عرض مشاركة واحدة
قديم 08-13-2008
  #19
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي

"وصف السيوطي في «حسن المحاضرة» تلك الحالة بقوله: «تصدى – الشيخ عز الدين – لبيع أمراء الدولة من الأتراك، وذكر أنه لم يثبت عنده أنهم أحرار وأن حكم الرق مستصحب عليهم لبيت مال المسلمين، فعظم الخطب عندهم، والشيخ مصمم لا يصحح لهم بيعا ولا شراء ولا نكاحا (زواجا)، وتعطلت مصالحهم لذلك، وكان من جملتم نائب السلطنة، فاستثار غضبا، فاجتمعوا وأرسلوا اليه فقال الشيخ: «نعقد لكم مجلسا وننادي عليكم (بالبيع) لبيت مال المسلين، فرفعوا الأمر الى السلطان، فبعث اليه فلم يرجع، فأرسل اليه نائب السلطنة بالملاطفة فلم يفد فيه، فانزعج النائب. وقال: «كيف ينادي علينا هذا الشيخ، ونحن ملوك الأرض! والله لأضربنه بسيفي هذا». فركب بنفسه في جماعته، وجاء الى بيت الشيخ والسيف مسلول في يده، فطرق الباب، فخرج له ولد الشيخ رأى من نائب السلطان ما رأى، وشرح له الحال، فما اكترث لذلك، وقال: «يا ولدي. أبوك أقل من ان يقتل في سبيل الله»، ثم خرج فحين وقع بصره على النائب، يبست يد النائب، وسقط السيف منها، وأرعدت مفاصله، فبكى وسأله الشيخ أن يدعو له.

وقال: «يا سيدي إيش تعمل»؟.

– أنادي عليكم وأبيعكم ويحصل عتقكم بطريق شرعي.

– فيم تصرف ثمننا؟

– في مصالح المسلمين.

– من يقبضه؟

– أنا.

انصرف نائب السلطان الى السلطان حيث كان جميع الأمراء قد اجتمعوا عنده، فروى لهم نائب السطان ما كان بينه وبين الشيخ.

ولم يذعن السلطان، أرسل الى الشيخ من يتلطف له ويحاول صرفه عن بيع الأمراء، وأخبره الرسول بعد حوار طويل أن السلطان لم يسمح ببيع الأمراء، وأمر السلطان واجب، وهو فوق قضاء الشيخ عز الدين! وعلى أية حال فليس للشيخ أن يدخل في أمور الدولة فشؤون الأمراء لا تتعلق به. بل بالسلطان وحده!!.

وأنكر الشيخ تخل السلطان في القضاء وقام فجمع أمتعته ووضعها على حمار، ووضع اهله على حمير أخرى، وساق الحمير ماشيا!..

الى أن يا شيخ!؟...

قال: ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها؟!..

فيم المقام بأرض يستضعف فيها أهل الشريعة، ويعتدى فيها على القضاء؟!

وتجمع الناس وراءه.. وكلما سار في طريق تزاحم الناس عليه يحاولون منعه من الهجرة، فهو أمامهم في مواجهة مظالم الأمراء المماليك، فلكم عانى التجار والصناع وسائر الناس من صلفهم، وهاهم أولاء يرون فيهم يوما من أيام الانكسار على يد هذا الشيخ الجليل عز الدين بن عبد السلام!. فلماذا يتركهم الشيخ؟!. ولمن يكلهم؟!.. الى هؤلاء الأفراد العبيد المتغطرسين من جديد؟!

أحاط الناس بموكب الشيخ وهم يتوسلن باكين ألا يتركهم، فقد عرفوا في قضائه قوة الانتصار للمظلوم، وهيبة العدالة، خلال تلك الأشهر القلائل التي ولي فيها المنصب..

ولكن الشيخ مضى في طريقه لا يبالي..

سار الشيخ أميالا خارج القاهرة والناس من ورائه يرجون ملحين ساخطين حتى امتلأت بهم الأرض الفضاء إذ لم يتخلف عن اللحاق به «امرأة ولا صبي ولا رجل ولا سيما العلماء والصلحاء والتجار وأمثالهم.»

وبدا أن هذه الجموع ستذهب في تحدي السلطان الى أبعد مدى!..

ولئن هي رجعت بغير الشيخ لتثيرن الدنيا على السلطان حتى الذين هم تحت التراب!

وعلم السلطان بما يجري، وقال له أحد ناصحيه: «تدارك ملكك وإلا ذهب بذهاب الشيخ».

فأسرع السلطان الى فرس سريع فامتطاه على عجل وانطلق حتى أدرك الشيخ عز الدين، وشهد الناس من حوله وعاين سخطهم، فنزل عن فرسه، وتقدم متلطلفا معتذرا الى الشيخ عز الدين، وقال له: «لا تفارقنا. عد يا إمام واصنع ما بدا لك.».. وقدم للشيخ فرسا فامتطاه وعاد الشيخ.

عاد الشيخ والناس يهللون من حوله ومن خفه.

وجمع السلطان كل الأمراء في القلعة بأمر الشيخ، ثم عرضوا في مزاد ونادى الشيخ عليهم وغالى في ثمنهم. حتى إذا امتنع الحاضرون عن المزايدة في الثمن لارتفاعه الفاحش، تقدم السلطان فدع ثمنا أزيد من ماله الخاص لا من بيت المال، حتى اشترى جميع الأمراء المماليك واعتقهم لوجه اله، فأصبحوا أحرارا.

وصحح الشيخ عقودهم بما فيها عقود الزواج.

أما ما قبضه الشيخ من ثمنهم الفاحش فقد وزعه على الفقراء وأصحاب الحاجات وبصفة خاصة أهل العلم وطلابه، وأقام به مكاتب لتعليم القرآن والخط وعلوم اللغة.

وازدادت مكانة الشيخ في قلوب الناس، وتزاحموا عليه وما كانوا يتركونه بعد صلاة الجمعة في جامع عمرو حتى يؤذن لصلاة العصر.

أما السلطان، فقد أضمر أن يتخلص من الشيخ، فقد خافه على ملكه!.

إن هذا الشيخ الخجول النحيل ليستطيع أن يحرك الناس ضده كيفما يشاء!

على أن أمراء المماليك لم يعودوا بعد لصلفهم واستبدادهم بالناس كما كانوا من قبل بيعهم في المزاد!" اهـ
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس