عرض مشاركة واحدة
قديم 03-23-2011
  #7
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: الملاحق - ملحق امير داغ الثاني

الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 380
وحاصل الكلام:
ان المدنية الغربية الحاضرة لا تلقي السمعَ كلياً الى الأديان السماوية؛ لذا أوقعت البشرية في فقرٍ مدقع، وضاعفت من حاجاتها ومتطلباتها، وهي تتمادى في تهييج نار الإسراف والحرص والطمع عندها بعد أن قوضت أساس الاقتصاد والقناعة، وفتحت أمامها سُبل الظلم وارتكاب المحّرمات. زد على ذلك فقد ألقت - بذلك - الانسان المحتاج المسكين في احضان الكسل والتعطيل المدمّر، بعد أن شجعته على وسائل السفاهة. وهكذا بددت الشوق لديه الى السعي والعمل، فأضاع الانسان عمره الثمين سدىً باتباعه هوى المدنية الحاضرة وبسيره وراء سفاهتها ولهوها.
زد على ذلك فقد ولّدت المدنية في ذلك الانسان المعوز العاطل أمراضاً وأسقاماً وعللاً، إذ اصبحت وسيلةً، الى انتشار مئات من الأوبئة والامراض في أرجاء المعمورة. بثتها في الاوساط بسوء الاستعمال والإسراف.
ففضلاً عن هذه العلل الثلاثة التي ولّدتها المدنية وهي الحاجة الماسة والميل الى السفاهة، وكثرة الامراض المذكّرة بالموت، فانه بتفشي الالحاد وتوغله فيها استيقظت البشرية من غفوتها، واذا بالمدنية تهددّها باستمرار، باظهار الموت تجاهها اعداماً ابدياًً، فجرّعتها نوعاً من عذاب جهنم في الدنيا.
فأزاء هذه المصيبة الرهيبة النازلة بساحة البشرية يداوي القرآن الكريم تلك الجروح الثلاثة البليغة بصحوة تلاميذه الذين يربون على اربعمائة مليون تلميذ وبما يضمه من قوانين مقدسة سماوية مثلما عالج علاجاً شافياً ادواء البشرية قبل الف وثلاثمائة سنة، فانه مستعد لتضميد تلك الجراحات الغائرة بقوانينه الاساسية السامية.. فضلاً عن انه الكفيل بتحقيق سعادة دنيوية واخروية للبشرية مالم تقم على رأسها قيامة مفاجئة.. زد على ذلك فانه يبين لها أن الموت ما هو إلاّ تسريح من الوظيفة وتذكرة ترخيص للدخول الى عالم النور بدلاً من كونه اعداماً ابدياً.. وان كفة حسنات الحضارة النابعة منه ستتغلب حتماً على سيئات المدنية الحاضرة، بل يجعل المدنية سائرة في ركاب تلك القوانين السماوية، تخدمها وتعينها بدلاً مما يحدث الى الآن من تنازل قسم من الدين لقسم من المدنية. ومن دفع احكام الدين رشوة في سبيل


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 381
المدنية. كل ذلك يفهم من اشارات القرآن المعجز البيان ومن رموزاته، فترجو البشرية الصاحية الحاضرة ذلك العلاج القدسي من رحمته تعالى وتتضرع اليه وتطلبه.
الباقي هو الباقي
سعيد النورسي
***

18 / 1/ 1958
[اتخاذ البيت مدرسة نورية]
باسمه سبحانه
(وان من شىء الاّ يسبح بحمده)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ابداً دائماً
اخوتي الاعزاء الاوفياء، ويا طلاب النور لمدرسة الزهراء المعنوية!
عندما قدمت الى اسبارطه طرق سمعي انه ستفتح مدرسة الوعظ والخطابة والامامة فيها. فخطر على القلب:
فتح مدرسة نورية في الاماكن المجاورة من تلك المدرسة، وذلك لجعلها نوعاً من مدرسة نورية، اذ إن معظم الذىن سيسجلون فيها هم من طلاب النور.
وقد فهم من مجئ الرجال والنساء زرافاتٍ ووحداناً الى اسبارطة بعد يومين من مجيئي اليها، وبعد اشاعة الخبر وكأنني سألقي درساً عاماً للناس، انه لو فتحت مدرسة نورية شبه رسمية عامة فستكون مكتظة ومزدحمة لتوافد الناس اليها كما توافدوا لمشاهدتنا عند ذهابنا الى محكمة آفيون. ولاحتمال حدوث امثال هذه التجمعات التي لا معنى لها تركت تلك الخاطرة. ولكن خطرت هذه الحقيقة على القلب:
ليحوّل كل شخص بيته الى مدرسة نورية يتدارسون فيها مع اطفاله واهل بيته، وان لم يكن له احد وكان وحيداً فليتخذ مع بضع افراد من جيرانه احد المساكن


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 382
مدرسة نورية يتدارسون فيه رسائل النور او يستمعون لها او يستنسخونها، وذلك في الاوقات التي يتفرغون فيها عن اعمالهم ومشاغلهم، إذ الانشغال بهذه الرسائل ولو لعشر دقائق يثيب صاحبه ثواب طالب علم حقيقي، فضلاً عن كسبه ثواب خمسة انوار من العبادات المذكورة في رسالة الاخلاص. علاوة على تحول عاداته ومعاملاته الاعتيادية لمتطلبات معيشته عبادة يثاب عليها، كما هي الحال لدى طالب العلم. هكذا ورد الى القلب وانا بدوري ابينه لاخوتي.
الباقي هو الباقي
اخوكم المريض
سعيد النورسي
***

[الدروس تنوب عني]
باسمه سبحانه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ابداً دائماً
اخوتي الاعزاء الاوفياء!
اولاً: اقدم مائة الف شكر وشكر الى الرب الجليل الذي حقق بكم، انتم اركان مدرسة الزهراء، الحقيقة المعنوية لمدرسة الزهراء، التي كانت هدف خيالي وغاية حياتي طوال خمس وخمسين سنة.
ثانياً: لقد حرمت من المحاورة مع اخوتى طلاب النور والمجالسة معهم من جراء المرض ولاسباب اخرى. لذا فانني اوكل - عوضاً عني- الدروس التي لقنتها رسائل النور سعيداً الجديد في مدرسة القرآن، والدروس التي تعلمها سعيد القديم من الحياة الاجتماعية - كالخطبة الشامية وذيولها- فأوكل الكلام والمحاورات في تلك الدروس لتنيب عن اخيكم هذا الضعيف المشتاق اليكم في محاوراته.


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 383
ثالثاً: اقدم تعازىّ الى البطل "طاهري" 1 الطالب الخاص الخالص لرسائل النور والناشر لها والذي اتخذ بيته مدرسة نورية صغيرة، وذلك لوفاة والده الذي وهبه لدائرة النور. واعزي اقاربه وذويه واسبارطة ودائرة رسائل النور سائلاً المولى القدير ان ينزل الرحمات الى روحه بعدد حروف رسائل النور...
الباقي هو الباقي
اخوكم المريض
سعيد النورسي
***

[اعتراض ولي عظيم]
باسمه سبحانه
اخوتي الاعزاء!
حصلت على مؤلّف مطبوع لسعيد القديم "المناظرات" ونظرت اليه بلهفة وانعام نظر. فوردت الى القلب هذه الفقرة الآتية:
اولاً: ان هذا المؤلَّف الذي طبع في مطبعة "ابو الضياء" سنة 1329هـ هو الدرس الذي القاه سعيد القديم بين عشائر الارتوش ولاسيما عشائر كودان ومامخوران، لأجل افهام الشورى الشرعية للعشائر فهماً صائباً وحملهم على قبولها، وذلك فى السنة الثالثة من عهد الحرية. ولكن لم احصل على هذا المؤلّف مع الاسف رغم بحثي عنه منذ ثلاثين سنة، الاّ ان احدهم حصل على نسخة منه فأرسلها اليّ.
طالعت الكتاب بامعان وبعقل سعيد القديم وبسانحات سعيد الجديد، فادركت ان سعيداً القديم شعر بحسّ عجيب مسبق - قبل الوقوع - بالوقائع المادية والمعنوية التي تحدث الآن، فقد شعر بها قبل حوالي اربعين سنة. اذ انه شاهد ما وراء ستار العشائر الكردية، الخونة الذين جعلوا هذا الزمان قناعاً لهم وهم الملحدون الجاهلون
_____________________
1 طاهرى موطلو: هو احد طلاب النور المقربين للاستاذ النورسي، صاحبه في السجن، تولى شؤون الرسائل، انتقل الى رحمة الله سنة 1977م عن سبع وسبعين من العمر. - المترجم.



الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 384
الحقيقيون والرجعيون الذين يحاولون تحت ستار الوطنية ارجاع هذه الامة الى عاداتها السابقة قبل عهد الاسلام. فتكلم سعيد القديم معهم بشدة وحاورهم بعنف.
ثانياً: قرأت الصفحات التى يبدو فيها ان بين المستمعين لدرسي ذاك، ولي عظيم - دون علمي به - فقد اعترض اعتراضاً شديداً في ذلك المقام اذ قال:
- انت تغالي وتفرط، اذ تُظهر الخيال عينَ الحقيقة وتُهيننا بظنك اننا جهلاء، فنحن في عصر آخر الزمان والفساد يستشري وسينقلب من سئ الى أسوأ.
وكان الجواب في الكتاب:
لماذا تكون الدنيا ميدان تقدمٍ وترقٍ للجميع، وتكون لنا وحدنا ميدان تأخر وتدنٍ. فهل الأمر هكذا؟ فها أنذا آليتُ على نفسي الاّ أخاطبكم، فأدير اليكم ظهري وأتوجه بالخطاب الى القادمين في المستقبل: أيا من اختفى خلف عصر شاهق لما بعد ثلاثمائة سنة، يستمع الى كلمات النور بصمت وسكون. وتلمحنا بنظر خفي غيبي.. أيا من تتسمّون بـ "سعيد وحمزة، وعمر وعثمان وطاهر، ويوسف وأحمد وامثالهم" انني اتوجه بالخطاب اليكم: ارفعوا هاماتكم وقولوا: "لقد صدقت" وليكن هذا التصديق ديْناً في اعناقكم. إن معاصري هؤلاء وان كانوا لا يعيرون سمعاً لاقوالي، لندعهم وشأنهم، انني اتكلم معكم عبر امواج الاثير الممتدة من الوديان السحيقة للماضي - المسمّى بالتأريخ - الى ذرى مستقبلكم الرفيع، ما حيلتي لقد استعجلت وشاءت الاقدار ان آتي الى خضم الحياة في شتائها.. أما انتم فطوبى لكم ستأتون اليها في ربيع زاهر كالجنة، ان ما يزرع الآن ويستنبت من بذور النور ستتفتح ازاهير يانعة في ارضكم.. نحن ننتظر منكم لقاء خدماتنا.. انكم اذا جئتم لتعبروا الى سفوح الماضي، عوجوا الى قبورنا، واغرسوا بعض هدايا ذلك الربيع على قمة القلعة. (اي كما ذكر في الرجاء الثالث عشر من رسالة "الشيوخ" أنه بوفاة مدرسة خورخور التي هي تحت قلعة "وان" الصلدة والتي هي مدرسة ابتدائية لمدرسة الزهراء، وغلق المدارس الشرعية فى الاناضول كافة الدال على وفاتها. توفت جميع المدارس وكأن قلعة "وان" صارت شاهداً لقبرها العظيم. فيا ايها المقبلون بعد ثلاثمائة سنة ازرعوا على قمة هذه القلعة زهرة مدرسة نورية).


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 385
اي ابنوا جسم مدرسة الزهراء التي تعيش روحاً ضمن هيئة واسعة، ولم تبعث جسماً. علماً ان سعيداً القديم قد قضى معظم حياته في سبيل تحقيق تلك المدرسة. وقد سجل حقائق مهمة في مؤلفه ذاك سواءً في تأسيسها او في فوائدها.
وانه لفأل حسن بعد انكسار حدّة الاستبداد الرهيب الذى دام خمساً وعشرين سنة والذى انهى حياة المدارس الشرعية، قرار وزير المعارف "التربية" توفيق ايلرى على انشاء مدرسة الزهراء في "وان" باسم جامعة الشرق، واستصواب رئيس الجمهورية "جلال بايار" - من حيث لم يحتسب - قرار الوزير وجعله ضمن قائمة المسائل المهمة. وهذا ما كان يتمناه سعيد قبل اربعين سنة، وسيتحقق باذن الله.
نبين هنا ثلاث حقائق لايضاح جواب سعيد القديم الذي قاله قبل خمس واربعين سنة.
الحقيقة الاولى:
لقد شعر سعيد القديم بحس مسبق بحادثتين عجيبتين. ولكن كان يقتضي التعبير كما في الرؤى الصادقة. اذ لو نظر احدهم الى شئ ابيض من خلال ستار احمر فانه يراه احمر، فسعيد القديم كذلك نظر الى تلك الحقيقة من خلال ستار السياسة الاسلامية فأبدلت صورة الحقيقة شكلها شيئاً ما. وقد عرف ذلك الولي الصالح الحاضر في المجلس خطأ سعيد القديم فاعترض عليه من تلك الجهة.
وتلك الحقيقة قسمان:
القسم الاول: سيظهر نور ساطع عظيم فى المملكة العثمانية، حتى كان سعيد يبشر به طلابه قبل عهد الحرية ولمرات عديدة مسرّياً عنهم، وان ذلك النور سيحقق السعادة لهذا الوطن رغم التخريبات والفساد المشاهد. وهكذا اظهرت رسائل النور - بعد اربعين سنة - تلك الحقيقة حتى للعيون المطموسة.
فلقد عبّر سعيد القديم عما استشعره من منافع ذلك النور الجليلة الواسعة وبنوعيتها الراقية، فكأن ذلك النور سيظهر فى المملكة العثمانية كلها مشاهداً اياه من خلال السياسة من دون ان يأخذ بنظر الاعتبار كمية النور القليلة وسعته الضيقة.


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 386
فكان سعيد القديم محقاً الى حد ما كما ان ذلك الولي محق ومصيب فى اعتراضه برؤيته الدائرة الضيقة واسعة.
لأن دائرة رسائل النور الضيقة واسعةٌ جداً من حيث انقاذها الايمان. حيث انها تنقذ الحياة الابدية. فمليوناً من طلابها فى حكم المليار. اي ان محاولة اسعاد الف من الاشخاص فى الآخرة افضل بكثير من اسعادهم فى حياتهم الدنيوية والمدنية، واوسع منها معنى، فذلك الذى شاهده سعيد القديم بذلك الحس المسبق الشبيه بالرؤيا الصادقة. اي ان ذلك النور الضيق سيحيط بالمملكة العثمانية كلها.
ولعل الله سيجعل تلك الدائرة الواسعة منورة بنمو ما تزرعه رسائل النور من بذور نورانية. وعندها تتبين صحة تعبيره الخطأ.
الحقيقة الثانية:
كان سعيد القديم يخبر طلابه - في مؤلفاته القديمة وفي افادة المرام لاشارات الاعجاز - ويقول لهم مكرراً: ستحدث زلزلة اجتماعية بشرية عظيمة، زلزلة مادية ومعنوية، وسيغبطون اعتكافي وانزوائي وبقائي اعزباً.
حتى أنه في السنة الاولى من عهد الحرية سأل الشيخ بخيت - مفتى الديار المصرية - سعيداً القديم: ما تقول في حق هذه الحرية العثمانية والمدنية الاوربائية؟ فأجابه سعيد:
ان الدولة العثمانية حاملة بدولة اوروبائية وستلد يوماً ما، وان اوروبا حاملة بالاسلامية وستلد يوماً ما.
فقال له الشيخ الجليل: وانا اصدق ما يقوله. ثم قال لمن حوله من العلماء: لا اناقش هذا ولا اتمكن ان اغلبه.
فلقد شاهدنا الولادة الاولى، أنها سبقت اوروبا في بُعدها عن الدينبربع قرن.
اما الولادة الثانية: فستظهر بعد حوالي ثلاثين سنة باذن الله. ستظهر في الشرق والغرب دولة اسلامية.


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 387
الحقيقة الثالثة:
كان سعيد القديم - والجديد - يخبر بحس مسبق وباصرار بالغ وبتكرار عن حادثة عظيمة معنوية ومادية وظهور زلزال اجتماعي بشري رهيب مدمّر فى الدولة العثمانية. والحال انه رأى بذلك الحس ما فى الدائرة الواسعة جداً فى دائرة ضيقة. ورغم ان الزمان صدّقه بالحرب العالمية الثانية تصديقاً تاماً فهو يعبّر عن رؤيته تلك الدائرة الواسعة فى المملكة العثمانية بالاتي:
رغم ان الدمار الذي ولّدته الحرب العالمية الثانية واسع جداً فانه ضيق بالنسبة للدمار الذي حصل في الدولة العثمانية، حيث انه متوجه الى الحياة الدنيوية والمدنية الزائفة. بينما الذي حصل فى الدولة العثمانية دمار للحياة الباقية والسعادة الدائمة. فهذا الدمار زلزلة اسلامية افظع وارهب من حيث المعنى من تلك الحرب. وبهذا يصحح ما سهى عنه سعيد القديم ويعبّر عن رؤياه الصادقة ويظهر للعيون حسه المسبق. ويردّ في الوقت نفسه اعتراض ذلك الولي الفاضل الذي يبدو حقاً، باثباته ان الحس المسبق لسعيد القديم احق منه.
***

[التضحية الصديقية]
نشرت كلٌ من صحيفة بويوك جهاد "الجهاد الاكبر" و "سبيل الرشاد" ما اعلنتُه، وهو: انني لا اجعل خدمة الايمان والدين ورسائل النور اداة للسياسة الدنيوية، ولاسيما للوصول الى كمالات معنوية ومقامات رفيعة، كذلك لا اجعلها وسيلة لبلوغ ما يهش له الناس من سعادة ابدية ونجاة من النار، بل هي خالصة لوجه الله ولابتغاء مرضاته وحده وتنفيذاً لأمره سبحانه. وما ألجأني الى هذا الامر الاّ الاخلاص الحقيقي الذي هو القوة الحقيقية للنور. علّنى احظى بذرةٍ من التضحية السامية التي كان الصدّيق الاكبر رضي الله عنه يتحلى بها، حيث قال:
اسأله تعالى ان يكبر جسمى ليملأ جهنم حتى لايبقي موضع لمؤمن، اعذب عوضاً عنهم. فانا ارضى كذلك بدخول النار لاُنقذ بضع اشخاص منها بالايمان.


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 388
ومن المعلوم ان العبادة لا تؤدّى طمعاً فى الجنة ولا خوفاً من النار، بل للأمر الرباني وابتغاء مرضاته سبحانه.
***

[حول تحضير الارواح]
باسمه سبحانه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ابداً دائماً.
اخوتي الاعزاء الاوفياء!
لقد تحقق بامارات كثيرة وحوادث عديدة ان اعداء طلاب النور يدبّرون خططاً شتى ليحملوا بعض طلاب رسائل النور الخواص على التخلي عن خدمة النور او التراخي والتخاذل عن العمل، وذلك بكشف ما لديهم من عرق ضعيف.
نبين ادناه أنموذجين اثنين ليكونا موضع عبرة وعظة:
الأنموذج الاول:
هو لفت نظر عدد من طلاب رسائل النور الخواص المرتبطين ارتباطاً قوياً بخدمة النور، وصرف تفكيرهم الى جهة غير الخدمة، باشغالهم بمشارب روحانية ذات اذواق، مما يفتتّ صلابتهم ويوهن ارتباطهم الوثيق. أو باشغالهم بتلقي الاخبار عن الاموات، المسمى بتحضير الارواح، وهو مخابرة مع الجن، او باشغالهم بالتنبؤ عن اخبار مستقبلية كما كان لدى الكهان السابقين، فكأنهم يتصلون مع اولياء عظام او حتى مع الأنبياء عليهم السلام، ويجرون معهم ما يشبه المحاورة.. وامثال هذه الامور. ولما كانت هذه المسألة - تحضير الارواح والتنبؤ بالغيب -آتية من الاجانب ونابعة من الفلسفة فقد تؤدى الى اضرار جسيمة بالمؤمنين، حيث يمكن استعمالها استعمالاً سيئاً، اذ لو كان فيها صدق واحد ففيها عشرة اكاذيب. ولا محك ولا مقياس لتمييز الصدق عن الكذب. وبهذه الوسيلة يلحق الجن - الذين يعينون الارواح الخبيثة - الضرر بقلب المنشغل بها وبالاسلام ايضاً، ذلك لانها إخبارات


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 389
تنافي حقائق الاسلام وتعارض عقائده العامة مع انها تزاوَل باسم امور روحية معنوية، حيث يوحون بأنهم ارواح طيبة مع انهم ارواح خبيثة، بل انهم يسعون للإخلال بالاسس الاسلامية، او يتفوهون بكلمات مقلدين اسماء اولياء عظام، وبهذا يستطيعون تغيير الحقيقة والتمويه على السذج الذين يكونون ضحية خداعاتهم..
فلو قالت جلوة الشمس التي تشاهد فى قطعة زجاج صغيرة - متكلمة باسمها- ان ضيائي يستولى على الدنيا وحرارتي تحمي كل شئ، وانا اكبر بمليون مرة من الكرة الارضية. كم يكون كلامها خلافاً للحقيقة!
فالنبي الذي في مقامه الحقيقى الرفيع كالشمس الساطعة، لا يمكن ان تتكلم جلوته باسمه، لدى تحضير الارواح او التنبوء بالمستقبل. ولو تكلمت باسم النبي لكان كلامها مخالفاً كلياً بمئات الاضعاف. فلا يمكن قياس ظهور جلوة جزئية لدى تحضير الارواح أو التنبؤ بالمستقبل اصلاً و قطعاً بالماهية السامية الرفيعة لصاحب الوحي الذى هو كالشمس المعنوية، لذا لا يمكن جلب تلك الحقيقة العظمى قطعاً، بل ان جلبها سوء ادب واهانة و عدم احترام ليس الاّ، وانما يمكن الرقي بالسير والسلوك للتقرب من ذلك المقام الرفيع فيحظى بالمحاورة والمجالسة مع تلك الشمس الحقيقىة كما حدث لجلال الدين السيوطى واولياء آخرين. مع العلم ان هذا الرقي هو مجالسة و محاورة مع ولايته صلى الله عليه وسلم - كما اثبتته رسائل النور - ولا يكون هذا الاّ حسب قابلياتهم ووفق استعداداتهم الذاتية. ولكن حقيقة النبوة لكونها أرفع وأسمى واعلى بكثير من الولاية، فان المحاورة التي تُنال بالرقي الروحي أو بوساطة تحضير الارواح والتلقي منها، لا تبلغ حقيقة المحاورة والتلقي من النبي تلقياً حقيقياً باي جهة كانت ولا يكون محوراً للاحكام الشرعية قطعاً.
ان تحضير الارواح المتأتي من الايغال في دقائق الفلسفة، وليس من الدين، حركة تخالف الحقيقة وتنافي الادب اللائق والاحترام الواجب. لان جلب ارواح من هم في اعلى عليين وفى المقامات السامية المقدسة الى مائدة تحضير الارواح، موضع الاكاذيب واللعب واللهو، في اسفل سافلين انما هو اهانة عظيمة وعدم توقير محض وسوء ادب.


عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس