عرض مشاركة واحدة
قديم 03-23-2011
  #7
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: الملاحق - ملحق اميرداغ الاول


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 290
[ذكرى وعبرة]
في هذه الأوقات التي نجد فيها الضيق والعنت، تزعجني نفسي الجزعة الفارغة من الصبر، فاسكتتها هذه الفقرة، والزمتها الحجة، ودفعتها الى الشكر لله.
أقدم هذه الفقرة الموضوعة فوق رأسي طي رسالتي هذه لعلها تفيدكم أيضاً.
1- يا نفسي! لقد أخذت نصيبك من الأذواق - في غضون ثلاث وسبعين سنة - اكثر مما أخذها تسعون بالمئة من الناس. فلم يبق لكِ بغية فيها.
2- انتِ ترومين دوام الأذواق وبقاءها وهي فانية آنية، لذا تبكين عشر ساعات عن ضحك دام دقيقة واحدة.
3- ان المظالم التي أتت عليك، والمصائب التي نزلت بك، تنطوي على عدالة القدر. فيظلمونك لما لم ترتكبيه، بينما القدر يؤدبك بيد تلك المصيبة - بناء على أخطاء خفية - ويكفّر عن خطاياك.
4- يا نفسي الجزعة! لقد اقتنعت قناعة تامة - بمئات من تجاربك - ان المصائب الظاهرية ونتائجها تنشق عن ثمرات عناية إلهية في منتهى اللذة. فالآية الكريمة:(وعسى ان تكرهوا شيئاً وهو خير لكم) (البقرة: 216) تلقن درس حقيقة يقينية. تذكّري دائماً هذا الدرس القرآني. ثم ان الناموس الالهي الذي يدير عجلة الكون، ذلك القانون القدري الواسع العظيم لا يبدّل لأجلك.
5- اتخذي هذا الدستور السامي دليلاً "من آمن بالقدر أمِنَ من الكدر". لا تلهثي وراء لذائذ موقتة تافهة كالطفل الغرير. فكري دوماً ان الأذواق الفانية تورث فيك حسرات وآلاماً معنوية، بينما الآلام والمشقات تورث لذائذ معنوية وأثوبة أخروية. فان لم تكوني بلهاء يمكنك ان تتحري عن الاذواق الموقتة للشكر وحده، وما اُعطيت اللذات الاّ للشكر.
سعيد النورسي
***


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 291
[حوار مع النفس]
اخواني الأوفياء الصادقين الاعزاء!
اولاً: لقد خطر على بالي ان اكتب لكم، لأطلعكم على ما جرى من مناظرة خاصة مع نفسي ، وهي الآتية:
ان اللوحة المعلقة فوق رأسي - المعروفة لديكم - تخرس نفسي الأمارة وتلزمها الحجة تماماً، ولكني - في هذه الليلة - تعرضت لهجوم شنته دوافع مشاعري واحاسيسي العمياء التي تستعمل سلاح النفس الامارة بالسوء باصرار أكثر، فأثرت تأثيراً بالغاً في عروقي واعصابي، وأنا أعاني من حالة عجيبة تولدت من آلام الأمراض وتألمات التسمم والاسقام ورهافة الحس، فضلاً عن القاءات الشيطان وايحاءاته، وحب الحياة المغروز في الفطرة.. ففي خضم هذه الحالات هاجمت تلك الأحاسيس والمشاعر العمياء - وهي في حكم النفس الامارة الثانية - قلبي وروحي، موحية باحتمال وفاتي ومغادرتي الحياة الدنيا. فنشرت يأساً قاتماً وتألماً عميقاً وحرصاً شديداً على الحياة مع استمراءٍ لها وتلذذ بها.
فقالت تلك النفس الامارة الثانية مع الشيطان:
لِمَ لا تسعى لراحة حياتك؟ بل ترفضها. ولِمَ لا تتحرى عن حياة ممتعة بريئة طيبة تقضيها طوال عمرك ضمن دائرة النور؟ بل ترضى بالموت وتطلبه!
وعلى حين غرة ظهرت حقيقتان صارمتان اخرستا النفس الامارة الثانية والشيطان معاً، وهما:
الحقيقة الاولى:
ما دامت الوظيفة المقدسة الايمانية لرسائل النور ستتوضح أكثر وتنكشف باخلاص أزيد بسبب وفاتي.
حيث لا تتهم من اية جهة كانت انها اداة لمكاسب الدنيا ووسيلة للانانية والعجب.. وان الوظيفة الايمانية ستدوم باخلاص أكثر وأقرب الى الكمال،اذ ليس هناك ما يثير حسد الحاسدين في حياتي الشخصية.
وعلى الرغم من ان بقائي على قيد الحياة قد يتيح نوعاً من المعاونة في سير الخدمة - خدمة الايمان والقرآن - فان شخصيتي البسيطة التي لها حسّاد ونقّاد لهم شأنهم


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 292
يمكنهم ان يلصقوا تهماً على تلك الشخصية ويهاجموا - بعدم الاخلاص - رسائل النور، ويتجنبوها ويجنّبوا الآخرين عنها.
ثم ان من يقوم بشئ من الحراسة في دائرة، اذا ما اخذته الغفوة وغلب عليه النوم، فالغيورون في تلك الدائرة النورانية يهبّون حذرين، فيبرز في الميدان الوف الحراس والمرابطين بدلاً من حارس واحد بسيط.
لذا ولأجل ما سبق؛ ينبغي ان يقال للموت المقبل: أهلاً ومرحباً.
ثم يا نفسي! لِمَ تريدين أن تتخلفي عن الكثيرين من طلاب النور في البذل والعطاء،ألم يبذلوا اموالهم وراحتهم ومتع الدنيا كلها، بل حياتهم - ان استوجب الأمر - في سبيل خدمة النور؟!
اعلمي قطعاً يا نفسي! انه لشرف عظيم في منتهى اللذة والرضى، توديع حياة الشيخوخة الفانية المرهقة - ان لزم الأمر أو آن أوانه - في سبيل اكساب حياة باقية لكثير من المنكوبين وانقاذها برسائل النور لئلا تفضي الى العدم.
الحقيقة الثانية:
لو وضعت عشرة أرطال من الحمل على كاهل شخص ضعيف عاجز عن حمل رطل واحد. واستعان به أصدقاؤه بدل ان يعينوه في حمله - لحسبانهم انه ذو قوة وقدرة على الحمل لخفاء ضعفه عليهم - فسوف يحاول ذلك الشخص الضعيف ان يظهر نفسه لهم بمظهر القوي جداً، لئلا يسقط في نظرهم ولئلا يخيب حسن ظنهم به، مما يؤدي به الى التكلف والتصنع والظهور بما ليس فيه، وامثالها من الأمور الثقيلة المقيتة الخالية من الذوق.
فكما ان الأمر هكذا في هذا الشخص، كذلك يا نفسي الأمارة الثانية الموغلة في أعماق المشاعر العمياء، اعلمي!
ان شخصيتي الاعتيادية البسيطة هذه، واستعدادي الذي لا أهمية له، كالبذرة.. ان هذا الشخص لن يكون مصدراً ولا منبعاً ولا مداراً للحقائق التي تتضمنها رسائل النور النابعة من صيدلية القرآن الكريم المقدسة، والتي سُلّمت الى ايدينا برحمة منه تعالى وبفضله وعنايته سبحانه في هذا العصر المظلم المثقل بالامراض والاسقام.


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 293
وحيث انني فقير وضعيف عاجز، وسائل لدى باب القرآن ليس الاّ، ووسيلة لإبلاغه الى المحتاجين اليه، يبالغ طلاب النور المخلصون الخالصون الصديقون الصادقون الأصفياء الفدائيون، في حسن ظنهم بشخصيتي الضعيفة، بما يفوقني مئة درجة.
فلأجل الاّ أخيب ظنهم الحسن، ولا أمس مشاعرهم بسوء، ولا اثبط شوقهم للأنوار، ولا اظهر المستوى الواطئ لمن لقبوه بالاستاذ، ولا اضطر الى انواع التصنع المؤلم والتكلف المقيت.. أترك لقاء الناس بل أضطر الى تركه روحياً، لما أشعر من نفور قد تولد من العيش الانفرادي طوال عشرين سنة، بل اترك حتى اللقاء مع الأصدقاء الاّ ما يخص خدمة النور. فأدع التكلف، والتظاهر بما يفوق قيمتي الشخصية، واترك اظهار نفسي امام المغالين في حسن الظن، انها ذات مقام، واتخلى عن التكبر المنافي كلياً للاخلاص، واعاف التحري عن أذواق الأنانية المتسترة تحت ستار الوقار..
فيا نفسي المفتونة بتلك الأذواق، الا تزيل هذه الحالات تلك الأذواق كلها؟!
يا نفسي! ويا دواعي الحس الشقية العمياء، المبتلاة بالأذواق!
لو استمتعتِ بالوف اصناف المتع، وتذوقت ألوف أنواع الأذواق الدنيوية، فهي الى زوال في هذا الوضع، بل يتحول ذلك الذوق ألماً بعينه.
وما دام تسعون بالمئة من الأحباب الذين مضوا وصاروا في طوايا الماضي كانهم يستدعونني - بل حقيقة - الى عالم البرزخ، اضطر الى الفرار من عشرة اصدقاء حاليين. ولا جرم ان حياة البرزخ المعنوية تفضل ألف مرة هذه الحياة، حياة الشيخوخة والانفراد.
وهكذا، أسكتت هاتان الحقيقتان اسكاتاً نهائياً تلك النفس الأمارة الثانية.فللّه الحمد والمنة بما لا يتناهى من الحمد والشكر. اذ رضيت تلك النفس بالذوق الوارد من الروح والمنبعث من القلب.. وسكت الشيطان أيضاً. بل حتى المرض المادي المتوطن في عروقي قد خف كثيراً.


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 294
حاصل الكلام:
اذا متُ تزداد خدمة النور - للقرآن والايمان - وتتوضح وتتبين باخلاص أتم، بلا حسّاد ولا اتهامات، فضلاً عن النجاة من آلام التكلف الثقيلة المقيتة، والخلاص من أثقال العجب واضرار التصنع بدلاً من ذوق جزئي موقت لا أتحراه - في هذا الزمان - ولذة ناشئة من رؤية فتوحات النور بنظر الدنيا.
ثم يا نفسي لقد تجولت - انت والروح والقلب - في هذه السنة ولمرة واحدة في ارجاء الماضي، جولات حقيقية وخيالية لمشاهدة مَن تشتاقون اليه من المدن التي امضيتُ فيها حياتي السابقة الممتعة، ولقاء الأحبة الذين أنستُ بهم ردحاً من الزمن، والاخوان الذين حزنتِ على فراقهم حزناً أليماً. فلم تشاهدي في اوطاني المحبوبة تلك الاّ واحداً او اثنين من الأحبة، أما الباقون فقد ارتحلوا الى عالم البرزخ، فلقد تبدلت لوحات تلك الحياة التي كانت تطفح باللذة والمتعة الى لوحات أليمة تقطر الحزن والأسى، فلا تراد تلك البقاع الخالية من الأحباب ولا تطلب اذن!
لذا فقبل ان تطردنا هذه الحياة وهذه الدنيا قائلة لنا: اخرجوا عني. نقول بعزة كاملة: الوداع، وفي امانة الله وحفظه. نعم هكذا ينبغي ان ندع هذه الأذواق الفانية محتفظين بكرامتنا وعزتنا.
الف الف سلام ودعاء لجميع اخواننا، من اخيكم المريض والمسرور سروراً خالصاً.
سعيد النورسي
***

[الفرق بين الايمان وعدم الانكار]
اخوتي الاعزاء الصادقين الأوفياء، والابطال الميامين لطلاب النور!
لقد اشاعوا: "ان الناس يعرفون الله، فالشخص الاعتيادي يؤمن بالله كما يؤمن به ولي من الصالحين".. لأجل التهوين - ولو يسيراً - من قيمة رسائل النور العظيمة. وذلك ببيان عدم الحاجة الى المزيد من حشد البراهين الدامغة والدلائل القيمة الضرورية التي تسوقها رسائل النور وتكثر منها. وكأن هذه الحشود من البراهين الايمانية لا ضرورة لها، ولا داعي لها.


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 295
ففي استانبول يروّج - وباسلوب رهيب جداً - قسم من المنافقين الذين تورطوا في الكفر المطلق - المشحون بالفوضوية والارهاب - كلاماً من هذا القبيل فيقولون: "لا داعي لنا لمزيد من دروس الايمان لان كل امة بل الناس جميعاً يعرفون الله". وذلك محاولة منهم لصد رسائل النور وحرمان الناس من الحقائق الايمانية التي فيها، التي يحتاجها الناس كلهم حاجتهم الى الماء والخبز.
والحال ان "معرفة الله سبحانه" والايمان بحقائق "لا إله الاّ الله"، يستلزم التصديق القلبي، والايمان المطلق الجازم بربوبيته سبحانه وتعالى، الشاملة المحيطة بكل ما في الكون، وان مقاليد الأمور - من الذرات الى المجرات - بجزئياتها وكلياتها في قبضته سبحانه، ولا تدار الاّ بقدرته، وتحت ارادته، فلا شريك له في ملكه.
أما النطق والتفوه بان "الله موجود" ثم اسناد تصريف الأمور في ملكه الى الأسباب التي لا عدّ لها والى "الطبيعة" واتخاذها شركاء لله تعالى، ومن ثم الجهل بارادته النافذة، وعلمه المطلق، ومثول كل شئ بين يديه، فضلاً عن عدم الاهتمام بأوامره ونواهيه، والجهل بصفاته الجليلة، وما أرسل من رسله.. لا شك ان هذا كله ليس من الايمان في شئ.
ولا ينطق بهذا ناطق الاّ ليسلّي به نفسه وينجيها من التعذيب الدنيوي الروحي الذي يعذّب به الكفر المطلق أصحابه في الدنيا قبل الآخرة.
نعم ان "عدم الانكار" شئ و"الإيمان" شئ آخر تماماً، اذ ما من ذي حس أو شعور يمكنه ان ينكر الخالق ذا الجلال الذي تشهد بربوبيته وعظمته وحكمته وجماله جميع أجزاء الكون.. فلو حاول الانكار لحال دونه الكون باجمعه، فيخرس، ويبقى وحيداً سائباً معزولاً شارداً دون سند.
اما الايمان، فلقد علّمنا القرآن الكريم انه: التصديق القلبي بوجود الخالق جل وعلا بصفاته المقدسة وباسمائه الحسنى، مستنداً الى شهادة الكون جميعاً.
انه - أي الايمان - تطبيق لما جاء به الرسل الكرام - عليهم السلام - من أوامره سبحانه وتعالى ونواهيه..


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 296
واذا سوّلت للانسان نفسه أمراً، فدونه باب الاستغفار والانابة.. اما ان يقترف كبيرة من الكبائر بلا اهتمام ولا مبالاة بالأوامر، ودون استغفار وانابة، فلا شك ان ذلك دليل خلوه من الايمان.
***

[حول محبة آل البيت]
اخي العزيز المحترم!
لقد قرأت باهتمام وانعام نظر رسالتكم المستفيضة التي هي بمثابة بحث كامل، والغزيرة بالعلم ودقة الملاحظة وحرارة الشوق، فاقول مقدماً:
ان الامام علياً رضي الله عنه هو استاذ رسائل النور، وهو الذي يولي اهتماماً بالغاً برسائل النور في قصيدته "البديعة" باشارات رمزية، وهو استاذي الخاص في الحقائق الايمانية.
وان محبة آل البيت قد نصّ عليها القرآن الكريم في قوله تعالى: (قُل لا أسئلكم عليه اجراً الاّ المودّة في القربى) (الشورى: 23) هذه المحبة اساس في مسلكنا وفي رسائل النور. ويلزم الاّ يكون لدى الطلاب الحقيقيين لرسائل النور أي ميل نحو معاداتها. فالضلالة والزندقة تستغل الاختلاف في هذا العصر، حتى أن هناك تيارات قوية تجعل اهل الايمان في حيرة من امرهم حيث تُبدل الشعائر الاسلامية ويُشنّ هجوم عنيف على القرآن والايمان، لذا لا ينبغي فتح باب المناقشة في الامور الفرعية الجزئية التي تسبب الاختلاف ازاء هذا العدو اللدود.
وكذا لايلزم قطعاً ذم الذين ارتحلوا وذهبوا الى الآخرة ودار الجزاء. فليس من مقتضى محبة آل البيت - المأمورون نحن بحبهم - بيان تقصيرات اولئك بياناً لاجدوى منه بل فيه ضرر.. لاجل كل هذا فقد منع اهلُ السنة والجماعة مناقشة الفتن التي وقعت زمن الصحابة الكرام رضي الله عنهم.
ولإشتراك الذين بُشّروا بالجنة كالزبير وطلحة وكذلك اُمنا عائشة الصديقة رضي الله عنهم اجمعين في واقعة الجمل، فقد حكم اهل السنة والجماعة على تلك الواقعة؛ انها نتيجة الاجتهاد، وان سيدنا علياً رضي الله عنه كان محقاً وعلى صواب


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 297
والآخرون ليس لهم الحق. ولكن لأن الامر ناشئ من الاجتهاد فهم معفوون. ثم انهم - اي اهل السنة والجماعة - يرون ان مناقشة امر البغاة في حرب صفّين فيها ضرر، اذ تثير المناقشة نزعتين متضادتين هما: نزعة تقف ضد محبة آل البيت، واخرى تغلو في حبهم "كالرافضة" فيتضرر الاسلام نتيجة ذلك.
لقد قال امام علم الكلام سعد الدين التفتازاني أنه: "يجوز لعن يزيد" وامثاله من الظالمين كالحجاج والوليد. ولكن لم يقل أن "اللعن واجب، او فيه خير وفضيلة، او فيه ثواب واجر" لان الذين ينكرون القرآن الكريم ويجحدون بالرسول صلى الله عليه وسلم ويرفضون صحبة الصحابة الكرام للرسول صلى الله عليه وسلم كثيرون جداً لايعدون ولايحصون. وهم يصولون ويجولون امامنا.
ومن المعلوم شرعاً أن المرء ان لم يتذكر احداً من الذين يستحقون اللعنة ولم يلعنهم فليس في هذا بأس قط، لان الذم واللعنة ليسا كالمدح والمحبة، فهما لايدخلان في الاعمال الصالحة، وان كان فيهما ضرر فهو ادهى.
وفي الوقت الحاضر، استغل المنافقون بعض العلماء فأثاروا فيهم نزعة - ضد أهل البيت - علماً ان العلماء هم المأمورون بالحفاظ على الاسلام والحقائق الايمانية، حتى وصل بهم الأمر الى مهاجمة أهل الحقيقة واتهامهم بانتحالهم نزعة التشيع، ونشب العداء بينهما بحيث أنزل اولئك المنافقون ضربتهم القاضية بالجهتين معاً، وذلك باستعمال كل منهما ضد الآخر ووضعه في مجابهته. فهؤلاء الذين يسعون في انزال الضربة القاضية بالاسلام ماثلون امامنا.. وقد دوّنتَ جزءاً من هذا في رسالتك وانت تعلم يا اخي ان اخبث الوسائل المؤثرة على رسائل النور وعليّ بالذات - والمستعملة حالياً - قد وجدوها لدى العلماء.
ان بعض العلماء الذين تلوثوا بالبدع، يمكنهم أن ينزلوا ضربتهم بك وبطلاب النور متذرعين باجتهادكم الناشئ من محبة آل البيت والذي لا داعي لإظهاره في الوقت الحاضر، فهؤلاء يتسترون بالوهابية الحاكمة على الحرمين الشريفين حيث تتداول فيما بينهم - منذ أمد بعيد في استانبول - كتب ملفتة للانظار وجذابة لابن تيمية وهو من العباقرة المشهورين وتلميذه ابن قيم الجوزية، ولاسيما بعد ان اُشيع أن نزعتهم ضد الاولياء ومشربهم متسم بشئٍ من التسامح للبدع!.


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 298
فمادام ليس هناك أمر شرعي في عدم الذم وفي عدم التكفير، بينما في الذم والتكفير حكمٌ شرعي. فالذم والتكفير ان كانا على غير حق ففيهما ضرر كبير. وان كانا على حق فلا ثواب فيهما، لان هناك مالا يحد من الناس ممن يستحقون الذم والتكفير. اي إن عدم التكفير وعدم الذم ليس فيهما حكم شرعي وليس فيهما ضرر ايضاً.
ولاجل هذه الحقيقة فقد اتخذ اهل الحقيقة واهل السنة وفي مقدمتهم الائمة الاربعة والائمة الاثنا عشر من اهل البيت، اتخذوا لأنفسهم قاعدة سامية مستندين الى تلك الحقيقة. فقالوا: لايجوز مناقشة ماحدث بين المسلمين من الفتن وليس فيها نفع، بل فيها ضرر.
ثم ان هناك صحابة كرام قد وُجدوا - على اية حال - في كل من الطرفين، فان بحث تلك الفتن يورد الى القلب شيئاً من الانحياز الى جهة، مما يولد اعتراضاً او رفضاً لأولئك الصحابة العظام امثال طلحة والزبير رضي الله عنهما من العشرة المبشرين بالجنة. وحتى لو كان هناك خطأ سبب للاعتراض فهناك احتمال قوي للتوبة.
انه لايليق قطعاً بالمؤمن الحصيف ولا بوظيفته المقدسة في هذا الوقت أن يهمل الذين ينزلون ضرباتهم القاضية بالاسلام فعلاً ممن يستحقون اللعنة والذم بالوف المرات ويذهب الى ازمان غابرة ليتحرى في الاحوال التي لم يأمر الشرع بالتحري فيها والتي لاجدوى منها بل فيها ضرر..
اخي لا اخفي عنك ان مناقشتكم الطفيفة مع "صبري"، لها ضرر بالغ برسائل النور وبانتشار حقائق الايمان، فلقد شعرت بذلك هنا، وتألمت من جرائها. اذ فى الوقت الذي كنا ننتظر منكما خدمة ايمانية جليلة بمجئ "صبرى" اليكم والذي سيكون وسيلة جادة لرسائل النور هناك، وانت العالم المحقق. شعرت بخلاف ذلك، بضرر كبير في ثلاث جهات، بل رأيت ذلك الضرر.
وقلت: ترى ما الذى ادّى الى هذا الضرر؟ تلقيت الخبر بعد ثلاثة ايام، من ان "صبري" قد ناقشك مناقشة لا طائل من ورائها ولافائدة يرجى منها وانت بدورك قد اخذ منك الغضب والحدة مأخذاً.


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 299
فتأسفت قائلاً: اواه..! ودعوت الله: اللهم ياربنا ارفع المناقشة التي بين هذين الاخوين القادمين الينا من ارضروم، ليكونا معاونين لى في خدمتنا للايمان.
وكما جاء في رسالة الاخلاص:
"ان اهل الايمان والحقيقة في زماننا هذا ليسوا بحاجة الى الاتفاق الخالص فيما بينهم وحده، بل مدعوون ايضاً الى الاتفاق حتى مع الروحانيين المتدينين الحقيقيين من النصارى فيتركوا مؤقتاً كل مايثير الخلافات والمناقشات دفعاً لعدوهم المشترك المتعدي" لان الكفر المطلق يشن هجوماً عنيفاً. فارجو من غيرتك الدينية، وتجاربك في حقل العلم، وعلاقتكم القوية برسائل النور، ان تسعى لنسيان ماجرى بينكم وبين "صبري". اصفح عنه وسامحه، لان "صبري" لم يفكر بعقله بل بما سمع من مناقشات لا طائل من ورائها جرت بين علماء سابقين. فانت اعلم بان الحسنة العظيمة تكفّر عن سيئات كثيرة.
نعم ان اخانا "صبري" قد خدم النور خدمة عظيمة حقاً وبوساطتها خدم الايمان خدمة جليلة بحيث تكفّر عنه ألفاً من اخطائه.
فارجو ان تنظرو الى المسألة من زاوية نجابتكم، ومن زاوية خدماته العظيمة للنور وان تعدوه اخاً رفيقاً في خدمة النور.
ان قسماً من الصحابة قد ظهروا في الجهة المخالفة للامام علي في تلك الفتن نتيجة الأخذ بالعدالة النسبية (الاضافية) واتباعاً للرخصة الشرعية بدلاً من أن يكونوا مع الامام عليٍ الذي ألزم نفسه الاخذ بالعدالة الحقيقية (المحضة) والاخذ بالعزائم الشرعية مع مسلكه المتسم بالزهد الشديد والاستغناء عن الناس والتقشف، فاولئك الصحابة الكرام قد تركوا مسلك الامام علي ودخلوا في الصف المخالف له نتيجة هذا الاجتهاد حتى ان "عقيل" وهو اخو الامام علي و "ابن عباس" الملقب بحبر الامة كانا في الصف المخالف للامام لفترة. ولاجل كل هذا فقد اتخذ اهل السنة والجماعة القاعدة الاساسية الشرعية وهي عدم جواز فتح ابواب تلك الفتن فقالوا: "من محاسن الشريعة سدّ ابواب الفتن": وقد طهّر الله ايدينا فنطهر ألسنتنا 1. لانه: ان
_____________________
1 »طهر الله ايدينا فنطهر ألسنتنا« من قول عمر بن عبدالعزيز، انظر اليواقيت والجواهر للشعرانى /2 69 وشرح جوهرة التوحيد للباجوري 334 - المترجم.

التعديل الأخير تم بواسطة عبدالقادر حمود ; 03-23-2011 الساعة 05:49 PM
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس