عرض مشاركة واحدة
قديم 02-03-2009
  #3
هيثم السليمان
عضو شرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: دير الزور _ العشارة
المشاركات: 1,367
معدل تقييم المستوى: 17
هيثم السليمان is on a distinguished road
افتراضي رد: الحذف في اللغة العربية

وقد حذف المفعول به ؛ نحو قول الله تعالى : " وأوتيت من كل شيء " أي أوتيت منه شيئاً . وعليه قول الله سبحانه : " فغشّاها ما غشَّى " أي غشّاها إيّاه . فحذف المفعولين جميعاً , وقال الحُطيئة :
منعَّمة تصون إليك منها = كصونك من رِداء شرعَبيّ
أي : تصون الحديث منها , وله نظائر .
وقد حذف الظرف ؛ نحو قوله :
فإن متُّ فانْعَيني بما أنا أهلُه = وشُقِّي عليَّ الجيبَ يا ابنة معبِد
أي إن متُّ قبلك ، هذا يريد لا محالة ؛ ألا ترى أنه لا يجوز أن يشرط الإنسان موته ؛ لأنه يعلم أنه مائت لا محالة , وعليه قول الآخر:
أهيمُ بدَعْدٍ ما حييت فإن أمت = أُوكّل بدَعْدٍ مَن يهيم بها بعدي
أي فإن أمت قبلها ، لا بد أن يريد هذا , وعلى هذا قول الله تعالى : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " أي من شهد الشهر منكم صحيحاً بالغاً في مصرٍ فليصمه , وكان أبو علي رحمه الله يرى أن نصب الشهر هنا إنما هو على الظرف ، ويذهب إلى أن المفعول محذوف ؛ أي فمن شهد منكم المصر في هذا الشهر فليصمه , وكيف تصرفت الحال فلا بدّ من حذف .
وقد حذف المعطوف تارة ، والمعطوف عليه أخرى ؛ روينا عن أحمد بن يحيى أنهم يقولون : راكب الناقة طليحان ؛ أي راكب الناقة والناقة طليحان , وقد مضى ذكر هذا , وتقول : الذي ضربت وزيداً جعفر ، تريد الذي ضربته وزيداً ، فتحذف المفعول من الصلة .
وقد حذف المستثنى ؛ نحو قولهم : جاءني زيد ليس إلا ، وليس غير ؛ أي ليس إلا إيّاه ، وليس غيره .
وقد حذف خبر إن مع النكرة خاصة ؛ نحو قول الأعشى :
إنّ محلاً وإنّ مرتحلاّ = وإنّ في السَّفْر إذْ مضَوْا مَهَلا
أي : إنّ لنا محلاً وإنّ لنا مرتحلاً .
وأصحابنا يجيزون حذف خبر إنّ مع المعرفة ، ويحكون عنهم أنهم إذا قيل لهم : إنّ الناس ألْب عليكم فمن لكم ؟ قالوا : إنّ زيداً ، وإنّ عمراً ؛ أي : إنّ لنا زيداً ، وإنّ لنا عمرًا , والكوفيون يأبون حذف خبرها إلا مع النكرة , فأمّا احتجاج أبي العباس عليهم بقوله :
خلا أنّ حيّاً من قريش تفضلوا = على النّاس أو أن الأكارم نهْشلا
أي : أو أنّ الأكارم نهشلاً تفضلوا , قال أبو علي : وهذا لا يلزمهم ؛ لأنّ لهم أن يقولوا : إنما منعنا حذف خبر المعرفة مع إنّ المكسورة ؛ فأمّا مع أنّ المفتوحة فلن نمنعه . قال : ووجه فصلهم فيه بين المكسورة والمفتوحة أنّ المكسورة حذف خبرها كما حذف خبر نقيضها , وهو قولهم لا بأسَ ، ولا شكّ ؛ أي عليك ، وفيه . فكما أنّ " لا " تختص هنا بالنكرات فكذلك إنما تشبهها نقيضتها في حذف الخبر مع النكرة أيضاً .
وقد حذف أحد مفعولي ظننت ؛ وذلك نحو قولهم : أزيداً ظننته منطلقاً ؛ ألا ترى أنّ تقديره : أظننت زيداً منطلقاً ظننته منطلقاً ؟ فلمّا أضمرت الفعل فسرته بقولك : ظننته ؛ وحذفت المفعول الثاني من الفعل الأول المقدر اكتفاء بالمفعول الثاني الظاهر في الفعل الآخر , وكذلك بقية أخوات ظننت.
وقد حذف خبر كان أيضاً ؛ في نحو قوله :
أسكرانُ كان ابنَ المراغة إذ هجا = تميماً ببطن الشأم أم متساكر
ألا ترى أنّ تقديره : أكان سكرانُ ابن المراغة ؛ فلمّا حذف الفعل الرافع فسّره بالثاني فقال : كان ابن المراغة , وابن المراغة هذا الظاهر خبر " كان " الظاهرة ، وخبر " كان " المضمر محذوف معها ؛ لأنّ " كان " الثانية دلّت على الأولى .
وكذلك الخبر الثاني الظاهر دل على الخبر الأول المحذوف .
وقد حذف المنادى ؛ فيما أنشده أبو زيد من قوله :
فخيرٌ نحن عند الناس منكم = إذا الداعي المثَوِّب قال : يا لا
أراد : يا لبني فلان ، ونحو ذلك .
فإن قلت : فكيف جاز تعليق حرف الحر؟ قيل : لمّا خُلط بيا صار كالجزء منها , ولذلك شبّه أبو علي ألفه التي قبل اللام بألف باب ودار ، فحكم عليها حينئذ بالانقلاب , وقد ذكرنا ذلك , وحسن الحال أيضاً شيء آخر ، وهو تشبث اللام الجارة بألف الإطلاق ، فصارت كأنها معاقبة للمجرور ألا ترى أنّك لو أظهرت ذلك المضاف إليه ، فقلت : يا لبني فلان لم يجز إلحاق الألف هنا وجرت ألف الإطلاق في مَنَابها هنا عمّا كان ينبغي أن يكون بمكانها ، مجرى ألف الإطلاق في مَنَابها عن تاء التأنيث في نحو قوله :
ولاعب بالعشيِّ بني بنيه = كفعل الهِرِّ يحترش العَظَايا
فأبعده الإله ولا يؤبِّى = ولا يعطَى من المرض الشِّفايا
وكذلك نابت أيضاً واو الإطلاق في قوله:
وما كلُّ مَن وافى مِنىً أنا عارف
فيمن رفع كلاً عن الضمير الذي يزاد في عارفه ؛ وكما ناب التنوين في نحو حينئذ ، ويومئذ عن المضاف إليه إذْ , وعليه قوله :
نهيتك عن طِلابك أمَّ عمرو = بعاقبة وأنتَ إذٍ صحيح
فأمّا قوله تعالى : " ألا يا اسجدوا " فقد تقدم القول عليه : أنّه ليس المنادى هنا محذوفاً ، ولا مراداً كما ذهب إليه محمد بن يزيد ، وأنّ " يا " هنا أخلصت للتنبيه مجرداً من النداء ؛ كما أنّ " ها " من قول الله تعالى : " هاءنتم هؤلاء جادلتم " للتنبيه من غير أن تكون للنداء , وتأوَّل أبو العباس قول الشاعر :
طلبوا صُلْحَنا ولاتَ أوانٍ = فأجبنا أن ليس حين بقاءِ
قول الجماعة في تنوين إذْ , وهذا ليس بالسهل ؛ وذلك أنّ التنوين في نحو هذا إنما دخل فيما لا يضاف إلى الواحد وهو إذ , فأمّا " أوان " فمعرب ويضاف إلى الواحد ؛ كقوله :
فهذا أوانُ العِرْض حيٌّ ذبابُه = زنابيرُه والأزرق المُتَلَمِّسُ
وقد كسروه على آوِنة ، وتكسيرهم إيّاه يبعده عن البناء ؛ لأنّه أخْذ به في شِقّ التصريف والتصرُّف .
قال :
أبو حَنَشٍ يُؤَرِّقنا وطَلْقٌ = وعبَّادٌ وآونةً أُثالا
وقد حذف المميز ؛ وذلك إذا علم من الحال حكم ما كان يعلم منها به , وذلك قولك : عندي عشرون ، واشتريت ثلاثين ، وملكت خمسة وأربعين , فإن لم يعلم المراد لزم التمييز إذا قصد المتكلم الإبانة , فإن لم يرد ذلك وأراد الإلغاز وحذف جانب البيان لم يوجب على نفسه ذكر التمييز , وهذا إنما يصلحه ويفسده غرض المتكلم ، وعليه مدار الكلام فاعرفه .
وحذف الحال لا يحسن ؛ وذلك أنّ الغرض فيها إنما هو توكيد الخبر بها ، وما طريقه طريق التوكيد غير لائق به الحذف ؛ لأنّه ضد الغرض ونقيضه ولأجل ذلك لم يجز أبو الحسن توكيد الهاء المحذوفة من الصلة ؛ نحو الذي ضربت نفسه زيد ، على أن يكون نفسه توكيداً للهاء المحذوفة من ضربت وهذا مما يترك مثله ؛ كما يترك إدغام الملحق إشفاقاً من انتقاض الغرض بإدغامه .
فأمّا ما أجزناه من حذف الحال في قول الله تعالى : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " أي فمن شهده صحيحاً بالغاً ؛ فطريقه أنّه لمّا دلت الدلالة عليه من الإجماع والسنة جاز حذفه تخفيفاً , وأمّا لو عريت الحال من هذه القرينة وتجرد الأمر دونها لما جاز حذف الحال على وجه .
ولم أعلم المصدر حُذِف في موضع , وذلك أنّ الغرض فيه إذا تجرّد من الصفة أو التعريف أو عدد المرات فإنما هو لتوكيد الفعل ، وحذف المؤكد لا يجوز .
وإنما كلامنا على حذف ما يحذف وهو مراد , فأمّا حذفه إذا لم يرد فسائغ لا سؤال فيه , وذلك كقولنا : انطلق زيد ؛ ألا ترى هذا كلاماً تاماً وإن لم تذكر معه شيئاً من الفضلات ، مصدراً ولا ظرفاً ولا حالاً ولا مفعولاً له ولا مفعولاً معه ولا غيره , وذلك أنّك لم ترد الزيادة في الفائدة بأكثر من الإخبار عنه بانطلاقه دون غيره .
هيثم السليمان غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس