما استودع الله سبحانه قلبه من عظيم معرفته ورفعه ذكره مع ذكره تعالى، حتى قرنه بذكر نفسه وإحباطه عمل من هتك حرمته ولو برفع صوته فوق صوته. ثم تذكر ما من الله تعالى به على الذين أدركوا صحبته وسعدوا بمشاهدته واستماع كلامه وأعظم تأسفك على ما فاتك من صحبته وصحبة أصحابه رضي الله عنهم. ثم اذكر أنك قد فاتتك رؤيته في الدنيا وأنك من رؤيته في الآخرة على خطر. وأنك ربما لا تراه إلا بحسرة، وقد حيل بـينك وبـين قبوله إياك بسوء عملك كما قال : «يَرْفَعُ اللَّهُ إِلَيَّ أَقْوَاماً فَيَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ يَا مُحَمَّدُ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أَصْحَابِـي، فَيَقُولُ: إِنَّكَ لا تَدْرِي ما أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ: بُعْداً وَسُحْقاً» فإن تركت حرمة شريعته ولو في دقيقة من الدقائق فلا تأمن أن يحال بـينك وبـينه بعدولك عن محجته.

وليعظم مع ذلك رجاؤك أن لا يحول الله تعالى بـينك وبـينه بعد أن رزقك الإيمان وأشخصك من وطنك لأجل زيارته من غير تجارة ولا حظ في دنيا بل لمحض حبك له وشوقك إلى أن تنظر إلى آثاره وإلى حائط قبره؛ إذ سمحت نفسك بالسفر بمجرد ذلك لما فاتتك رؤيته فما أجدرك بأن ينظر الله تعالى إليك بعين الرحمة. فإذا بلغت المسجد فاذكر أنها العرصة التي اختارها الله سبحانه لنبـيه ولأول المسلمين وأفضلهم عصابة. وأن فرائض الله سبحانه أوّل ما أقيمت في تلك العرصة. وأنها جمعت أفضل خلق الله حياً وميتاً فليعظم أملك في الله سبحانه أن يرحمك بدخولك إياه فادخله خاشعاً معظماً. وما أجدر هذا المكان بأن يستدعي الخشوع من قلب كل مؤمن كما حكي عن أبـي سليمان أنه قال: حج أويس القرني رضي الله عنه ودخل المدينة فلما وقف على باب المسجد قيل له: هذا قبر النبـي فغشي عليه. فلما أفاق قال: أخرجوني فليس يلذ لي بلد فيه محمد مدفون." اهـ.




"وأما زيارة رسول الله : فينبغي أن تقف بـين يديه كما وصفناه وتزوره ميتاً كما تزوره حياً ولا تقرب من قبره إلا كما كنت تقرب من شخصه الكريم لو كان حياً. وكما كنت ترى الحرمة في أن لا تمس شخصه ولا تقبله، بل تقف من بعد ماثلاً بـين يديه فكذلك فافعل فإن المس والتقبـيل للمشاهد عادة النصارى واليهود. واعلم أنه عالم بحضورك وقيامك وزيارتك وأنه يبلغه سلامك وصلاتك؛ فمثل صورته الكريمة في خيالك موضوعاً في اللحد بإزائك وأحضر عظيم رتبته في قلبك، فقد روي عنه : «أن الله تعالى وكل بقبره ملكاً يبلغه سلام من سلم عليه من أمته» هذا في حق من لم يحضر قبره، فكيف بمن فارق الوطن وقطع البوادي شوقاً إلى لقائه واكتفى بمشاهدة مشهده الكريم إذ فاته مشاهدة غرّته الكريمة؟ وقد قال : «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ مَرَّةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْراً» فهذا جزاؤه في الصلاة عليه بلسانه فكيف بالحضور لزيارته ببدنه؟

ثم ائت منبر الرسول وتوهم صعود النبـي المنبر ومثل في قلبك طلعته البهية كأنها على المنبر وقد أحدق به المهاجرون والأنصار رضي الله عنهم وهو بحثهم على طاعة الله عز وجل بخطبته وسل الله عز وجل أن لا يفرّق في القيامة بـينك وبـينه فهذه وظيفة القلب في أعمال الحج. فإذا فرغ منها كلها فينبغي أن يلزم قلبه الحزن والهم والخوف وأنه ليس يدري أقبل منه حجه وأثبت في زمرة المحبوبـين أم رد حجه وألحق بالمطرودين؟ وليتعرف ذلك من قلبه وأعماله فإن صادف قلبه قد ازداد تجافياً عن دار الغرور وانصرافاً إلى دار الأنس بالله تعالى، ووجد أعماله قد اتزنت بميزان الشرع فليثق بالقبول، فإن الله تعالى لا يقبل إلا من أحبه؛ ومن أحبه تولاه وأظهر عليه آثار محبته وكف عنه سطوة عدوه إبليس لعنه الله. فإذا ظهر ذلك عليه دل على القبول، وإن كان الأمر بخلافه فيوشك أن يكون حظه من سفره: العناء والتعب. نعوذ بالله سبحانه وتعالى من ذلك." اهـ.
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس