عرض مشاركة واحدة
قديم 05-08-2009
  #2
هيثم السليمان
عضو شرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: دير الزور _ العشارة
المشاركات: 1,367
معدل تقييم المستوى: 17
هيثم السليمان is on a distinguished road
افتراضي رد: شيخ الإسلام مصطفى صبري

موقفه من الهجمة المنظمة على العلوم الإسلامية:


عمل الشيخ على عدة جبهات لمدافعة الهجمات التي تتعرض لها العلوم الإسلامية إرضاء للفكر الغربي الحديث ، وبهذا الاتجاه قام بجهود جبارة في المطارحات الإعلامية والسياسية والتعليمية ، وتجلى هذا المسلك في الجهود الآتية :
• العمل على بيان الخلل الطارئ على العقلية الإسلامية ، وخاصة في تسليم زمام أمورها إلى الفكر الغربي ممثلاً في الفلسفة الغربية ولاسيّما الوضعية ، وقد سعى جاهدا في هذا الجانب إلى بيان بطلان أساس ما تبنى عليه هذه الفلسفة ، فبيّن الفرق بين الدليل العقلي التجريدي والدليل ( العلمي ) التجريـبي ، فبرهن على تفوّق الأول على الثاني ، بل أساس دلالة التجريـبي مبنية أساساً على الدليل العقلي في مرحلة من مراحل الاستدلال أو تبليغ الدليل .
• ناضل حاملي الفكر الغربي في البيئة الإسلامية ، فحاول قطع الطريق على أولئك الذين حاولوا التعامل مع الثقافة الإسلامية من منطلق الفكر الوافد ، وكأن الثقافة الإسلامية عارية عن كلّ أصالة وقوة إقناع.
• دافع الشيخ عن الخلل المتوقّع من تصريحات بعض كبار أعلام المسلمين في العصر الحديث ، فدافع عن معجزات الأنبياء بوصف إنكارها طريقا معبّداً لإنكار كل ما له صلة بعالم الغيب الذي منه عقائد المسلمين ، وما ركب ذلك إلا خوفاً من استشراء هذا الداء العضال في أوساط الأمة ، فإنّه إن تمكّن منها سيأتي على الأخضر واليابس .
• دافع عن موقع الفقه في الشريعة الإسلامية والدين الإسلامي عموماً ، خوفاً من يأتي اليوم الذي لا ندري فيه كيف نعبد الله ، وخوفاً من أن يصبح الفقه ليس من الدين على قول بعض العلماء المعاصرين.
• دافع عن الحديث النبوي ضد أولئك الذين اختصروا الحديث الصحيح من الكتب المدونة بنسبة الواحد من مائة وخمسين حديثاً ، بناء على تفسير خاطئ لقول البخاري بأنّه لم يصح عنده إلا أربعة آلاف حديث من ستمائة ألف حديث ، فراموا تطبيق القاعدة على الأربعة آلاف حديث التي استخلصت من الستمائة ألف حديث.
ونظراً لبطلان هذه الأفكار ، بل ولحملها بذرة الفناء فيها ، فقد أفل نجمها وقبرت إلى غير رجعة ، وعادت للسنة مكانتها في البيئة الإسلامية المعاصرة.
• دافع من منطلق معرفي عن وضع المرأة في الإسلام ، وناقش ما يهيأ من قوانين وتصورات يراد فرضها على الأمّة .
فكشف بأسلوب رائع أصل الداء الذي حاولوا تسويقه في مجتمع النساء ، وأرجع الداء كله إلى تقليد الغرب حتى في أوضاعه التي لا يحسد عليها ، فأريد تحويل المرأة إلى سلعة تتداول وتتقاذفها الأجسام الآسنة ذات الروائح الكريهة أولئك الذين لخصوا وجود النساء في المتعة واللذة ففقدوا إنسانيتهم وأُسروا لشهواتهم.
• أرجع الخلل في الإعجاب بالغرب في السياسة إلى الخلل في التكوين الثقافي ، فالمسألة السياسية ترجع أساساً إلى خلفية ثقافية يجب أن يبدأ الإصلاح منها ، فالإصلاح الثقافي أصل الإصلاح السياسي ، لهذا رتّب الشيخ الأولويات في بداية عهده بمدافعة العمل السياسي الأعرج الذي يراد فرضه على البيئة العثمانية الجديدة ، ولكن لما يئس من نجاح محاولات الإصلاح السياسي المباشر ، سواء بطريق الحوار والمطارحة الفكرية ، تأكد أنّنا إنما لدغنا من جهة الثقافة والتكوين الدقيق في العلوم الإسلامية.
ومن ثمّ مال إلى طريق الإصلاح العلمي بالتأليف والنصح المستمر للمسلمين وعلمائهم ، وأكبر شاهد على ما ذهبنا إليه آخر كتبه تأليفاً كتابه " موقف العقل والعلم والعالم من ربِّ العالمين وعباده المرسلين ", فقد بيّن وبما لا مزيد عنه أن مشكلتنا ثقافية بالدرجة الأولى ، ويجب تعهدها بالإصلاح والتنبيه والتيسير في كل الأوقات .

أقوال العلماء عنه :

تكاد تتفق كلمة الباحثين المعاصرين على أنّ الشيخ مصطفى صبري نسيج وحده ، لا مثيل له بين بني عصره ، فقد ظهرت ميوله إلى العلوم العقلية من كلام وفلسفة ومنطق وما شاكلها من معارف منذ الصغر ، يؤكد ذلك قوله عن نفسه : " الاجتهاد في العلوم العقلية يلتئم مع فطرتي ومزاجي والتي لا يبتعد عنها علم أصول الدين "(9) ، لهذا عرف بين أهل الاختصاص بسعة الاطلاع والقدرة الفائقة على المناظرة.
قال عنه محب الدين الخطيب : " فحل الفحول الصائل الذي يعد فضله أكبر من فضل معاصريه " (10) لأنّه دافع عن الإسلام في أيام كان فيها الانقضاض على الإسلام باسم الإسلام وبمباركة علمائه .
وقال عنه الشيخ زاهد الكوثري : " قرّة أعين المجاهدين " ، وقد مدحه الشيخ عبد الفتاح أبو غدة قائلاً : "إن كتابه موقف العقل هو كتاب القرن بلا منازع" وقال الشيخ البوطي عن كتابه آنف الذكر : " هو كتاب لا مثيل له " .

جوانبه الأخلاقية :

عانى شيخنا رحمه الله طوال حياته من الفقر الذي كان به فخره ؛ فقد عاش فقيراً ، ومات على تلك الحال ، غير آبه بجمع حطام الدنيا ، وأكبر شاهد على ما ذهبنا إليه اضطراره إلى بيع كتبه ليحصل على ثمن تذاكر سفر من الدرجة الثالثة بالباخرة له ولسائر أفراد أسرته ، وذلك من الآستانة إلى الإسكندرية ، وهذا رغم توليه منصب " شيخ الإسلام " لسنوات عديدة .
وكانت شجاعته مضرب الأمثال بين علماء عصره ؛ فقد حارب الاتحاديين وعلماء الدين المتغربين ، ولحقه من جراء ذلك أذى كبير من قبل المثقفين والساسة ، وقد عمل طوال حياته على تغيير الوضع نحو الأفضل ، وقد زاد نشاطه منذ أن أحسّ بالخطر المحدق بالدين الإسلامي في العالم الإسلامي ، وبقي على ذلك المنهج غير متزعزع أو مستجيب لترغيب أو الترهيب .
غادرنا الشيخ مصطفى صبري رحمه الله إلى عالم الخلود من الأنبياء والشهداء والصالحين بمصر 7 رجب 1373هـ الموافق 2 من مارس 1954 م .
رحم الله شيخنا وأجزل مثوبته ، ونفعنا بتجربته وأفادنا من علمه ، إنّه على ذلك قدير وبالإجابة جدير.

------------------------------

الهوامش :


(1) موقف العقل : 3/92، 4/386.

(2) المصدر السابق: 4/386.

(3) انظر: موقف العقل: 1-68، 406.

(4) موقف العقل: 2/157.

(5) المصدر السابق: 2/323.

(6) المصدر السابق: 1/44.

(7) المصدر السابق: 1/44.

(8) المصدر نفسه: 1/66.

(9) المصدر السابق: 4/387.

(10) مقال محب الدين الخطيب: مجلة الفتح الإسلامي، العدد 194.
هيثم السليمان غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس