عرض مشاركة واحدة
قديم 03-01-2009
  #1
أبو يوسف
عضو شرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 518
معدل تقييم المستوى: 16
أبو يوسف is on a distinguished road
افتراضي تبرئة الطبري من التهم


ما حقيقة اتهام الحافظ السليماني لابن جرير الطبري بأنه كان يضع الحديث للروافض . فهل كان الطبري من علماء الشيعة الإمامية أم كان سنياً؟

نود أن نثبت أن الذي أثار هذه التهمة قديماً هو الحافظ أحمد بن علي السليماني وهو الذي صرح أن الطبري يضع الحديث للروافض وإزاء تلكم المقولة قال الحافظ أبو حيان إن ابن جرير إمام من أئمة الشيعة الإمامية. ولما كنا بصدد البحث عن الحقيقة فإننا نترك علماء الجرح والتعديل يدلون بشهادتهم لتستبين حقيقة هذه التهمة:
قال الحافظ أبو الوفاء الحلبي الطرابلسي ت 841هـ:
"محمد بن جرير الطبري الإمام المفسر أبو جعفر شيخ الإسلام وصاحب التصانيف الباهرة توفي سنة عشر وثلاثمائة ثقة صادق فيه تشيع وموالاة لاتضر أقذع أحمد بن علي السليماني الحافظ فقال كان يضع للروافض" [1]
قال الحافظ المؤرخ شمس الدين الذهبي ت748هـ:
"محمد بن جرير بن يزيد الطبري الإمام الجليل المفسر أبو جعفر صاحب التصانيف الباهرة ثقة صادق فيه تشيع يسير وموالاة لا تضر. أقذع أحمد بن علي السليماني الحافظ فقال كان يضع للروافض كذا قال السليماني. وهذا رجم بالظن الكاذب بل إن ابن جرير من كبار أئمة الإسلام المعتمدين وما ندعي عصمته من الخطأ ولا يحل لنا أن نؤذيه بالباطل والهوى، فإن كلام العلماء بعضهم في بعض ينبغي أن يتأنى فيه ولاسيما في مثل إمام كبير" [2]
لكن كيف يتهم إمام حافظ مثل السليماني على جلالة قدره لابن جرير الطبري؟! فما أدلته على هذه التهمة؟!
يجيب على هذه الشبهة أيضاً الحافظ شمس الدين الذهبي:
"فلعل السليماني أراد الآتي: محمد بن جرير بن رستم أبو جعفر الطبري رافضي له تواليف منها كتاب الرواة عن أهل البيت رماه بالرفض عبد العزيز الكتاني" [3]
أما الحافظ ابن حجر العسقلاني ت852هـ، فينبري مدافعاً عن الطبري قائلاً: "محمد بن جرير بن يزيد الطبري الإمام الجليل المفسر صاحب التصانيف الباهرة مات سنة عشر وثلاث مائة، ثقة صادق فيه تشيع يسير وموالاة لاتضر أقذع أحمد بن علي السليماني الحافظ فقال كان يضع للروافض كذا قال السليماني وهذا رجم بالظن الكاذب بل ابن جرير من كبار أئمة الإسلام المعتمدين وما ندعي عصمته من الخطأ ولا يحل لنا أن نؤذيه بالباطل والهوى فإن كلام العلماء بعضهم في بعض ينبغي أن يتأنى فيه ولاسيما في مثل إمام كبير مثل السليماني فلعل السليماني أراد (محمد بن جرير بن رستم أبو جعفر) ولو حلفت ان السليماني ما أراد إلا (محمد بن جرير بن رستم أبو جعفر) لبررت والسليماني حافظ متقن كان يدري ما يخرج من رأسه فلا اعتقد انه يطعن في مثل هذا الإمام بهذا الباطل والله أعلم (..) وقد اغتر شيخ شيوخنا أبو حيان بكلام السليماني فقال في الكلام على الصراط في اوائل تفسيره وقال أبو جعفر الطبري وهو امام من أئمة الأمامية (..) ونبهت عليه لئلا يغتر به فقد ترجمه أئمة النقل في آلاف [4] وبعده فلم يصفوه بذلك وانما ضره الاشتراك في اسمه واسم أبيه ونسبه وكنيته ومعاصرته وكثرة تصانيفه " [5]
وهذه شهادة الحافظ أحمد بن علي أبي بكر الخطيب البغدادي ت463هـ يترجم للطبري ترجمة مطولة في تاريخه نختار منها:
" قال الشيخ أبو بكر استوطن الطبري بغداد وأقام بها إلى حين وفاته وكان أحد أئمة العلماء يحكم بقوله ويرجع إلى رأيه لمعرفته وفضله وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل الآلاف وكان حافظا لكتاب الله عارفا بالقراءات بصيراً بالمعاني فقيها في أحكام القرآن عالما بالسنن وطرقها صحيحها وسقيمها وناسخها و منسوخها عارفا بأقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الخالفين في الأحكام ومسائل الحلال والحرام عارفا بأيام الناس وأخبارهم وله الكتاب المشهور في تارخ الأمم والملوك وكتاب في التفسير لم يصنف أحد مثله وكتاب سماه تهذيب الآثار لم أر سواه في معناه الا انه لم يتمه وله في أصول الفقه وفروعه كتب كثيرة واختيار من أقاويل الفقهاء وتفرد بمسائل حفظت عنه وسمعت على بن عبيد الله بن عبد الغفار اللغوي المعروف بالسمسماني يحكى ان محمد بن جرير مكث أربعين سنة يكتب في كل يوم منها أربعين ورقة وبلغني عن أبي حامد احمد بن أبي طاهر الفقيه الإسفرائيني انه قال لو سافر رجل الى الصين حتى يحصل له كتاب تفسير محمد بن جرير لم يكن ذلك كثيرا أو كلاما هذا معناه أخبرنا القاضي أبو عبد الله محمد قال ثنا علي بن احمد بن الصناع عبيد الله بن احمد السمسار وأبي أن أبا جعفر الطبري قال لأصحابه أتنشطون لتفسير القرآن قالوا كم يكون قدره فقال ثلاثون ألف ورقة فقالوا هذا مما تفنى الأعمار قبل تمامه فاختصره في نحو ثلاثة آلاف ورقة ثم قال هل تنشطون لتاريخ العالم من آدم إلى وقتنا هذا قالوا كم قدره فذكر نحواً مما ذكره في التفسير فأجابوه بمثل ذلك فقال إنا لله ماتت الهمم" [6]

على نور ما سبق نستطيع أن نخلص بالنتائج التالية:
(أ) براءة الحافظ العلامة ابن جرير الطبري مما هو منسوب إليه من تهمة الرفض والتشيع ووضع أحاديث لمصلحة أهل البيت.
(ب) أن الحافظ السليماني اختلط عليه الأمر حيث ظن أن الشيعي أبا جعفر محمد بن جرير بن رستم هو نفسه أبا جعفر بن جرير الطبري صاحب التاريخ والتفسير.
(ج) أما الرجل الآخر الذي يتفق اسمه وكنيته ولقبه مع ابن جرير السني يقول عنه الحافظ ابن حجر: " محمد بن جرير بن رستم أبو جعفر الطبري رافضي له تواليف منها كتاب الرواة عن أهل البيت رماه بالرفض عبد العزيز الكتاني انتهى وقد ذكره أبو الحسن بن بابويه في تاريخ الري بعد ترجمة محمد بن جرير الإمام فقال هو الآملي قدم الري وكان من جلة المتكلمين على مذهب المعتزلة وله مصنفات روى عنه الشريف أبو محمد الحسن بن حمزة الرعيني وروى أيضا عن أبي عثمان المازني وجماعة وعنه أبو الفرج الأصبهاني في أول ترجمة ابن الأسود من كتابه وذكر شيخنا في الذيل بما تقدم أولا وكأنه سقط من نسخته أراد الآتي بعد لعل السليماني الى آخره وكأنه لم يعلم بان في الرافضة من شاركه في اسمه واسم أبيه ونسبه وإنما يفترقان في اسم الجد ولعل ما حكي عن محمد بن جرير الطبري من الاكتفاء في الوضوء بمسح الرجلين إنما هو هذا الرافضي فإنه مذهبهم" [7]
(د) الطبري من أئمة علماء أهل السنة بشهادة علماء الجرح والتعديل وصيارفة الإسلام في علم أحوال الرجال كالذهبي وابن حجر والبغدادي والطرابلسي وغيرهم.
(هـ) أما أنه كان فيه تشيع يسير وموالاة لأهل البيت لا تضر.. لا يعني ذلك أن الرجل كان يميل إلى عقيدة الشيعة بالمعنى الإنحرافي ؛ فالطبري شأنه شأن بعض العلماء الذين يوالون علياً رضي الله عنه في خلافه مع معاوية رضي الله عنه فقط. وهذه النعوت كان يستخدمها بعض علماء أهل السنة كابن قتيبة فكان يقول عن الرجل أو الراوي أنه شيعي بمجرد الموالاة لعلي بن أبي طالب وآل بيته دون الحط من منزلة الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ودون أن يستتبع ذلك غلو أو سب في عموم الصحابة فإذا تجاوز هذا الحد إلى درجة الغلو فهنا يتحول المصطلح من شيعي إلى رافضي وهم خارجون على منهج أهل السنة والجماعة. هذا هو المقصود من مصطلح شيعي قديماً أما بعد تطور هذا المصطلح عقب العصور المختلفة في تاريخ الإسلام فقد تغير مدلوله الآن وصار مصطلحاً يتناقض ومنهج أهل السنة ومن ثم فلا يتصور أن يستخدم هذا المصطلح في وقتنا الحاضر بغية نعت أحد علماء أهل السنة بحجة أنه يوالي علياً رضي الله عنه وآل البيت لأن كلمة شيعي الآن لها دلالة تختلف عن معناها الإصطلاحي قديماً.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــ

[1] الكشف الحثيث/أبوالفواء الحلبي الطرابلسي/مكتبة النهضة العربية/بيروت/ج1/221.
[2] ميزان الإعتدال/الذهبي/دار الكتب العلمية/بيروت/ج6/ص90.
[3] المرجع السابق/ج6/90.
[4] الألاف: بتشديد اللام الذين يؤلفون الكتب.
[5] لسان الميزان/ابن حجر العسقلاني/مؤسسة الأعلمي للمطبوعات/بيروت/ج5ص100.
[6] تاريخ بغداد/ الخطيب البغدادي/دار الكتب العلمية/بيروت/ج2/ص162 وما بعدها.
[7] لسان الميزان/ج5/ص103.
__________________
خَليليَّ وَلّى العمرُ مِنّا وَلَم نَتُب = وَنَنوي فعالَ الصالِحات وَلَكِنّا
أبو يوسف غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس