عرض مشاركة واحدة
قديم 01-05-2009
  #1
ابوعبدالله
عضو شرف
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: دير الزور - الكرامة
المشاركات: 2,061
معدل تقييم المستوى: 18
ابوعبدالله is on a distinguished road
افتراضي درس وموعظة من التاريخ

أخوتي الكرام :
قرأت مقالا مهما للدكتور: محمد عبد الحميد عيسى عن معركة الزلاقة التي حصلت بالاندلس وقد رأيت فيها مواعظ وعبر لان أجواء المعركة وما قبلها وظروف المسلمين في ذلك الوقت مشابهة لحاضرنا المرير , فأحببت أن أنقل لكم هذا الدرس من التاريخ عله يكون عبرة وموعظة .

التاريخ ذاكرة الشعوب، وحاستها المنبهة، ومن ثَمَّ فهو أهم عوامل تحريك هذه الشعوب نحو غاياتها، وربما كان هذا هو السبب في سعي القوى الاستعمارية والعدائية عامة إلى التعتيم على تاريخ الأمة العربية الإسلامية، وإلى العمل على طمس هذا التاريخ وتزييفه، وليست غريبة تلك الأصوات الناعقة بقطع صلتنا بالماضي، بل ووصول بعضها إلى القول بإلقاء تراثنا في البحر ثم تمضي بعد ذلك. وأهمية التاريخ الحقيقية تكمن في دراسته واستيعابه لكي نتمكن، على ضور الإفادة من تجاربه من تصحيح الحاضر، والاستعداد للمستقبل.
ومعركة الزلاقة التي وقعت في شهر رجب من عام 479هـ الموافق أكتوبر من عام 1086م هي درس التاريخ الذي لا يُنسى، وإنما يدق بقوة على أفئدة وعقول أمتنا العربية الإسلامية لكي ينبهها إلى أن النصر والغلبة ليسا بحاجة إلى كثرة العدد والعدة فحسب، وإنما يجب أن يسبقهما الإيمانُ الكامل بالمبدأ، والاستعداد للتضحية من أجله، ومن ثَمَّ إذا ما توافر عنصر الإيمان واليقين والأخذ بالأسباب، فإن نصر الله قادم لا محالة.. بل هو رهن المؤمنين، فهو القائل عز وجل: )وكان حقاً علينا نصرُ المؤمنين(.
ولنستعرض معاً قصةَ تلك المعركة وظروفها وتطوراتها والنتائج المترتبة عليها..

أحوال المسلمين قبل الزلاقة

شهد القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي، قمة التقدم الحضاري والسياسي في بلاد الأندلس، وأضحت قرطبة عروس الغرب، وحكامها خلفاء بني أمية يتمتعون بمكانة عالية، سياسياً وعسكرياً وحضارياً، ولم يدر بخلد أحد أن هذا الصراع الذي تسامى عالياً على عهد المنصور بن أبي عامر كان يحمل في طياته عوامل هدمه وفنائه، فما أن مات المنصور، ومن بعده ابنه عبد الملك، حتى ثار القرطبيون على عبد الرحمن بن المنصور، وبدأت سلسلة من الأحداث الدامية أدَّت في النهاية إلى تمزق هذه الدولة، وقامت في جوانبها خلافات وممالك وسلطنات لا حول لها ولا قوة، بل إن قواها قد وجهت ضد بعضها بعضاً حتى أنهكت القوى واضمحلت الأندلس وانتقضت أطرافها، وتناثرت أشلاؤها، وتعددت الرياسات في أنحائها، لا تربطها رابطة ، بل على العكس منافسات وأطماع شخصية وضيعة، وحروب أهلية صغيرة تضطرم بينها«.
وفي كل ناحية من نواحي الأندلس، قامت دويلة أو مملكة هشة، اتخذ أصحابها ألقاب الخلافة ورسوم الممالك، دون أن يكون لهم من ذلك حقيقته أو معناه، وقال الشاعر واصفاً هذه الحالة المؤسفة:
مما يزهدني في أرض أندلس أسماء معتضد فيها ومعتمدِ
ألقابُ مملكة في غير موضعها كالهرِّ يحكي انتفاخاً صورة الأسدِ
واكب هذا الضعف الأندلسي تولي الملك ألفونسو السادس عرش قشتالة، الذي عمل جهده للاستفادة من هذا التدهور الذي أحاط بالدولة الإسلامية هناك، فبدأ باستغلال الصراع الدائر بين هذه الممالك، وأخذ يضرب بعضها ببعض، ويفرض عليها الأتاوات والغرامات حتى يستنفد طاقتها، ومن ثم تسقط في يده كالثمرة الناضجة.

سقوط طليلطة

مدينة طليطلة، من أهم المدن الأندلسية، تتوسط شبه الجزيرة تقريباً، ومن هنا كانت أهميتها البالغة، وبالتالي أصبحت مطمعاً لآمال ألفونسو السادس، وخاصة أن حال المدينة كانت سيئة جداً على عهد ملوكها من الطوائف.. وهم أسرة ذي النون.
دبر ألفونسو خطته لغزو المدينة، وأرهب ملوك الطوائف الآخرين وتوعدهم إن قاموا بإنجادها، وحاصرها حتى اضطرها إلى التسليم، ومما يؤسف له وجود قوات ابن عباد ملك أشبيلية ضمن قوات الملك الإسباني، وضد المدينة التي حاولت الصمود أمام مصيرها المؤلم في خريف سنة 477 هـ/1085م.
وسقطت طليطلة بأيدي ألفونسو السادس، ونقل إليها عاصمة ملكه واستتبع سقوطها استيلاءُ الإسبان على سائر أراضي مملكة طليطلة، واستشعر الشاعر فداحة المأساة فهتف يقول:
حثوا رواحلكم يا أهل أندلس فما البقاء بها إلا من الغلط
الثوب ينسل من أطرافه وأرى ثوبَ الجزيرةِ منسلاً من الوسطِ
مَن جاورَ الشَّرَّ لا يأمنُ عواقبَه كيف الحياة مع الحيَّاتِ في سفطِ
لقد كان أسوأ ما في مأساة طليطلة أن ملوك الطوائف المسلمين لم يهبوا لنجدتها أو مساعدتها، بل على العكس، لقد وقفوا موقفاً مخزياً، فاغرين أفواههم جبناً وغفلة وتفاهةً. بل إن عدداً منهم كان ترتمي على أعتاب ألفونسو السادس، طالباً عونه، أو عارضاً له الخضوع.. حتى قيل فيهم:
أرى الملوكَ أصابتهم بأندلس دوائرُ السوءِ لا تُبقي ولا تذر
وأطمع ذلك الملك ألفونسو السادس بباقي ممالك الطوائف، وانتشت أحلامه بالقضاء عليها الواحدة بعد الأخرى، وتجبر عليهم، وعلا وطغى.. فقام بنقض عهوده التي كان قد قطعها لأهل طليطلة، وحول مسجد طليطلة إلى كنيسة بقوة السلاح، وحطم المحراب ليقام الهيكل مكانه، وبدأ ألفونسو في تنفيذ خططه بالإيغال في إذلال الطوائف، وخاصة المعتمد بن عباد أكبر ملوك الطوائف وأشدهم بأساً، حيث أراد أن يمعن في إذلاله كأقوى أمراء الطوائف، فأرسل إليه رسالة يطلب فيها السماح لزوجته بالوضع في جامع قرطبة وفق تعليمات القسيسين، وقد أثارت هذه الرسالة ابن عباد حتى قيل: إنه قد قتل رسل الملك القشتالي وصلبهم على جدران قرطبة، مما أثار غضب ألفونسو السادس وصمم على الانتقام، وبدأت جيوشه في انتساف الأرض في بسائط إشبيلية وفي الأراضي الإسلامية.

الاستنجاد بالمرابطين

تعالت الأصوات في الأندلس تطالب بالارتفاع فوق الخلافات الشخصية، وتناسي المصالح الذاتية، والاستنجاد بالمرابطين الذين نمت قوتهم في ذلك الوقت على الضفة الأخرى من البحر المتوسط.
قام أبو الوليد الباجي وغيره من فقهاء الأندلس بالدعوة إلى التوحد، وضرورة الاستعانة بإخوة الإسلام الأفارقة من المرابطين، ولقيت الدعوة صدى عند أمراء الأندلس بسبب ازدياد عنف ألفونسو، ورغم كل التحذيرات التي وجهت إلى المعتمد بن عباد، وتخويفه من طمع المرابطين في بلاد الأندلس، إلا أن النخوة الإسلامية قد استيقظت في نفسه، فأصر على الاستنجاد بالمرابطين، وقال قولته التي سارت مثلاً في التاريخ:لأن أكون راعي جمال في صحراء أفريقية خير من أن أكون راعي خنازير في بيداء قشتالة.

التعديل الأخير تم بواسطة ابوعبدالله ; 01-05-2009 الساعة 06:10 PM
ابوعبدالله غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس