عرض مشاركة واحدة
قديم 04-03-2009
  #2
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: إمام دار الهجرة، سيدّنا مالك بن أنس

مـولـد الإمـام مـالــك

لا يولد الإنسان مشهورا، ولا ينزل إلى الحياة معروفًا بإنجازاتٍ ما أدَّاها، أو قدرات أظهرها، ولذلك تغيب بعض معلومات الحياة الأولى لبعض المشاهير، وهذا هو الإمام مالك بن أنس - في شهرته واتساع فقهه وانتشار تلاميذه في المشرق والمغرب - لا يُعرف له تاريخ ميلاد محدد، لكن الاختلاف فيه ليس كبيرا، فمالك وُلد في المدينة المنورة قبل نهاية القرن الأول الهجري بسنوات قليلة، سنة 93هـ على الأرجح، ويُنسب إليه أنه قال: "ولدتُ سنة ثلاث وتسعين".

وقد رأى بمكان ميلاده آثار الصحابة والتابعين، كما رأى وعايَن قبر النبي - صلى الله وعليه وسلم - والمشاهد العِظام، وفتح عينيه بنور الحياة، فوجد إجلال الناس لمدينة رسول الله وما بها، وكانت مهد العلم، ومبعث النور، ومنهل العرفان، فانطبع في نفسه التقديس لها، ولازمه إلى أن مات، وكان لذلك أثره في فكره وفقهه، وحياته، فكان لا يطأ ترابها بدابة قط، وكان لِما عليه عمل أهل المدينة مكان من الاعتبار في اجتهاده، بل كان عمل أهل المدينة أصلاً من أصول استنباطه.

بـيـت الإمـام مـالــك

لم يكن الإمام يملك دارًا، فكان يستأجر دارًا كتب على بابها: (ما شاء الله)، ويُسأَل مالك في ذلك، فيقول: قال الله تعالى: (وَلَوْلاَ إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ) (سورة الكهف: الآية39)، والجنة: الدار.

ومن الطرائف أن زائرًا عراقيًّا سأله عن تعليق الصورة في البيت، فقال مالك: إنه لا ينبغي وجودها، فأشار الزائر إلى صورة كانت في الحائط، فقال مالك بأن الصورة ربما كانت لساكن سابق، ثم أمر مالك الضيف أن يقوم فيحكها ويزيلها.

وقيل إنه سكن دارَ عبد الله بن مسعود - رضى الله عنه - سادس ستة أسلموا وواحد ممن انتهى إليهم علم الصحابة.

أما بيت مالك من الداخل فنظيف أنيق، مليء بالأثاث الناعم من نمارق ومخاد محشوة بالريش وبُسط ومنصات.

كما ثبت أن مالكًا سكن العقيق - وهو مكان يبعد عن المدينة نحو أربعة كيلو مترات - في طفولته وفي شيخوخته، بل عاش في العقيق للمرة الثانية اعتبارًا من عام 160هـ على وجه التقريب، فحين أراد والي المدينة تقديم الشافعي إلى مالك بتزكية من والي مكة، ذهب به إلى بيت مالك بالعقيق، وحين بعث الرشيد بولديه إلى مالك ليتلقَّيا عنه، كان أيضًا بالعقيق..

تقول الرواية: إن ابني الرشيد دقَّا عليه الباب، فلم يفتح لهما، فجلسا على الباب والريح يضرب وجوههما بتراب العقيق، فلما يئسا انصرفا". وكانت وفادة الغلامين العباسيين في العقد الثامن من القرن الثاني؛ أي سنة مائة وكذا وسبعين، وتلك قرينة على أن الإمام قد عاش زمنًا غير قصير في المرحلة الأخيرة من حياته بالعقيق." اهـ.

مـعـيـشـة مـالـك ومـهـنـتـه

"تتفق الأخبار على أن الإمام اتجه إلى طلب العلم صغيرًا، ولم يكن ذلك جديدًا في أسرته، بل كان جده وأعمامه من العلماء الرواة للحديث والأثر، لذا لم تذكر مصادر ترجمته أنه تولى صناعة النبال كأبيه، كما هو الشأن في الكثير من الأسر؛ أن يرث الولد صناعة أبيه، ولعل ذلك راجع إلى أنها تعوقه عن ملازمة الشيوخ.

إن النضر بن أنس أخا الإمام كان يتَّجِر في البز، وكان مالك يبيع معه ويتاجر مثله.. وليس هناك ما يمنع من الجمع بين التجارة وطلب العلم، فإن الوُكلاء قد يُغنون في هذا؛ لذا لم يكن مالك هو الذي يمارس التجارة حين غلبت الصفة العلمية عليه.

والنضر نفسه كان من المشتغلين بالعلم وطلب الحديث، حتى لقد كان مالك ـ في بداية أمره - يُنادَى بـ "أخي النضر"، ثم اشتُهر مالك حتى صار النضر يُنادَى بـ "أخي مالك".

وفي غالب الظن أن ريع التجارة وربحها لم يكن كافيًا لمعيشة مالك، مما جعله يواجه أزمات مالية، اضطر في إحداها إلى أن ينقض سقف بيته، ويبيعه حتى يفلت منها.

وها هو ابن القاسم - تلميذ الإمام - يثبت اشتغال مالك بالتجارة، فيقول: "كان لمالك أربعمائة دينار يتَّجِر، فمنها كان قوام عيشه".

وهذه الدنانير ليست مبلغا صغيرا، فهي تصلح رأس مال أوليا لتجارة معقولة الحجم. وقد كان الدينار يساوي بضعة دراهم، وكان مالك يشتري في اليوم لحما بدرهمين، ورأس ماله الذي كان يتاجر فيه يكفي لشراء حصته اليومية من اللحم لسنتين تقريبا، ولو افترضنا أنه كان يشتري كيلو واحدا من اللحم في اليوم له ولبيته، فإن رأس ماله الذي كان يزاول التجارة به يساوي عشرة آلاف جنيه مصري بسعر اليوم تقريبا.

وكان ثمة رابطة ود وصداقة تجمع بين مالك في المدينة والليث بن سعد إمام مصر، وكان الليث على جانب كبير من الثراء، جمع بين غنَى النفس وثروة العلم وثراء الخلُق ووفرة المال، وكان يُنفق فيض ماله حيث ينبغي أن يُنفَق، ومِن ثَمَّ كان يبعث لرجال العلم بهدايا مالية تارة وعينية تارة أخرى، فكان يرسل إلى مالك كل سنة مائة دينار.

ومن طرائف العلاقة بين الليث ومالك أن مالكًا أرسل إليه يطلب قليلاً من العصفر، يصبغ به ثياب صبيانه، فأنفذ إليه الليث ما صبغ به ثياب الصبيان وثياب الجيران، وبِيع الفضل بألف دينار." اهـ
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس