عرض مشاركة واحدة
قديم 10-08-2008
  #4
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: جواهر من كلام الشيخ احمد جامي

يقول سيدي أحمد فتح الله جامي حفظه الله تعالى:

القصدُ في الدين مُهِمٌّ، فإذا صحَّ القصدُ عليك أن تجاهد نفسك بقدر ما تتحمل الطبيعة البشرية، لا بقدر ما تُهلك نفسَك.
لذلك فإن الأولياءَ الكمَّل والمؤمنين الصادقين يُطهِّرون بواطنَهم من الأخلاق الذميمة، ويغسلونها بالشريعةِ والتمسكِ بالسُّنةِ والإخلاصِ. فإذا طُهِّر الباطن بالماء المنزَّل – وهو أحكام الله – فالقالبُ كالمركب ليس له اعتبار بدون الباطن، حينئذ يخلِّص العبدُ روحَه من سيطرة نفسه الأمّارة، لأن الروح جاءت من عند الله، وهي تطلب العروج. نفسُهُ تَبقى معه لكنَّه يتغلَّبُ عليها.
فالمؤمن يترقى بمجاهدة نفسه حتى يصل إلى ما قدَّر الله له من الهداية، ويكون ولياً لله، وإن لم تظهر عليه خوارق العادات من الكشوف والكرامات. بعد ذلك يمكن أن يصل ذلك الولي إلى مقام الفناء بالله، حينذاك لو ضُرِب أو قُتِل يقول: لا إله إلا الله، لأنه يرى أن الله هو الذي يقتله بيد ذلك الظالم، يعني أن ما يجري عليه هو قضاء الله وقدرُه. ولكن هنا علينا أن ننتبه إلى أن القاتل الظالم يبقى مسؤولاً أمام الله، مصيرُه جهنم إلا إذا تاب. وبعد ذلك يمكن لهذا الوليّ أن يعرج وينتقل من الفناء إلى البقاء ؛ وفي كلا المقامين يكون ولياً من أولياء الله تعالى جل جلاله، متمسِّكاً بالشريعة والسنة النبوية، لا يدعو الناس إلى نفسه بل إلى ربهم، وبهذا يترقى حتى يصل إلى ما شاء الله ؛ فمنهم من يصل إلى المنتهى ومنهم من يصل إلى الوسط ومنهم من يرجع بعد ذلك. فإذا كان قد وصل إلى المنتهى فهو فانٍ بالله باقٍ به، يَجمع الناس على الله لا على نفسه ؛ فتكون دعوتُه لهم أفضلَ من العبادة النافلة.
هذا الشيخ له وجهان: وجهٌ متعلِّق بالله تعالى، ورقَبَتُه تحت الشرع الشريف، وهو يتضرَّع إلى الله: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [آل عمران /147]، والوجهُ الآخر يوجِّه الناس إلى الله. هذا هو وارثُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، إرثيَّتُهُ اتِّباعُ سُنَّتِه واتِّباعُ قرآنِه واتِّباعُ أصحابِه. نِعْمَ الدينُ، ولكن لا نطبِّقُ على أنفسنا.
كيف نترك قول ربنا: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت/69] ونعملُ بالدنيا - مع عدم معرفتنا بها؟ الدنيا تُعرَفُ بالله لا بالناس. {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران/185].
عليكم أن تتحركوا في الدنيا بقدر معيشتكم، وما كُتِب لكم يصل إليكم ولو كنتم تحت البحر أو فوق الجبل. لِمَ تتحركون في الدنيا ولا تتحركون بما تصلون به إلى الهداية؟
الهداية شعبة من شعب الإسلام ؛ فكما أن شعب الإيمان كثيرة، كذلك الإسلام كُلٌّ له شعبٌ كثيرة، والهدايةُ شعبة من شعب الإسلام.
فإن كنتَ لا تطلب مقاماً ولا كشفاً ولا كرامة ولا مشيخة، إنما طلبُك أن يكون ربُّك راضياً عنك فقط - وهذه المرتبة ليس فوقها مرتبة لا في الدنيا ولا في الآخرة - فالطريقُ إلى ذلك يتألف من ثلاثة أجزاء:

1- الاعتقاد الصحيح الموافق لاعتقاد أهل السنّة والجماعة.
2- التمسك بالشريعة واتباع سنّة الرسول صلى الله عليه وسلم.
3- الإخلاص في العمل.

ولكن أكثر الناس في هذا العصر يتَّبعون العامَّةَ، فصارت محاسنُ الإسلام عندهم قبائح.


2) هذا الجسد الذي نُرَبِّيه ونُحبُّه ونطبِّبُه سيضعونه في القبر، فلا يمرُّ عليه سبعة أيام إلا ويَخرب بالكلِّيَّة، فمصيرُهُ جيفةٌ. وكلُّ الناس سواء أهل الصلاح أو أهل الطلاح يذوقون عذاب القبر، لكن كلٌّ على حسب عمله. هذا مصيرنا، ومع ذلك بعض المؤمنين يمشون على الأرض مشية المتكبرين ؛ واللهِ إني أخاف من مشيتهم: {وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحَاً} [لقمان/18]. إنّك ستدخل تحت الأرض فكيف تفتخر عليها؟ ربُّك يراقبُك والأرضُ تنتظرُك، ما هذا الغرور؟
كثرةُ الرجاء وقتها في حالة الاحتضار حين سكرات الموت، أما أن تمشي على الأرض مِشيةَ المتكبرين، وتقول: اللهُ غفورٌ رحيمٌ، فهذا غرور. مَن توكَّل على رحمة الله ومغفرته بدون عمل فهو مغرور.
علينا أن نعمل بقدر طاقتنا ووسعنا، ومع ذلك فإذا وضعنا الميكروسكوب (المجهر) على عيوننا ونظرنا إلى عبادتنا نرى أنها كلَّها مختلِطةٌ، ليست لائقةً بربِّنا جلَّ وعلا.
فعلى المؤمن أن يُقدِّم آخرتَه ودينَه ومحبَّتَه لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وبعدَ ذلك يشتغل بدنياه، فهذا مشروع. وإذا كانت نيَّتُه صحيحةً يكون شغله عبادة. ليس هناك شيء أفضل من ذلك، تتسبَّبُ لمعيشة أولادك ويكون لك عبادة. أمّا مَن كان يعمل بغير نِيَّةِ التقوى فهو كالبهائم.
ما ترك الله تعالى شيئاً يحتاجه العبد إلا ذكَرَهُ في القرآن الكريم، وبلَّغَه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبيَّنَه المفسِّرون ؛ فوصلنا الدين بدون غش والحمد لله، فعلينا أن نضعه أَمامَنا ؛ أما الدنيا فإنها تأتي وراءَ المؤمن، تتْبَعُه كما يتبع الحمارُ صاحبَه.
المؤمنون الذين لم تلعب بهم الدنيا قِلَّة، وهم الذين وصفهم الله تعالى في القرآن الكريم بآيات كثيرة منها: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَيَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامَاً} [الفرقان/63]، ومنها: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، ءَاخِذِينَ مَا ءَاتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ، كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات/15-18].
علينا أن نفرح بهذه الأوصاف الجليلة لا بالدنيا. لكننا نرى التاجر يفرح بما ربح مِن تجارته ولا يفرح فيما يُطبِّق على نفسه مِن صفات عباد الرحمن، لأنّ الدنيا غَطَّتْ على عينيه: {كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[المطففين/14]. لا يمكن النجاة ولا النجاح إلا بالله وبطريق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

يقول حفظه الله ونفعنا به وبإخوانه من المرشدين:

الوصول بدون الحجاب الأعظم صلى الله عليه وسلم مُحال. مع هذا، المهمُّ لنا وللمؤمنين جميعاً أن نكون عبيداً لله جلّ وعلا، لأنّ مقام العبوديّة أعلى من جميع المقامات، لكنَّ الذي كَلَّ عقلُهُ عن هذه الوظيفة العالية يتمسّك بالأذواق. كلُّ هذا ليس مرضياً لله.

الأذواق لا تُطلب ولا تُسأل، وإذا أُعطيت من فضله جلَّ وعلا فهي نعمةٌ منه. وما وصل إليكم شيء من الفضائل منه تعالى إلا بواسطة الحجاب الأعظم صلى الله عليه وسلم.

ويقول حفظه الله تعالى:

إذا لم يكن في قضاء قدسه تعالى مجالٌ للكلام فلنتكلّم نهايةً في مقام عبوديّتِنا وذلِّنا وانكسارِنا ؛ فالمقصودُ من الخِلقة الإنسانيّة إنما هو أداءُ وظائف العبوديّة. ولهذا كانت نهاية مراتب الولاية مقام العبديّة، وليس في درجات الولاية مقام فوق مقام العبوديّة، وكان الإيمان المتقدّم على أداء العبادة صورةَ الإيمان لا حقيقتَه التي عُبّر عنها باليقين. قال الله عزّ شأنه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا} [النساء / 136] أي: يا أيها الذين آمنوا صورةً، آمِنوا حقيقةً بأداء وظائف العبادة المأمور بها.

لا بدّ للمؤمن من التّحريض على الجمع بين تحلية الظّاهر بإتيان أحكام الشّريعة، وتخلية الباطن عن علاقة ما سواه تعالى. والدولةُ الصُوريّة في الحقيقة هي كونُ الظّاهر محلَّى بأحكام الشّريعة المحمّديّة عليه الصّلاة والتّسليمات، والسّعادةُ المعنويّة هي تخليص الباطن وخُلُوُّه عن علاقة ما سوى الله تعالى. هذا هو الأمر المهم، والباقي من العبث.
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات

التعديل الأخير تم بواسطة عبدالقادر حمود ; 10-08-2008 الساعة 11:23 AM
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس