عرض مشاركة واحدة
قديم 03-31-2009
  #13
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: تذكرة المحبيّن في أسماء سيّد المرسلين

فصل



"ومن آداب من عَلِمَ قدره وتسميته بهذا الاسم الكريم واتصافَه بالخُلق العظيم، أنْ يتخلّق بأخلاقِه الكريمةِ، ويتشَبَّه بصفاتِه العظيمة .


قالت عائشةُ رضي الله عنها: كان ــــ عليه السَّلام ــــ خلُقه القُرآن يَرْضى لرضاه، ويَسْخَطُ لِسخطه.

قال بعضُ أولياء الله تعالى: جَمَعَتْ ومنَعت في التّعبير عنت أخلاق نبيّنا وحبيبنا هذه السّيدة الطّاهرة أُمُّ المؤمنين لأنَّ القُرآن كلامُ الله، جَعل الله فيه للخلائق المنافعَ الدُّنْيَويّة والأُخرويّة، وجعله نوراً يستضيء به العالِمُ، ويَهتدي به الجاهِلُ وظهوراً بهِ الكامِنُ الخامِل، وبركةً شاملةً، ورحمةً عامّةً وشفاءً لما في الصُّدور، ونَجاةً من عذابِ القُبور وهَوْلِ يوم النُّشور: وفارقاً بين الحقّ والباطل، ودامغاً للغبيّ الجاهل وواعظاً ناطقاً، ولساناً صادقاً، وآمْراً (16أ) بالمعروف، ناهياً عن المنكر، ومُبَشّراً ونذيراً، ومُذَكّراً وتَذكيراً؛ إلى غير ذلك من صفاته الكريمة وخُطوبه الجَسيمة.


فأخبرتْ عائشةُ ــــ رضي الله عنها ــــ أنَّ خُلُق نبيّنا وشفيعِنا صلى الله عليه وسلم القُرآنُ العظيم، فأبلغتْ وبالغَتْ، ووصَفت هذا الحبيبَ صلى الله عليه وسلم بأنّه نورٌ يُستضاء به، وبَركةٌ شاملة، ورَحْمَةٌ عامّة، وشِفاءً لِمَا في الصُّدور، ونجاةٌ من عظائم الأُمور إلى غير ذلك من صفاتِه الكاملة، وأَوصافِه السَّنِيَّة الفاضِلَة صلى الله عليه وسلم ، ممّا لا يحيط بها إلاّ واهِبُها ومَانِحُهَا.


أيُّها المحبُّ لا تَنالُ ودُّ الصّالحين، ومَدْحَ الأَولياء العارفين، وصُحبةَ الوليّ، ونداءَ جِبريلَ بمحبّتك في السَّماء، ولا يوضع لك في الأَرضين القَبُول، إلاّ باتّباعٍ ومدحٍ وثَناءٍ وكثرةِ صلاةٍ على النَّبِيِّ الرّسول .


وكثرةُ مدحه صلى الله عليه وسلم ، وذِكْرُ اسْمِه صلى الله عليه وسلم يُورث لك الكَتْبَ في ديوان المحبُوبين، ويُظهر لك أَسراراً، وخَرْقَ عَوائدَ مِن رَبّ العالمين.


ويُحكى عن الشّيخ وليّ الله، الفقيه الصالح أبي عبد الله محمد بن فاتح ــــ نفع الله به ــــ من سُكّان تَنَس، وكان ممن فُتِحَ عليه بكثرة ذكره، والصّلاة على بني الله وحبيبه صلى الله عليه وسلم ، فكان قد انخرقت له العادات، فلا يُريد أن يرفعَ شيئاً من الأحجار والجمادات إلاّ وجد فيه مكتوباً اسم سيّد الأرض والسّموات، فيجد الأَحجار والحيطان مرقومةً باسم من امتلأَ قلبُه بمحبّته صلى الله عليه وسلم ، ومرسومةً بذكر من اطمأنّ قلبه بذكره صلى الله عليه وسلم .


ويُروى أنّ العبدَ إذا تخلق بأخلاق المصطفى في أقواله وأفعاله، على قدر جهده وطاقته، ووفى من نفسه لربّه، وترك الدُّنيا خلف ظهره، وعمل فيما علم بِعلمه، وأنْصَف الخلائقَ من نفسه، فأطعمَ جائعهم، وكسا عارِيَهُمْ، وعَلّم جاهلهم، وبذَلُ نُصحه لهم، وتَحمّلَ أذاهم، وتواضَع معهم، وعَدل فيما بينهم، وأَوفى وَعْدَهُم، وأنْذَرهم وبَشْرهم، وأدخَل عليهم السُّرور، وأذهبَ عنهمُ الشّرور، وحذّرهم عواقبَ الأُمور، وأحسَن إليهم، وعفا عنهم، وتَرك إذايتهم، (16ب) وسالمهم في أموالِهم وأعْراضِهم ودمائهم، وأعطاهم مالَهم. ورأى لنفسِه ما يرى لهم؛ ويبلّغُ حاجتَهُمْ ويقضي مآربهم، ويمحُو نفسَه ويترك الانتصار لها، ويهضمُهَا ويحتقر عملها ويغلب في صحّتِه خوفَها، ويُؤْثِرُ عليها؛ فإذا سلك المتخلّق الطريقَ النبويّة؛ واتَّصف بصفاتِ خير البريّة جاءت الفُتوحاتُ الربّانيّة.


قال عليه الصَّلاة والسَّلام: «منَ عَمِلَ بما علمَ أورَثهُ اللّهُ علمَ ما لَمْ يعلَمْ». فهذه الوراثةُ إنّما تُنال من الله تعالى بالأعمال واتّباع المصطفى ــــ صلى الله عليه وسلم ــــ في الأَقوال والأفعال.


قال بعضُ الصّالحين: ما أظهرَ الله عزَّ وجلَّ في الأَرضِ وليّاً ينوع من الكرامةِ إلاّ بالاستقامة، فيكشفُ الله تَعالى أَمَرَهُ عند حَملةِ العَرْشِ والمُقَرّبين من الملائكة، ويكتبُ اسمه عند العرش، وينادي من سماء إلى سماء ألا إنّ الله عزَّ وجلَّ، أحَبّ فلاناً ورضيَهُ لولايته، واتّباعه لسنّةِ حبيبهِ فأحِبُّوه ووَالُوه، ثم يوضع له القَبُول في الأرض.


فانظرْ ببصيرتكَ لهذا المَقام النَّبَوِيّ ــــ ضاعِفَ اللَّهُ حُبّي وحُبّك في جنابه ، وصَيَّرني وإيّاك من الواقفين ببابه ــــ كيف جعل الله تعالى حصولَ محّبته لأوليائه موقوفة على محبّته واتباع سنته ، وينتهي الأمر بالمحبّ له محبّةً صادقة أن يُكْتَبَ اسُمه في ديوان المحبّة مع أحبابه.


ولذا قال عليه الصلاة والسلام: «المرءُ معَ مَنْ أحَبّ». فكما أن ذاتَ المُحِبّ مع ذات المَحْبُوب، فاسْمُه يُكتب مع اسمِ المَحْبُوب ــــ صلى الله عليه وسلم؛ فإذا قَلَّتِ الأَعمال، وانقرضَ السّالكون، وذهب المُتَّقُوْنَ، وقَلَّ بالأعمال المُحبّون، فلا تغفلْ عن كثرة ذِكر المحبوب ، وحبيبِ علاّم الغُيوب ؛ فإنّ ذكرك له نافِع، ويجده المُذنبُ الذاكر له شافعاً.





ذِكْرُ الحبيبِ لا يُمَلُّ أبَدا = على التّمادي أبَداً مؤبّداً
هو الحياةُ للقُلوبِ وبهِ = نحْظى ونرقى لِمقام السُّعَدا

1
2
ذِكْـرُ الحبيـبِ لا يُـمَـلُّ iiأبَــدا علـى التّمـادي أبَـداً iiمـؤبّـداً
هـو الحـيـاةُ للقُـلـوبِ iiوبــهِ نحْظى ونرقى لِمقام السُّعَدا



وإنما يتحقّقُ المحبّ ذكرَه لمحبوبه ، ووصولَه إلى مرغوبه ، إذا فارق رُوحُه العالمَ (17أ) السُّفليّ، والتَحق بالعالَم العُلويّ، فيشاهد منزلتَه، ويعرف عند الله مكانتَه. وما دام حيّاً يخافُ على نفسِه أن لا يكونَ عند ربّه مقبُولاً، ولا يعتقد أنّه فاضلٌ بل يرى شخصَه مفضُولاً.


كان الشيخ ولي الله أبو النّجاة سالم التباسيَّ ــــ نفع الله به ــــ من أصحاب الشّيخ وليّ الله أبي الحسَن الشّاذلي ــــ أعاد الله علينا من بركته ــــ ومعلومٌ حالُهما، وذكرُهما للمحبوب ، ووقوفهما عند حُدود علاَّم الغُيوب ، ومع هذا تعاهَدا فيما بينهما أنَّ المقبولَ منهما عند مولاهما يشفع في صاحبه.


فلمّا توفيَّ الشيخ ولي الله تعالى أبو النّجاة سالم، أتى إليه الشّيخ وليُّ الله أبو الحَسَن الشّاذِلي، وأرادَ غَسْلَهُ، فلمّا دخل عليه وهو ميّت قال له: يا أخي، العهد، الذي كان بيني وبينك، لا تنساه؛ فأَنطق الله تعالى وليّه الميت بِقُدرته، فتكلّم بلسانه فقال له: نعم نعم.


قال الشّيخ الشَّاذلي ــــ رحمه الله ــــ: والله ما أَردت أن أغسل منه عُضواً إلاّ ناولني إيّاه بنفسه.


فتأمل إكرام الله تعالى للمتخلّفين بكرامته كيف أورثهم باتّباعه لسنته ، وهديهم بطريقته دارَ كرامته، زادَنا اللَّهُ تصديقاً بكراماتِ أوليائه، وجَعلنا بِحْرمةِ نبيّه في حزب أَصفيائه.


وقد أشار هنا بعضُ أرباب القُلوب بكلامٍ دقيقٍ قريبِ العهد من علاّم الغُيوب ، حَذْفتُه لدقّته عن الأفهام، ولوقوع مثلي وأنظاري، في كثير من الظنون والأوهام." اهـ



__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس