عرض مشاركة واحدة
قديم 09-06-2008
  #64
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي

"ومتى ظلَّلتك أنوار "القُدُّوس" دخلت في القُدُس، وأنت ‏فرحٌ مأنوس، ولا تتحقَّق بحضرة القُدُّوس إلا إذا طَهَّرتَ ‏إرادتَك من الارتكان على الملاذِّ الحسّيَّة، وحبِّ الذات، ‏والأنانية. فكلُّ ذلك بمنـزلة الجنابة الحاجبة عن الدُّخول في ‏الحضرة، حتى تنحصر إرادتك في مطلوب واحدٍ هو الله ‏تعالى، لا ترى أجملَ منه فتطلبه، ولا أعزَّ منه فتركنَ إليه، ولا ‏ألطفَ منه فتحبَّه. وعند ذلك لو عرضت عليك جمالات ‏الملك والملكوت، والجنَّة وجميع مراتب الوجود لا تلتفت ‏إليها، وهنا يلذُّ الملام، ويحلو الهيام (1)


فإذا سمعت من الخلق أنك مجنون أو جاهل، أو لا تفهم، ‏زاد شوقك وإقبالك، وسجدت شكراً لله الذي أعطاك حقيقةً ‏حجب عنها أهل اللَّوم والغفلة (2) ‏.‏


وهنا سأتلو عليك ما حصل لسيدنا موسى الكليم على ‏نبينا وعليه أفضل الصلاة والتسليم، لمناسبى حضرة"القُدُّوس":‏


‏" خرج السيد موسى مع زوجته من الشام إلى مصر، ‏وكانت زوجته حاملاً، فبينما هو سائر في الطريق ليلاً ، ‏وكان في زمن الشتاء، جاء زوجته المخاض، فبحث سيدنا ‏موسى عن قبس من النار، ليدفع عن زوجته شدَّة البرد فنظر ‏إلى الوادي فرأى بجانب جبل الطُّور ناراً، فسار إليها ليقتبس ‏منها، فلما أتاها وجدها أحاطت به، ونودي من الحضرة ‏العليَّة نداءً منزَّهاً عن الحدود والجهة، فكلَّمه قائلاً له: ‏{ إِنِّي ‏أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى وَأَنَا ‏اخْتَرْتُكَ ‏}‏(3) ‏ ‏.


فلمَّا خلع نعليه وهما عند العارفين الدنيا والآخرة، أو الملك ‏والملكوت، أومقتضى الجسم والروح.‏
ولا يليق للإنسان أن يدخل تلك الحضرة وفيه بقية لغير الله ‏فهي بمنـزلة النعال الملوثة المبعدة عن الحضرة (4) ‏.‏


وإن الربَّ تعالى لما تجلَّى لحبيبه موسى وتنـزَّل له على ‏قدره حناناً وكرماً، فكان بمقتضى هذه المواجهة تقديس ‏الوادي بإشراق نور الرب الهادي.‏


ولما كانت حضرة الربوبية حضرة عواطف وتنـزُّل ‏ولطفٍ، فلذلك افتتحه بها، فلما خلع نعليه ودخل في الوادي ‏المقدَّس، استعدَّ لأن يواجه الحق بحضرة الألوهية وهي حضرة ‏العلو والكبرياء، والعزَّة، ليعرف الحضرتين، ويفوز بالكمالتين، ‏فقال: ‏{ وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ ‏إِلا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي }(5)‏ ‏ ‏.


وقد أراد الحق أن يؤانسه في تلك الحضرة لئلا يذوب من ‏الهيبة، فقال تعالى له:‏‎ {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى قَالَ هِيَ ‏عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ ‏أُخْرَى}‏ (6)‏ ‏.‏


ومراده بتطويل الأوصاف تطويل مؤانسته بالحبيب، قال له ‏الحق:‏‎ { ألقها }، ومعنى ذلك: أن من ألقى عصاه تسليماً لله، ‏منحه الله السرَّ الكبير. فألقاها ، فسرى فيها سرُّ الحياه، ‏وكانت آية رفعت شأن موسى، وأحيت ذكره.‏" اهـ


اقتباس:=================== الحاشية ==================

(1) ‎ ‎‏: وتكون عبد القدوس الذي قدَّسه الله عز وجل عن الاحتجاب، فلا يسع قلبه غير الله ‏، وهو الذي وسع قلبه كما قال صلى الله عليه وآله وسلم رواية عن ربه عز وجل في ‏الحديث القدسي الجليل:" لا يسعني أرضي ولا سمائي ولكن يسعني قلب عبدي المؤمن" ‏ومن وسع الحق قدس عن الغير، إذ لا يبقى عند تجلِّي الحق شيء غيره، فلا يسع" ‏القدوس" إلا القلب المقدس عن الأكوان.

(2) ‎ ‎‏: لأنك عند هذا المقام تكون قد تحقَّقت بمقام الفناء في الله تعالى ، وقد ورد عن سيدي ‏ومولاي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: فيما رواه الإمام أحمد، وأبو ‏يعلى، وابن حبان في صحيحه، والحاكم وقال صحيح الإسناد مرفوعا: (أكثروا من ‏ذكر الله حتى يقولوا مجنون). وروى الطبراني والبيهقي مرسلا: (اذكروا الله ذكرا يقول ‏المنافقون إنكم مراءُون). وما ذلك إلا لأن الذاكر لله تعالى كثيراً داخلٌ في حضرة ‏القُدُّوس سبحانه، فيغيب عن الوجود وما فيه ويبقى لله وبالله وفي الله وعلى الله .‏

(3) ‎ ‎‏: سورة طه – الآية 13.‏

(4) ‎ ‎‏: ولما كان الحق تعالى من أسمائه القدوس، قدّس نفوس العابدين بحسن تأييده عن دنس ‏المخالفات، وطهَّر قلوب الزاهدين بحسن تسديده عن الرغبة في الدنيا، واستشعار ‏الشهوات، وطهّر أسرار العارفين بنور توحيده عن شهود ما سواه من سائر المكوَّنات. ‏‏ ويكون التعلق باسمه تعالى "القدوس": بطلب العصمة عن دنس المخالفات الظاهرة ‏والباطنة، وبطلب حفظ القلوب من الهفوات، والأسرار من الفترات وأن يطهر ‏جوارحه من لوث المعاصي والهفوات، ونفسه من متابعة الشهوات، وماله عن الحرام ‏والشبهات، وقلبه عن كدورة الغفلات، وروحه عن المضاجعات والمساكنات، وسرّه ‏عن الملاحظات والالتفاتات، فلا يتذلل لمخلوق بنفسه التي بها عبده، ولا يعظم مخلوقاً ‏من حيث إنه مخلوق، بالقلب الذي به شهده، ولا يبالي بما فقده بعد ما وجده، ولا ‏يرجع قبل الوصول إليه بعد ما قصده.‏

(5) ‎ ‎‏: سورة طه - الآيتان 13-14.‏
(6) ‎ ‎‏: سرة طه - الآيتان 17-18.‏ " اهـ 4/273



(يتبع إن شاء الله تعالى.... )
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس