عرض مشاركة واحدة
قديم 03-01-2009
  #1
هيثم السليمان
عضو شرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: دير الزور _ العشارة
المشاركات: 1,367
معدل تقييم المستوى: 17
هيثم السليمان is on a distinguished road
افتراضي في كيفية الإعراب




في كيفية الإعراب


والمخاطب بمعظم هذا الباب المبتدئون


اعلم أنّ اللفظ المعبر عنه إنْ كان حرفاً واحداً عُبِّرَ عنه باسمه الخاص به أو المشترك ، فيقال في المتصل بالفعل من نحو ضربت : التاء فاعل ، أو الضمير فاعل ، ولا يقال ( ت ) فاعل ، كما بلغني عن بعض المعلّمين ، إذ لا يكون اسم ظاهر هكذا ، فأمّا الكاف الاسمية فإنها ملازمة للإضافة ، فاعتمدت على المضاف إليه ، ولهذا إذا تكلمت عن إعرابها جئت باسمها فقلت في نحو قوله :
وما هداكَ إلى أرضٍ كعالمها
الكاف فاعل ، ولا تقول ( ك ) فاعل ، لزوال ما تعتمد عليه ، ويجوز في نحو (مُ اللهِ ) , و( قِ نفسكَ) , و( شِ الثوبَ ) , و (لِ هذا الأمرَ ) أن تنطلق بلفظها فتقول : ( مُ ) مبتدأ، وذلك على القول بأنها بعض ( ايمن ) ، وتقول : ( قِ ) فعل أمر... لأنّ الحذف فيهن عارض ، فاعتبر فيهن الأصل ، وتقول : الباء حرف جر ، والواو حرف عطف ، ولا تنطلق بلفظهما .
وإن كان اللفظ على حرفين نطق به ، فقيل : قد حرف تحقيق ، وهل حرف استفهام ، و ( نا ) فاعل أو مفعول ، والأحسن أن تعبر عنه بقولك : الضمير ، لئلا تنطق بالمتصل مستقلاً ، ولا يجوز أن تنطق باسم شيء من ذلك كراهيةَ الإطالة، وعلى هذا فقولهم ألْ أقيسُ من قولهم: الألف واللام، وقد استعمل التعبير بهما الخليل وسيبويه.
وإن كان أكثرَ من ذلك نطق به أيضاً ، فقيل : ( سوف ) حرف استقبال ، وضرب فعل ماض ، وضَرَبَ هذا اسمٌ ، ولهذا أخبر عنها بقولك فعل ماض ، وإنّما فتحت على الحكاية ، يدلّك على ما ذكرنا أنّ الفعل ما دلّ على حدث وزمان ، وضرب هنا لا تدل على ذلك ، وأنّ الفعل لا يخلو عن الفاعل في حالة التركيب ، وهذا لا يصح أن يكون له فاعل ، ومما يوضح لك ذلك أنّك تقول في زيد من ضرب زيد ؛ زيد مرفوع بضرب أو فاعل بضرب ، فتدخل الجار عليه ، وقال لي بعضهم: لا دليل في ذلك ، لأنّ المعنى بكلمة ضرب ، فقلت له : وكيف وقع ضربَ مضافاً إليه مع أنّه في ذلك ليس باسم في زعمك ؟ فإن قلت : فإذا كان اسماً فكيف أخبرت عن زيد باعتبار مسماه ، لا باعتباره لفظه ؟ وكذلك أخبرت عن ضرب باعتبار مسماه ، وهو ضرب الذي يدلّ على الحدث والزمان ، فهذا في أنه لفظٌ مسماه لفظٌ كأسماء السّور وأسماء حروف المعجم ، ومن هنا قلت : حرف التعريف ( أل ) ، فقطعت الهمزة ، وذلك لأنك لما نقلت اللفظ من الحرفية إلى الاسمية أجريتَ عليه قياس همزات الأسماء ، كما أنك إذا سميت باضْرِبْ قطعت همزته ، وأمّا قول ابن مالك : إنّ الإسناد اللفظي يكون في الأسماء والأفعال والحروف ، وإنّ الذي يختص به الاسمُ هو الإسناد المعنوي ، فلا تحقيق فيه .
وقال لي بعضهم : كيف تتوهم أنّ ابن مالك اشتبه عليه الأمر في الاسم والفعل والحرف ؟ فقلت : كيف توهّم ابن مالك أنّ النحويين كافة غلطوا في قولهم : إنّ الفعل يخبر به ولا يخبر عنه ، وإنّ الحرف لا يخبر به ولا عنه ، وممن قلّد ابن مالك في هذا الوهم أبو حيان .


ولابدَّ للمتكلم على الاسم أن يذكر ما يقتضي وجه إعرابه كقولك : مبتدأ ، خبر ، فاعل ، مضاف إليه ، وأمّا قول كثير من المعربين مضاف أو موصول أو اسم إشارة فليس بشيء ، لأنّ هذه الأشياء لا تستحقّ إعراباً مخصوصاً ، فالاقتصار في الكلام عليها على هذا القدر لا يُعلم به موقعها من الإعراب . وإن كان المبحوث فيه مفعولاً عيّن نوعه ، فقيل : مفعول مطلق ، أو مفعول به ، أو لأجله ، أو معه ، أو فيه ، وجرى اصطلاحهم على أنّه إذا قيل مفعول وأطلق لم يُردْ إلا المفعول به ، لما كان أكثر المفاعيل دوراً في الكلام خففوا اسمه ، وإنّما كان حق ذلك ألا يصدق إلا على المفعول المطلق ، ولكنهم لا يطلقون على ذلك اسم المفعول إلا مقيداً بقيد الإطلاق . وإن عُيِّن المفعول فيه – فقيل : ظرف زمان أو مكان – فحسنٌ ، ولابدَّ من بيان متعلّقه كما في الجار والمجرور الذي له متعلق . وإن كان المفعول به متعدداً عينت كل واحد فقلت : مفعول أول ، أو ثان ، أو ثالث .


وينبغي أن تعين للمبتدئ نوع الفعل ، فتقول : فعل ماض ، أو فعل مضارع ، أو فعل أمر ، وتقول في نحو تلظّى : فعل مضارع أصله تتلظى ، وتقول في الماضي : مبني على الفتح ، وفي الأمر مبني على ما يجزم به مضارعه وفي نحو (يتربصن) مبني على السكون لاتصاله بنون الإناث ، وفي نحو ( ليُنبذنّ ) : مبني على الفتح لمباشرته لنون التوكيد ، وتقول في المضارع المعرب : مرفوع لحلوله محل الاسم ، وتقول : منصوب بكذا ، أو بإضمار أنْ ، ومجزوم بكذا ، ويبين علامة الرفع والنصب والجزم ، وإن كان الفعل ناقصاً نصّ عليه فقال مثلاً : كان : فعل ماض ناقص يرفع الاسم وينصب الخبر ، وإن كان المعرب حالاًّ في غير محله عُيّن ذلك : فقيل في قائم مثلاً من نحو قائم زيد : خبر مقدم ، ليعلم أنّه فارقَ موضعه الأصلِ ، وليتطلب مبتدأه ، وفي نحو ( ولو ترى إذْ يتوفى الذين كفروا الملائكةُ ) : الذين مفعول مقدم ، ليتطلب فاعله ، وإن كان الخبر مثلاً غير مقصود لذاته قيل : خبر موطِّئ ، ليعلم أنّ المقصود ما بعده كقوله تعالى ( بلْ أنتم قومٌ تجهلون ) وقوله :
كفى بجسمي نحولاً أنني رجلٌ = لولا مخاطبتي إيّاكَ لمْ ترني
ولهذا أعيد الضمير بعد قوم ورجل إلى ما قبلهما ، لا إليهما ، ومثله الحال الموطِّئة في نحو ( إنّا أنزلناهُ قرآناً عربياً ) .
وإن كان المبحوث فيه حرفاً بيّن نوعه ومعناه وعمله إن كان عاملاً ، فقال مثلاً : إنّ : حرف توكيد تنصب الاسم وترفع الخبر . لن : حرف نفي ونصب واستقبال . أنْ : حرف مصدريّ ينصب الفعل المضارع . لم : حرف نفي بجزم المضارع ويقلبه ماضياً . ثم بعد الكلام على المفردات يتكلم على الجمل ، ألها محلّ أم لا ؟

فصل

وأول ما يحترز منه المبتدئ في صناعة الإعراب ثلاثة أمور : أحدها : أن يلتبس عليه الأصلِّ بالزائد ، ومثاله أنّه إذا سمع أنّ ( أل ) من علامات الاسم ، وأنّ أحرف ( نأيت ) من علامات المضارع ، وأنّ تاء الخطاب من علامات الماضي ، وأنّ الواو الفاء من أحرف العطف ، وأنّ الباء واللام من أحرف الجر ، وأنّ فعل ما لم يُسمَّ فاعله مضموم الأول... سبقَ وهمهُ إلى أنّ ألفيت وألهبتُ اسمان ، وأنّ أكرمت وتعلمت مضارعان ، وأنّ وعظ وفسخ عاطفان و معطوفان ، وأنّ نحو بيت وبين ولهو ولعب كل منها جار ومجرور ، وأنّ نحو أدحْرج مبنيٌ لما لم يُسمَّ فاعلهُ ، وقد سمعت منْ يُعْرب ( ألهاكمُ التكاثرُ ) مبتدأ وخبراً ، فظنَّهما مثل قولك : ( المنطلق زيد ) . ونظير هذا الوهم قراءة كثير من العوام ( نارٌ حاميةٌ ألهاكم التكاثر ) بحذف الألف كما تحذف أول السورة في الوصل فيقال ( لخبيرٌ القارِعةُ ) .
وذكر لي عن رجل كبير من الفقهاء ممن يقرأ علم العربية أنّه استشكل قول الشريف المرتضى :
أتبيتُ ريّانَ الجفونِ منَ الكرى = وأبيتَ منْكَ بليلةِ الملْسوعِ ؟
وقال : كيف ضمّ التاء من تَبيتُ وهي للمخاطب لا للمتكلم ؟ وفتحها من أبيتَ وهو للمتكلم لا للمخاطب ؟ فبيّنتُ للحاكي أنّ الفعلين مضارعان ، وأنّ التاء فيهما لام الكلمة ، وأنّ الخطاب في الأول مستفاد من تاء المضارعة ، والتكلم في الثاني مستفاد من الهمزة ، والأول مرفوع لحلوله محل الاسم ، والثاني منصوب بأنْ مضمرة بعد واو المصاحبة على حد قول الحطيئة :
ألمْ أكُ جارَكمْ ويكونَ بيْني = وبيْنكمُ المودّةُ والإخاءُ
وحكى العسكري في كتاب التصحيف أنّه قيل لبعضهم : ما فعلَ أبوك بحماره ؟ فقال : باعِهِ ؟ فقيل له : لم قلت : باعِهِ ؟ قال : فلم قلت أنت بحمارهِ ؟ فقال : أنا جررته بالباء ، فقال : فلم تجرُّ باؤك وبائي لا تجر ؟ ومثله من القياس الفاسد ما حكاه أبو بكر التاريخي في كتاب أخبار النحويين أنّ رجلاً قال لسمّاكٍ بالبصرة : بكم هذه السّمكة ؟ فقال : بدرهمان ، فضحك الرجل ، فقال السماك : أنت أحمق ، سمعت سيبويه يقول : ثمنها درهمان .
وقلت يوماً : تردُ الجملة الاسمية الحالية بغير واو في فصيح الكلام ، خلافاً للزمخشري ، كقوله تعالى : ( ويومَ القيامةِ ترى الذين كذَبوا على الله وجوهُهم مسودّة ) فقال بعض منْ حضر : هذه الواو في أولها .
وقلت يوماً : الفُقهاء يلحنون في قولهم البايع بغير همز ، فقال قائل : فقد قال الله تعالى ( فبايِعهُنّ ) .
وقال الطبري في قوله تعالى : ( أثُمَّ إذا ما وقعَ ) : إنّ ثم بمعنى هنالك .
وقال جماعة من المعربين في قوله تعالى : ( وكذلك نُجِّي المؤمِنينَ ) في قراءة ابن عامر وأبي بكر بنونٍ واحدة : إنّ الفعل ماضٍ ، ولو كان كذلك لكان آخره مفتوحاً ، والمؤمنين مرفوعاً.
فإن قيل : سكنت الياء للتخفيف كقوله :
هو الخليفَةُ فارْضَوا ما رضي لكمُ
وأقيم ضمير المصدر مقام الفاعل .
قلنا : الإسكان ضرورة ، وإقامة غير المفعول به مقامه مع وجوده ممتنعة ، بل إقامة ضمير المصدر ممتنعة ، ولو كان وحده ، لأنّه مبهم .
ومما يشبه نحو { تولّوا } بعد الجازم والناصب، والقرائنُ تبيّن ، فهو في نحو { فإن تولّوا فقل حسْبيَ الله} ماض ، وفي نحو { وإنْ تولّوا فإنّي أخافُ عليكمْ } , { فإنْ تولّوا فإنّما عليهِ ما حُمِّل وعليْكمْ ما حُمِّلتم } مضارع ، وقوله تعالى : { وتعاونوا على البرِّ والتّقوى ولا تعاونوا على الإثمِ والعُدوان } الأول أمر ، والثاني مضارع ، لأنّ النهي لا يدخل على الأمر ، وتلظّى في { فأنذرتُكمْ ناراً تلظّى } مضارع ، وإلا لقيل : تلظّتْ ، وكذا تمنّى من قوله :
تمنّى ابنتايَ أن يَعيش أبوهما
ووهم ابن مالك فجعله ماضياً من باب :
ولا أرضَ أبقلَ إبقالها
وهذا حمل على الضرورة من غير ضرورة.
هيثم السليمان غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس