عرض مشاركة واحدة
قديم 09-07-2016
  #2
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: ترجمة الإمام المجدد أبي الحسن الأشعري

[ خصومه ]] :
خصوم الرجل على قدر عظم شأنه، فكلما ارتفع الرجل درجة، أو ظهرت له مزية، تألم لها من أحسوا من أنفسهم العجز عن أن يبلغوا شأوه، فليس من العجيب أن يكون لمثل الأشعري خصوم يناوئونه، ويَعْزُون إليه من المقالات ما لم ينطق به لسانه، ولم يخطر على قلبه، وليس من المعقول أن يقف الأشعري لطوائف مختلفة المذاهب والآراء وقفة من لا يعرف ذلك الذي يسميه الناس رهبة أو إحجاما، ويرجو مع هذا أن يمضي في سلامة من أن يتحدثوا عنه في غير أمانة.
ألصق به خصومه أقوالا لم تسمع منه في مناظرة ولا توجد له في كتاب، كما عزوا إليه أنه قال: إن المعجز هو كلام الله تعالى الذي لم يزل غير مخلوق، ولا نزل إلينا ولا سمعناه قط، وقد ساق الأستاذ ركن الدين (أبو محمد عبدالله الجويني) في كتاب (عقيدة الإمام المطلبي) أشياء من هذه الأراجيف، وقال: ((قد تصفحت ما تصفحت من كتبه، وتأملت نصوصه في هذه المسائل، فوجدتها كلها على خلاف ما نسب إليه)) ثم قال: ((ولا عجب أن اعترضوا عليه واخترصوا، فإنه رحمه الله تعالى فاضح القدرية وعامة المبتدعة، وكاشف عوراتهم، ولا خير فيمن لا يعرف حاسده)).
وتحدث القاضي عياض في كتاب (المدارك) عمن يناوئون الأشعري فنسب طائفة منهم إلى الغلو في ترك التأويل حتى وقعوا في التشبيه، ثم قال: ((وأكثر من شنع عليه بالأندلس ابن حزم، فإنه ملأ كتابه عليه وعلى أئمة أصحابه كذبا وتشانيع باطلة، وذلك في كتابه المسمى بـ((النصائح والفضائح)).
ولأبي العباس أحمد بن محمد بن عبدالمنعم القرطبي رسالة ردَّ بها على شخص تورط في هجو الأشعري، تسمى ((زجر المفتري على أبي الحسن الشعري)) قال في مطلعها:
أسير الهوى ضلت خطاك عن القصد * فها أنت لا تهدى لخير ولا تهـدي
سـللـت حسـامـــا من لـسـانـك كـاذبـا * على عـالـم الإسلام والـعـلم الفـرد
تمـرسـت في أعـراض بيـت مـقـدس * رمى الله منك الثغر بالحجر الصلد
[[ أنصاره ]] :
قلنا فيما سلف: إن الأشعري لم يبتدع مذهبا جديدا، وإنما هو مقرر لمذهب السلف المبني على الوقوف عند نصوص الكتاب والسنة، وترك تأويلها حيث لم يعارضها قاطع من معقول أو محسوس، فمزية الأشعري أنه بسط البحث والمناضلة عنها بالحجج النظرية، أي على طريقة علم الكلام، وهي الطريقة التي مكنته من الظهور على من يدرسون أو يدّعون الفلسفة، ويتعلقون في الجدال عن مذاهبهم بشيء من آرائهم، ولأخذه بظاهر الكتب والسنة، وتصديه لمدافعة كل فرقة شاذة أو ضالة بمثل سلاحها، كان لمؤلفاته الوقع الحسن في نفوس أكثر أهل العلم من أتباع الأئمة، قال القاضي عياض في كتاب (المدارك): ((فلما كثرت تآليفه وانتُفع بقوله، وظهر لأهل الحديث والفقه ذَبّه عن السنن والدين، تعلق بكتبه أهل السنة وأخذوا عنه، ودرسوا عليه، وتفقهوا في طريقه، وكثر طلبته وأتباعه لتعلم تلك الطرق في الذَبِّ عن السنة وبسط الحجج والأدلة في نصر الملة)).
[[ مؤلفاته ]] :
لأبي الحسن مؤلفات كثيرة، حتى قيل إنها تزيد على مائتي مصنف، من هذه المؤلفات:
1ـ كتاب ((الفصول في الرد على الخارجين على الملة من الملحدين والفلاسفة والطبيعيين والدهريين وأهل التشبيه والقائلين بقدم الدهر على اختلاف مقالاتهم وأنواع مذاهبهم))، ثم رد على البراهمة واليهود والنصارى والمجوس، وهو كتاب كبير يشتمل على اثني عشر كتابا.
2ـ ومنه كتاب ((الموجز))، وهو يشتمل على اثني عشر كتابا على حسب تنوع مقالات المخالفين من الخارجين عن الملة والداخلين فيها، وآخره كتاب الإمامة.
3ـ ومنها تفسيره المسمى بـ((المختزن))، قال القاضي أبو بكر بن العربي في كتاب (القواصم والعواصم): انتدب الأشعري إلى كتاب الله فشرحه في خمسمائة مجلد، وسماه بالمختزن، ومنه أخذ الناس كتبهم، ومنه أخذ عبد الجبار الهمداني كتابه في تفسير القرآن الذي يسمى بالمحيط في مائة سفر، ثم ذكر ابن العربي أن الصاحب بن عباد بذل عشرة آلاف دينار لخازن الكتب في بغداد، فألقى النار في الخزانة، فاحترقت الكتب واحترق من بينها ((المختزن)) ولم تكن منه إلا نسخة واحدة، فنفدت من أيدي الناس، وكان الصاحب بن عباد على مذهب المعتزلة، ولأبيه عباد بن عباس كتاب أحكام القرآن ينصر فيه مذهب الاعتزال.
[[ وفاته ]] :
توفي أبو الحسن رحمه الله تعالى في بغداد سنة أربع وعشرين وثلاثمائة، قال أبو علي زاهر بن أحمد السرخسي: لما قرب أجل أبي الحسن الأشعري دعاني فأتيته، فقال: اشهد علي أني لا أكفر أحدا من أهل هذه القبلة، لأن الكل يشيرون إلى معبود واحد، وإنما هذا كله اختلاف عبارات.
ومات في حجر أبي علي هذا، وكانوا يصفونه عند النداء لجنازته بناصر الدين، ودفن في تربة بين الكرخ وباب البصرة، قال أبو الحسن القابسي: لقد مات الأشعري يوم مات وأهل السنة باكون عليه وأهل البدع مستريحون منه. أفاض الله على قبره رحمة ونورا.

[center]نقلت من مجلة (( نور الإسلام )) ج : 5 ، م : 3 مختصرة
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس