عرض مشاركة واحدة
قديم 06-19-2010
  #4
البوحسن
محب متألق
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 105
معدل تقييم المستوى: 16
البوحسن is on a distinguished road
افتراضي

نقيض ما يفعله "الغرب المتحضر" في العراق وأفغانستان
صلاح الدين الأيوبي أنموذج باهر للتسامح الإسلامي




سجل قادة وحكام المسلمين عبر العصور صفحات مشرقة من التسامح والرقي الحضاري في مواقفهم من غير المسلمين، وأكدوا أن التسامح الإسلامي ليس شعارات يطلقها بعض المسلمين هنا وهناك، بل هو حقيقة واقعة ومنظومة إنسانية رائعة تؤكد للقاصي والداني أن هذا الدين الخاتم جاء لينشر في ربوع العالم قيم المودة والمحبة والتآلف والإخاء الإنساني بين كل خلق الله.

رغم تعدد وتنوع صور وصفحات التسامح في تاريخنا الإسلامي، فإن معاملة صلاح الدين الأيوبي للصليبيين في الحرب والسلم تقدم أنموذج باهراً لسمو التسامح الإسلامي ومقاصده في الحضارة الإسلامية، وهو ما يؤكد أن هذا التسامح هو الذي جعل الحضارة الإسلامية الحلقة الذهبية في سلسلة الحضارات الإنسانية التي حققت للبشرية ما تصبو إليه من العيش الكريم في رحاب الطمأنينة والأمن والأمان.

وقد اتسم صلاح الدين في معاملته للصليبيين بالالتزام الدقيق بالتعاليم الإسلامية التي تنادي بتكريم الإنسان واحترام مشاعره، وذلك انطلاقاً من إيمانه العميق بأن البشر أبناء أسرة واحدة عملاً بقول الحق سبحانه وتعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم).. ويتجلى خير أنموذج لهذا التسامح الإسلامي الكريم في موقف صلاح الدين الأيوبي من أخطر حصون الصليبيين في بلاد الشام وهو حصن الكرك.

عرس في الحصن

وتنقل لنا كتب التاريخ ما حدث في الحصن وموقف صلاح الدين الأيوبي فتقول: شيد الصليبيون هذا الحصن سنة 1141م في إقليم شرق الأردن، وذلك في مكان منيع يقوم على تل يعرف باسم “حجر الصحراء” يقع إلى الجنوب من البحر الميت، وكان لموقعه أهمية كبرى في مضايقة المسلمين، إذ يسيطر على الطرق الممتدة من مصر وغربي بلاد العرب إلى بلاد الشام، وتولى الإشراف على هذا الحصن أخطر أمراء الصليبيين وهو “رينالد دي شاتيون” الذي عرف عند العرب باسم أرناط، واشتهر بأنه لا يقيم للعهود والمواثيق وزناً أو احتراماً، كما دأب على قطع الطريق من هذا الحصن على قوافل المسلمين التجارية بين العراق وبلاد الشام ومصر، فضلاً عن مهاجمة قوافل الحجاج المسلمين الذين يتجهون لأداء فريضة الحج في مكة والمدينة المنورة.

لذلك كان من أهم أهداف صلاح الدين الأيوبي الدفاعية والوقائية تدمير هذا الحصن وسيده الجاحد الغادر، فطالما بقي هذا الحصن في يد “رينالد دي شاتيون” (أرناط) فلا أمن ولا أمان للمسلمين في تصريف تجارتهم وأداء فريضة الحج. وأتم صلاح الدين استعداده للهجوم على هذا الحصن وعسكر أمام أسواره فعلاً في نوفمبر سنة 1183م وتصادف في هذا الشهر أن الصليبيين كانوا قد قرروا عقد حفل زواج مهيب في هذا الحصن الشهير وأعدوا العدة وهيّؤوا كل مظاهر الفخامة والأبهة للاحتفال بالعرس.. وأخذ كبار المدعوين من الصليبيين يتوافدون إلى حصن الكرك لحضور حفل الزفاف دون أن يدروا أن صلاح الدين في الطريق لحصار هذا الحصن المنيع، وما كاد الصليبيون يبدؤون مراسم الاحتفال وتعزف الموسيقا وتأخذ الراقصات في إدخال البهجة على نفوس الحاضرين، حتى أفزعتهم الأنباء عن الوصول المفاجئ لقوات صلاح الدين تحت قيادته شخصياً وإلقائه الحصار على الحصن، وأن مجانيقه أخذت ترمي الأبراج الأمامية للحصن، وسيطر الفزع على الصليبيين وبخاصة حين هرب سيد الحصن نفسه “أرناط”.

وهنا أقدمت والدة العريس على خطوة تعرف وقعها على صلاح الدين الأيوبي بما اشتهر عنه من روح إنسانية نبيلة وإيثاره التسامح في جميع أعماله حتى في العمليات الحربية نفسها، إذ أعدت صحونا من طعام العرس، وبعثت بها إلى صلاح الدين، وأرسل صلاح الدين مقابل ذلك يسأل بأي الأبراج ينزل العروسان؟ ثم أصدر الأوامر بألا يتعرض هذا البرج للقصف من أدوات الحصار، وبرغم سيطرته الكاملة على الموقف وقدرة قواته على تحقيق أهدافها وتدمير الحصن الذي يسبب إزعاجاً مستمراً للمسلمين، ويعطل مصالحهم ويقف في طريق أدائهم لعبادة الحج.. فإن إنسانية صلاح الدين وحرصه على تطبيق كل قيم ومبادئ التسامح، فرضت عليه أن يستجيب لطلب الصليبيين عقد هدنة تتيح لضيوف العرس الحرية في العودة إلى ديارهم.

وهنا يتساءل المؤرخ الإسلامي الدكتور عبدالحليم عويس: أين هذا الموقف الإنساني النبيل مما ترتكبه قوات أمريكا ودول أوروبا “المتحضرة” في مجتمعات المسلمين؟ إنهم يدمرون كل شيء فوق رؤوس الفقراء والبائسين في العراق وأفغانستان وباكستان جرياً وراء أوهام واستناداً إلى شبهات.

الوفاء بالوعد

وتتجلى أيضاً إنسانية صلاح الدين الأيوبي في التعامل مع أسرى الصليبيين والاستجابة لمطالبهم المشروعة وعدم إهدار حق واحد من حقوقهم.

يقول الدكتور عبدالمقصود باشا أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية بجامعة الأزهر: لم تكن فكرة الانتقام تسيطر أبداً على صلاح الدين الأيوبي وقواته كما كان الأمر في القوات المعادية، بل كان يقدم للصليبيين كل ألوان السمو في التسامح، خاصة حين سار بعد انتصاره في حطين إلى بيت المقدس لاستردادها، إذ أكرم كل من استسلم له من كبار الصليبيين الذين كانوا يمتلكون مدن الساحل الفلسطيني ومن بين هؤلاء “كونتيسة طرابلس”، فقد سلمت له مدينة طبرية وعاملها صلاح الدين بما يليق بها من الحفاوة والتشريف، حيث أذن لها ولحاشيتها بالتوجه إلى طرابلس. وتحرك صلاح الدين بعد ذلك إلى مدينة عسقلان، وكانت تقف عقبة في طريق مصر والشام، وهناك اجتمع مع أخيه الملك العادل، ومن معه من عسكر مصر، وحاصروا المدينة، وكان ملك بيت المقدس أسيراً عند السلطان منذ موقعة حطين، فأرسل إلى السلطان في أن يطلقه مقابل نصحه للصليبيين الموجودين في عسقلان بترك المقاومة وتسليم المدينة، فوافق صلاح الدين على ذلك وقد استجاب الصليبيون للنصح بعدما تأكدوا من حرج موقفهم وطلبوا الأمان وتسليم المدينة، فأجابهم صلاح الدين وخرجوا بنسائهم وأولادهم وأموالهم إلى بيت المقدس آمنين، وتسلم صلاح الدين المدينة بعد احتلال صليبي لها مدته خمسة وثلاثون عاماً.

وتسجل صفحات التاريخ أن صلاح الدين أوفى بوعده مع ملك بيت المقدس، إذ أطلق سراحه في أثناء حصاره لحصن الأكراد، وشرط عليه ألا يشهر في وجه السلطان سلاحاً أبداً، فوافق على ذلك، لكنه ما إن بلغ مأمنه في صور حتى نسي العهد وانضم هناك إلى الصليبيين في قتال صلاح الدين. وسمح صلاح الدين لأهل عسقلان بعد استسلامهم بأن يغادروها وأن يحملوا معهم أمتعتهم، وتولى عساكر صلاح الدين حراستهم إلى مصر حيث جرى توفير أسباب الراحة لهم في أثناء مقامهم بالإسكندرية حتى يتم ترحيلهم إلى بلادهم في أوروبا.

وتتعدد مواقف صلاح الدين في رحلته التحريرية ليؤكد عملياً أن الإسلام وفر كل الحماية لأسرى الحرب، وتعامل مع الجميع بمن فيهم الحربيون المعتدون بكل رحمة وسمو.

إغاثة أم ملتاعة

حول موقف صلاح الدين الإنساني من استغاثات الصليبيين بأثناء الحرب وفي حالة السلم، سجل المرحوم الدكتور إبراهيم أحمد العدوي أستاذ التاريخ والحضارة بجامعة القاهرة صوراً مشرقة من تسامح صلاح الدين الأيوبي.. يقول: للمؤرخ ابن شداد الذي شاهد معاملة صلاح الدين للصليبيين رواية سجلها في كتابه “النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية” تمثل قمة التسامح في الحضارة الإسلامية، وما اتسم به هذا التسامح من إنسانية سامية المقاصد والأهداف.. فيقول: إن سيدة من نساء الصليبيين فقدت رضيعها من الفوضى والاضطراب الذي حل بالصليبيين بعد هزيمتهم في معركة حطين، فتعالى صراخها حتى وصل خبرها إلى ملوكهم فقالوا لها: إن صلاح الدين رجل رحيم القلب، وقد أذن لك في الخروج إليه فاخرجي واطلبيه منه، فإنه يرده عليك، فخرجت تستغيث إلى “اليزك” (العسكر) السلطاني فأخبرتهم بواقعها من خلال ترجمان فأخذوها إلى السلطان فأتته وأنا في خدمته وفي خدمته خلق عظيم، فبكت بكاء شديداً ومرغت وجهها في التراب، فسأل عن قضيتها فأخبروه بما حدث لها فرق قلبه ودمعت عيناه، وأمر بإحضار الرضيع فوراً ولما بحثوا عنه وجدوه قد بيع في السوق، فأمر بدفع ثمنه إلى المشتري وأخذه منه، ولم يزل واقفاً حتى أحضر الطفل وسلمه إليها، فأخذته وبكت بكاء شديداً وضمته إلى صدرها والناس ينظرون إليها ويبكون، وأنا واقف في جملتهم، فأرضعته ساعة ثم أمر بها فحملت على فرس وألحقت بعسكرهم مع طفلها.

ويعلق الدكتور العدوي على هذا الموقف قائلاً: على كل العقلاء والمنصفين في العالم أن يقارنوا ما سجله صلاح الدين من نماذج باهرة وسلوك إنساني نبيل مع الصليبيين خلال مواجهته معهم.. بما يفعله دعاة التقدم والديمقراطية والحضارة الغربية اليوم بالمسلمين في مناطق كثيرة من العالم.. إنهم يدمرون بيوت المسلمين فوق رؤوسهم، ويزهقون أرواح الأبرياء، ويحرقون الأخضر واليابس ثم يخرجون أمام كاميرات التلفزيون للتفاخر والتعالي بما ارتكبوه من جرائم ضد الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ.
البوحسن غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس