عرض مشاركة واحدة
قديم 01-19-2009
  #3
صبا الجمال
عضو شرف
 الصورة الرمزية صبا الجمال
 
تاريخ التسجيل: Oct 2008
المشاركات: 915
معدل تقييم المستوى: 16
صبا الجمال is on a distinguished road
افتراضي رد: الشيخ المجاهد العالم العامل بديع الزمان النورسي

في استانبول :





في 13/8/1918 عين عضواً في (دار الحكمة الإسلامية) التي كانت تضم كبار العلماء والشعراء والشخصيات. قررت الحكومة له مرتباً ، ولكنه ما كان يأخذ منه إلا ما يقيم أوده ، والباقي ينفقه على طباعة رسائله العلمية التي كان يوزعها مجاناً.



وبعد أن احتل الحلفاء (الإنكليز والفرنسيون) العاصمة استانبول، ألف النورسي كتابه (الخطوات الست) وحكم عليه الحاكم العسكري الإنكليزي بالإعدام على هذا الكتاب ، وعلى نشاطه المعادي للقوات المحتلة ، وأراد محبوه إنقاذه ، فدعوه إلى (أنقرة) فأجابهم : أنا أريد أن أجاهد في أخطر الأمكنة ، وليس من وراء الخنادق ، وأنا أرى أن مكاني هذا أخطر من الأناضول.





في أنقرة :



دعي إلى أنقرة سنة ، 1922 واستقبل في المحطة استقالاً حافلاً ، ولكنه لاحظ أن أكثر النواب لا يصلون ، كما أن مصطفى كمال يسلك سلوكاً معادياً للإسلام ، فقرر أن يطبع بياناً تضمن عشر مواد ، وجهه إلى النواب ، واستهله بقوله : "يا أيها المبعوثون ... إنكم لمبعوثون ليوم عظيم".



وكان من أثر هذا البيان الذي ألقي على النواب ، أن ستين نائباً قاموا لأداء فريضة الصلاة ، والتزموا بالدين ، الأمر الذي أغضب مصطفى كمال فاستدعى النورسي وقال له : "لا شك أننا في حاجة ماسة إلى أستاذ قدير مثلك ، ولهذا دعوناك إلى هنا للاستفادة من آرائك السديدة ، ولكن أول عمل قمت به هو الحديث عن الصلاة لقد كان أول جهودك هنا هو بث الفرقة بين أهل المجلس.



فأجابه بديع الزمان ، مشيراً إليه بإصبعه في حدة : "باشا .. باشا إن أعظم حقيقة تتجلى بعد الإيمان هي الصلاة ، وإن الذي لا يصلي خائن ، وحكم الخائن مردود".



عندها فكر مصطفى كمال بإبعاده عن العاصمة ، فعينه واعظاً عاماً للولايات الشرقية ، وبمرتب مغر، ولكن النورسي رفض الوظيفة والراتب، لأنه عالم رباني، وأنى للعالم الرباني أن تغريه المناصب والأموال !



- كتب النورسي ونشر في هذه المرحلة عدة كتب ورسائل منها : إشارات الإعجاز – والسنوحات – والطلوعات – ولمعات - وشعاعات من معرفة النبي صلى الله عليه وسلم وسواها باللغة العربية.



المرحلة الثانية من حياته :



في عام 1923 غادر النورسي مدينة أنقرة إلى مدينة "وان" حيث انقطع للعبادة في إحدى الخرائب المهجورة على جبل "أرك" ولم يدر شيئاً عن الأعاصير التي تنتظره.



وجاء من يدعوه إلى تأييد ثورة الشيخ سعيد بيران ضد الحكومة الكمالية العلمانية المعادية للإسلام ، فأبى تأييدها ، لأنها تؤدي إلى اقتتال المسلمين فيما بينهم ، وإراقة دمائهم ، وهذا لا يجوز شرعاً ، ولكن هذا الموقف السلبي من ثورة الشيخ سعيد ، وذلك الانقطاع للعبادة ، لم ينجياه من غضب حكومة أنقرة العلمانية – كدأب الحكومات العلمانية مع الحركات الإسلامية ورجالها – فقد أمرت بالقبض عليه ، ونقله إلى إستانبول ، ومن ثم إلى مدينة "بوردور" ثم إلى "بارلا" في جو بادر من شتاء عام 1926 القارس ، فقد كان الجو بارداً ، ومياه البحيرة متجمدة وأحد جذافي القارب الذي يحمله إلى منفاه في المقدمة يكسر الثلوج بعصاً طويلة في يده ، ليفتح بذلك طريقاً للقارب الشرعي.



وفي (بارلا) بدأت المرحلة الثانية من حياة بديع الزمان ، وهي المسماة مرحلة (سعيد الجديد) وقد كانت حافلة بالاتهامات والملاحقات والمطاردات والسجون والمعتقلات والمحاكمات والمنافي ، مما لم يمر في حياة إنسان وهو صابر محتسب، يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، شعاره في ذلك : "أعوذ بالله من الشيطان والسياسة التي أنجبت هؤلاء السياسيين العلمانيين الظالمين الذين ليس لهم إلاً ولا ذمة.



وفي هذه البلدة (بارلا) صنع له أحد النجارين غرفة خشيبة صغيرة غير مسقوفة ، وضعت بين أغصان شجرة الدلب العالية حيث كان النورسي يقضي فيها أغلب أوقاته في فصلي الربيع والصيف ، متعبداً لله ، متأملاً متفكراً ، وعاكفاً على تأليف رسائل النور طوال الليل ، والناس يسمعون همهمات العالم العابد المتهجد ، ولا يستطيعون الاختلاط به ومحادثته ، والإفادة من علمه ، لأن هذا محظور عليهم وسوف يكلفهم كثيراً.



أمضى النورسي في (بارلا) ثماني سنوات ونصف السنة ، ألف فيها أكثر رسائل النور ، وهو يعاني من عدة أمراض ، ولا يشتهي الطعام ، بل كان يكتفي من الطعام بكسيرات من الخبز مع قليل من الحساء "الشوربة" ، ولا يقبل هدية ولا تبرعاً ولا زكاة من أحد.. كان - كما قال عن نفسه - يعيش على البركة والاقتصاد ، لأن الاقتصاد والقناعة يعنيان الانسجام التام مع الحكمة الإلهية، والتوافق الكامل معها، وإن من لا يقتصد مدعو للسقوط في مهاوي الذلة ومعرض للاستجداء والهوان ، كما أن الاقتصاد سبب حازم لإنزال البركة ، وأساس متين للتعايش الأفضل ، ولقد كفاني هذه الشهور الستة الماضية – ستة وثلاثون رغيفاً قد خبزو في كيلة من الحنطة ، وما زال الخبز باقياً ، ولا أعرف متى ينفد.. كان يتناول وجبتين في اليوم، يأكل فيهما ما يقوم بأوده ، ويحفظ نفسه من الهلاك.



وفي هذه المرحلة كان يؤلف ويكتب باللغة التركية المكتوبة بالحروف العربية ، ويأمر تلاميذه بالكتابة بالحروف العربية ، حفاظاً عليها من النسيان ، فقد كان أتاتورك ألغى الكتابة بالحروف العربية واستبدل بها الحروف اللاتينية ، وكانت هذه الجريمة من أكبر جرائم أتاتورك الذي جيء به لينفذ تعاليم سادته من اليهود والصليبيين.



وقد أسهمت النساء المسلمات العفيفات الصالحات المجاهدات بنسخ الرسائل – الكتب – التي كان يمليها بديع الزمان على بعض تلاميذه في غفلة من الرقباء لأنه كان منفياً وموضوعاً تحت الرقابة ، ثم يقوم هؤلاء بتهريبها إلى النساء ، ليسهرن في نسخها ، ويقضين الليالي في ذلك ، حتى إذا أنجزنها ، سارت بها ركبان طلبة النور في طول البلاد التركية وعرضها ، حتى عمت سائر المدن والقرى التركية.



ورسائل النور هذه تدعو إلى إنقاذ الإيمان ، وعودة الإسلام إلى الحياة ، وعودة المسلمين إلى دينهم ، وقرآنهم ، وتحكيم شرع الله في سائر أمورهم وأحوالهم.. تصدى بها للعلمانيين والقوميين والسياسة الميكيافيلية القائمة على التزلف والنفاق والمصالح الشخصية ، السياسة التي نحت الدين جانباً ، وولى أصحابها وجوههم نحو أوروبا ، والسير في ركابها ؛ ولهذا رأيناه في هذه المرحلة ، يقف – بكل قوة – في وجه التيارات الإلحادية الشاملة ، برغم ضراوة الهجمة وشراستها ، وبرغم ما تعرض له من نفي وسجن واعتقال واضطهاد ، وتضييق.



وهذا يعني أن شعاره في هذه المرحلة : (أعوذ بالله من الشيطان والسياسة ) لا يعني أنه تخلى عن السياسة فعلاً ، بل أراد به حماية تلاميذه من شرور الأشرار من السياسيين العلمانيين السائرين في ركاب الصهيونية والماسونية وبناتها الفاجرات، ومع ذلك ، لم ينج هو ولا تلاميذه من الملاحقة والمحاكمات والسجون التي أطلق عليها النورسي وتلاميذه اسم : المدرسة اليوسفية أسوة بسيدنا يوسف عليه السلام.



وقد جاء في قرار اللجنة المدققة لرسائل النور في مدينة (دنيزلي) : "ليس لبديع الزمان فعالية سياسية ، كما لا يوجد أي دليل على أنه يؤسس طريقة صوفية ، أو قائم بإنشاء أي جمعية ، وإن موضوعات كتبه تدور كلها حول المسائل العلمية والإيمانية وهي تفسير القرآن الكريم ، وصدق الله العظيم (وجعلنا من بين أيديهم سداً ، ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون) (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور).



عندما أطلق سراحه في الخمسين ، كان في السابعة والسبعين من العمر ، وكان يقول لزائريه أو الذين يرغبون في زيارته : كل رسالة – من رسائل النور – تطالعونها ، تستفيدون منها فوائد أفضل من مقابلتي ومواجهتي بعشرة أضعاف.



وكان قد طلب أكثر من مرة من تلاميذه طلبة النور ، ألا يربطوا الرسائل بشخصه الضعيف ، فيحطوا من قيمتها ، لأن للإنسان أخطاء وعيوباً قد سترها الله عليه.. كما كان يدعو تلاميذه إلى عدم التعلق به ، لا في حياته ، ولا بعد مماته ، فذلك له أضرار جسيمة على الدعوة.. أمرهم أن يتعلقوا بالأفكار الواردة في رسائل النور ، وهي أفكار إسلامية صريحة نقية صافية.



وكان النورسي (الذي يحب معالي الأمور ، ويسمو بنفسه وروحه وعقله عن السفاسف والترهات) يحب أعالي الجبال ، وأعالي الأشجار الباسقة الشاهقة ، وكان يفضل الصلاة على الصخور المرتفعة ، وكان يقول لتلاميذه: " لو كان في ّ قوة شبابكم هذا لما نزلت من هذه الجبال " .



لقد كان النورسي أمة في رجل ، وربى تلاميذه بالقدوة ، وحياته كانت أكبر كرامة.. إنه رجل عصر المصائب والبلايا والمهالك - كما قال عن نفسه- وهو عصرنا ، وقد هيأ الأدوية الناجعة للجروح الإنسانية الأبدية ، وقدمها إليها خلال رسائله وكتبه التي هي من نور القرآن العظيم ، تدعو إلى تطهير النفس ، وصقل الروح ، وغرس الإيمان والإخلاص في النفوس.

يتبع بمشيئة الله









صبا الجمال غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس