عرض مشاركة واحدة
قديم 09-06-2008
  #49
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي

"ومن فهم دعاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ‏وقف على سرِّ التوحيد، وتجمَّل من سيده بالمزيد، وهو:‏


‏"اللّهُمّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ. وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ ‏عُقُوبَتِكَ. وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ. لاَ أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ. أَنْتَ كَمَا ‏أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ"‏ (1) ‏.‏ ‏"تبارك اسمك ، وتعالى جدُّك ولا إله غيرك".‏


استعاذ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم – بجمال ‏الله من جلال الله، وبعفو الله من عقاب الله، فلم يستعذ من ‏أثر من الآثار، أو من شر من الأشرار، ولكنه كشف الستار ‏عن حقيقة الأمر، فالخلق مظاهر للأسماء الإلهية؛ ‏فاسم:"المنتقم" قد يظهر معناه في فاجر يسلطه الله عليك، ‏يغيثك على يديه، إذ الأمر منه وإليه.‏


ثم قال:" وأعوذ بك منك" وهذا مشهد فوق الجلال ‏والجمال، يعني: أعوذ من ذاتك بذاتك.‏


ثم قال: " لا أحصي ثناء عليك" وهذا كلام سيد الخلق، ‏والذي يحصي الثناء على الله هو الله، وما عرف الله إلا الله، ‏قال بعض العارفين:


‏"إن لله رجالاً سطعت عليهم أنوار الجلالة، فسبحوا في ‏بحارها، وانجذبوا بتيَّارها، وأنسوا بجمالها، واستمدُّوا من ‏كمالها. فإن قاموا؛ فبالله. وإن نطقوا؛ فمن الله. وإن سكتوا؛ ‏فلله. وإن نظروا؛ فإلى أنوار الله المتجلية الدَّالَّة على علاه. وإن ‏سمعوا ؛ فمن الله. لا يرون شيئاً إلا ويجذبهم إليه، حتى قاموا ‏بالأرواح لديه، وكيف لا؟ وقد صرَّح القرآن حيث قال ‏تعالى.‏‎ { فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّه }‏(2) ‏ ‏.


فلا تقع عيون الأرواح إلاعلى وجهٍ منـزَّهٍ قريبٍ في ‏علوِّه، قُدُّوسٍ في دنوِّه، لا تحيزه الأكوان، لأنه فوق الإمكان، ‏ولكن متى شاء أن يتجلَّى لعبده أشرق في قلبه نور العناية، ‏فلاحت له مواطن البداية، فتشهد الباقي بالباقي، وكان الحقُّ ‏للمحبوب واقي.‏


قال الإمام أبو العزائم - رضي الله عنه -:‏




خمر (3) ‏ الجلالة للأرواح قد دارا = من اقها صار محبوباً ومختارا
كم جنَّنت أنفساً ، كم حيَّرت ملكا = دارت بفضل إله العرش مدرارا

1
2خمر (3) ‏ الجلالة للأرواح قد دارا مـن اقهـا صـار محبوبـاً iiومختـارا
كم جنَّنت أنفساً ، كـم حيَّـرت iiملكـا دارت بفضـل إلـه العـرش iiمـدرارا



والجلالة: اسم الله ، فقد تكرر في القرآن الكريم كثيراً، ولم ‏يجرؤ أي جبار أن يتسمَّى به لأن العزة تصونه لصاحبه تعالى.‏ ‏ قال تعالى: ‏{ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا }‏(4) ‏ ‏.‏


أسأل الله أن يدخلنا في زمرة عباده الذين قال في حقهم:‏‎ ‎{ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا }‏ (5)‏ ‏.‏


قال بعض العارفين في قوله تعالى:‏‎ { وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى ‏يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ }‏ (6)‏ ‏.


يعني: اعبد حضرة الرب المتنـزِّل لك بالإنعام والإحسان ‏حتى تتجلَّى لك حضرة الألوهية، فتعبد الله لأنك في عبادة ‏الرب ، تلاحظ الكرم، والنعم، وإذا أتاك اليقين تترقَّى إلى ‏شهود عظمة الألوهية، فتعبده لذاته لأنه أهلٌ للعبادة.‏


اللهمَّ جمِّلنا بتلك الحقائق، واسقنا من الرائق، وكمِّل ‏ارواحنا بالدقائق، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله ‏وصحبه وسلَّم.‏" اهـ



اقتباس:=========================== الحاشية ====================

(1)‎ ‎‏: روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن السيدة عَائِشَةَ رضي الله ‏عنها قَالَتْ: فَقَدْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةً مِنَ الْفِرَاشِ، فَالْتَمَسْتُهُ، ‏فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى بَطْنِ قَدَمَيْهِ، وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ، وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ، وَهُوَ يَقُولُ: ‏‏"اللّهُمّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ. وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ. وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ. لاَ ‏أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ. أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ". صحيح مسلم ورواه الأربعة [أبو ‏داود، الترمذي، النسائي، ابن ماجه].‏

(2) ‎ ‎‏: سورة البقرة – الآية 115.‏

(3) ‎ ‎‏: الخمرة في اصطلاح ساداتنا الصوفية رضي الله عنهم يطلقونها على الذات العلية قبل ‏التجلي، وعلى الأسرار القائمة بالأشياء بعد التجلي، فيقولون : الخمرة الأزلية تجلَّت ‏بكذا، ومن نعتها كذا، وقامت بها الأشياء تستراً على سر الربوبية ، وعليها غنى ‏سيدي سلطان العاشقين ابن الفارض رضي الله عنه وأرضاه في قصيدته المشهورة ‏بالخمرية، وإنما سمَّوها :"خمرة" لأنها إذا تجلَّت للقلوب غابت عن حسها كما تغيب ‏بالخمرة الحسية، وقد يطلقونها على نفس السكر، والوجد، والوجدان، يقولون: كنا ‏في خمرة عظيمة، أي في غيبة عن الإحساس كبيرة، وعلى هذا غنى العارف بالله ‏الششتري رضي الله عنه حيث قال:‏

خمرها دون خمري *** خمرتي أزلية

‏ أي: سكر خمرة الدوالي دون خمرتي، وأما الكأس الذي تشرب منه هذه الخمرة فهو ‏كناية عن سطوع أنوار التجلي على القلوب عند هيجان المحبة، فتدخل عليها حلاوة ‏الوجد حتى تغيب ، وذلك عند سماعٍ، أو ذكر، أو مذاكرة، وقيل: الكأس هو قلب ‏‏== الشيخ، فقلوب الشيوخ العارفين كؤوس لهذه الخمرة، يسقونها لمن صحبهم، ‏وأحبَّهم، والشرب حضور القلب، واستعمال الفكرة والنظرة، حتى تغيب عن وجودك ‏في وجوده، هو السكر ، فالشرب والسكر متصلان في زمن واحد في هذه الخمرة، ‏بخلاف خمرة الدنيا، وقال القطب سيدي عبد السلام بن مشيش رضي الله عنه: المحبة ‏أخذة من الله قلب من أحب بما يكشف له من نور جماله، وقدس كمال جلاله، ‏وشراب المحبة مزج الأوصاف بالأوصاف، والأخلاق بالأخلاقن والأنوار بالأنوارن ‏والأسماء بالأسماء، والنعوت بالنعوت، والأفعال بالأفعال، ويتسع النظر لمن شاء الله عز ‏وجل ، والشراب يسقي القلوب والأوصال والعروق، من هذا الشراب ، ويكون ‏الشرب بالتدريب بعد التدريب، والتهذيب بعد التهذيب، فيسقى كُلٌّ على قدره، ‏فمنهم من يسقى بغير واسطة، والله تعالى يتولَّى ذلك منه، وهذا نادر. ومنهم من ‏يسقى من جهة الوسائط كالملائكة والعلماء، والأكابر من المقربين. والكأس مغرفة ‏الحق يغرف بها من ذلك الشراب الطهور المحض الصافي لمن شاء من عباده ‏المخصوصين.

(4) ‎ ‎‏: سورة مريم - الآية 65.‏

(5) ‎ ‎‏: سورة الإنسان - الآية 6.‏

(6) ‎ ‎‏: سورة الحجر - الآية 99.‏" اهـ 198




(يتبع إن شاء الله تعالى مع: الدُّعـــــاءُ.‏.... )
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس