عرض مشاركة واحدة
قديم 03-23-2011
  #9
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: الملاحق - ملحق امير داغ الثاني


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 400
وضمن هذه السجية - الشرف - درجت بطولة نادرة خالصة لا تقبل العوض والمقابل، ولكن - في الوقت الحاضر - دب فيها شئ من الفساد، فضعفت على أثرها تلك البطولة في معظم الناس. الا ان السجية الفطرية لدى النساء - وهي الشفقة والحنان - لم تفسد.
فالنساء بهذه السجية الفطرية يؤدين خدمات جليلة بين المسلمين في آخر الزمان، فتلك الاحاديث الشريفة تشير رمزاً الى أهمية هذه السجية الفطرية ودورها في المجتمع، وكيف انها تكون ركيزة ضمن دائرة الاسلام.
***

[موافقة السنة في الزواج]باسمه سبحانه
ِ(وان من شىء الا يسبح بحمده)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ابداً دائماً
جواب عن سؤال ورد في صحف نشرت في بلدان خارجية 1.
"لم بقيت أعزباً خلافاً للسنة النبوية؟"
لقد قرأنا رسالتكم على استاذنا الذي يعاني أشد حالات المرض، فقال لنا:
لو لم اكن في حالة شديدة من المرض لكنت اكتب جوابا مفصلا لهؤلاء الاخوة الفاضلين الطيبين، الا ان حالتي الصحية المتردية لا تسمح لي بذلك. فاكتبوا في غاية الاختصار، في بضع نقاط، جواباً لاولئك الاخوة المخلصين البررة ولرفقائي في خدمة القرآن:
_____________________
1 ننقل ادناه نص الرسالة التي بعثها أحدهم الى الاستاذ النورسي في حينه:
"لقد قرأت عدداً من رسائل النور مع ترجمة حياتكم، فرأيت في الترجمة ان من شؤونكم الخاصة: العزوبة، وعدم ايجاد علاقة بشئ في الدنيا، الأمر الذي لوحظ سريانه الى" طلاب النور ايضاً. وبما ان هذا مما لا يتفق مع قوله تعالى" في سورة النساء:
(فانكحوا ما طاب لكم من النساء) (النساء: 3)، وقوله صلى الله عليه وسلم: »لا ترهّب في الاسلام« وقوله : »تناكحوا تكثروا فانى اباهي بكم الامم يوم القيامة« . فقد رأيت أن استوضح الأمر.
واني اعتقد ان الاعتراض الذي أوردته قد يندفع ببيان كون العزوبة مطلوبةً لطلاب النور، ذكورهم واناثهم الى سن معينة، من أجل التفرغ لخدمة القرآن والايمان في سن الفتوة والشباب، ولكني لا أرى بدا من البحث في هذا، مع تعيين السن التي يتمكن أولئك الطلاب من الزواج بعد الوصول اليها.
وليس لي على كل حال إلا انتظار جوابكم المقارن للصواب ان شاء الله."
نقلا عن كراس صدر ببغداد سنة 1953



الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 401
أولا: في الوقت الذي يلزم لصد هجوم زندقة رهيبة تُغير منذ أربعين سنة، فدائيون يضحّون بكل ما لديهم، قررت ان اضحي لحقيقة القرآن الكريم لا بسعادتي الدنيوية وحدها، بل اذا استدعى الامر بسعادتي الاخروية كذلك، فلأجل ان اتمكن من القيام بخدمة القرآن على وجهها الصحيح باخلاص حقيقي ما كان لي بد من ترك زواج الدنيا الوقتي - مع علمي بانه سنة نبوية - بل لو وُهب لي عشر من الحور العين في هذه الدنيا، لوجدت نفسي مضطرة الى التخلي عنهن جميعاً، لأجل تلك الحقيقة، حقيقة القرآن. لأن هذه المنظمات الملحدة الرهيبة تشن هجمات عنيفة، وتدبر مكايد خبيثة، فلابد لصدها من منتهى التضحية وغاية الفداء، وجعل جميع الاعمال في سبيل نشر الدين خالصة لوجه الله وحده، من دون ان تكون وسيلة لشئ مهما كان.
ولقد افتى علماء منكوبون، وناس اتقياء ، لصالح البدع، أو ظهروا بمظهر الموالين لهم، من جراء هموم عيش أولادهم وأهليهم، فيقتضى منتهى التضحية والفداء، ومنتهى الثبات والصلابة وغاية الاستغناء عن الناس، وعن كل شئ، تجاه الهجوم المرعب العنيف على الدين، ولا سيما بعد الغاء دروس الدين في المدارس وتبديل الاذان الشرعي ومنع الحجاب بقوة القانون؛ لذا تركت عادة الزواج الذي أعلم انها سنة نبوية لئلا ألج في محرمات كثيرة، ولكي اتمكن من القيام بكثير من الواجبات واداء الفرائض. اذ لا يمكن أن تقترف محرمات كثيرة لأجل اداء سنة واحدة. فلقد وجد علماء ادوا تلك السنة النبوية أنفسهم مضطرة الى الدخول في عشر كبائر ومحرمات و ترك قسم من السنن والفرائض، في غضون هذه السنوات الاربعين.
ثانيا: ان الآية الكريمة
(فانكحوا ما طاب لكم..) (النساء: 3) والحديث الشريف (تناكحوا تكثروا..) 1. وامثالهما من الاوامر، ليست أوامر وجوبية ودائمية، بل استحبابية مسنونة، فضلا عن انها موقوفة بشروط لابد من توافرها، وقد
_____________________
1 "تناكحوا تناسلوا أباهي بكم الامم يوم القيامة« رواه عبد الرزاق والبيهقي عن سعيد بن ابي هلال مرسلا بلفظ: »تناكحوا تكثروا فاني اباهي بكم الامم يوم القيامة" قال في المقاصد: جاء معناه عن جماعة من الصحابة، فأخرج أبو داود والنسائي والبيهقي وغيرهم عن معقل بن يسار مرفوعاً: تزوجوا الولود الودود فانى مكاثر بكم الامم يوم القيامة، ولأحمد وسعيد بن منصور والطبراني في الاوسط والبيهقي واخرين عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالباءة وينهى عن التبتل نهيا شديداً ويقول: تزوجوا الولود الودود فانى مكاثر بكم الامم يوم القيامة، وصححه ابن حبان والحاكم.. الخ »باختصار عن كشف الخفاء للعجلوني 1021".



الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 402
يتعذر توافرها للجميع وفي كل وقت. ثم ان الحديث الشريف (لا رهبانية في الاسلام) 1 لا يعني ان الانزواء والعزوبة - كما هو لدى الرهبان - محرمتان مرفوضتان لا أصل لهما. بل هو حث على الانخراط في الحياة الاجتماعية كما هو مضمون الحديث الشريف (خير الناس انفعهم للناس) 2 والا فان ألوفاً من السلف الصالحين قد اعتزلوا الناس موقتاً، وآثروا الانزواء في المغارات لفترة من الزمن، واستغنوا عن زينة الحياة الدنيا الفانية وجردوا انفسهم عنها، كي يقوموا ببناء حياتهم الاخروية على الوجه الصحيح.
فما دام الكثيرون من السلف الصالحين تركوا الدنيا وزينتها بلوغاً الى كمال باق وخاص بشخصهم، فلابد ان الذي يعمل لأجل سعادة باقية، لكثير جداً من المنكوبين، ويحول بينهم وبين السقوط في هاوية الضلالة، ويسعى لتقوية ايمانهم، خدمةً للقرآن والايمان خدمة حقيقية، ويثبت تجاه هجمات الالحاد المغير من الخارج والظاهر في الداخل، اقول لابد أن الذي يقوم بهذا العمل العام الكلي - وليس عملا خاصاً لنفسه - تاركاً دنياه الآفلة، لايخالف السنة النبوية بل يعمل طبقا لحقيقة السنة النبوية.
ثم ان الكلام الصادق الصادرمن الصديق الاكبر رضى الله عنه: "ليكبر جسمي في جهنم حتى لا يبقى موضع لمؤمن" اتمنى ان اغنم ذرة واحدة من هذا الكلام الصادق.. ولأجله آثر هذا السعيد الضعيف العزوبة والاستغناء عن الناس طوال حياته كلها.
ثالثاً: لم نقل لطلاب النور: "تخلوا عن الزواج، دعوه للآخرين" ولا ينبغي ان يقال لهم هذا الكلام. ولكن الطلاب انفسهم على مراتب وطبقات. فمنهم من يلزم عليه الا يربط نفسه بحاجات الدنيا، قدر المستطاع، في هذا الوقت، وفي فترة من عمره، بلوغاً الى التضحية العظمى والثبات الاعظم والاخلاص الاتم. واذا ما وجد الزوجة التي تعينه على خدمة القرآن والايمان، فبها ونعمت. اذ لا يضر هذا الزواج
_____________________
1 قال ابن حجر لم أره بهذا اللفظ، لكن حديث سعد بن ابي وقاص عند البيهقي: ان الله ابدلنا بالرهبانية الحنيفية السمحة. "كشف الخفاء 3154"
2 حديث حسن أخرجه القضاعي في مسند الشهاب وابن عساكر في تاريخ دمشق 2/420/2 وانظر الصحيحة 426 وصحيح الجامع الصغير وزيادته برقم 6538.



الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 403
بخدمته وعمله للقرآن، ولله الحمد والمنة ففي صفوف طلاب النور كثيرون من أمثال هؤلاء. وزوجاتهم لا يقصرن عنهم في خدمة القرآن والايمان، بل قد يفقن أزواجهن ويسبقنهم لما فطرن عليه من الشفقة التي لا تطلب عوضاً، فيؤدين العمل بهذه البطولة الموهوبة لهن باخلاص تام.
هذا وان المتقدمين والسابقين من طلاب النور أغلبهم متزوجون، وقد أقاموا هذه السنة الشريفة على وجهها، ورسائل النور تخاطبهم قائلة:
"اجعلوا بيوتكم مدرسة نورية مصغرة، وموضع تلقي العلم والعرفان، كي يتربى الاولاد الذين هم ثمار تطبيق هذه السنة، على الايمان، فيكونون لكم شفعاء يوم القيامة، وأبناء بررة في هذه الدنيا، وعندها تتقرر هذه السنة الشريفة فيكم حقاً. وبخلافه لو تربي الأولاد على التربية الاوروبية وحدها - كما حدث خلال ثلاثين سنة خلت - فإن أولئك الأولاد يكونون غير نافعين لكم في الدنيا - من جهة - ومدعين عليكم يوم القيامة، اذ يقولون لكم: "لِمَ لم تنقذوا إيماننا؟" فتندمون وتحزنون من قولهم هذا، يوم لا ينفع الندم، وما هذا الا مخالفة لحكمة السنة النبوية الشريفة".
***

[نكتة توحيدية في لفظ "هو"]باسمه سبحانه
(وَاِنْ مِنْ شَيءٍْ اِلاَّ يُسَبِـّحُ بِحَمْدِهِ)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ابداً دائماً
اخوتي الاعزاء الأوفياء!
لقد شاهدت - مشاهدة آنية - خلال سياحة فكرية خيالية، لدى مطالعة صحيفة الهواء من حيث جهته المادية فقط، نكتةً توحيدية ظريفة تولدت من لفظ "هو" الموجود في
(لا إله اِلاّ هو) وفي (قل هو الله أحد) ورأيت فيها ان سبيل الايمان سهل ويسير الى حد الوجوب بينما سبيل الشرك والضلالة فيه من المحالات والمعضلات الى حد الامتناع.


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 404
سأبين باشارة في منتهى الاختصار تلك النكتة الظريفة الواسعة الطويلة.
نعم! ان حفنة من تراب، يمكن ان تكون موضع استنبات مئات من النباتات المزهرة اِنْ وضعتْ فيها متعاقبةً. فاِن اُحيل هذا الامر الى الطبيعة والأسباب يلزم؛ اِما ان تكون في تلك الحفنة من التراب مئات من المصانع المصغرة المعنوية، بل بعدد الأزهار.. أو ان كل ذرة من ذرات تلك الحفنة من التراب تعلم بناء تلك الأزهار المتنوعة وتركيبها بخصائصها المتنوعة واجهزتها الحيوية، اي لها علم محيط وقدرة مطلقة بما يشبه علم الإله وقدرته!!.
وكذلك الهواء الذي هو عرش من عروش الأمر والارادة الإلهية، فلكل جزء منه، من نسيم وريح، بل حتى للهواء الموجود في جزء من نَفَس الانسان الضَئيل عندما ينطق كلمة "هو" وظائف لا تعد ولا تحصى.
فلو اُسندت هذه الوظائف الى الطبيعة والمصادفة والاسباب؛ فإما أنه اي الهواء يحمل بمقياس مصغر مراكز بث واستقبال لجميع ما في العالم من اصوات ومكالمات في التلغراف والتلفون والراديو مع ما لا يحد من انواع الاصوات للكلام والمحادثات، وان يكون له القدرة على القيام بتلك الوظائف جميعها في وقت واحد.. أو أن ذلك الجزء من الهواء الموجود في كلمة "هو"، وكل جزء من اجزائه وكل ذرة من ذراته، لها شخصيات معنوية، وقابليات بعدد كل مَن يتكلم بالتلفونات وجميع مَن يبث من البرقيات المتنوعة وجميع مَن يذيع كلاماً من الراديوات، وان تعلم لغاتهم ولهجاتهم جميعاً، وتعلّمه في الوقت نفسه الى الذرات الاخرى، وتنشره وتبثه. حيث ان قسماً من ذلك الوضع مشهود أمامنا، وان اجزاء الهواء كلها تحمل تلك القابلية.. اذاً فليس هناك محال واحد في طريق الكفر من الماديين الطبيعيين بل محالات واضحة جلية ومعضلات واشكالات بعدد ذرات الهواء.
ولكن ان اُسند الأمر الى الصانع الجليل، فان الهواء يصبح بجميع ذراته جندياً مستعداً لتلقي الأوامر. فعنئذٍ تقوم ذراتُه باداء وظائفها الكلية المتنوعة والتي لا تحد باذن خالقها وبقوته وبانتسابها واستنادها اليه سبحانه، وبتجلي قدرة صانعها تجلياً آنياً - بسرعة البرق - وبسهولة قيام ذرة واحدة بوظيفة من وظائفها وبيُسر تلفظ كلمة "هو" وتموج الهواء فيها. اي يكون الهواء صحيفة واسعة للكتابات المنسقة


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 405
البديعة التي لا تحصر لقلم القدرة الإلهية، وتكون ذراته بدايات ذلك القلم، وتصبح وظائف الذرات كذلك نقاط قلم القَدَر، لذا يكون الأمر سهلاً كسهولة حركة ذرة واحدة.
رأيت هذه الحقيقة بوضوح تام وبتفصيل كامل وبعين اليقين عندما كنت اشاهد عالم الهواء واطالع صحـيفـته فـي سيـاحتي الفـكرية وتأمـلي في
(لا إله الاّ هو) و(قل هو الله أحد) وعلمت بعلم اليقين ان في الهواء الموجود في لفظ "هو" برهاناً ساطعاً للوحدانية مثلما ان في معناه وفي اشارته تجليا للأحدية في غاية النورانية وحجة توحيدية في غاية القوة، حيث فيها قرينة الاشارة المطلقة المبهمة لضمير "هو" اي: الى مَن يعود؟ فعرفت عندئذٍ لماذا يكرر القرآن الكريم واهل الذكر هذه الكلمة عند مقام التوحيد.
نعم! لو أراد شخص ان يضع نقطة معينة - مثلاً - على ورقة بيضاء في مكان معين، فان الامر سهل، ولكن لو طُلب منه وضع نقاط عدة في مواضع عدة في آن واحد فالأمر يستشكل عليه ويختلط. كذلك يرزح كائن صغير تحت ثقل قيامه بعدة وظائف في وقت واحد. لذا فالمفروض أن يختلط النظام ويتبعثر عند خروج كلمات كثيرة في وقت واحد من الفم ودخولها الاذن معاً..
ولكني شاهدت بعين اليقين، وبدلالة لفظ "هو" هذا الذي اصبح مفتاحاً وبمثابة بوصلة، ان نقاطاً مختلفة تعد بالالوف وحروفاً وكلماتٍ توضع - أو يمكن ان توضع - على كل جزء من اجزاء الهواء الذي اسيح فيه فكراً بل يمكن ان توضع كلها على عاتق ذرة واحدة من دون ان يحدث اختلاط او تشابك أو ينفسخ النظام، علماً ان تلك الذرة تقوم بوظائف اخرى كثيرة جداً في الوقت نفسه، فلا يلتبس عليها شئ، وتحمل اثقالاً هائلة جداً من دون ان تبدي ضعفاً او تكاسلاً، فلا نراها قاصرة عن اداء وظائفها المتنوعة واحتفاظها بالنظام؛ اذ ترد الى تلك الذرات الوف الالوف من الكلمات المختلفة في انماط مختلفة واصوات مختلفة، وتخرج منها ايضاً في غاية النظام مثلما دخلت، دون اختلاط أو امتزاج ودون ان يفسد احداها الاخرى. فكأن تلك الذرات تملك آذاناً صاغية صغيرة على قدّها، وألسنة دقيقة تناسبها فتدخل تلك الكلمات تلك الآذان وتخرج من ألسنتها الصغيرة تلك.. فمع كل هذه الامور


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 406
العجيبة فان كل ذرة - وكل جزء من الهواء - تتجول بحرية تامة ذاكرةً خالقها بلسان الحال وفي نشوة الجذب والوجد قائلة: (لا إله اِلاّ هو) و(قل هو الله احد) بلسان الحقيقة المذكورة آنفاً وشهادتها.
وحينما تحدث العواصف القوية وتدّوي اهازيج الرعد، ويتلمع الفضاء بسنا البرق، يتحول الهواء الى امواج ضخمة متلاطمة.. بيد ان الذرات لا تفقد نظامها ولا تتعثر في اداء وظائفها فلا يمنعها شغل عن شغل.. هكذا شاهدت هذه الحقيقة بعين اليقين.
اذن، فإما ان تكون كل ذرة - وكل جزء من الهواء - صاحبة علم مطلق وحكمة مطلقة وارادة مطلقة وقوة مطلقة وقدرة مطلقة وهيمنة كاملة على جميع الذرات.. كي تتمكن من القيام باداء هذه الوظائف المتنوعة على وجهها.. وما هذا الاّ محالات ومحالات بعدد الذرات وباطل بطلاناً مطلقاً. بل حتى لا يذكره اي شيطان كان..
لذا فان البداهة تقتضي، بل هو بحق اليقين وعين اليقين وعلم اليقين: أن صحيفة الهواء هذه انما هي صحيفة متبدلة يكتب الخالقُ فيها بعلمه المطلق ما يشاء بقلم قُدرته وقَدَره الذي يحركه بحكمته المطلقة، وهي بمثابة لوحة محوٍ واثبات في عالم التغيّر والتّبدل للشؤون المسطّرة في اللوح المحفوظ.
فكما ان الهواء يدل على تجلي الوحدانية بهذه الامور العجيبة المذكورة آنفاً، وذلك لدى اداء وظيفة واحدة من وظائفها وهي نقل الاصوات، ويبين في الوقت نفسه بياناً واضحاً محالات الضلالة التي لا تحصر، كذلك فهو يقوم بوظائف في غاية الاهمية وفي غاية النظام ومن دون اختلاط أو تشابك أو التباس كنقل المواد اللطيفة مثل الكهرباء والجاذبية والدافعة والضوء.. وفي الوقت نفسه يدخل الى مداخل النباتات والحيوانات بالتنفس مؤدياً هناك مهماته الحياتية باتقان، وفي الوقت عينه يقوم بنقل حبوب اللقاح - اي وظيفة تلقيح النباتات - وهكذا امثال هذه الوظائف الاساسية لإدامة الحياة؛ مما يثبت يقيناً ان الهواء عرش عظيم يأتمر بالأمر الإلهي وارادته الجليلة. ويثبت ايضاً بعين اليقين ان لا احتمال قطعاً لتدخل المصادفة العشواء والاسباب السائبة التائهة والمواد العاجزة الجامدة الجاهلة في الكتابة البديعة


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 407
لهذه الصحيفة الهوائية وفي اداء وظائفها الدقيقة. فاقتنعْتُ بهذا قناعة تامة بعين اليقين وعرفتُ ان كـل ذرة وكل جزء من الـهواء تقول بلس- ان حالها: (قـل هـو الله أحـد) و (لا إله الاّ هـو).
ومثلما شاهدت هذه الامور العجيبة في الجهة المادية من الهواء بهذا المفتاح، اعني مفتاح "هو" فعنصر الهواء برمته اصبح ايضاً كلفظ "هو" مفتاحاً لعالم المثال وعالم المعنى؛ اذ قد علمتُ ان عالم المثال كآلة تصوير عظيمة جداً تلتقط صوراً لا تعد ولا تحصى للحوادث الجارية في الدنيا، تلتقطها في آن واحد بلا اختلاط ولا التباس حتى غدا هذا العالم يضم مشاهد عظيمة وواسعة اُخروية تسع الوف الوف الدُنى تعرض اوضاع حالات فانية لموجودات فانية وتظهر ثمار حياتها العابرة في مشاهد ولوحات خالدة تعرض امام اصحاب الجنة والسعادة الأبدية في معارض سرمدية مذكّرةً اياهم بحوادث الدنيا وذكرياتهم الجميلة الماضية فيها.
فالحجة القاطعة على وجود اللوح المحفوظ وعالم المثال ونموذجها المصغر هو ما في رأس الانسان من قوة حافظة وما يملك من قوة خيال، فمع انهما لا تشغلان حجم حبة من خردل الاّ انهما تقومان بوظائفهما على اتم وجه بلا اختلاط ولا التباس وفي انتظام كامل واتقان تام، حتى كأنهما يحتفظان بمكتبة ضخمة جداً من المعلومات والوثائق. مما يثبت لنا أن تينك القوتين نموذجان للوح المحفوظ وعالم المثال.
وهكذا لقد عُلم بعلم اليقين القاطع ان الهواء والماء ولا سيما سائل النطف، واللذان يفوقان الترابَ في الدلالة على الله - الذي اوردناه في مستهل البحث - صحيفتان واسعتان يكتب فيهما قلمُ القدر والحكمة كتابة حكيمة بليغة، ويجريان فيهما الارادة وقلم القدر والقدرة. وان مداخلة المصادفة العشواء والقوة العمياء والطبيعة الصماء والاسباب التائهة الجامدة في تلك الكتابة الحكيمة محال في مائة محال وغير ممكن قطعاً.

(لم تُكتَّب بقية البحث في الوقت الحاضر)
الف الف تحية وسلام الى الجميع
***


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 408
[من معاني "التشهّد"]باسمه سبحانه
(وان من شىء الا يسبح بحمده)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ابدا دائما
اخوتي الاعزاء الصادقين الابرار!
لقد ارتأينا ان نبين لكم خلاصة الدرس الذي ألقيناه على اركان مدرسة الزهراء، بناء على رغبتهم وموضوعه هو:
ان الرسول الاكرم فخر الكائنات وثمرة خلق العالم صلى الله عليه وسلم قد قال ليلة المعراج في الحضرة الإلهية باسم جميع الكون بدل السلام:
"التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله" قالها، باسم البشرية جمعاء، بل باسم جميع ذوي الحياة، بل باسم عموم المخلوقات.. وان الامة الاسلامية تردد هذا الكلام المبارك يومياً مرات ومرات في صلواتهم لما فيه من معنى كلي.. وينال كل مؤمن - مهما كانت مرتبته في الايمان - حظه من هذا الكلام.
ولقد ذكرنا - فيما سبق - ما في عنصر الهواء من خوارق القدرة الإلهية لدى بياننا ان الراديو نعمة إلهية، وذلك في حاشية بحث (نكتة توحيدية في لفظ "هو").. فلاجل كل هذا خطر على القلب:
ان العبادة التي يؤديها المؤمن في هذه الدنيا القصيرة، وفي عمر قصير، والتي يثاب عليها بملك باق واسع اوسعَ من الدنيا في السعادة الابدية، انما هي عبادة كلية، ولكأن دنياه الخاصة بكاملها تؤدي معه العبادة ايضا، حيث يثاب بقدر دنياه الخاصة.. هكذا تفهم من اشارات القرآن، كما هو مذكور في رسالة "الحجة الزهراء" في المقام الثاني لدى بحث العلم الإلهي.
فعندما كنت اقرأ في التشهد "التحيات.." خطرت معانيها الكلية على روحي فتحولت فجأة - في خيالي- عناصر دنياي الخاصة من تراب و ماء و هواء و نور، الى اربعة ألسن كلية ذاكرة. كل منها يذكر بأحواله: "التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله" بملايين بل ببلايين بل بما لايعد ولا يحصى من المرات.


الملاحق - ملحق أميرداغ/2، ص: 409
هكذا رأيته في خيالي:
احد هذه العناصر هو "التراب" .. هذا التراب اصبح لسانا ذاكراً، وكل ذي حياة غدا كلمة ذات حياة ناطقة بـ "التحيات .. لله" . وذلك:
ان حفنة من تراب يمكن ان تكون موضع استنبات معظم النباتات.. فإما ان فيها من المصانع المعنوية - بمقياس مصغر جدا ً- ما تتمكن من توليد تلك النباتات، وبعدد يفوق عدد المصانع التي نصبها الانسان في العالم.. وهذا محال في محال، او ان ذلك الاستنبات يحصل بقدرة قدير مطلق، وبعلمه المحيط وارادته الشاملة.
فعنصر التراب اذن ينال بهذا دلالة على الله بجميع ذراته وأجزائه؛ لذا يردد: "التحيات لله". اي يقول:
"ان الحياة الموهوبة لجميع الاحياء من الازل الى الابد خاصة لذات الله المقدسة سبحانه وتعالى".
وكذا العنصر الآخر لدنياي الخاصة - كما هو لدنيا الآخرين - وهو "الماء". رأيته قد اصبح كذلك لساناً كليا يلهج بأحواله و بجميع ذراته الكلمة المباركة: "المباركات" وينشرها في ارجاء الكائنات كلها بملايين بل ببلايين بل بما لايعد ولا يحصى من المرات. ولاسيما خدمته في انماء الاحياء واعاشتها، حيث الوظائف التي تقوم بها قطرات الماء ولاسيما في انماء النطف والنوى والبذور و تنبيهها لأداء وظيفتها الفطرية.. وقيام تلك المخلوقات الصغيرة الجميلة البديعة، وتلك الصغار المباركة باوضاعها اللطيفة بوظائف عظيمة وفي منتهى الاتقان والانتظام حتى يستنطق جميع ذوي الشعور فيقولوا من اعجابهم:
"بارك الله .. ماشاء الله" ويرددها بما لايعد ولا يحصى من المرات.. فأداء تلك الوظائف على ذلك الوجه المتقن يتطلب حتما ان يكون لكل ذرة من ذرات الماء من العلم ما لالف ألف افلاطون! ومن الحكمة والارادة ما لالف الف لقمان الحكيم!. وهذا محال في محال بعدد ذرات الماء!..
فاذاً لا تتم تلك الامور المتقنة الا بقدرة قدير ذي جلال وبارادته ، وبرحمة رحمن رحيم وبحكمته.

عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس