عرض مشاركة واحدة
قديم 02-03-2009
  #1
هيثم السليمان
عضو شرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: دير الزور _ العشارة
المشاركات: 1,367
معدل تقييم المستوى: 17
هيثم السليمان is on a distinguished road
افتراضي الحذف في اللغة العربية

الحذف في اللغة العربية

بسم الله الرحمن الرحيم

قد حذفت العرب الجملة ، والمفرد ، والحرف ، والحركة , وليس شيء من ذلك إلا عن دليل عليه , وإلا كان فيه ضرب من تكليف علم الغيب في معرفته .
فأمّا الجملة :فنحو قولهم في القسم : والله لا فعلت ، وتالله لقد فعلت . وأصله : أقسم بالله ، فحذف الفعل والفاعل، وبقيت الحال من الجار والجواب دليلاً على الجملة المحذوفة . وكذلك الأفعال في الأمر والنهي والتحضيض ؛ نحو قولك : زيداً ، إذا أردت : اضرب زيداً أو نحوه . ومنه إيّاك إذا حذرته ؛ أي احفظ نفسك ولا تُضعها ، والطريقَ الطريقَ ، وهلّا خيرًا من ذلك .
وقد حذفت الجملة من الخبر؛ نحو قولك : القرطاس والله ؛ أي أصاب القرطاس , وخير مقدم ؛ أي قدمت خير مقدم , وكذلك الشرط في نحو قوله : الناس مجزيّون بأفعالهم إن خيراً فخيراً وإن شراً فشراً ؛ أي إن فعل المرء خيراً جُزي خيراً ، وإن فعل شراً جُزي شراً . ومنه قول التغلبي :
إذا ما الماء خالطها سخينا
أي فشربنا سخيناً ، وعليه قول الله سبحانه : " فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً " أي فضرب فانفجرت، وقوله عز اسمه : " فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية " أي فحلق فعليه فدية . ومنه قولهم : ألا تا ، بلى فا ؛ أي ألا تفعل ، بلى فافعل، وقول الآخر:
قلنا لها قفي لنا قالت قافْ
أي وقفت ، وقوله :
... ... ... ... ... وكأن قد
أي كأنها قد زالت . فأمّا قوله :
إذا قيل مهلاً قال حاجزه قَدِ
فيكون على هذا أي قد قطع وأغنى . ويجوز أن يكون معناه : قَدْك ! أي حسبك ، كأنّه قد فرغ ما قد أريد منه ، فلا معنى لردعك وزجرك .
وإنما تحذف الجملة من الفعل الفاعل لمشابهتها المفرد بكون الفاعل في كثير من الأمر بمنزلة الجزء من الفعل ؛ نحو ضربت ويضربان ، وقامت هند، و " لتبلون في أموالكم " وحبّذا زيد ، وما أشبه ذلك مما يدل على شدّة اتصال الفعل بالفاعل وكونه معه كالجزء الواحد , وليس كذلك المبتدأ والخبر .
وأما حذف المفرد فعلى ثلاثة أضرب : اسم وفعل وحرف .
حذف الاسم على أضرب :
قد حذف المبتدأ تارة ؛ نحو هل لك في كذا وكذا ؛ أي هل لك فيه حاجة أو أرب , وكذلك قوله عزّ وجلّ : " كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ " أي ذلك ، أو هذا بلاغ , وهو كثير .
وقد حذف الخبر ، نحو قولهم في جواب من عندك : زيد ؛ أي زيد عندي , وكذا قوله تعالى : " طاعة وقول معروف " وإن شئت كان على: طاعة وقول معروف أمثل من غيرهما ، وإن شئت كان على : أمرنا طاعة وقول معروف , وعليه قوله :
فقالت : على اسم الله أمرك طاعة = وإن كنت قد كلفت ما لم أعود
وقد حذف المضاف ، وذلك كثير واسع ، وإن كان أبو الحسن لا يرى القياس عليه ؛ نحو قول الله سبحانه : " ولكن البرّ من اتّقى " أي بر من اتقى , وإن شئت كان تقديره : ولكن ذا البر من اتقى , والأول أجود ؛ لأن حذف المضاف ضرب من الاتساع ، والخبر أولى بذلك من المبتدأ؛ لأنّ الاتساع بالأعجاز أولى منه بالصدور , ومنه قوله عز اسمه: " واسأل القرية " أي أهلها .
وقد حذف المضاف مكرراًً ؛ نحو قوله تعالى : " فقبضت قبضةً من أثر الرسول " أي من تراب أثر حافر فرس الرسول , ومثله مسألة الكتاب: أنت مني فرسخان ؛ أي ذو مسافة فرسخين , وكذلك قوله جلّ اسمه : " ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت " أي كدوران عين الذي يغشى عليه من الموت .
وقد حذف المضاف إليه ؛ نحو قوله تعالى : " لله الأمر من قبل ومن بعد " أي من قبل ذلك ومن بعده , وقولهم : ابدأ بهذا أول ؛ أي أول ما تفعل , وإن شئت كان تقديره : أول من غيره ، ثم شبه الجار والمجرور هنا بالمضاف إليه ؛ لمعاقبة المضاف إليه إيّاهما , وكذلك قولهم : جئت من عل؛ أي من أعلى كذا ، وقوله :
فملَّك بالليط الذي تحت قشرها = كغِرقئ بّيْضٍ كنَّه القَيْضُ من علُ
فأمّا قوله :
كجلمود صخر حطّه السيل من علِ
فلا حذف فيه ؛ لأنّه نكرة ، ولذلك أعربه ، فكأنّه قال : حطّه السيل من مكان عالٍ؛ لكن قول العجلي :
أقِبُّ من تحتُ عريض من علِ
هو محذوف المضاف إليه ؛ لأنّه معرفة وفي موضع المبني على الضم ؛ ألا تراه قابل به ما هذه حاله ، وهو قوله : من تحت , وينبغي أن يكتب " علي " في هذا بالياء , وهو فعل في معنى فاعل ؛ أي أقبُّ من تحته عريض من عاليه ، بمعنى أعلاه , والسافل والعالي بمنزلة الأسفل والأعلى , قال:
ما هو إلا الموت يغلي غاليه = مختلطاً سافلُه بعاليه
لا بد يوماً أنني ملاقيه
ونظير عالٍ وعلٍ هنا قوله :
وقد علَتني ذُرْأة بادي بدي
أي : باديَ باديَ , وإن شئت كان ظرفاً غير مركب ؛ أي في بادي بدي ؛ كقوله : عزّ اسمه : " بادي الرأي " أي في بادي الرأي إلا أنّه أسكن الياء في موضع النصب مضطراً ؛ كقوله :
يا دار هند عَفَتْ إلا أثافيها
وإن شئت كان مركباً على حد قوله :
إذ نحن في غِرة الدنيا ولذتها = والدار جامعة أزمان أزمانا
إلا أنّه أسكن لطول الاسم بالتركيب ؛ كمعدي كرب . ومثل فاعل وفعل في هذا المعنى قوله :
أصبح قلبي صردا لا يشتهي أن يردا إلا عراداً عِردا
وصلياناً بردا وعَنْكَثاً ملتبدا

أراد: الإعراد عارداً وصليانا باردا .
وعليه قوله :
كأن في الفُرْشِ القَتَاد العاردا
فأمّا قولهم : عَرْد الشتاء ؛ فيجوز أن يكون مخففاً من عَرِد هذا , ويجوز أن يكون مثالاً في الصفة على فعل ؛ كصعب وندب .
ومنه يومئذ وحينئذ ونحو ذلك ؛ أي إذ ذاك كذلك ، فحذفت الجملة المضاف إليها , وعليه قول ذي الرمة :
فلما لبسن الليل أو حين نصَّبت = له من خَذَا آذانها وهو جانح
أي: أو حين أقبل . وحكى الكسائي : أفوق تنام أم أسفل ؛ حذف المضاف ولم يبن , وسمع أيضاً : " لله الأمر من قبل ومن بعد " ؛ فحذف ولم يبن .
هيثم السليمان غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس