عرض مشاركة واحدة
قديم 11-01-2011
  #35
عمرأبوحسام
محب فعال
 الصورة الرمزية عمرأبوحسام
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
المشاركات: 47
معدل تقييم المستوى: 0
عمرأبوحسام is on a distinguished road
افتراضي رد: دراسات في القرآن والنبوة:

البيضاء الواضحة
روى الإمام أحمد وابن ماجة رحمهما الله عن العرباض بن سارية رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قد تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك" . الحديث حسنه الحافظ المنذري رحمه الله. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "تُركتم على الواضحة، ليلها كنهارها. وكونوا على دين الأعراب وغِلمان الكُتَاب". وعن علي كرم الله وجهه أنه قال: "تُركتم على الجادة: مَنْهَجٍ عليه أُم الكتاب".
في هذا الفصل الأخير، ونحن نسير على المنهاج، نريد أن نكون في الوضوح التام وعلى بينة كاملة من حقيقة الإسلام كما تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإن من الناس من يفهم الإسلام حسَبَ هواه، أو في حدود ظروفه، أو عبر نصوص مستغلقَة عليه، ويقول: هذا دين محمد صلى الله عليه وسلم. ومنهم من يُؤَول، ومنهم من يحرف، ومنهم من يَنْتَحِل.
أخطر المحرفين من يُظْهِرُ تمجيدَ الإسلام فيقول: إنه ثورة. خطرُ هذا أن من يحبون الإسلام يفرحون بالكلمة المشحونة في هذا العصر بالدلالات البطولية. ويَنسَوْن أن في التسمية إنزالا لدين الله من شموليته الجامعة للدنيا والآخرة، من كونه رسالة الله حملها عبد رسول إلى الإنسانية، من كونه طريق الفلاح في الدنيا والآخرة، من كونه نورا إلهيا. إنزالا يسويه بالمذاهب الأرضية. إن تمجيد النظام الإسلامي في السياسة والاجتماع والاقتصاد كأنه إديولوجية، أي منظومة فكرية، تَبُزُّ في المقارَنة كلَّ مذهب بشري ما هو في الحقيقة إلا مسخ للدين، إن لم نربط النظام الإسلامي لشؤون الأرض والناس بالمبدإ والمعاد، والألوهية والربوبية، ووحدة الخلق، ومصيرهم بعد الموت، وبالآخرة والبعث والخلود في الجنة أو النار. الفهم الصحيح هو ما كانت النظم السياسية الاجتماعية والاقتصادية فيه تأخذ مكانها باعتبارها فروعا للشريعة. واللب هو مصيرك يا إنسان إلى ربك، وعبورك هذه الدنيا لتُخْتَبَر فيها وتصير إلى جزائك. وتكتسبُ النظُمُ التي تمهد لك وتساعدك على معرفة الله تعالى وعبادته أهميتَها من خدمتها للدعوة التي تعرفك بوجود الله، وتحبب إليك الإيمان وتصلك بالمومنين حتى تصبح واحدا منهم، فتفوز في الدار الآخرة. فإذا كان التركيز على تفوق النظام الإسلامي على النظم البشرية، وتَقَلَّص ذكر الموت والآخرة والجنة والنار والألوهية والربوبية والنبوة ومصيرك بعد الخروج من دار الدنيا، فهو الخلط والطمس. وطمس الدين مقصود التراثيين المُغرَّبين الذين يُبْرِزون الخصائص الثورية في الإسلام ليسطحوه على مستوى اهتمام عصرٍ سمَتُه الأساسية الماديةُ التي تؤله الاقتصاد والإنتاج والاستهلاك والديمقراطية والثورة وسائر هذه الأشياء التي تشغل حيز الفكر، وحيز الاهتمام، وحيز النشاط الإنساني. فإذا بالإنسان دابة كادحة مفتونة بين كل هذا الركام الجاهلي. لذلك نتحفظ في استعمال مصطلحات العصر في وصف الإسلام. فلا يصلح لتوضيح الجادة البيضاء إلا لغة القرآن ولغة النبوة.
نعم بكل تأكيد! الإسلام دين جهاد. نعم الإسلام دين مقاتلة المُستكبرين. نعم هو دين العدل ونصير المستضعفين. وهو مع هذا كل لا يتجزأ. وسواء في التحريف من يحكم باسم الإسلام حكما ظالما فيعطل العدل، ومن يدعو لعدل تغيب معه معالم الهداية السماوية.
فما هي البيضاء الواضحة التي تركنا عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ شبهها رسول الله صلى الله عليه وسلم باليوم له ليل ونهار، غيب وشهادة. إيمان في القلب إن شئت، وشريعة ظاهرة. فإن ذهب الإيمان وبقي النظام الإسلامي فذلك الزيغ. وإن كان في القلوب إيمان وتعطل الحكم بما أنزل الله في ميادين الاقتصاد والاجتماع والسياسة فهو أيضا الزيغ.
الجادة الواضحة في كلام الإمام علي كرم الله وجهه ما كان على منهج أم الكتاب. واقرأ الكتاب تجد فيه خطابا مباشرا من الله جلت عظمته للإنسان يدعوه إليه. وتجد كل ما هنالك يدور حول هذه النقطة ويرجع إليها. لِمَ بعث الله الرسل؟ لم فرض الله الجهاد؟ لم جعلها دنيا وآخرة، جنة ونارا؟ ما الغاية من كل هذا؟
وصية الإمام عمر رضي الله عنه أن نكون على دين الأعراب وغِلمان الكُتَّاب تعني أن دين الله ليس فلسفة معقدة، وأنه في متناول الإنسان من حيث الفطرةُ المشتركة، لا من حيث المعارفُ المكتسبة، ولا من حيث المكانةُ الاجتماعية، ولا من حيث مستوى المعيشة، ولا من حيث النظام الاقتصادي والسياسي الذي يعيش تحته الإنسان. على أن الوصية تفيد أيضا أن قاعدة الأمة ومستضعفيها هم لُحْمةُ الدين والمقصودون بالرسالة. فليس الإسلام إذن دين نخبة اجتماعية. بل هو دين عدل وتسوية أمام الله تعالى. وكل ما يعاكس العدل يجب جهاده لنفس السبب الذي من أجله يجب جهاد الكفر. والكفر والفقر أخوان.
الإسلام دين. هذه جملة يفهم منها إنسان العصر اللاييكي أنَّ الإسلام علاقة بين الإنسان وربه لا علاقة لها بالمجتمع ونظامه، ولا بالحكم واختياره، ولا بقسمة الأرزاق وإنتاجها. كلمة "دين" سطَّحها الذين نسبوا للسيد المسيح عليه السلام القول بإعطاء ما لقيصر لقيصر وما لله لله. وتختلط في الذهنية المعاصرة مفاهيم الجاهلية بمعاني الإسلام، وتحتل لغتَنا كما احتلت أرضنا وعقولنا، فيغمُض علينا ديننا.
ما هي البيضاء الواضحة وقد أدركت هذه الأجيال دين الخمول الموروث، علموهم أنه الدين الصحيح؟ الاستسلام للحاكم الظالم دين. التخلي عن كل اهتمام بأمر المسلمين دين. الانزواء في تعبد خامل دين. البدع والجهل دين. مظاهر اللباس والاكتحال ومضغ بعض العبارات هو جماع الدين. إسلام ميت. إسلام خوف وجهل وخنوع. غثائية نشأت عن ترك سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم وهي كل لا يتجزأ. وهي جهاد.
عمرأبوحسام غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس