عرض مشاركة واحدة
قديم 04-03-2009
  #3
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: إمام دار الهجرة، سيدّنا مالك بن أنس

ولقد سئل مالك عن عدم السعي في طلب الرزق والانقطاع الى العلم فقال:

«لا يبلغ أحد ما يريد من هذا العلم حتى يضربه الفقر ويؤثره على كل حال. ومن طلب هذا الأمر صبر عليه.».
وفي الحق أنه ظل طالب علم بعد أن أصبح فقيها كبيرا يسعى إليه الناس من كل أقطار الأرض وإلى أن توفي سنة 179هـ وفي نحو السادسة والثمانين.

ولقد ظل يعلم الناس، عندما جلس للعلم، أن يتحرجوا في الفتيا وفي إبداء آرائهم، فإذا كان الفقيه غير متثبت مما يقول فعليه في شجاعة أن يعترف بأنه لا يدري. ذلك أن الفتيا لون من البلاء لأهل العلم.

فمن حسب نفسه قد أوتي العلم كله، فهو الجاهل حقا.. وشر الناس مكانا هو من يضع نفسه في مكان ليس أهلا له. وإن رأى الناس غير ذلك، فصاحب العلم أدرى بنفسه، وللرأي أمانته.

ويحكى أن رجلا جاءه من أقصى الغرب موفدا من أحد فقهائها، ليسأل مالكا بن أنس عن مسألة.. فقال مالك: «أخبر الذي أرسلك ألا علم لي بها» فأخبره الرجل أنه جاء من مسيرة ستة أشهر ليسأل عن هذه المسألة. فقال مالك: «ما أدري وما ابتلينا بهذه المسألة في بلدنا وما سمعنا أحدا من أشياخنا تكلم فيها ولكن تعود غدا». وظل مالك يفكر في المسألة ويقرأ ما يمكن أن يتصل بها حتى إذا كان الغد جاءه الرجل فقال له مالك: «سألتني وما أدري ما هي» فقال الرجل «ليس على وجه الأرض أعلم منك وما جئتك من مسيرة أشهر إلا لذلك» فقال مالك: لا أحسن.

بهذه الأناة والتحرج كان مالك يعالج الفتيا.

ولقد عاش في المدينة المنورة طيلة حياته منذ ولد فيها نحو سنة 93هـ إلى أن ثوى تحت ثراها آخر الدهر. لم يبرحها قط إلا لحج أو عمرة..

كان مالك يجد في المدينة ريح النبوة، ونفحات علوية من أنفاس الرسول حتى لكأنه يستنشق كل خفقة من أنسام مدينة الرسول جلال الأيام الباهرة الخالية: أيام النور والوحي والبطلات والفرقان.

وما زال أهل المدينة يصغون كما كانوا يصغون في زمن رسول الله(صلى الله عليه وسلم) والصحابة الأوائل.. إنهم ليتوارثون سنته الشريفة في القول والعمل الآباء عن الأجداد.. آلافا عن آلاف حتى لقد صح عنده أن عمل أهل المدينة في عصره سنة مؤكدة، وأنه أولى بالإعتبار عند الفتيا والقضاء من أحاديث الآحاد..

إنه لعاشق لمدينة رسول الله كما لم يعشق أحد مدينة من قبل ولا من بعد، يكاد يحمل لها من التعظيم ما يحمله للرسول (صلى الله عليه سلم) نفسه ولصحابته.

حكى الشافعي أنه رأى على باب مالك هدايا من خيل خراسانية وبغال مصرية فقال الشافعي «ما أحسن هذه الأفراس والبغال، فقال مالك: هي لك فخذها جميعا. قال الشافعي: ألا تبقي لك منها دابة تركبها؟ قال مالك: إني لأستحي من الله تعالى أن أطأ تربة فيها رسول الله(صلى الله عليه وسلم) بحافر دابة».

وفي الحق أن الحياة في المدينة كانت تناسب طبيعة مالك.. فقد ظلت المدينة بعيدا عن مضطرب التيارات الفكرية التي تصطخب في غيرها من مدائن المسلمين، فهي تعيش على السنن المتوارثة وتنأى بنفسها عن صراع العقائد، والجدل الفلسفي، وكلام الباحثين فيما وراء الغيب، وكل ما أنتجته ترجمة الفلسفات اليونانية والهندية والفارسية.. إنها حقا قرية مؤمنة ورب غفور.. مالك بن أنس رجل يحب الدعة وينشد السكينة، ويعكف على الدرس المطمئن. وهو يكره الجدل واللجاج والصخب والمناظرة، والكلام فيما لا ينفع الناس في حياة كل يوم.

وكان يقول لمن سافر لمن يريدون الجدل في العقائد «لا تجادلوا.. وكلما جاء رجل أجدل من رجل تركنا ما نزل به جبريل، وغير الإنسان دينه».
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس