الموضوع: المكتوبات
عرض مشاركة واحدة
قديم 02-03-2011
  #10
عبدالرزاق
عضو شرف
 الصورة الرمزية عبدالرزاق
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 329
معدل تقييم المستوى: 14
عبدالرزاق is on a distinguished road
افتراضي رد: المكتوبات

المكتوب العاشر

باسمه سبحانه

} وَاِنْ مِنْ شَيءٍْ اِلاَّ يُسَبِـّحُ بِحَمْدِهِ{

جواب عن سؤالين:

الاول: هو هامش المقصد الثاني من الكلمة الثلاثين الخاصة بـ((انا وتحولات الذرات)):

لقد ذُكر في القرآن : ((إمام مبين)) و ((كتاب مبين)) في عدة مواضع. وقال قسم من المفسرين: انهما بمعنى واحد. وقال آخرون: معناهما مختلف. وفسّروا حقيقتهما بوجوه متضاربة. وخلاصة ما قالوه: انهما عنوانان للعلم الإلهي. ولقد حصل لي الاطمئنان التام والقناعة التامة بفيض القرآن الكريم أن:

((الامام المبين)) عنوانٌ لنوعٍ من العلم الإلهي وأمره، بحيث يتوجّه الى عالم الغيب اكثر مما يتوجه الى عالم الشهادة. أي: أنه يتوجه الى الماضي والمستقبل اكثر من توجهه الى الحال والزمن الحاضر. وبعبارة اخرى: انه سجلٌ للقدر الإلهي ينظر الى أصل كل شئ والى نسله، الى عروقه والى بذوره، اكثر مما ينظر الى وجوده الظاهري. وقد اُثبت وجود هذا السجل في ((الكلمة السادسة والعشرين)) ، وفي حاشية ((الكلمة العاشرة)) . نعم! ان هذا الامام المبين عنوانٌ لنوع من العلم الإلهي وأمره، وهذا يعني: ان إنتاج مبادئ الاشياء وجذورها واصولها - بكمال الانتظام - للاشياء، في غاية الابداع والاتقان، يدل على أن ذلك التنظيم والاتقان إنما يتمان وفق سجل دساتير للعلم الإلهي. كماان نتائج الاشياء وأنسالها وبذورها، سجل صغير للأوامر الإلهية لكونها تتضمن برامج ما سيأتي من الموجودات وفهارسه، فيصح ان يقال: ان البذرة مثلاً عبارة عن مجسّمة مصغرة للبرامج والفهارس التي تنظم جميع تركيب الشجرة الضخمة، وللاوامر التكوينية التي تعيّن تلك التصاميم والفهارس وتحدّدها.

الحاصل: ان ((الامام المبين)) هو في حكم فهرس وبرنامج شجرة الخلق، الممتدة عروقها واغصانها وفروعها حول الماضي والمستقبل وعالم الغيب. فـ((الامام المبين)) بهذا المعنى سجل للقدر الإلهـي، وكراس دساتيره. والذرات تُساق الى حركاتها ووظائفها في الاشياء باملاء من تلك الدساتير وبحكمها. أما ((الكتاب المبين)) فهو يتوجه الى عالم الشهادة اكثر من توجهه الى عالم الغيب، أي: ينظر الى الزمان الحاضر اكثر مما ينظر الى الماضي والمستقبل. فهو: عنوانٌ للقدرة الإلهية وارادتها، وسجل لهما وكتاب، اكثر مما هو عنوان للعلم الإلهي وأمره. وبتعبير آخر: انه اذا كان ((الامام المبين)) سجلاً للقَدَر الإلهي فـ ((الكتاب المبين)) سجل للقُدرة الإلهية. أي أن الانتظام والاتقان في كل شئ، سواءً في وجوده، في ماهيته، في صفاته، في شؤونه يدلان على أن الوجود يُضفى على الشئ وتُعيَّن له صوَره، ويشخَّص مقداره، ويعطى له شكله الخاص، بدساتير قدرة كاملة وقوانين إرادة نافذة. فتلك القدرة الإلهية والارادة الإلهية اذاً لهما مجموعة كلية وعمومية لقوانينه وسجل عظيم، بحيث يُفصَّل ويُخاط ثوبُ أنماط الوجود الخاص لكل شئ ويُلبَس عليه ويُعطى له صوره المخصوصة، وفق تلك القوانين. وقد اثبت وجود هذا السجل في رسالة ((القدر الإلهي والجزء الاختياري(( كما اثبت فيها ((الامام المبين)).

فانظر الى حماقة الفلاسفة وارباب الضلالة والغفلة! فلقد شعروا بوجود اللوح المحفوظ للقدرة الإلهية الفاطرة، وأحسّوا بمظاهر ذلك الكتاب البصير للحكمة الربانية، وارادتها النافذة في الاشياء، ولمسوا صُوَره ونماذجه، إلاّْ انهم اطلقوا عليه اسم ((الطبيعة)) - حاشَ لله - فاخمدوا نورَه.

وهكذا، باملاءٍ من الإمام المبين، أي بحُكم القَدَر الإلهي ودستوره النافذ، تكتب القدرةُ الإلهية - في ايجادها - سلسلةَ الموجودات - التي كلٌ منها آية - وتوجِد وتحرِك الذرات في لوح ((المحو والاثبات)) الذي هو الصحيفة المثالية للزمان.

أي ان حركات الذرات انما هي اهتزازات وحركات اثناء عبور الموجودات - من جراء تلك الكتابة، ومن ذلك الاستنساخ - من عالم الغيب، الى عالم الشهادة، أي من العلم الى القدرة. أما ((لوح المحو والاثبات)) فهو سجل متبدل للّوح المحفوظ الاعظم الثابت الدائم، ولوحة ((كتابة ومحو)) له في دائرة الممكنات أي الاشياء المعرضة دوماً الى الموت والحياة، الى الفناء والوجود. بحيث ان حقيقة الزمان هو هذا.

نعم! فكما ان لكل شئ حقيقة، فحقيقة ما نسميه بالزمان الذي يجري جريان النهر العظيم في الكون هي في حكم صحيفة ومداد لكتابات القدرة الإلهية في لوح المحو والاثبات. ولا يعلم الغيب إلاّ الله.



السؤال الثاني: اين ميدان الحشر؟

الجواب: العلم عند الله.. وان حكمة الخالق الحكيم الرفيعة التي يظهرها في كل شئ حتى في ربط حكم كثيرة جليلة بشئ صغير جداً، تشير صراحة الى ان الكرة الارضية لا تخط اثناء سيرها السنوي دائرة عظيمة عبثاً وعلى غير هدى. بل انها تدور حول شئ عظيم، وتخط دائرة محيطة لميدان عظيم، وتعيّن حدوده، وتجول حول مشهر عظيم، وتسلّم محاصيلها المعنوية اليه، لتعرض تلك المعروضات امام انظار الناس في ذلك المحشر. بمعنى أن ميدان حشر عظيم سيُبسط من منطقة الشام - كما في رواية(1) - التي ستكون في حكم نواة تملأ دائرة عظيمة محيطها يبلغ ما يقرب مسافة خمس وعشرين الف سنة.

وتُرسل الآن محاصيل الارض المعنوية الى دفاتر والواح ذلك الميدان المعنوي، المحجوب عنا تحت ستار الغيب، وحينما يُفتح الميدان في المستقبل، ستُفرغ الارض ايضاً باهليها الى الميدان نفسه وتمضي محاصيلها المعنوية تلك من الغيب الى الشهادة.

نعم! ان الكرة الارضية في حكم مزرعة، وبمثابة نبع، وكأنها مكيال، قد انتجت من المحاصيل الوفيرة ما يملأ ذلك الميدان الاكبر، وسالت منها مخلوقات كثيرة يستوعبها ذلك الميدان، وخرجت منها مصنوعات كثيرة تملأ ذلك الميدان.اي ان الكرة الارضية نواة، وان ميدان الحشر مع ما فيه، شجرة وسنبل ومخزن.

نعم! كما ان نقطة نورانية تخط خطاً او دائرة بحركتها السريعة، فالكرة الارضية كذلك تكون سبباً لتمثيل دائرة وجودٍ، بحركتها السريعة والحكيمة، وتلك الدائرة مع محاصيلها تكون محور تشكل ميدان الحشر الاكبر.. } قل إنما العلمُ عندَ الله{ .





الباقي هو الباقي





سعيد النورسي
__________________
رفيقك علم الله فلابد ان لا تنسى رفيقك
عبدالرزاق غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس