عرض مشاركة واحدة
قديم 11-01-2011
  #24
عمرأبوحسام
محب فعال
 الصورة الرمزية عمرأبوحسام
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
المشاركات: 47
معدل تقييم المستوى: 0
عمرأبوحسام is on a distinguished road
افتراضي رد: دراسات في القرآن والنبوة:

محبة أصحابه الخارقة له صلى الله عليه وسلم
إنَّ عقلنة الإسلام وصَفَّهُ مع المذاهب الفكرية كارثة. وإن حياد العقل عن الهوى والنفس واضطرابها ضرورة لكيلا تكدر منابع المعرفة عفونات النفس وظلامها. لكن معاني القلب الإيمانية نور، ووصل العقل بنور القلب يفتح له مجال العلم الإيماني والإحساني. وإنما أُتينا من رفقة العقلانية الإلحادية وأنماط التفكير الجاهلي، حتى أصبحنا لا نميز بين نور القلب، وقد غاب من حياتنا، وبين هواجس النفس وضبابها وظلامها التي تعلمنا المنهجية العلمية أن نحترز منها ونعزلها. وإن استئناف الحياة الإيمانية تحت دولة الإسلام يقتضي أن نعيد تأسيس مناهج العلم ومناهج الحياة الاجتماعية فنعيد إلى الرحمة والحب في الله وأخواتها مكانتهن.
كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخجلون من التعبير عن حبهم الشديد له، حب قلبي صادق، لا كوثنية عبادة الزعيم، وتهييج الجماهير بالخطب والمهرجانات. أخرج الطبراني رحمه الله عن عائشة رضي الله عنها قالت: "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إنك لأحب إلي من نفسي، وإنك لأحب لي من ولدي. وإني لأكون في البيت فأذكرك، فما أصبر حتى أتِيَ فأنظر إليك. وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رُفِعْتَ مع النبيئين، وإني إذا دخلت الجنة خشيت ألا أراك. فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم شيئا حتى نزل جبريل عليه السلام بهذه الآية: " ﴿ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ﴾ [1].
محبة خرقت الطبع المائل لمحبة النفس والولد، وخرقت حجاب الموت، ونفذت إلى الآخرة!
وروى الطبراني رحمه الله حديثا حسنه الهيثمي رحمه الله عن حصين بن وحوح الأنصاري رضي الله عنه أن طلحة بن البراء رضي الله عنه لما لقي النبي صلى الله عليه وسلم""جعل يلصق برسول الله صلى الله عليه وسلم ويقبل قدميه. قال: يا رسول الله! مرني بما أحببت ولا أعصي لك أمرا! فعجب لذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وهو (الصحابي) غلام. فقال له عند ذلك: "اذهب فاقتل أباك"! فخرج موليا ليفعل. فدعاه فقال له: "أقبل فإني لم أبعث بقطيعة رَحِمٍ"! فمرض طلحة بعد ذلك، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده في الشتاء في برد وغَيْم. فلما انصرف قال لأهله: "لا أرى طلحة إلا قد حدث فيه الموت. فآذنوني (أخبروني) به حتى أشهد وأصلي عليه. وعجلوه". فلم يبلغ النبي صلى الله عليه وسلم بني سالم بن عوف حتى توفي وجَنَّ عليه الليل. فكان فيما قال طلحة: ادفنوني وألحقوني بربي عز وجل. ولا تدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإني أخاف عليه اليهود أن يُصاب في سَبَبي (لمروره ببلد اليهود في عيادته إياه). فأخُبِر النبي صلى الله عليه وسلم حين أصْبَحَ. فجاء حتى وقف على قبره، فصف الناس معه، ثم رفع يده فقال: "اللهم القَ طلحة تضحكُ إليه ويضحك إليك"" .
لوحة رائعة تصور العلاقة الحميمة بين نبي الرحمة وأمته حتى الغلمان. أرأيت كيف يعلم النبي صلى الله عليه وسلم محبته عمر رضي الله عنه، وكيف يُقسم عليها، وكيف يمتحن عليها كما امتحن الغلام رضي الله عنه! محبة تَفدي بالنفس، وتصحَب عبر الموت، وتجعل المحبوب وأمنه مركز الهم، يُنْسَى معه الكرب، حتى كرب الموت!
حدث ابن إسحاق رحمه الله أن سعد بن معاذ رضي الله عنه "اقترح على النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر أن يبنوا له عريشا يكونُ فيه. قال: "ثم نلقى عدونا. فإن أعزنا الله وأظهرنا على عدونا كان ذلك ما أحببنا. وإن كانت الأخرى جلستَ على ركائبك (أي ركبت عليها)، فلحقت بمن وراءنا من قومنا. فقد تخلَّفَ عنك أقوام ما نحن بأشدَّ حبا لك منهم. ولو ظنوا أنك تلقى حربا ما تخلفوا عنك" .
بهذا ومثله ندرك أهمية الحب في الله في حياة الأمة المقاتلة. أشداء على الكفار رحماء بينهم. تلك الشدة توَتُّرٌ يستند إلى هذه الرحمة، وتستمد قوتها منها. يقاتلون حبا لله وفداء لرسوله ورحمة بينهم. حبل الحب لله وفي الله ممتد قوي وثيق. لا جرم أن تنكسر على حده قوى العنف الجاهلي وعصبياته.
[1] النساء: 69
عمرأبوحسام غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس