الموضوع: المكتوبات
عرض مشاركة واحدة
قديم 02-03-2011
  #35
عبدالرزاق
عضو شرف
 الصورة الرمزية عبدالرزاق
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 329
معدل تقييم المستوى: 14
عبدالرزاق is on a distinguished road
افتراضي رد: المكتوبات

الحمد لله، هذا من فـضل ربي.

الـمسألة الخامسة

وهي الرسالة الخامسة

رسالة الشكر

بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحيمِ

} وَاِنْ مِنْ شَيءٍ اِلاّ يُسَبّحُ بِحَمْدِهِ{

يفيض القرآن الكريم ببيانه المعجز ويحثّ على الشكر في آيات كثيرة، منها هذه الآيات التاليات:

} اَفَلاَ يَشْكُرُون{ (يس:35).... } اَفَلاَ يَشْكُرُوُن{ (يس:73)

} وَسَنَجْزى الشَّاكرينَ{ (آل عمران:145)

} لَئِنْ شَكَرْتُمْ لاَزيدَنَّكُمْ{ (ابراهيم:7)

} بَلِ الله فَاعْبُد وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرين{ (الزمر:66)

ويبيّن منها: أن اجلّ عملٍ يطلُبُه الخالُق الرحيم من عباده هو: الشُكر. فيدعو الناس الى الشكر دعوة صريحة واضحة ويوليه أهمية خاصة باظهاره أن الاستغناء عن الشكرتكذيب للنعم الإلهية وكفران بها، ويهدّد إحدى وثلاثين مرة في سورة ((الرحمن)) بالآية الكريمة : } فَبَايّ آلاءِ رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ{ تهديداً مُرعباً، ويُنذر الجن والإنس إنذاراً مهولاً ببيانه: ان عدم الشكر والإعراض عنه تكذيبٌ وإنكار وجحود.

ومثلما يبيّن القرآن الحكيم أن الشكر نتيجة الخلق والغاية منه، فالكون الذي هو بمثابة قرآن كبير مجسّم يُظهِر أيضاً أن اهمّ نتيجة لخلق الكائنات هي الشكر؛ ذلك لأنه اذا ما أنعم النظر في الكائنات لتبيّن:

ان هيأة الكون ومحتوياته قد صُممت بشكل ووُضعت على نمط، بحيث تنتج الشكر وتُفضي اليه، فكل شئ متطلّع ومتوجّه - من جهة - الى الشكر، حتى كأن أهم ثمرة في شجرة الخلق هذه هي الشكر، بل كأن أرقى سلعة من بين السلع التي ينتجها مصنع الكون هذا هي الشكر؛ ذلك لأننا نرى:

ان موجودات العالم قد صُممت بطراز يشبه دائرة عظيمة، وخُلقت الحياة لتمثل نقطة المركز فيها، فنرى: ان جميع الموجودات تخدم الحياة وترعاها وتتوجه اليها، وتتكفل بتوفير لوازمها ومؤنها. فخالق الكون اذن يختار الحياة ويصطفيها من بين موجوداته!

ثم نرى ان موجودات عوالم ذوى الحياة هي الاخرى قد أوجدت على شكل دائرة واسعة بحيث يتبوّأ الانسانُ فيها مركزها؛ فالغايات المرجّوة من الاحياء عادة تتمركز في هذا الانسان. والخالق الكريم سبحانه يحشّد جميع الأحياء حول الانسان ويسخّر الجميع لأجله وفي خدمته، جاعلاً من هذا الانسان سيداً عليها وحاكماً لها. فالخالق العظيم اذن يصطفي الانسان من بين الاحياء بل يجعله موضع إرادته ونصبَ اختياره.

ثم نرى ان عالم الانسان بل عالم الحيوان ايضاً يتشكل بما يشبه دائرة كذلك، وقد وُضع في مركزها ((الرزق))، وغرز الشوق الى الرزق في الانسان والحيوانات كافة، فنرى أنهم قد أصبحوا جميعاً بهذا الشوق خَدَمة الرزق والمسخَّرين له. فالرزق يحكمهم ويستولى عليهم. ونرى الرزق نفسه قد جُعل خزينة عظيمة لها من السعة والغنى ما لو تجمعت نِعَمه فلا تعد ولا تحصى (حتى نرى القوة الذائقة في اللسان قد زوّدت بأجهزة دقيقة وموازين معنوية حساسة بعدد المأكولات والمطعومات لمعرفة أذواق نوع واحد من انواع الرزق الكثيرة). فحقيقة الرزق اذن هي أعجب حقيقة في الكائنات واغناها، واغربها،وأحلاها وأجمعها.

ونرى كذلك: أنه مثلما يحيط كل شئ بالرزق ويستشرفه ويتطلع اليه، فالرزق نفسه ايضاً - بأنواعه جميعاً ـ قائم بالشكر معنىً ومادةً وحالاً ومقالاً، ويحصل بالشكر، وينتج الشكر، ويبيّن الشكر ويُريه؛ لان اشتهاء الرزق والإشتياق اليه نوعٌ من شكر فطري. أما الالتذاذ والتذوق فهما شكرٌ ايضاً، ولكن بصورة غير شعورية - حيث تتمتع الحيوانات كافة بهذا الشكر - بيد أن الانسان هو المخلوق الوحيد الذي يغيّر ماهية ذلك الشكر الفطري بانسياقه الى الضلالة والكفر، فيتردى من الشكر الى الشرك.

ثم ان ما تحمله النعم - التي هي الرزق بعينه - من صورٍ جميلة زاهية بديعة، ومن روائح زكية طيبة شذية، ومن طعوم لذيذة ومذاقات طيبة، ما هو إلاّ دعاة وأدلاّء الى الشكر. فهؤلاء الادلاء والدعاة المنادون يثيرون بدعواهم الشوق لدى الاحياء، ويحضّونهم عليه، ويدفعونهم - بهذا الشوق - الى نوع من الاستحسان والتقدير والاحترام فيقروّن فيهم شكراً معنوياً. ويلفتون أنظار ذوي الشعور الى التأمل والإمعان فيها فيرغّبونهم في الاستحسان والاعجاب، ويحثونهم الى احترام النعم السابغة وتقديرها. فتُرشدهم تلك النِعم الى طريق الشكر القولي والفعلي وتدلـّهم عليه وتجعلهم من الشاكرين، وتذيقهم من خلال الشكر أطيبَ طَعمٍ وألذهُ وأَزكى ذوق وأنفسه، وذلك بما تُظهر لهم بأن هذا الرزق اللذيذ او النعمة الطيبة، مع لذته الظاهرة القصيرة الموقتة يهب لك بالشكر التفكر في الالتفات الرحماني الذي يحمل لذة وذوقاً حقيقيين ودائميين وغير متناهيين. اي ان الرزق بتذكيره بالتفات الكريم المالك لخزائن الرحمة الواسعة - تلك الالتفاتة والتكرمة التي لا حدَّ للذاتها ولا نهاية لمتعتها - تذيق الانسان بهذا التأمل نشوة معنوية من نشوات الجنة الباقية وهو بعدُ لم يغادر هذه الدنيا.

في الوقت الذي يكون الرزق بوساطة الشكر خزينة واسعة جامعة تطفح بالغناء والمتعة، يتردى تردياً فظيعاً جداً بالتجافي عن الشكر والاستغناء عنه.

ولقد بيّنا في ((الكلمة السادسة)): ان عمل القوة الذائقة في اللسان إن كان متوجهاً الى ا سبحانه وفي سبيله، أي عندما تتوجه الى الرزق أداءً لمهمة الشكر المعنوي، تكون تلك القوة والحاسة في اللسان بمثابة مشرف موقّر شاكر، وتكون بحكم ناظر محترم حامد، على مطابخ الرحمة الإلهية المطلقة. ولكن متى ما قامت بعملها رغبةً في هوى النفس الأمارة بالسوء واشباعاً لنهمها، أي اذاتوجهت الى النعمة مع عدم تذكر شكر المُنعم الذي أنعم عليه بالرزق، تهبط تلك القوة الذائقة في اللسان من ذلك المقام السامي، مقام الراصد الأمين، الى درجة بواب مصنع البطن، وحارس اسطبل المعدة. ومثلما ينتكس خادمُ الرزق هذا الى الحضيض بالاستغناء عن الشكر، فماهية الرزق نفسها وخدام الرزق الآخرون كذلك يهوون جميعاً بالنسبة نفسها من أسمى مقام الى ادناه، بل حتى يتدنى الى وضع مباين تماماً لحكمة الخالق العظيم.

ان مقياس الشكر هو القناعة، والاقتصاد، والرضا، والامتنان. أما مقياس عدم الشكر والاستغناء عنه فهو الحرص، والاسراف، وعدم التقدير والاحترام، وتناول كل ما هب ودّب دون تمييز بين الحلال والحرام.

نعم ان الحرص مثلما أنه عزوف وإعراض عن الشكر، فهو ايضاً قائد الحرمان ووسيلة الذل والإمتهان. حتى كأن النملة - تلك الحشرة المباركة المالكة لحياة اجتماعية - تُداس تحت الاقدام وتنسحق، لشدة حرصها وضعف قناعتها، اذ بينما تكفيها بضع حبات من الحنطة في السنة الواحدة تراها تجمع ألوف الحبات اذا ما قدّر لها أما النحلة الطيبة، فتجعلها قناعتها التامّة ان تطير عالياً فوق الرؤوس، حتى انها تقنع برزقها وتقدّم العسل الخالص للانسان احساناً منها بأمر الآله العظيم جل جلاله.

نعم ان إسم ((الرحمن)) الذي هو من أعظم أسمائه سبحانه وتعالى يعقبُ لفظ الجلالة ((الله)) الذي هو الاسم الاعظم والاسم العَلَمُ للذات الأقدس. فهذا الاسم ((الرحمن)) يشمل برعايته الرزق؛ لذا يمكن الوصول الى انوار هذا الاسم العظيم بالشكر الكامن في طوايا الرزق. علماً ان أبرز معاني ((الرحمن)) هو الرزاق.

ثم ان للشكر انواعاً مختلفة، الاّ أن أجمع تلك الانواع واشملها والتي هي فهرسها العام هو: الصلاة!.

وفي الشكر ايمان صافٍ رائق، وهو يحوى توحيداً خالصاً؛ لأن الذي يأكل تفاحة – مثلاً – باسم الله ويختم أكلها بـ ((الحمد لله)) إنما يعلن بذلك الشكرَ، على ان تلك التفاحة تذكار خالص صادر مباشرةً من يد القدرة الإلهية، وهي هدية مهداة مباشرة من خزينة الرحمة الإلهية. فهو بهذا القول وبالاعتقاد به يسلـّم كلَّ شئ - جزئياً كان أم كلياً - الى يد القدرة الإلهية، ويُدرك تجلّى الرحمة الإلهية في كل شئ. ومن ثم يُظهر ايماناً حقيقياً بالشكر، ويبيّن توحيداً خالصاً به.

وسنبين هنا وجهاً واحداً فقط من بين وجوه الخسران الكثيرة التي يتردى اليها الانسان الغافل من جراء كفرانه النعمة وكنوده بها.

اذا تناول الانسان نعمةً لذيذة، ثم أدى شكره عليها، فان تلك النعمة تصبح - بوساطة ذلك الشكر ـ نوراً وضّاءً له، وتغدو ثمرة من ثمار الجنة الاُخروية، وفضلاً عما تمنحه من لذة، فان التفكر في أنها أثرٌ من آثار التفات رحمة الله الواسعة وتكرمة منه سبحانه وتعالى يمنح تلك النعمة لذةً عظيمة دائمة وذوقاً سامياً لاحد له. فيكون الشاكر قد بعث أمثال هذه اللــّباب الخالصة والخلاصات الصافية والمواد المعنوية الى تلك المقامات السامية الرفيعة، تاركاً موادَّها المهملة وقشرتَها - التي استنفدت اغراضها وأدّت وظيفتها ولم تعد اليها حاجة - يتم تحولها الى نفايات وفضلات تعود الى أصلها من العناصر الاولية.

ولكن ان لم يشكر المنعم عليه، ربَّه على النعمة، واستنكف عنها، فان تلك اللذة الموقتة تترك بزوالها ألماً وأسفاً، وتتحول هي نفسها الى قاذورات. فتنقلب تلك النعمة التي هي ثمينة كالألماس الى فحم خسيس.

فالأرزاق الزائلة تثمر بالشكر لذائذ دائمة وثمرات باقية، أما النعم الخالية من الشكر فانها تنقلب من صورتها السامية الجميلة الزاهية الى صورة دنيئة قبيحة دميمة؛ ذلك لأن الغافل يظن ان مآل الرزق بعد اقتطاف اللذة المؤقتة منه هو الفضلات!.

حقاً، ان الرزق صورة وضّاءةً تستحق الحب والعشق، تلك التي تظهر بالشكر، والاّ فان عشق الغافلين والضالين للرزق وتلهفهم عليه ما هو إلاّ بهيمية حيوانية..

قس على هذا.. لتعلم مدى خسارة أهل الضلالة والغفلة ومدى فداحة أمرهم!

إن اشد الاحياء حاجةً الى الرزق والى انواعه هو الانسان! فالحق سبحانه وتعالى قد خلق هذا الانسان مرآة جامعة لجميع اسمائه الحسنى، وأبدعه معجزةً دالّة على قدرته المطلقة. فهو يملك اجهزة يتمكن بها تثمين وتقدير جميع مدّخرات خزائن رحمته الواسعة ومعرفتها.. وخلقه على صورة خليفة الارض الذي يملك من الأجهزة الحساسة ما يتمكن بها من قياس أدق دقائق تجليات الاسماء الحسنى.. فلأجل كل هذا فقد اودع سبحانه في هذا الانسان فاقةً لاحدّ لها، وجعله محتاجاً الى انواع لا تحد من الرزق المادي والمعنوي. وما الوسيلة التي تمكّن الانسانَ من العروج بها الى اسمى مقام وهو مقام ((احسن تقويم)) ضمن ما يملكه من الجامعية الاّ الشكر.

فاذا انعدم الشكر يتردى الانسان الى اسفل سافلين ويكون مرتكباً ظلماً عظيماً..



الخلاصة:

ان الشكر هو اعظم اساس من الاسس الاربعة التي يستند اليها سالك اسمى طريق واعلاه اَلا وهو طريق العبودية والحب للّه تعالى والمحبوبية.

وقد عُبّر عن تلك الاسس الأربعة بـ:

در طريق عجزى مندى لازم آمد جار جيز:

عجزِ مطلق فقرِ مطلق شوقِِ مطلق شكرِ مطلق أي عزيز!(1).

اللّهُمّ اجعلنا من الشاكرين برحمتك يا ارحم الراحمين.

} سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا اِلاّ ما عَلَّمْتَنا اِنَّكَ اَنْتَ الْعَليمُ الْحَكيم{

اللّهم صل وسلم على سيدنا محمدٍ سيد الشاكرين والحامدين وعلى آله وصحبه اجمعين.

} وآخرُ دَعواهم أن الحمدُ لله رب العالمين{ .

المسألة السادسة

وهي الرسالة السادسة

لم تدرج هنا ستنشر ضمن مجموعة اخرى باذن الله

الـمسألة السابعة

وهي الرسالة السابعة

بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحيمِ

} قُل بفـضلِ الله وبرحمتهِ فبذلكَ فليفرحوا هُوَ خيرٌ ممّا يَجمعُون{ (يونس:58)

[هذه المسألة عبارة عن سبع اشارات]

نبين أولاً سبعة أسباب ـ تحدثاً بنعمة الله ـ تكشف عن عدد من أسرار العناية الإلهية.

C السبب الأول:

قبل اندلاع الحرب العالمية الاولى، وإبان نشوبها رأيت في رؤيا صادقة، الآتي:

رأيت نفسي تحت (جبل آرارات) واذا بالجبل ينفلق انفلاقاً هائلاً، فيقذف صخوراً عظيمة كالجبال الى انحاء الأرض كافة. وانا في هذه الرهبة التي غشيتني رأيت والدتي - رحمة الله عليها - بقربي. قلت لها: ((لاتخافي ياأماه! انه أمر الله. انه رحيم، انه حكيم)). واذ أنا بتلك الحالة اذا بشخص عظيم يأمرني قائلاً:

ـ بيّن اعجاز القرآن.

أفقتُ من نومي، وادركتُ انه سيحدث انفلاق عظيم، وستتهدم الأسوار التي تحيط بالقرآن الكريم من جراء ذلك الانفلاق والانقلاب العظيم، وسيتولى القرآن بنفسه الدفاع عن نفسه حيث سيكون هدفاً للهجوم، وسيكون اعجازه، حصنه الفولاذي، وسيكون شخص مثلي مرشحاً للقيام ببيان نوع ٍمن هذا الاعجاز في هذا الزمان ـ بما يفوق حدّي وطوقي كثيراً ـ وأدركتُ اني مرشح للقيام بهذا العمل .

ولمّا كان اعجاز القرآن الكريم قد وضّح ـ الى حدٍّ ما ـ بـ((الكلمات)) فان اظهار العنايات الإلهية في خدمتنا للقرآن، انما هو إمداد للاعجاز بالقوة، اذ ان تلك الخدمة هي لابراز ذلك الاعجاز ومن قبيل بركاته ورشحاته. أي ينبغي إظهارالعنايات الإلهية.

C السبب الثاني:

لما كان القرآن الكريم مرشدنا واستاذنا وامامنا ودليلنا في كل أعمالنا، وانه يثني على نفسه، فنحن اذن سنثني على تفسيره، اتباعاً لإرشاده لنا.

ولما كانت (الكلمات) نوعاً من تفسير القرآن، ورسائل النور عامة ملك القرآن وتتضمن حقائقه، وان القرآن الكريم يعلن عن نفسه في هيبة وعظمة، ويبين مزاياه ويثني على نفسه بما يليق به من ثناء، في كثير من آياته ولاسيما في السور المبتدئة بـ(الر) و (حم)، فنحن اذن مكلفون باظهار العنايات الربانية التي هي علامة لقبول خدمتنا في بيان لمعات اعجاز القرآن المنعكسة في ((الكلمات))، وذلك اقتداءاً باستاذنا القرآن الذي يرشدنا الى هذا النمط من العمل.

C السبب الثالث:

انني لاأقول هذا الكلام الذي يخص(الكلمات) تواضعاً، بل بياناً للحقيقة، وهي:

ان الحقائق والمزايا الموجودة في (الكلمات) ليست من بنات أفكاري ولاتعود اليّ أبداً وانما للقرآن وحده، فلقد ترشحتْ من زلال القرآن، حتى ان الكلمة العاشرة ماهي إلاّ قطرات ترشحت من مئات الآيات القرآنية الجليلة. وكذا الأمر في سائر الرسائل بصورة عامة.

فمادمتُ أعلم الأمر هكذا وانا ماضٍ راحل عن هذه الحياة، وفانٍ زائل، فينبغي ألاّ يربط بي ما يدوم ويبقى من أثر. ومادام عادة أهل الضلالة والطغيان هي الحط من قيمة المؤلف للتهوين من شأن كتاب لايفي بغرضهم. فلابد اذن ألاّ ترتبط الرسائل المرتبطة بنجوم سماء القرآن الكريم بسند متهرئ قابل للسقوط، مثلي الذي يمكن أن يكون موضع اعتراضات كثيرة، ونقدٍ كثير.

ومادام عرف الناس دائراً حول البحث عن مزايا الأثر في أطوار مؤلفه وأحواله الذي يحسبونه منبع ذلك الخير ومحوره الاساس. فانه اجحاف اذاً بحق الحقيقة وظلم لها ـ بناء على هذا العرف ـ ان تكون تلك الحقائق العالية والجواهر الغالية بضاعة مَن هو مفلس مثلي وملكاً لشخصيتي التي لاتستطيع ان تظهر واحداً من ألف من تلك المزايا.

لهذا كله أقول: ان الرسائل ليست ملكي ولامني بل هي ملك القرآن. لذا أراني مضطراً الى بيان أنها قد نالت رشحات من مزايا القرآن العظيم. نعم، لاتُبحث ما في عناقيد العنب اللذيذة من خصائص في سيقانها اليابسة؛ فانا كتلك الساق اليابسة لتلك الاعناب اللذيذة.

C السبب الرابع:

قد يستلزم التواضع كفران النعمة، بل يكون كفراناً بالنعمة عينه، وقد يكون ايضاً التحدث بالنعمة تفاخراً وتباهياً. وكلاهما مضران، والوسيلة الوحيدة للنجاة. اي لكي لايؤدي الأمر الى كفرانٍ بالنعمة ولاالى تفاخر، هي: الإقرار بالمزايا والفضائل دون ادّعاء تملّكها، اي اظهارها انها آثار إنعام المنعم الحقيقي جلّ وعلا.

مثال ذلك: اذا ألبسك أحدُهم بدلة فاخرة جميلة، وأصبحتَ بها جميلاً وأنيقاً،فقال لك الناس: ما أجملك! لقد أصبحت رائعاً بها، وأجبتهم متواضعاً: كلا! مَن أنا، أنا لست شيئاً.. أين الجمال من هذه البدلة!! فان جوابك هذا كفران بالنعمة بلاشك، وسوء أدب تجاه الصانع الماهر الذي ألبسك البدلة. وكذلك إن قلت لهم مفتخراً: نعم! انني جميل فعلاً، فأين مثلي في الجمال والأناقة! فعندها يكون جوابك فخراً وغروراً.

والاستقامة بين كفران النعمة والافتخار هو القول:نعم! انني أصبحت جميلاً حقاً، ولكن الجمال لايعود لي وانما الى البدلة، بل الفضل يخص الذي ألبسنيها.

ولو بلغ صوتي أرجاء العالم كافة لكنت أقول بكل ما اوتيت من قوة: ان (الكلمات) جميلة رائعة وانها حقائق وانها ليست مني وانما هي شعاعات التمعت من حقائق القرآن الكريم. فلم اجمّل انا حقائق القرآن، بل لم أتمكن من اظهار جمالها وانما الحقائق الجميلة للقرآن هي التي جمّلت عباراتي ورفعت من شأنها واستناداً الى قاعدة: وما مدحت محمداً بمقالتي.. ولكن مدحت مقالتي بمحمدٍ(1). اقول:

ومامدحت القرآن بكلماتي …… ولكن مدحت كلماتي بالقرآن.

فما دام الأمر هكذا. أقول باسم جمالية الحقائق القرآنية: ان اظهار جمال (الكلمات) التي هي معاكس تلك الحقائق، وبيان العنايات الإلهية المترتبة على جمال تلك المرايا، انما هو تحدث بنعمة الله، مرغوب فيه.

C السبب الخامس:

سمعت من أحد الأولياء ـ قبل مدة مديدة ـ أنه قد استخرج من الاشارات الغيبية لأولياء سابقين ماأورثه القناعة بأن نوراً سيظهر من جهة الشرق ويبدد ظلمات البدع.

ولقد انتظرتُ طويلاً ظهور مثل هذا النور ومازلت منتظراً له، بيد ان الأزاهير تتفتح في الربيع، فينبغي تهيئة السبل لمثل هذه الأزاهير المقدسة. وأدركنا اننا بخدمتنا هذه، انما نمهّد السبيل لأولئك الكرام النورانيين.

ولاشك ان بيان العنايات الإلهية التي تخص (الكلمات) لايكون مدار فخر وغرور ابداً اذ لايعود الى اشخاصنا بالذات. بل يكون ذلك مدار حمد وشكر وتحدث بالنعمة.

C السبب السادس:

ان العناية الربانية التي هي وسيلة ترغيب ومكافأة عاجلة وجزاء مقدّم لخدمتنا للقرآن بسبب تأليف ((الكلمات)) ما هي الا التوفيق في العمل والنجاح في الخدمة، والتوفيق في الخدمة يُظهرَ ويعلن عنه، واذا مامضت العناية من التوفيق والنجاح وسَمَت، فانها تكون إكراماً إلهياً. واظهار الاكرام الإلهي شكرٌ معنوي. واذا ما ارتقت العناية الى اعلى من الاكرام، فلا محالة انها تكون كرامة قرآنية، قد حظينا بها، واظهار كرامة من هذا النوع دون اختيار منا، ومن حيث لانحتسب ومن دون علمنا، ليس فيه ضرر. واذا ما ارتقت العناية فوق الكرامة الاعتيادية، فلاشك انها تكون شُعل الاعجاز المعنوي للقرآن الكريم. ولما كان الاعجاز لابد أن يعلن عنه، فان اظهار ما يمدّه بالقوة يكون في سبيله ايضاً، ولايكون مبعث تفاخر وغرور ابداً، بل مبعث حمد وشكر.

C السبب السابع:

ان ثمانين بالمائة من الناس ليسوا محققين علماء، كي ينفذوا الى الحقيقة ويسبروا غورها ويصدقوا بها، ويقبلوها، بل يقبلون المسائل تقليداً لما سمعوه من أناس هم موضع ثقتهم واعتمادهم بناءً على ظاهر حالهم وعلى حسن الظن بهم، حتى ان حقيقة قوية يرونها ضعيفة لأنها في يد شخص ضعيف بينما يعدّون مسألة تافهة في يد شخص مرموق مسألة قيمة. لذا اضطر الى الاعلان عن الحقائق الايمانية والقرآنية التي هي في يد شخصي الضعيف الذي لاقيمة له ولاأهمية، لئلا احطّ من قيمتها أمام أنظار أغلب الناس، فأقول: ان هناك مَن يستخدمنا ويسوقنا الى الخدمة دون اختيارٍ منا ودون علمنا، ويسخّرنا في أمور جسام دون معرفتنا. ودليلنا هو اننا نحظى بقسم من عنايات إلهية وتيسيرات ربانية خارج شعورنا وبلا اختيار منا. ولهذا نضطر الى الاعلان عن تلك العنايات اعلاناً صارخاً على ملأ من الناس.

% % %

هذا وبناءً على الاسباب السبعة المذكورة، نشير الى بضع عنايات ربانية كلية:

u الاشارة الاولى:

وهي ((التوافقات)) التي وضحت في النكتة الاولى من المسألة الثامنة من (المكتوب الثامن والعشرين). ولقد تناظر مايزيد على مائتي كلمة من كلمات ((الرسول الكريم e )) في موازنة تامة، في ستين صحيفة من صفحات رسالة ((المعجزات الاحمدية)) باستثناء صحيفتين، ابتداءً من الاشارة الثالثة الى الاشارة الثامنة عشرة منها، وذلك لدى احد المستنسخين، دون ان يكون له علم بالتوافق. فمن ينظر بانصاف الى صحيفتين من الرسالة فحسب يصدّق ان ذلك لايمكن ان يكون نتيجة مصادفة ابداً، اذ ربما تتناظر كلمات متشابهة ان وجدت في صحيفة واحدة، وتعدّ توافقاً ناقصاً لاحتمال وجود المصادفة، بينما الأمر هنا، ان كلمة الرسول الكريم e ، قد توافقت في تناظر متوازن في صفحات كثيرة، بل في جميعها، ولاتوجد في الصفحة الواحدة إلاّ اثنتان او ثلاثة او اربعة او أكثر منها. أي ان عددها ليس بكثرة، فلاشك ان التناظر ناشئ عن توافق لا عن مصادفة، فضلاً عن ان التوافق جرى لدى ثمانية مستنسخين ولم يتغير توازن التوافق لديهم رغم اختلافهم.. مما يدل ان في ذلك التوافق اشارة غيبية قوية . اذ كما ان بلاغة القرآن قد علت الى درجة الاعجاز ففاقت بلاغته كتـب البلغاء كلهم، حتى لايمكن ان يبلغ أحد منهم شأو ذلك الاعجاز، كذلك التوافقات الموجودة في (المكتوب التاسع عشر) ـ الذي هو مرآة لمعجزات الرسول e ـ وفي (الكلمة الخامسة والعشرين) التي هي معكس اعجاز القرآن، وفي اجزاء (رسائل النور) الأخرى التي هي نوع من تفسير للقرآن الكريم.. أقول؛ هذه التوافقات تبيّن غرابة تفوق جميع الكتب، مما يفهم منها انها نوع من كرامات معجزات القرآن ومعجزات الرسول الكريم e تتجليان في تلك المرايا وتتمثلان فيها.

u الاشارة الثانية:

العناية الربانية الثانية التي تخص الخدمة القرآنية هي:

ان الله سبحانه وتعالى قد أنعم عليّ باخوة أقوياء جادّين، مخلصين، غيورين، مضحين، لهم أقلام كالسيوف الالماسية، ودفعهم ليعاونوا شخصاً مثلي لايجيد الكتابة، نصف أمي، في ديار الغربة، مهجور، ممنوع عن الاختلاط بالناس. وحمّل سبحانه كواهلهم القوية ماأثقل ظهري الضعيف العاجز من ثقل الخدمة القرآنية، فخفف بفضله وكرمه سبحانه حملي الثقيل.

فتلك الجماعة المباركة في حكم اجهزة البث اللاسلكي (بتعبير خلوصي) وبمثابة مكائن توليد الكهرباء لمصنع النور (حسب تعبير صبري). ومع ان كلاً منهم يملك مزايا متنوعة وخواصّ راقية متباينة إلاّ أن فيهم نوعاً من توافقات غيبية (حسب تعبير صبري) اذ يتشابهون في الشوق الى العمل والسعي فيه والغيرة على الخدمة والجدية فيها، اذ إن نشرهم الاسرار القرآنية والانوار الايمانية الى الاقطار وابلاغها جميع الجهات، وقيامهم بالعمل دون فتور، وبشوق دائم وهمة عالية، في هذا الزمان العصيب (حيث الحروف قد تبدلت ولاتوجد مطبعة، والناس بحاجة الى الانوار الايمانية) فضلاً عن العوائق الكثيرة التي تعرقل العمل وتولد الفتور، وتهوّن الشوق .. أقول ان خدمتهم هذه كرامة قرآنية واضحة وعناية إلهية ظاهرة ليس إلاّ.

نعم! فكما ان للولاية كرامة، فان للنية الخالصة كرامة ايضاً، وللاخلاص كرامة ايضاً، ولاسيما الترابط الوثيق والتساند المتين بين الاخوان ضمن دائرة اخوة خالصة لله، تكون له كرامات كثيرة، حتى ان الشخص المعنوي لمثل هذه الجماعة يمكن ان يكون في حكم ولي كامل يحظى بالعنايات الالهية.

فياأخوتي وياأصحابي في خدمة القرآن!

كما ان اعطاء جميع الشرف والغنائم كلها الى آمر الفوج الذي فتح حصناً، ظلم وخطأ، كذلك لايمكنكم اسناد العنايات الإلهية في الفتوحات التي تمت بقوة شخصكم المعنوي وبأقلامكم الى شخص عاجز مثلي. اذ مما لاشك؛ ان في مثل هذه الجماعة المباركة توجد اشارة غيبية قوية أكثر من التوافقات الغيبية. وانني أراها، ولكن لاأستطيع اظهارها لكل أحد ولاللناس عامة.

u الاشارة الثالثة:

ان اثبات اجزاء (رسائل النور) لجميع الحقائق الايمانية والقرآنية المهمة، حتى لأعتى المعاندين، اثباتاً ساطعاً، انما هو اشارة غيبية قوية جداً، وعنايةإلهية عظيمة. لأن هناك من الحقائق الايمانية والقرآنية، اعترف بعجزه عن فهمها من يعدّ أعظم صاحب دهاء، وهو (ابن سينا) الذي قال في (مسألة الحشر):((الحشر ليس على مقاييس عقلية)) بينما تُعلّم (الكلمة العاشرة) عوام الناس والصبيان حقائق لم يستطع ان يبلغها ذلك الفيلسوف بدهائه.

وكذا مسائل (القدر والجزء الاختياري) التي لم يحلها العلامة الجليل (السعد التفتازاني)(1) إلاّ في خمسين صحيفة، وذلك في كتابه المشهور بـ((التلويح)) من قسم ((المقدمات الاثنتي عشرة))، ولم يبيّنها إلاّ للخواص من العلماء، هذه المسائل تبينها (الكلمة السادسة والعشرون) ((رسالة القدر)) في صحيفتين من المبحث الثاني منها بياناً شافياً وافياً، وبما يوافق أفهام الناس كلهم. فان لم يكن هذا من أثر العناية الإلهية فما هو اذن؟.

وكذا سر خلق العالم، المسمى بـ(طلسم الكائنات) الذي جعل العقول في حيرة منه، ولم تحلّ لغزه اية فلسفة كانت، كشف اسراره وحل ألغازه الاعجاز المعنوي للقرآن العظيم، وذلك في (المكتوب الرابع والعشرين) وفي النكتة الرمزية الموجودة في ختام (الكلمة التاسعة والعشرين)، وفي الحِكَم الست لتحوّل الذرات في (الكلمة الثلاثين). هذه الرسائل قد حلت ذلك الطلسم المغلق في الكون، وكشفت عن اسرار ذلك المعمى المحيّر في خلق الكون وعاقبته، وبينت حكمة الذرات وتحولاتها. وهي متداولة لدى الجميع، فليراجعها من شاء.

وكذا حقائق الأحدية، ووحدانية الربوبية بلاشريك، وحقائق القرب الإلهي قرباً أقرب الينا من أنفسنا، وبُعدنا نحن عنه سبحانه بُعداً مطلقاً.. هذه الحقائق الجليلة قد وضحتها توضيحاً كاملاً كل من (الكلمة السادسة عشرة) و (الكلمة الثانية والثلاثين).

وكذا القدرة الإلهية المحيطة بكل شئ، وتساوي الذرات والسيارات ازاءها، وسهولة احيائها ذوي الارواح كافة في الحشر الاعظم كسهولة احياء فرد واحد، وعدم تدخل الشرك قطعاً في خلق الكون، وانه بعيد عن منطق العقل بدرجة الامتناع.. كل هذه الحقائق قد كشفت في (المكتوب العشرين) لدى شرح (وهو على كل شئ قدير). وفي ذيله الذي يضم ثلاثة تمثيلات، الذي حلّ ذلك السر العظيم، سر التوحيد.

هذا فضلاً عن أن الحقائق الايمانية والقرآنية لها من السعة والشمول مالايمكن ان يحيط به ذكاء أذكى انسان! أليس اذاً ظهور الاكثرية المطلقة لتلك الحقائق بدقائقها لشخص مثلي مشوش الذهن، مشتت الحال، لامرجع ومصدر لديه من الكتب، ويتم التأليف في سرعة وفي أوقات الضيق والشدة؟ أقول: أليس ذلك أثراً من آثار الاعجاز المعنوي للقرآن الكريم وجلوة من جلوات العناية الربانية واشارة غيبية قوية؟.

u الاشارة الرابعة:

لقد أنعم الله عليّ بتأليف ستين رسالة بهذا النمط من الانعام والاحسان، اذ من كان مثلي ممن يفكر قليلاً ويتتبع السنوح القلبي، ولايجد متسعاً من الوقت للتدقيق والبحث، يتم في يده تأليف مالايقدر على تأليفه جماعة من العلماء والعباقرة مع سعيهم الدائب، فتأليفها اذن على ذلك الوجه يدّل على انها أثر عناية إلهية مباشرة، لأن جميع الحقائق العميقة الدقيقة في هذه الرسائل كلها تُفهَّم وتدرّس الى عوام الناس واكثرهم أمية بوساطة التمثيلات. مع ان علماء أجلاء قالوا عن اكثر تلك الحقائق انها لاتعلّم ولاتدرس، فلم يعلّموها للعوام وحدهم، ولا للخواص ايضاً.

وهكذا فهذا التسهيل الخارق في التأليف والتيسير في بيان الحقائق، بجعل أبعد الحقائق عن الفهم كأنها في متناول اليد وتدريسها الى أكثر الناس بساطة وأمية، لايكون في وسع شخص مثلي له باع قصير في اللغة التركية، وكلامه مغلق ولايفهم كثير منه، حتى يجعل الحقائق الظاهرية معضلة، واشتهر بهذا منذ السابق وصدّقت آثاره القديمة شهرته السيئة تلك.. فمثل هذا الشخص يجري في يده هذا التيسير والبيان الواضح لاشك انه أثر من آثار العناية الإلهية، ولايمكن ان يكون من حذاقة ذلك الشخص، بل هو جلوة من جلوات الاعجاز المعنوي للقرآن الكريم، وصورة منعكسة للتمثيلات القرآنية.

u الاشارة الخامسة:

على الرغم من انتشار الرسائل ـ بصورة عامة ـ انتشاراً واسعاً جداً، فان عدم قيام أحد بانتقادها ابتداءً من أعظم عالم الى أدنى رجل من العوام، ومن اكبر ولي صالح تقي الى أحط فيلسوف ملحد عنيد، هؤلاء الذين يمثلون طبقات الناس وطوائفهم. ورغم انها معروضة امامهم ويرونها ويقرأونها، وقد استفادت كل طائفة منها حسب درجتها، بينما تعرّض قسم منهم الى لطماتها وصفعاتها.. أقول: ان كل ذلك ليس إلاّ أثر عناية ربانية وكرامة قرآنية.. ثم ان تلك الأنماط من الرسائل التي لاتؤلف إلاّ بعد بحث دقيق وتحرّ ٍ عميق، فان كتابتها واملاءها بسرعة فوق المعتاد اثناء انقباض وضيق - وهما يشوشان أفكاري وادراكي ـ اثر عناية ربانية وإكرام إلهي ليس إلاّ.

نعم! يعلم أكثر أخواني ومَن عندي من الاصدقاء والمستنسخين جميعهم؛ ان الاجزاء الخمسة من (المكتوب التاسع عشر)، قد أُلفت في ثلاثة او اربعة ايام بمعدل ساعتين او ثلاث ساعات يومياً، أي بمجموع اثنتي عشرة ساعة دون مراجعة كتاب، حتى ان الجزء الرابع المهم جداً الذي اظهر ختماً واضحاً للنبوة في كلمة الرسول الكريم e قد كتب بظهر الغيب في حوالي أربع ساعات وفي زوايا الجبال وتحت المطر.

وكذلك (الكلمة الثلاثون) التي هي رسالة جليلة دقيقة ألفت في أحد البساتين، خلال ست ساعات، كما ان (الكلمة الثامنة والعشرين) ألفت في ظرف لايتجاوز ساعتين في بستان ((سليمان)).

وهكذا كان تأليف اكثر الرسائل الأخرى.

ويعلم الأقربون مني، انني - في السابق - كلما كنت اتضايق من شئ أعجز عن بيان أظهر الحقائق، بل كنت أجهلها. ولاسيما اذا مازاد المرض على ذلك الضيق، كنت امتنع أكثر عن التدريس والتأليف، بينما ألفت ((الكلمات)) المهمة، وكذلك الرسائل الأخرى في أشد أوقات المرض والضيق، وتم التأليف في أسرع وقت. فان لم يكن هذا إكراماً ربانياً وكرامة قرآنية مباشرة، فما هو اذن؟.

ثم انه ما من كتاب يبحث في مثل هذه الحقائق الإلهية والايمانية إلاّ ويترك بعض مسائله ضرراً في عدد من الناس، لذا ما كان ينشر كل مسألة منه الى الناس كافة. اما هذه الرسائل فلم تلحق أي ضرر كان ولم تؤثر تأثيراً سيئاً في أحد من الناس ولم تخدش ذهن أحد قط رغم استفساري عن ذلك من الكثيرين حتى تحقق لدينا ان ذلك اشارة غيبية وعناية ربانية مباشرة.

u الاشارة السادسة:

لقد تحقق لديّ يقيناً: ان اكثر أحداث حياتي، قد جرت خارجة عن طوق اقتداري وشعوري وتدبيري، اذ اُعطيت سيراً معيناً ووجهت وجهة غريبة لتنتج هذه الانواع من الرسائل التي تخدم القرآن الحكيم. بل كأن حياتي العلمية جميعها بمثابة مقدمات تمهيدية لبيان اعجاز القرآن بـ((الكلمات)) حتى انه في غضون هذه السنوات السبع من حياة النفي والاغتراب وعزلي عن الناس ـ دون سبب او مبرر وبما يخالف رغبتي ـ أمضي ايام حياتي في قرية نائية خلافاً لمشربي وعزوفي عن كثير من الروابط الاجتماعية التي ألفتها سابقاً .. كل ذلك ولّد لي قناعة تامة لايداخلها شك من انه تهيئة وتحضير لي للقيام بخدمة القرآن وحده، خدمة صافية لاشائبة فيها.

بل انني على قناعة تامة من ان المضايقات التي يضايقونني بها في اغلب الاوقات والعنت الذي ارزح تحته ظلماً، انما هو لدفعي - بيد عناية خفية رحيمةــ الى حصر النظر في اسرار القرآن دون سواها. وعدم تشتيت النظر وصرفه هنا وهناك. وعلى الرغم من انني كنت مغرماً بالمطالعة، فقد وهبتْ لروحي مجانبة واعراضاً عن أي كتاب آخر سوى القرآن الكريم.

فادركت ان الذي دفعني الى ترك المطالعة ـ التي كانت تسليتي الوحيدة في مثل هذه الغربة ـ ليس إلاّ كون الآيات القرآنية وحدها استاذاً مطلقاً لي.

ثم ان الآثار المؤلفة والرسائل – باكثريتها المطلقة – قد اُنعمت عليّ بها لحاجة تولدت في روحي فجأة، ونشأت آنياً. دون ان يكون هناك سبب خارجي. وحينما كنت أظهرها لبعض أصدقائي، كانوا يقولون: ((انها دواء لجراحات هذا الزمان)). وبعد انتشارها عرفت من معظم اخواني انها تفي بحاجة هذا العصر وتضمد جراحاته.

فهذه الحالات المذكورة آنفاً ـ وهي خارجة عن نطاق ارادتي وشعوري وسير حياتي ـ ومجموع تتبعاتي في العلوم خلاف عادة العلماء وبما هو خارج عن اختياري، كل ذلك لم يترك لي شبهة قطعاً بانها عناية إلهية قوية واكرام رباني واضح، للانجرار الى مثل هذه النتيجة السامية.

u الاشارة السابعة:

لقد شاهدنا بأم أعيننا ـ دون مبالغة ـ مائة من آثار الاكرام الإلهي، والعناية الربانية، والكرامة القرآنية خلال زهاء ست سنوات من سير خدمتنا للقرآن الكريم. وقد أشرنا الى قسم منها في (المكتوب السادس عشر) وبيّنا قسماً آخر في المسائل المتفرقة للمبحث الرابع من (المكتوب السادس والعشرين) وفي المسألة الثالثة من (المكتوب الثامن والعشرين). وان أصحابي القريبين يعلمون هذا. ولاسيما صاحبي الدائم، السيد سليمان، يعلم أكثرها، فحظينا بتيسيرإلهي ذي كرامة لايخطر على بال، سواء في نشر ((الكلمات)) والرسائل الاخرى، او في تصحيحها ووضعها في مواضعها وفي تسويدها وتبييضها. فلم يبق لدينا ريب ـ بعد ذلك ـ ان كل تلك العنايات الإلهية كرامة قرآنية .. ومثال هذا بالمئات.

ثم اننا نُربىّ بشفقة ورأفة وتجري معيشتنا بعناية بحيث يُحسِن الينا صاحب العناية الذي يستخدمنا في هذه الخدمة بما يحقق أصغر رغبة من رغبات قلوبنا، وينعم بها علينا من حيث لانحتسب .. وهكذا.

فهذه الحالة اشارة غيبية في منتهى القوة الى اننا نستخدم في هذه الخدمة القرآنية وندفع الى العمل مكللين بالرضى الإلهي مستظلين بظل العناية الربانية.

الحمد لله هذا من فضل ربي

} سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا اِلاّ ما عَلَّمْتَنا اِنَّكَ اَنْتَ الْعَليمُ الْحَكيم{

اللهم صلّ على سيدنا محمد صلاة تكون لك رضاءً ولحقهِ اداءً وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً . آمين .



جواب عن سؤال خاص

ان هذا السر، وهو سر عناية إلهية، قد كتب للتداول الخاص، واُلحق في ختام الكلمة الرابعة عشرة، ولكن - بأية حال - نسي المستنسخون ان يكتبوه، فظل مخفياً مستوراً. فموضعه اذن ههنا وهو الأليق به.

انك يا أخي تسأل: لماذا نجد تأثيراً غير اعتيادي فيما كتبته في ((الكلمات)) المستقاة من فيض القرآن الكريم، قلّما نجده في كتابات العارفين والمفسرين. فما يفعله سطرٌ واحد منها من التأثير يعادل تأثير صحيفة كاملة من غيرها، وماتحمله صحيفة واحدة من قوة التأثير يعادل تأثير كتاب كامل آخر؟

فالجواب: وهو جواب لطيف جميل، اذ لما كان الفضل في هذا التأثير يعود الى اعجاز القرآن الكريم وليس الى شخصي أنا، فسأقول الجواب بلاحرج:

نعم! هو كذلك على الاغلب؛ لأن الكلمات:

تصديق وليست تصوراً (1).

وايمانٌ وليست تسليماً(2).

وتحقيق وليست تقليداً(3).

وشهادة وشهود وليست معرفة(4).

واذعان وليست التزاماً(5).

وحقيقة وليست تصوفاً .

وبرهان ضمن الدعوى وليست ادعاءاً

وحكمة هذا السر هي:

ان الاسس الايمانية كانت رصينة متينة في العصور السابقة، وكان الانقياد تاماً كاملاً، اذ كانت توضيحات العارفين في الامور الفرعية مقبولة، وبياناتهم كافية حتى لو لم يكن لديهم دليل.

اما في الوقت الحاضر فقد مدّت الضلالة باسم العلم يدها الى اسس الايمان واركانه، فوهب لي الحكيم الرحيم - الذي يهب لكل صاحب داء دواءه المناسب - وانعم عليّ سبحانه شعلةً من ((ضرب الامثال)) التي هي من اسطع معجزات القرآن واوضحها، رحمةً منه جل وعلا لعجزي وضعفي وفقري واضطراري، لأُنير بها كتاباتي التي تخص خدمة القرآن الكريم. فـله الحمد والمنة:

فبمنظار ((ضرب الامثال)) قد أُظهرَتْ الحقائق البعيدة جداً انها قريبة جداً.

وبوحدة الموضوع في ((ضرب الامثال))قد جُمِّعَتْ اكثر المسائل تشتتاً وتفرقاً.

وبسلّم ((ضرب الامثال))قد تُوصِّل الى اسمى الحقائق واعلاها بسهولة ويُسر.

ومن نافذة ((ضرب الامثال)) قد حُصّل اليقين الايماني بحقائق الغيب واسس الاسلام مما يقرب من الشهود.

فاضطر الخيال الى الاستسلام وأُرغم الوهم والعقل الى الرضوخ، بل النفس والهوى. كما اضطر الشيطان الى إلقاء السلاح.

حاصل الكلام:

انه مهما يظهر من قوة التأثير، وبهاء الجمال في اسلوب كتاباتي، فانها ليست مني، ولا مما مضغه فكري، بل هي من لمعات ((ضرب الامثال)) التي تتلألأ في سماء القرآن العظيم، وليس حظي فيها الا الطلب والسؤال منه تعالى، مع شدة الحاجة والفاقة، وليس لي إلاّ التضرع والتوسل اليه سبحانه مع منتهى العجز والضعف.

فالداء مني والدواء من القرآن الكريم .

خاتمـة

الـمسألة السابعة

[هذه الخاتمة تخص ازالة الشبهات التي تثار او ربما تثار حول الاشارات الغيبية التي وردت في صورة ثماني عنايات الهية، وفي الوقت نفسه تبين هذه الخاتمة سراً عظيماً لعناية الهية].

وهذه الخاتمة عبارة عن اربع نكات.

النكتة الاولى:

لقد ادّعينا مشاهدتنا لجلوة اشارة غيبية، كتبناها في (العناية الإلهية الثامنة) في معرض بياننا ((للتوافقات)) وقد أحسسنا هذه الاشارة من العنايات الإلهية السبعة الكلية المعنوية المذكورة في المسألة السابعة من (المكتوب الثامن والعشرين) وما زلنا ندّعي ان هذه العنايات السبعة او الثمانية الكلية قوية وقاطعة الى درجة تثبت كل واحدة منها على حدتها تلك الاشارات الغيبية، بل لو فرض فرضاً محالاً ان قسماً منها تبدو ضعيفة، او لو أُنكر، فلا يخل ذلك بقطعية تلك الاشارات الغيبية، اذ مَن لم يقدر على انكار تلك العنايات الثمانية لايستطيع ان ينكر تلك الاشارات.

ولكن لما كانت طبقات الناس متفاوتة، وطبقة العوام هم الذين يمثلون الغالبية العظمى، وانهم يعتمدون كثيراً على المشاهدة، لذا غدت ((التوافقات)) أظهر تلك العنايات الالهية، وهي ليست أقواها بل الأخريات أقوى منها، الاّ انها أعمها، ولهذا اضطررت الى بيان حقيقة معينة في صورة موازنة ومقارنة دفعاً للشبهات التي تثار حول ((التوافقات)). وذلك:

لقد قلنا في حق تلك العناية الظاهرة: ان التوافقات مشاهدة في كلمتي ((القرآن الكريم)) و ((الرسول الكريم e )) وفي الرسائل التي ألفناها، الى حدٍ لاتدع شبهة من انها نُظــّمت قصداً وأعطيت لها وضعاً موازياً. والدليل على ان القصد والارادة ليسا منا، هو اطلاعنا على تلك التوافقات بعد حوالي أربع سنوات، أي ان هذا القصد والارادة كانت غيبية وأثراً من آثار العناية الالهية، فأُعطيت تلكما الكلمتان ذلك الوضع الغريب تأييداً محضاً لمعجزات الرسول الكريم e والاعجاز القرآني. واصبحت ببركة هاتين الكلمتين ((التوافقات)) ختم تصديقٍ لرسالتي ((المعجزات الاحمدية)) و ((المعجزات القرآنية)).

بل نالت أكثر الكلمات المتشابهة من أمثالهما توافقات ايضاً ولكن في صفحات محدودة، بينما أظهرت هاتان الكلمتان توافقات في معظم صفحات الرسائل عامة، وفي جميع صفحات تلكما الرسالتين.

وقد كررنا القول : ان أصل هذا التوافق يمكن ان يوجد بكثرة في الكتب الاخرى، ولكن ليست بهذه الدرجة من الغرابة الدالة على القصد والارادة السامية العالية.

وبعد، فعلى الرغم من ان دعوانا هذه لايمكن نقضها، إلاّ أن فيها جهة او جهتين ربما تتراءى للنظر الظاهري كأنها باطلة. منها:

انه يمكن ان يقولوا: انكم تنظمون هذا التوافق بعد تفكر وانعام نظر، والقيام بمثل هذا العمل بقصد وارادة سهل ويسير!

نقول جواباً عن هذا :

ان شاهدين صادقين في دعوى ما، كافيان لإثباتها، ففي دعوانا هذه يمكننا ان نبرز مائة شاهد صادق على اننا قد اطلعنا على التوافق بعد حوالي أربع سنوات، من غير ان يتعلق به قصدنا وارادتنا.

ولهذه المناسبة أوضح نقطة، هي:

ان هذه الكرامة الاعجازية ليست من نوع درجة الاعجاز القرآني من حيث البلاغة. لأن؛ البشر في الاعجاز القرآني البلاغي يعجز كلياً عن ان يبلغ درجة بلاغة القرآن بسلوكه طريق البلاغة.

اما هذه الكرامة الاعجازية، فانها لايمكن ان تحصل بقدرة البشر، فالقدرة لاتتدخل فيها(1).

وقد شاهدنا بابصارنا واقع هذا الهامش. [بكر، توفيق، سليمان، غالب، سعيد ((المؤلف))].

النكتة الثالثة:

نشير الى سر دقيق من اسرار الربوبية والرحمانية لمناسبة البحث عن الاشارة الخاصة والاشارة العامة.

ان لأحد اخواني قولاً جميلاً، سأجعله موضوع هذه المسألة، وذلك:

انه عندما عرضتُ عليه يوماً توافقاً جميلاً قال: انه جميل، اذ كل حقيقة جميلة، إلاّ أن الأجمل منها التوفيق والتوافقات الموجودة في هذه ((الكلمات)).

فقلت: ((نعم! ان كل شئ جميل، ولكن اما انه جميل حقيقةً اي بالذات او جميل باعتبار نتائجه. وان هذا الجمال متوجّه الى الربوبية العامة، والرحمة الشاملة والتجلي العام. وان الاشارة الغيبية في هذا التوفيق هي أجمل، كما قلتَ.. لأنها تنم عن رحمة خاصة وربوبية خاصة وتجلٍ خاص)).

وسنقرب هذا الى الفهم بتمثيل، وذلك:

ان السلطان يشمل برعايته وبرحمته جميع أفراد الامة، وذلك بقوانينه ودولته، فكل فرد ينال مباشرةً لطفه وكرمه ويستظل بظل دولته. اي هناك علاقات خاصة للافراد ضمن هذه الصورة العامة.

اما الجهة الثانية (من رعايته ورحمته) فهي آلاؤه الخصوصية، وأوامره الخاصة التي هي فوق جميع القوانين، ولكل فرد من رعاياه حصة من هذه الآلاء.

فعلى غرار هذا المثال: فان لكل شئ حظاً من الربوبية العامة والرحمة الشاملة لواجب الوجود والخالق الحكيم الرحيم، اي ان كل شئ ذو علاقة معه بصورة خاصة في الجهة التي حظى بها. وان له تصرفاً في كل شئ بقدرته وارادته وعلمه المحيط. فربوبيته شاملة كل شئ حتى أصغر الافعال. وكل شئ محتاج اليه سبحانه في كل شأن من شؤونه، فتقضى أموره وتنظم أفعاله بعلمه وحكمته جل وعلا.

فلا تستطيع الطبيعة ان تتخفى ضمن دائرة تصرف ربوبيته الجليلة، او تتداخل فيها مؤثرةً فيها، ولا المصادفة تتمكن من التدخل في اعماله سبحانه الموزونة بميزان الحكمة الدقيق. ولقد اثبتنا اثباتاً قاطعاً عدم تأثير الطبيعة والمصادفة في عشرين موضعاً من الرسائل واعدمناهما بسيف القرآن الكريم، واظهرنا بالحجج الدامغة ان تدخلهما في الامور محال قطعاً.

بيد ان اهل الغفلة أطلقوا اسم (المصادفة) على الامور التي لاتعرف حكمتها واسبابها في نظرهم من الظواهر التي هي مشمولة بالربوبية العامة، ولما عجزوا عن رؤية قوانين الافعال الإلهية التي لايحاط بحكمها المتسترة تحت ستار الطبيعة، اسندوا الامر الى الطبيعة.

الثانية:

هي الربوبية الخاصة، والتكريم الخاص والامداد الرحماني الخاص، بحيث ان الذين لايتحملون ضغوط القوانين العامة يسعفهم اسم الرحمن والرحيم ويمدّهم ويعاونهم معاونة خاصة وينجيهم من ذلك الضيق والعنت.

ولهذا فكل كائن حي، ولاسيما الانسان، يستعين به سبحانه، ويستمد المدد منه كل آن، فاحسانه ونعمه التي هي في هذه الربوبية الخاصة، لايمكن ان تتخفى تحت المصادفة ولايمكن ان تسند الى الطبيعة حتى لدى اهل الغفلة أنفسهم.

وبناءً على ما سبق، فقد اعتقدنا بان الاشارات الغيبية التي هي في (المعجزات الاحمدية) و (المعجزات القرآنية) اشارة غيبية خاصة، وايقنّا انها امداد رباني خاص وعناية إلهية خاصة تستطيع ان تظهر نفسها امام المعاندين، ولهذا أعلنّا عنها نيلاً لرضاه تعالى فحسب.

فلئن قصّرنا فنرجو عفوه سبحانه . آمين.

} ربنا لاتؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا{

الـمسألة الثامنة

وهي الرسالة الثامنة

[هذه المسألة عبارة عن ثماني نكات كتبت جواباً عن ستة أسئلة]

C النكتة الاولى:

لقد شعرنا بكثير من انواع الاشارات الغيبية، حول استخدامنا في خدمة القرآن تحت عناية إلهية، وقد بيّنا بعضها. وهذه اشارة جديدة منها، وهي وجود ((توافقات غيبية)) في اكثر ((الكلمات))(1).

منها: اشارة غيبية، لتمثّل نوعٍ من نور الاعجاز، في كلمة (الرسول الاكرم)، وفي عبارة (عليه الصلاة والسلام) وفي لفظ (القرآن) المبارك. والاشارة الغيبية مهما كانت خفية وضعيفة، فهي في نظري على جانب عظيم من الأهمية والقوة، وذلك لدلالتها على صواب المسائل وقبول الخدمة، وانها تحدُّ من غروري وتكسر شوكته.

وقد بينت لي بوضوح؛ انني لست إلاّ ترجماناً للرسائل، ولم تدع لي شيئاً من موضع افتخار بل تظهر لي الاشياء التي هي مدار شكران فحسب.. وحيث ان الاشارات الغيبية تخص القرآن الكريم وترجع اليه، وتمضي في سبيل بيان اعجازه، ولاتخالطها ارادتنا ابداً، وتحث المتكاسلين في الخدمة على العمل، وتورث قناعة بأحقية الرسالة، وهي نوع من إكرام إلهي لنا، وفي اظهارها تحدّث بالنعمة، وإلزام المتمردين الماديين الحجة واسكاتهم.. فيستلزم إذاً اظهارها، ولاضرر فيه ان شاء الله.

وهكذا فاحدى هذه الاشارات الغيبية هي:

ان الله سبحانه وتعالى قد أنعم علينا بكمال رحمته وعموم كرمه، حثاً لنا على العمل وتطميناً لقلوبنا ـ نحن المشتغلين بخدمة القرآن والايمان ـ نعمة لطيفة في صورة اكرام رباني، واحسانٍ إلهي، علامةً على قبول خدمتنا وتصديقاً على أحقية ما ألــّفناه، تلك هي الاشارات الغيبية في ((التوافقات)) التي ظهرت في جميع رسائلنا، ولاسيما في ((المعجزات الاحمدية)) ورسالة ((المعجزات القرآنية)) ورسالة ((النوافذ))، حيث تتناظر فيها الكلمات المتماثلة في الصحيفة الواحدة.

وفي هذا اشارة غيبية الى انها تُنظم بارادة غيبية، اي: ((ان نقوشاً وانتظامات خارقة تُجرى دون علمٍ لاختياركم اياها ولايبلغها شعوركم، فلا تغتروا بارادتكم وشعوركم!)).. ولاسيما في ((المعجزات الاحمدية)) التي أصبحت فيها كلمة ((الرسول الاكرم)) ولفظ ((الصلوات عليه)) في حكم المرآة، تبين تلك التوافقات الغيبية بوضوح، بل تناظرت عبارة ((الصلوات عليه)) متوازية في اكثر من مائتي صفحة ـ باستثناء خمس صفحات ـ لدى مستنسخ جديد مبتدئ.

فهذه التوافقات كما لاتكون من شأن المصادفة قطعاً، التي قد تكون سبباً لتوافق كلمتين من كل عشر كلمات، لاتكون نابعة كذلك من تفكير شخص ضعيف مثلي، غير حاذق الصنعة، والذي يحصر نظره في المعنى، ويؤلف في سرعة فائقة مايقارب اربعين صحيفة في حوالي ساعتين من الزمن. فضلاً عن انه لايكتب بل يُملي على غيره ويستكتبه..

وهكذا وبعد مضي ست سنوات اطلعتُ على تلك التوافقات بارشاد القرآن الكريم ايضاً، وبارشاد تفسير ((اشارات الاعجاز))، حيث جاء التوافق فيه في تسع كلمات من كلمة ((إنــّا)). وقد حار المستنسخون كثيراً في الامر بعد سماعهم التوافق مني.

فكما ان لفظ ((الرسول الاكرم)) ولفظ ((الصلوات عليه)) في (المكتوب التاسع عشر) أصبحا كمرآة صغيرة لنوع من أنواع معجزاته e . كذلك لفظ ((القرآن)) في رسالة ((المعجزات القرآنية)) وهي (الكلمة الخامسة والعشرون) وفي الاشارة الثامنة عشرة من (المكتوب التاسع عشر) قد ظهر في توافق لطيف مما بيّن جزءاً من اربعين جزء من ((التوافقات)) التي ظهرت في سائر الرسائل ايضاً، والتي تبين نوعاًمن الانواع الأربعين لاعجاز القرآن ازاء طبقة الناس الذين يعتمدون على مشاهداتهم وحدها، وهم الذين يمثلون واحدةً من اربعين طبقة من طبقات الناس. وذلك:

لقد تكرر لفظ ((القرآن)) مائة مرة في (الكلمة الخامسة والعشرين) وفي الاشارة الثامنة عشرة من (المكتوب التاسع عشر)، وتناظرت الكلمات جميعها إلاّ ماندر.

ففي الصحيفة الثالثة والاربعين من الشعاع الثاني، هناك سبعة من لفظ ((القرآن)) تتناظر كلها.

وفي الصحيفة السادسة والخمسين التي فيها تسعة من لفظ ((القرآن))، تتناظر ثماني كلمات منها.

وهذه الصحيفة التاسعة والستون ـ التي أمام أبصارنا ـ توجد خمسة ألفاظ من ((القرآن)) تتناظر جميعها. وهكذا تتناظر ألفاظ ((القرآن)) المكررة الواردة في جميع الصفحات. وقلما يستثنى واحد من كل خمسة او ستة ألفاظ منه. واما سائر التوافقات، ففي الصحيفة الثالثة والثلاثين ـ التي هي أمامنا ـ خمسة عشر لفظاً لـ((أمْ))، تتناظر اربعة عشر منها، وكذلك في هذه الصحيفة التي أمام أعيننا، تتناظر تسعة من لفظ ((الايمان))، وانحرف واحد انحرافاً قليلاً، بوضع المستنسخ فاصلة بين الكلمات، وكذا في هذه الصحيفة التي أمامنا يتناظر لفظان من لفظ ((المحبوب)) أحدهما في السطر الثالث والآخر في السطر الخامس عشر، فهما يتناظران تناظراً جميلاً بميزان تام، وقد صُفّت بينهما أربعة من ألفاظ ((العشق)) متناظرة.

وهكذا، تقاس التوافقات الغيبية الأخرى على هذه.

فهذه التوافقات موجودة ـ لامحالة ـ بشكل من الاشكال في الرسائل أياً كان المستنسخ، وكيفما كانت الاسطر والصفحات، بحيث لاتدع شبهة من انها ليست نتيجة المصادفة، ولا من نتاج تفكير المؤلف والمستنسخ، ولكن التوافقات في خط بعض المستنسخين تلفت الأنظار أكثر، بمعنى ان لهذه الرسائل خطاً حقيقياً خاصاً بها، وان بعض المستنسخين يقترب من ذلك الخط.

ومن غرائب الأمور؛ ان هذه التوافقات أكثر ظهوراً لدى المستنسخين غير الماهرين. مما يفهم منه ان المزايا والفضائل والظرافة في ((الكلمات)) التي هي نوع من تفسير القرآن الكريم ليست ملك أحد. بل ان ملابس الاساليب الموزونة المنتظمة التي تناسب قامة الحقائق القرآنية المباركة الجميلة المنتظمة، لاتفصّل ولاتخاط باختيار أحد ولابشعوره، بل ان وجودها هو الذي يقتضي ان يكون الأمر هكذا. وان يداً غيبية هي التي تفصّلها وتخيطها وتُلبسها حسب تلك القامة.

اما نحن فترجمان فيها وخادم ليس إلاّ.

C النكتة الرابعة:

تذكرون في سؤالكم الأول، المتضمن لخمسةاو ستة اسئلة :

كيف يكون الجمع في ميدان الحشر وهل يحشر الناس عراة؟ وكيف يكون لقاء الاصدقاء الاحبة وكيف نجد الرسول e للشفاعة؟ اذ كيف يقابل انسان واحد عدداً غير محدود من الناس؟ وما نوع ثياب أهل الجنة والنار؟ ومن الذي يدلنّا على الطريق؟.

الجواب:

ان جواب هذا السؤال موجود كاملاً وواضحاً في كتب الاحاديث الشريفة.

وسنورد هنا ما يوافق مسلكنا ومشربنا من نكتة او نكتتين فحسب:

اولاً: لقد بينا في مكتوب من ((المكتوبات)): ان ميدان الحشر هو في مدار الارض السنوي، وان الارض ترسل محاصيلها المعنوية من الآن الى ألواح ذلك الميدان، وانها بحركتها السنوية تمثل دائرة وجود، وتكون مبدأ ً لتشكل ميدان الحشر، بمحاصيل تلك الدائرة الوجودية.

وان الكرة الارضية؛ التي هي كسفينة ربانية ستفرغ ما في مركزها من جهنم صغرى الى جهنم كبرى، كما ستفرغ سكنتها الى ميدان الحشر.

ثانياً: لقد أثبتنا اثباتاً قاطعاً في ((الكلمات)) ولاسيما في ((الكلمة العاشرة)) وفي ((الكلمة التاسعة والعشرين)) وجود الحشر مع ميدانه.

ثالثاً: اما الاجتماع بالاصدقاء ولقاؤهم، فقد اثبت اثباتاً كاملاً في كل من ((الكلمة السادسة عشرة)) و ((الكلمة الحادية والثلاثين)) و ((الكلمة الثانية والثلاثين)) وذلك:

ان شخصاً واحداً يستطيع في دقيقة واحدة ان يقابل ملايين الناس وفي ألف مكان ومكان، وذلك بسر النورانية.

رابعاً: ان الله سبحانه وتعالى قد ألبس مخلوقاته الأحياء كافة لباساً فطرياً سوى الانسان، ففي ميدان الحشر يلبسه سبحانه لباساً فطرياً، ويتعرى عن ملابسه المنسوجة (غير الفطرية) وذلك بمقتضى اسم الله الحكيم.

اما حكمة الألبسة المنسوجة في الدنيا، فلا تنحصر في الوقاية من الحر والقر، والزينة، وستر للعورة وحدها، بل أهم حكمة لها هي:

انها اشارة الى سيادة الانسان على سائر الانواع وتصرفه فيها، اذ ان ملابسه منسوجة من نماذج تلك الانواع. وإلاّ فما أهون عليه سبحانه أن يلبس الانسان لباساً فطرياً بسيطاً. اذ لولا هذه الحكمة لكان الانسان موضع استهزاء الحيوانات ذات المشاعر، حيث يغطي نفسه، ويلف جسمه بقطع متنوعة وخرق مختلفة.

اما في ميدان الحشر فلا داعي الى هذه الحكمة ولامبرر لتلك العلاقة بين الانسان وسائر الانواع، لذا لاحاجة الى تلك الملابس التي تمثل نماذج تلك الانواع.

خامساً: اما الدليل على الطريق، فهو القرآن لأمثالك ممن انضووا تحت نور القرآن ولوائه. فانظر الى المقطعات الموجودة في اوائل السور كـ((الم. و الر. و حم)) واعلم منها وشاهد: ماأعظم القرآن من كتاب، وماأرجاه من شفيع، وما أصدقه من دليل، وما أقدسه من نور!

سادساً: اما ثياب اهل الجنة وجهنم فقد وضحته ((الكلمة الثامنة والعشرون)) والدستور الذي ذكر فيما يخص سبعين حُلّة للحور العين جارٍ هنا ايضاً، وذلك ان انساناً من اهل الجنة لاشك يرغب في ان يتنعم بكل نوع من انواع لذائذ الجنة، وفي كل وقت وآن. ومعلوم ان في الجنة نعيماً ولذائذ في منتهى الاختلاف والانواع، فهو يعاشر جميع تلك الانواع من النعم، وفي كل وقت، لذلك يلبس ويُلبس حورَه نماذج حسن الجنة ونعيمها بمقياس مصغر، فيكون هو وحوره العين بمثابة جنة مصغرة.

اذ كما يجمع الانسان في حديقة بيته الازاهير المنتشرة في تلك البلدة، او كما يجمع صاحب حانوت مالديه من انواع البضائع في لائحة وقائمة. وكما يقتني الانسان ملابسه واثاث بيته من انواع المخلوقات التي يتصرف فيها، وله علاقة معها، وكذلك الذي هو من اهل الجنة، ولاسيما الذي عَبَد الله بجميع مشاعره وحواسه سيلبسه الله سبحانه برحمته، ويُلبس حوره العين، حللاً، تظهر كل نوع من انواع جمال الجنة ونعيمها وأذواقها بما يُشبع كل رغبة من رغباته، ويُرضى كل حاسة من حواسه، ويُمتّع كل جهاز من أجهزته، ويُسهّل له تذوق كل لطيفة من لطائفه.

والدليل على ان تلك الحلل المتعددة ليست من جنس واحد ولامن نوع واحد هو الحديث الشريف الوارد بهذا المعنى: ان الحور العين يلبسن سبعين حُلة ويرى مخ عظامهن من تحتها(1).

بمعنى انه ابتداءً من أعلى حلّة من تلك الحلل الى أدناها هناك مراتب من التذوق والتمتع بحيث تشبع جميع الحواس والمشاعر بلذائذ مختلفة وبانماط مختلفة.

اما من هو من أهل النار فانه قد ارتكب السيئات والذنوب ببصره وبسمعه وبقلبه وبعقله وبيده، وبسائر جوارحه وحواسه ومشاعره، فلابد انه سيُلبس ملابس قطّعت من اجناس مختلفة ليعذَّب بها وليذوق آلاماً متنوعة بحسب كل حاسة وجهاز حتى تصير الملابس جهنم مصغرة تحيط به. ولايتنافى هذا ومقتضى الحكمة والعدالة.

C النكتة الخامسة:

تسألون: هل كان أجداد الرسول e يدينون بدين في زمن الفترة؟

الجواب: هناك روايات تدل على انهم كانوا يدينون ببقايا دين ابراهيم عليه السلام، بعد ان مرت بفترات الغفلة والظلمات المعنوية، وقد ظلت متعبَّد بعض الناس الخاصين، فلاريب ان الذين انحدروا من نسل سيدنا ابراهيم عليه السلام والذين شكـّلوا سلسلة نورانية انتجت سيدنا الرسول e لم يكونوا مهملين للدين الحق، ولم يقعوا في ظلمات الكفر، ولكن الآية الكريمة: } وما كنا معذّبينَ حتى نَبعثَ رَسُولا{ (الاسراء:15) تبين ان أهل الفترة يكونون من اهل النجاة، فلايؤاخَذون بخطاياهم في الفروع، بالاتفاق، بل هم اهل نجاة عند الامام الشافعي، والامام الاشعري، حتى لو وقعوا في الكفر وليس لهم اصول الايمان، لان التكليف الإلهي يكون ببعثة الرسل، ويتقرر التكليف بالاطلاع على البعثة.

وحيث ان الغفلة ومرور الزمان قد سترا أديان الأنبياء السابقين، فلاتكون هذه الأديان حجةً على أهل زمن الفترة، فان أطاعوا يثابون، وان لم يطيعوا لايعذّبون، لانها لاتكون حجة مادامت مستورة غير ظاهرة.

C النكتة السادسة:

تقولون: هل اُرسل أحدٌ بالنبوة من أجداد النبي e ؟

الجواب: ليس هناك نص قاطع على وجود نبي من أجداده e بعد سيدنا اسماعيل عليه السلام، ولكن ظهر نبيان من غير أجداده e ، وهما خالد بن سنان(1)، وحنظلة(2). وهناك قصيدة مشهورة لكعب بن لؤي، وهو من أجداده e . يقول فيها:

على غفلة يأتي النبي محمدٌ فيخبر أخباراً صدوقاً خبيرها(3).

هذا الكلام شبيه بكلام نبوة معجز، وقد قال الامام الرباني مستنداً الى الدليل والكشف: ((لقد بُعث انبياء كثيرون في الهند، إلاّ أن بعضهم لم تتبعهم أمة او انحصرت في عدة أشخاص محدودين، فلم يشتهروا، او لم يطلق عليهم الناس اسم النبي))(4).

فبناءً على هذه القاعدة للامام الرباني، يمكن وجود أنبياء أمثال هؤلاء في أجداد النبي e .

C النكتة السابعة:

تقولون: ماأصح خبر وأقواه بحق ايمان والديّ الرسول e وجدّه عبد المطلب؟

الجواب: ان سعيداً الجديد لايقتني اي كتاب كان غير القرآن الكريم منذ عشر سنوات، ويقول حسبي القرآن كتاباً، ولايسعني الوقت للتدقيق والبحث في مثل هذه المسائل الفرعية في جميع كتب الأحاديث كي أتمكن من الوصول الى أقوى الاخبار وأصحها. إلاّ انني أقول:

ان والديّ الرسول الكريم e من اهل النجاة ومن اهل الجنة، ومن اهل الايمان، فلاشك ان الله سبحانه وتعالى لايؤلم قلب حبيبه e ولايجرح شفقته اللطيفة التي تملأ ذلك القلب المبارك.

فان قيل: ان كان الأمر هكذا فلِمَ لم يوفقوا للايمان ولم يدركوا بعثته e .؟

الجواب: ان الله سبحانه وتعالى بكرمه العميم لايجعل والديّ الرسول الحبيبe تحت ثقل المنّة، تلطيفاً لشعوره e .اذ اقتضت رحمته سبحانه ان يرضي حبيبه الكريم e ويسعد والديه ويجعلهما تحت منّة ربوبيته الخالصة، لكيلا ينزلهما من مرتبة الوالدية الى مرتبة الاولاد المعنوية، فلذلك لم يجعل والديه ولا جدّه من امته ظاهراً، في حين أنعم عليهم مزايا الامة وفضائلها وسعادتها.

نعم! لو حضر أمام مشير عظيم في الجيش والده وهو برتبة نقيب لظل والده تحت تأثير شعورين متناقضين. لذا فالسلطان رحمة بمشيره الكريم، لايجعل والده تحت امرته.

C النكتة الثامنة:

تقولون: ماأصح الأقوال بحق عمه أبي طالب؟

الجواب:ان الشيعة قائلون بايمانه، اما أهل السنة فان أكثرهم ليسوا قائلين بايمانه.

ولكن الذي ورد الى قلبي، هو الآتي :

ان ابا طالب كان يحب شخص الرسول e حباً خالصاً جاداً، يحب ذاته لارسالته. فلاشك ان محبته الخالصة جداً وشفقته القوية لشخص الرسول e لاتذهب هباءً منثوراً، ولاتضيع عند الله.

نعم، ان ابا طالب الذي أحب حبيب رب العالمين حباً خالصاً وحماه من الاعداء واظهر موالاته له، حتى لو صار الى جهنم لعدم اظهاره ايماناً مقبولاً ـ خجلاً وعصبية قومية وامثالها من المشاعر وليس عناداً وانكاراً ـ فان الله سبحانه قادر على ان يخلق جنة خاصة به في جهنم ثواباً لحسناته، ويبدل جهنمه الخاصة الى جنة خاصة، بمثل ما يخلق احياناً ربيعاً زاهياً في الشتاء القارس، وبمثل مايحوّل السجن الضيق - برؤيا يراها بعضهم ـ الى قصر منيف.

والعلم عند الله .. ولايعلم الغيب الاّ الله.

} سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا اِلاّ ما عَلَّمْتَنا اِنَّكَ اَنْتَ الْعَليمُ الْحَكيم{
__________________
رفيقك علم الله فلابد ان لا تنسى رفيقك
عبدالرزاق غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس