عرض مشاركة واحدة
قديم 08-13-2008
  #12
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي

على أن الذين أحاطوا بدار الشيخ العز عز الدين لحراسته أنكروا ليه طاعته لأمر السلطان، وكلموه في ذلك فقال لهم إن مصلحة قيام الشرع تقتضي وجود السلطان، ومتى وجد وجبت طاعته وإلا تعطلت الأحكام!! ولكن لا طاعة للسلطان إذا خان عهد الله وأهدر مصالح المسلمين وأمر بمعصية الخالق. أما فيما عدا ذلك فالطاعة واجبة.

وعجب له محبوه،

فأمرهم بالحسنى أن ينصرفوا الى شؤونهم ويدعوه وشأنه، فسيعتكف للعبادة.. أما وجودهم حول الدار فسيتيح لأعدائه أن يتهموه بإثارة الفتنة!

غير أنهم انصرفوا الى الزاوية الغزالية التي كان يدرس بها، وأقسموا الا يستمعوا لشيخ غيره.!

وجلسوا في حلقته الفارغة متربصين! ولم يجيء إليهم أستاذ غيره يعلمهم مكانه!!

على أن سائر العلماء والفقهاء أضمروا السخط على ما أصاب الشيخ، ولكنهم رضوا به لأنهم كانوا يتوقعون عقابا أشد ودعوا الناس الى الصبر. وقضاء أخف من قضاء!!

أما الشيخ جمال الدين الخضيري شيخ الحنفية فما كان ليستطيع على ما جرى صبرا..! وكان عالما ورعا فاضلا صاحب نفوذ على قلوب الناس جميعا، وكان السلطان يحسب له ألف حساب!

وما هي إلا ثلاثة أيام قضاها عز الدين في بيته، ممتثلا للأمر السلطاني، ممتنعا عن لقاء من سعوا الى لقائه، حتى كان الشيخ الخضيري يركب حماره الى السلطان، ومعه ابن الحاجب شيخ المالكية. ولم يكد السلطان يعلم أن الشيخ الخضيري شيخ الحنفية قادم اليه حتى أمر كبير وزرائه وكبار حاشيته أن يستقبلوا الشيخ خارج القصر، وأن يدخلوا القصر راكبا حماره تكريما له.

ودخل الشيخ ساحة القصر، فاستقبله السلطان وأنزله بنفسه عن حماره، وأدخل القصر وأجلسه الى جواره وهش له، وجلس ابن الحجاب وفي يده ورقة فيها توقيع العلماء على تأييد موقف الشيخ عز الدين بن عبد السلام..

وحين أذن لصلاة المغرب وبسطت المائدة للإفطار، أم الشيخ الخضيري السلطان والحاضرين في الصلاة!

وبعد الصلاة دار الشراب عليهم وهم جلوس قبل أن ينتقلوا لمائدة الطعام. وكان الحاضرون هم حاشية السلطان من أراذل فقهاء الحنابلة أعداء العزيز بن عبد السلام..

وقدم السلطان للشيخ قدح للشراب، فنحاه بإشارة غاضبة قائلا: «ما جئت الى طعامك ولا الى شرابك».

فقال السلطان: «يرسم الشيخ ونحن نمتثل لمرسومه.»

الشيخ: «إيش بينك وبين ابن عبد السلام؟.. هذا رجل لو كان في الهند أو في أقصى الدنيا كان ينبغي على السلطان أن يسعى في حلوله في بلاده، ويفخر به على سائر الملوك.»

السلطان: «عندي خطه باعتقاده في فتيا، وخط أيضا في رقعة جواب رقعة سيرتها إليه. فيقف الشيخ عليهما ويكون الحكم بيني وبينه».

فلما قرأ الشيخ الخضيري رسالتي عز الدين بن عبد إسلام رد الورقتين للسلطان وقال: «هذا اعتقاد المسلمين وشعار الصالحين، وكل ما فيهما صحيح ومن خالف ما فيهما وذهب الى ما قاله الخصم من إثبات الحرف واصوت فهو حمار!».

ويهب الجميع فالشيخ يتهم السلطان بأنه حمار.. وريع السلطان من حدة الشيخ الخضيري، ونظر الى ابن الحاجب المالكي، فقدم إليه ورقة يؤيد فيها العلماء رأي ابن عبد السلام! ونظر الى الحاشية من فقهاء الحنابلة فوجدهم قد اسودت وجوههم وعراهم الأضطراب. فقال السلطان الأشرف: «نحن نستغفر الله مما جرى، ونستدرك الفارط في حقه!.. والله لأجعلن ابن عبد السلام أغنى العلماء.»

وقاموا الى الإفطار، ثم أرسل السلطان الى الشيخ عز الدين، فترضاه وأجلسه الى جواره وسأله أن يطلب ما شاء ترضية له، فلم يطب عز الدين شيئا. ولكن السلطان ظل يستعتبه ويسترضيه، حتى رضي الشيخ وعاد اليه مرحه... وانزوى الأراذل من خصومه، وأذن للعشاء فأمهم الشيخ عز الدين لصلاة العشاء استجابة لدعوة الخضيري وابن الحاجب.

وقبل أن ينفض المجلس أمر السلطان ألا يخوض أحد في الكلام في أمر الخلاف مرة أخرى.

وفي اليوم التالي عاد الشيخ عز الدين الى الزاوية الغزالية بالجامع الأموي يدرس ويفتي، واستقبله محبوه هاتفين... «الله أكبر... الله أكبر... ظهر الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا».

وعلم الملك الكامل سلطان مصر بما كان، فأرسل يسأل العز ويبدي استعداده لنصرته،... فشكره الشيخ ولم يحك له ما جرى... " اهـ
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس