الموضوع: المكتوبات
عرض مشاركة واحدة
قديم 02-03-2011
  #18
عبدالرزاق
عضو شرف
 الصورة الرمزية عبدالرزاق
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 329
معدل تقييم المستوى: 14
عبدالرزاق is on a distinguished road
افتراضي رد: المكتوبات

المكتوب الثامن عشر

باسمه سبحانه

} وَاِنْ مِنْ شَيءٍْ اِلاَّ يُسَبِـّحُ بِحَمْدِهِ{

(هذا المكتوب يتضمن ثلاث مسائل مهمة)

l المسألة المهمة الاولى:

سؤال:

ان أولياء مشهورين امثال الشيخ محي الدين بن عربي(1) (قدس سره) صاحب كتاب ((الفتوحات المكية)) والشيخ عبد الكريم الجيلي(2) (قدس سره) صاحب كتاب ((الانسان الكامل)) يبحثون في طبقات الارض السبع، وفي الارض البيضاء خلف جبل قاف، وفي امور عجيبة كالمشمشية - كما في الفتوحات - ويقولون: لقد رأينا! فهل ما يقولونه صدق وصواب؟ فان كان هكذا فليس في ارضنا مثل ما يقولون! والجغرافية والعلوم الحاضرة تنكر ما يقولونه! وان لم تكن اقوالهم صواباً فكيف اصبحوا اولياء صالحين، اذ كيف يكون من ينطق بمثل هذه الاقوال المخالفة للواقع المشاهد والمحسوس والمنافية للحقيقة، من اهل الحق والحقيقة!.

الجواب: انهم من اهل الحق والحقيقة، وهم ايضاً اهل ولاية وشهود، فما شاهدوه فقد رأوه حقاً، ولكن يقع الخطأ في قسم من احكامهم، في مشاهداتهم في حالة الشهود التي لا ضوابط لها ولا حدود، وفي تعبير رؤيتهم الشبيهة بالرؤى التي لا حق لهم في التعبير عنها.

اذ كما لا يحق لصاحب الرؤيا التعبير عن رؤياه بنفسه، فذلك القسم من اهل الشهود والكشف ليس لهم الحق ان يعبروا عن مشاهداتهم في تلك الحالة، حالة الشهود. فالذي يحق له التعبير عن تلك المشاهدات انما هم ورثة الانبياء من العلماء المحققين المعروفين بالاصفياء. ولا ريب أن اهل الشهود هؤلاء عندما يرقون الى مقام الاصفياء سيدركون خطأهم بأنفسهم بارشاد الكتاب والسنة ويصححونها. وقد صححها فعلاً قسم منهم.

فاستمع الى هذه الحكاية التمثيلية لتوضيح هذه الحقيقة، وهي:

اصطحب راعيان من اهل القلب والصلاح فحلبا من غنمهما اللبن ووضعاه في اناء خشبي ووضعا الناي القصبي فوق حافتي الصحن. ثم شعر أحدهما بالنعاس، وما فتئ ان غلبه النوم، فنام واستغرق في نومه.

أما الثاني فقد ظل مستيقظاً يرقب صاحبه، واذا به يرى وكأن شيئاً صغيراً - كالذبابة - يخرج من أنف صاحبه النائم، ثم يمرق سريعاً ويقف على حافة الاناء ناظراً في اللبن ثم يدخل من فوهة الناي من احد طرفيه ويخرج من فوهة الطرف الآخر، ثم يمضي ويدخل في ثقب صغير تحت شجيرة مشوكة كانت بالقرب من المكان.

ثم يعود ذلك الشئ بعد مدة ويمضي في الناي أيضاً ويخرج من الطرف الآخر منه، ثم يأتي الى ذلك النائم ويدخل في أنفه.. وهنا يستيقظ النائم من نومه، ويصحو قائلاً لصديقه:

- لقد رأيت يا صديقي في غفوتي هذه رؤيا عجيبة!

- اللّهم ارنا خيراً وأسمعنا خيراً.. قل يا صديقي ماذا رأيت؟

- رأيت - وأنا نائم - بحراً من لبن، وقد مد عليه جسر عجيب، وكان الجسر مسقفاً، ولسقفه نوافذ، مررت من ذلك الجسر، ورأيت في نهاية الطرف الثاني منه غابة كثيفة ذات اشجار مدببة. وبينما انا انظر اليها متعجباً رأيت كهفاً تحت الاشجار فسرعان ما دخلت فيه، ورأيت كنزاً عظيماً من ذهب خالص.

فقل لي يا صديقي، ما ترى في رؤياي هذه، وكيف تعبّرها لي؟ أجابه صديقه الصاحي:

- ان ما رأيته من بحر اللبن هو هذا اللبن في هذا الاناء، وذلك الجسر الذي فوقه هو الناي الموضوع فوق حافتيه، والغابة هي هذه الشجيرة المشوكة، وذلك الكهف الكبير هو هذا الثقب الصغير، تحت هذه النبتة القريبة منا. فهات يا صديقي المعوَل لأريك الكنز بنفسي. فيأتي صديقه بالمعوَل ويبدآن الحفر تحت تلك الشجيرة، ولم يلبثا حتى ينكشف لهما ما يسعدهما في الدنيا من كنز ذهبي.

وهكذا فان ما رآه النائم في نومه صواب وصحيح، وقد رأى ما رأى حقيقة وصدقاً، ولكن لأنه مستغرق في عالم الرؤيا، وعالم الرؤيا لا ضوابط له ولا حدود، فلا يحق للرائي تعبير رؤياه، فضلاً عن أنه لا يميز بين العالم المادي والمعنوي، لذا يكون قسم من حكمه خطأ. حتى أنه يقول لصاحبه صادقاً: لقد رأيت بنفسي بحراً من لبن. ولكن صديقه الذي ظل صاحياً يستطيع ان يميز بسهولة العالم المثالي ويفرزه عن العالم المادي، فله حق تعبير الرؤيا حيث يخاطب صديقه قائلاً:

- ان ما رأيته يا صديقي حق وصدق، ولكن البحر الذي رأيته ليس بحراً حقيقياً، بل قد صار اناء اللبن الخشبي هذا في رؤياك كأنه البحر، وصار الناي كالجسر.. وهكذا..

وبناء على هذا المثال ينبغي التمييز بين العالم المادي والعالم الروحاني، فلو مزجا معاً، تأتي احكامهما خطأ ولا نصيب لها من الصحة.

ومثال آخر:

هب ان لك غرفة ضيقة، وضعت في جدرانها الاربعة مرايا كبيرة، تغطي كل مرآة الجدار كله، فعندما تدخل غرفتك ترى ان الغرفة الضيقة قد اتسعت واصبحت كالساحة الفسيحة، فاذا قلت:

- انني أرى غرفتي كساحة واسعة.. فانك لا شك صادق في قولك.

ولكن اذا حكمت وقلت:

- غرفتي واسعة سعة الساحة فعلاً.. فقد اخطأت في حكمك، لأنك قد مزجت عالم المثال - وهو هنا عالم المرايا - بعالم الواقع والحقيقة، وهو هنا عالم غرفتك كما هي فعلاً.

وهكذا تبين ان ماجاء على ألسنة بعض أهل الكشف، أو ما ورد في كتبهم حول الطبقات السبع للكرة الارضية من تصويرات من دون أن يزِنوا بياناتهم بموازين الكتاب والسنة لا تقتصر على الوضع المادي والجغرافي للارض. اذ قالوا:

ان طبقة من طبقات الارض خاصة بالجن والعفاريت ولها سعة مسيرة ألوف السنين. والحال ان الكرة الارضية التي يمكن قطعها في بضع سنين لا تنطوي على تلك الطبقات العجيبة الهائلة السعة.

ولكن لو فرضنا ان كرتنا الارضية كبذرة صنوبر في عالم المعنى وعالم المثال وفي عالم البرزخ وعالم الارواح، فان شجرتها المثالية التي ستنبثق منها وتتمثل في تلك العوالم ستكون كشجرة صنوبر ضخمة جداً بالنسبة لتلك البذرة. لذا فان قسماً من أهل الشهود يرون أثناء سيرهم الروحاني طبقات الارض في عالم المثال واسعة سعة مهولة جداً، فيشاهدونها بسعة مسيرة ألوف السنين. فما يرونه صدق وحقيقة. ولكن لأن عالم المثال شبيه صورة بالعالم المادي، فهم يرونهما - أي العالمين كليهما - ممزوجين معاً. فيعبّرون عما يشاهدون كما هو. ولكن لأن مشهوداتهم غير موزونة بموازين الكتاب والسنة ويسجلونها كما هي في كتبهم عندما يعودون الى عالم الصحو، فان الناس يتلقونها خلاف الحقيقة. اذ كما ان الوجود المثالي لقصر عظيم وحديقة فيحاء تستوعبه مرآة صغيرة، كذلك سعة الوف السنين من العالم المثالي، والحقائق المعنوية تستوعبها مسافة سنة من العالم المادي.













خاتمة

يُفهم من هذه المسألة:

ان درجة الشهود أوطأ بكثير من درجة الايمان بالغيب. أي ان الكشفيات التي لا ضوابط لها لقسم من الاولياء المستندين الى شهودهم فقط، لا تبلغ أحكام الاصفياء والمحققين من ورثة الانبياء الذين لا يستندون الى الشهود بل الى القرآن والوحي، فيصدرون احكامهم حول الحقائق الايمانية السديدة. فهي حقائق غيبية الا انها صافية لا شائبة فيها. وهي محددة بضوابط، وموزونة بموازين.

اذن فميزان جميع الاحوال الروحية والكشفيات والاذواق والمشاهدات انما هو: دساتير الكتاب والسنة السامية، وقوانين الاصفياء والمحققين الحدسية.

l المسألة الثانية المهمة:

سؤال:

يعتبر الكثيرون ((وحدة الوجود)) من أرفع المقامات، بينما لا نشاهد لها أثراً عند الذين لهم الولاية الكبرى، وهم الصحابة الكرام وفي مقدمتهم الخلفاء الراشدون، ولا عند ائمة آل البيت وفي مقدمتهم الخمسة المعروفون بآل العباء، ولا عند المجتهدين وفي مقدمتهم الأئمة الاربعة، ولا عند التابعين، فهل الذين أتوا من بعد هؤلاء اكتشفوا طريقاً أسمى وارفع من طريقهم؟ وهل سبقوهم في هذا المضمار؟!

الجواب: كلا.. وحاش لله أن يكون الامر كذلك، فليس في مقدور أحد كائناً من كان ان يصل الى مستوى أولئك الأصفياء الذين كانو أقرب النجوم اللامعة الى شمس الرسالة والوارثين السابقين الى كنوز النبوة فضلاً عن أن يسبقوهم. فالصراط المستقيم انما هو طريقهم والمنهج القويم انما هو منهجهم.

أما وحدة الوجود فهي مشرب ونزعة وحال وهي مرتبة ناقصة، ولكن لكونها مشرّبة بلذة وجدانية ونشوة روحية فان معظم الذين يحملونها أو يدخلون اليها لا يرغبون في مغادرتها فيبقون فيها، ظانين أنها هي المرتبة الأخيرة التي لا تسمو فوقها مرتبة ولا يطالها أفق.

لذلك فان صاحب هذا المشرب، ان كان ذا روح متجردة من المادة ومن وسائلها ومزقت ستار الأسباب وتحررت من قيودها ونالت شهوداً في لجة الاستغراق الكلي، فان مثل هذا الشخص قد يصل الى وحدة وجود حالي لا علمي، ناشئة من وحدة شهود وليس من وحدة الوجود، فتحقق لصاحبها كمالاً ومقاماً خاصاً به، بل قد توصله الى انكار وجود الكون عند تركيز انتباهه في وجود الله.

أما ان كان صاحب هذا المشرب من الذين اغرقتهم المادة وأسبابها. فان ادعاءه لوحدة الوجود قد تؤدي به الى انكار وجود الله سبحانه لكون انتباهه منحصراً على وجود الكون.

نعم! أن الصراط المستقيم لهو طريق الصحابة والتابعين والأصفياء الذين يرون أن ((حقائق الاشياء ثابتة)) وهي القاعدة الكلية لديهم، وهم الذين يعلمون أن الأدب اللائق بحق الله سبحانه وتعالى هو قوله تعالى: } ليس كمثله شيء{ (الشورى:11) أي انه منزّه عن الشبيه والتحيز والتجزؤ. وان علاقته بالموجودات علاقة الخالق بالمخلوقات، فالموجودات ليست أوهاماً كما يدعي أصحاب وحدة الوجود، بل هذه الاشياء الظاهرة هي من آثار الله سبحانه وتعالى.

اذن فليس صحيحاً قولهم ((همه اوست)) اي ((لا موجود الا هو)) وانما الصحيح ((همه از اوست)) اي ((لا موجود الا منه)) ذلك لأن الحادثات لا يمكن ان تكون القديم نفسه، أي ازلية.

ويمكن تقريب الموضوع الى الأذهان بمثالين:

الأول: لنفرض ان هناك سلطاناً، وان لهذا السلطان دائرة عدل، فهذه الدائرة تكون ممثلة لاسم ((السلطان العادل)). وان هذا السلطان في الوقت نفسه هو ((خليفة)) اذن فان له دائرة تعكس فيها ذلك الاسم. كما أن هذا السلطان يحمل أسم ((القائد العام للجيش)) لذا ستكون له دائرة عسكرية تظهر ذلك الاسم. فالجيش مظهر لهذا الاسم. والآن اذا قيل بأن هذا السلطان هو ((السلطان العادل)) فقط وانه لا توجد سوى دائرة العدل التي تعكس اسم السلطان الاعظم، ففي هذه الحالة تظهر بالضرورة بين موظفي دائرة العدل صفة اعتبارية - غير حقيقية - لأوصاف علماء دائرة الشؤون الدينية وأحوالهم، أي ينبغي ان يتصور صفة ظلية وتابعة وغير حقيقية لدائرة الشؤون الدينية بين موظفي دائرة العدل. وكذلك الحال بالنسبة للدائرة العسكرية، اذ لابد أن تظهر أحوالها ومعاملاتها بشكل ظلي وفرضي وغير حقيقي بين موظفي دائرة العدل وهكذا.

اذن ففي هذه الحالة فان اسم السلطان الحقيقي وصفة حاكميته الحقيقية ((الحاكم العادل)) وحاكميته في دائرة العدل، أما صفاته الاخرى مثل ((الخليفة)) و ((القائد العام للجيش))...الخ، فتبقى نسبية وغير حقيقية، بينما ماهية السلطان وحقيقة السلطنة تقتضيان هذه الاسماء جميعاً بصورة حقيقية، وان الأسماء الحقيقية تتطلب هي الاخرى دوائر حقيقية وتقتضيها.

وهكذا فان سلطنة الألوهية تقتضي وجود أسماء حسنى حقيقية متعددة لها، أمثال: الرحمن، الرزاق، الوهاب، الخلاق، الفعال، الكريم، الرحيم، وهذه الاسماء والصفات تقتضي كذلك وجود مرايا حقيقية لها.

والآن ما دام أصحاب وحدة الوجود يقولون ((لا موجود الا هو)) وينزلون الموجودات منزلة العدم والخيال فان اسماء الله تعالى أمثال: واجب الوجود، الموجود، الأحد، الواحد، تجد لها تجلياتها الحقيقية ودوائرها الحقيقية، وحتى ان لم تكن دوائر هذه الاسماء ومراياها حقيقية - واصبحت خيالية وعدمية - فلا تضر تلك الاسماء شيئاً، بل ربما يكون الوجود الحقيقي اصفى وألمع ان لم يكن في مرآته لون الوجود. ولكن في هذه الحالة لا تجد اسماء الله الحسنى الاخرى أمثال: الرحمن، الرزاق، القهار، الجبار، الخلاق، تجلياتها الحقيقية. بل تصبح اعتبارية ونسبية، بينما هذه الاسماء هي أسماء حقيقية كأسم ((الموجود)) ولا يمكن ان تكون ظلاً، وهي أصلية لا يمكن ان تكون تابعة.

وهكذا فان الصحابة والمجتهدين والأصفياء وأئمة أهل البيت عندما يشيرون الى أن ((حقائق الأشياء ثابتة)) يقرون بأن لأسماء الله تعالى تجليات حقيقية وان لجميع الأشياء وجوداً عرضياً أسبغه الله عليها بالخلق والايجاد، ومع أن هذا الوجود يعتبر وجوداً عرضياً وضعيفاً وظلاً غير دائم بالنسبة لوجود ((واجب الوجود)) الا أنه ليس وهماً وليس خيالاً، فان الله سبحانه وتعالى قد أسبغ على الاشياء صفة الوجود بتجلي اسمه ((الخلاق)) وهو يديم هذا الوجود.

المثال الثاني: لنفرض أن في هذه الغرفة أربع مرايا جدارية كبيرة موضوعة على جدرانها الاربعة، فصورة الغرفة ترتسم على كل مرآة من هذه المرايا، ولكن كل مرآة تعكس صورة الاشياء بالشكل الذي يناسب صفتها ولونها، أي ان كل مرآة ستعكس منظراً خاصاً للغرفة. فاذا دخل رجلان الى الغرفة واطلع أحدهما على احدى هذه المرايا فانه يعتقد بأنه يرى جميع الأشياء مرتسمة فيها، وعندما يسمع بوجود مرايا اخرى وما فيها من صور فانه يعتقد بأنها صور المرايا التي تنعكس على مرآته نفسها والتي لا تشغل الا حيزاً صغيراً منها، بعد أن تضاءلت صورتها مرتين وتغيرت حقيقتها فيقول:

انني أرى الصورة هكذا. اذن فهذه هي الحقيقة.

فيقول له الرجل الثاني: نعم انك ترى ذلك وما تراه صحيح، ولكن ليس هو في الواقع صورة الحقيقة نفسها، فهناك مرايا أخرى غير المرآة التي تحدق فيها، وتلك المرايا ليست صغيرة وضئيلة ومنعكسة من الظلال كما تراها في مرآتك!

وهكذا فان كل اسم من أسماء الله الحسنى يتطلب مرآة خاصة به كل على حدة. فمثلاً: ان الاسماء الحسنى أمثال: ((الرحمن، الرزاق)) لما كانت أسماء حقيقية وأصلية فانها تقتضي موجودات لائقة بها ومخلوقات محتاجة الى مثل هذا الرزق ومثل هذه الرحمة.

فكما يقتضي اسم ((الرحمن)) مخلوقات حية محتاجة الى الرزق في عالم حقيقي، فان اسم ((الرحيم)) يستدعي جنة حقيقية كذلك. لذا فان اعتبار أسماء معينة من أسماء الله الحسنى أمثال ((الموجود، الواحد، الأحد، واجب الوجود)) هي الاسماء الحقيقية فقط وتوهم الأسماء الحسنى الاخرى تابعة وظلاً لها حكم غير عادل وتنكّب عن واجب الاحترام لهذه الاسماء الحسنى كما ينبغي.

اذن فالصراط المستقيم، بل صراط الولاية الكبرى ان هو الا طريق الصحابة والأصفياء والتابعين وائمة اهل البيت والائمة المجتهدين وهو الطريق الذي سلكه التلاميذ الأوَل للقرآن الكريم.



} سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا اِلاّ ما عَلَّمْتَنا اِنَّكَ اَنْتَ الْعَليمُ الْحَكيم{

} ربنا لا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك انت الوهاب{

اللّهم صل على من ارسلته رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين



l المسألة الثالثة:

وهي المسألة المهمة التي لا يمكن حلها بالعقل ولا كشفها بالحكمة والفلسفة.

قال تعالى: } كلّ يومٍٍ هو في شأن{ (الرحمن:29)

} فعّالٌ لما يُريد{ (البروج:16)

سؤال:

ما سر هذه الفعالية المحيرة للالباب الجارية في الكائنات وما حكمتها؟ ولِمَ لا تستقر هذه الموجودات الدائبة في الحركة، بل تتجدد وتتغير؟

الجواب: ان ايضاح هذه الحكمة يحتاج الى الف صحيفة، فندع الايضاح جانباً ونحصر الجواب في غاية الاختصار في صحيفتين اثنتين فنقول:

ان شخصاً ما اذا ادى وظيفة فطرية، أو قام بمهمة اجتماعية، وسعى في انجازها سعياً حثيثاً، فلاشك أن المشاهد يدرك أنه لا يقوم بهذا العمل الاّ بدافعين:

الاول: هو المصالح والثمرات والفوائد التي تترتب على تلك الوظيفة والمهمة وهي التي تسمى بــ ((العلة الغائية)).

الثاني: ان هناك محبة، وشوقاً، ولذة يشعر بها الانسان اثناء ادائه لتلك الوظيفة، مما يدفعه الى القيام بها بحرارة وشوق، وهذا ما يسمى بـ ((الداعي والمقتضي)).

مثال ذلك: ان الاكل وظيفة فطرية يشتاق الانسان الى القيام بها بدافع من لذة ناشئة من الشهية، ومن بعدها فهناك انماء الجسم وادامة الحياة كنتيجة للاكل وثمرة له.

(ولله المثل الاعلى) فان الفعالية الجارية في هذا الكون الواسع التي تحير الالباب وتجعل العقول في غمرة اندهاش واعجاب انما تستند الى قسمين من الاسماء، وتجري نتيجة اظهار حكمتين اثنتين واسعتين بحيث ان كلا منهما لا يحدها حدود.

الحكمة الاولى:

ان اسماء الله الحسنى لها تجليات لا تحد ولا تحصر، فتنوع المخلوقات الى انواع لا تحصر ناشئ من تنوع تلك التجليات غير المحصورة. والاسماء بحد ذاتها لابد لها من الظهور اي تستدعي اظهار نقوشها، اي تقتضي مشاهدة تجليات جمالها في مرايا نقوشها واشهادها. بمعنى ان تلك الاسماء تقضى بتجدد كتاب الكون، اي تجدد الموجودات آناً فآناً، باستمرار دون توقف، اي ان تلك الاسماء تقتضي كتابة الموجودات مجدداً وببلاغة حكيمة ومغزى دقيق بحيث يظهر كل مكتوب نفسه امام نظر الخالق جل وعلا وامام انظار المطالعين من الموجودات المالكة للشعور ويدفعهم لقراءته.

السبب الثاني والحكمة الثانية:

كما ان الفعالية الموجودة في المخلوقات قاطبة نابعة من لذة ومن شهية ومن شوق، بل ان في كل فعالية منها لذة، بل كل فعالية هي بحد ذاتها نوع من اللذة.

(ولله المثل الاعلى) فهناك شفقة مقدسة مطلقة ومحبة مقدسة مطلقة تليقان به سبحانه وتلائمان غناه المطلق وتعاليه وتقدسه وتوافقان كماله المطلق. ثم ان هناك شوقاً مقدساً مطلقاً يليق به آت من تلك الشفقة المقدسة والمحبة المقدسة، وهناك سرور مقدس ناشئ من ذلك الشوق المقدس وهناك لذة مقدسة لائقة به - ان جاز التعبير - ناشئة من ذلك السرور المقدس، ثم ان الرحمة المطلقة النابعة من تلك اللذة المقدسة، وما ينشأ من المخلوقات قاطبة من رضى عام وكمال شامل من انطلاق استعداداتها من القوة الى الفعل وتكمّلها، ضمن فعالية القدرة.. فما ينشأ من كل هذا من رضى مقدس مطلق - ان جاز التعبير - وافتخار مقدس مطلق.. كل ذلك بما يليق ويخص الرحمن الرحيم سبحانه يقتضى فعالية مطلقة وبصورة لا تحد.

وحيث أن الفلسفة والعلم تجهلان هذه الحكمة الدقيقة في الفعالية الجارية في الوجود، خلط اصحابها الطبيعة الصماء والمصادفة العشواء والاسباب الجامدة في غمرة هذه الفعالية البصيرة العليمة الحكيمة، فما اهتدوا الى نور الحقيقة بل ضلوا ضلالاً بعيداً.

} قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون{

} ربنا لا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك انت الوهاب{

اللّهم صل وسلم على كاشف طلسم كائناتك بعدد ذرات الموجودات وعلى آله وصحبه ما دام الارض والسموات.



الباقي هو الباقي

سعيد النورسي
__________________
رفيقك علم الله فلابد ان لا تنسى رفيقك
عبدالرزاق غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس