عرض مشاركة واحدة
قديم 11-01-2011
  #28
عمرأبوحسام
محب فعال
 الصورة الرمزية عمرأبوحسام
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
المشاركات: 47
معدل تقييم المستوى: 0
عمرأبوحسام is on a distinguished road
افتراضي رد: دراسات في القرآن والنبوة:

مدرسة الشدائد
منذ ثلاثين سنة[1] دخل في لبنان العرب حديث جديد عن الثورة، وضرورة الثورة، والموقف الثوري، وأمجاد الثورة. وما من زعيم قائد إلا سمى تقلبه في البلاد ثورة. وأسفرت هذه "الثورة" عن وجه العنف على الأمة، والانهزام الفظيع أمام العدو، بل مسالمته آخر الأمر والارتماء بين أحضانه. والمفروض أن الثورة نهضة عامة لأمة كرهت حاضرها فتبذل الجهد والأرواح لتتحرر وتبني مستقبلا كريما. وبقيت "ثورة" الزعماء العرب ثورة كلامية، وهياجا خطابيا، وسفكا للدماء البريئة، دماء الأحرار، خاصة المومنين.
أشداء على المستضعفين رحماء على العدو، عكسَ المسلك الإيماني.
رخاوة الثوريين وغيرهم من الرجعيين أمام العدو يترجم رخاوة في الشخصية الغثائية، شخصية نشأت في ظل المؤامرات الانقلابية التي تحمل في أحشائها بذور التخاذل بين قادة "الثورة"، وبذور العنف بينهم، وبذور التجبر على أمة ما هم منها، رغم الدعوى العريضة. إلى جانب هذه نلاحظ تباشير القوة في ثورات أخذت تتميز في المسلمين بطابع القوة على مواجهة العدو، أقصد ثورة إيران وجهاد أفغانستان والمقاومة الفلسطينية. وأستعمل هنا كلمات ثورة ورجعية وما إليها بالمعنى الدارج المتعارف، وإن كنت أحب التميز. فلا أطلق على نهضة المسلمين إلا اللفظة القرآنية الحديثية مصوغة للمناسبة وهي "قومة". على أنَّ في صفوف المقاومة الفلسطينية، إلى جانب رجال مومنين، أخلاطاً تكتسح الكيانَ المقاتل، فتُفْسِدُ سمته الإسلامية. هذه الثورات الثلاثة الرئيسية انبثقت عن أحداث شديدة وحدت القوى المقاتلة، فظهرت بركة وحدتها في عمق ثورة إيران وإقدامِها الرائع على تحدي القوى الشيطانية، وظهرت في صمود أفغانستان الذي يذكر بتاريخنا المشرق الأول، وظهرت في تفرد المقاومة الفلسطينية -على ما هنالك من دخَنٍ، بل من اختلاط- بالوقوف أمام اليهود وقوفا فضح زعماء "الثورات" وعباقرة صنع السلام. وهو المصطلح المنافق للاستسلام والانهزام.
شدائد صنعت ما نرى. كتلت رجالا حول قضية آمنوا بعدلها. كذلك تتكتل الشعوب أمام التحديات الصارمة، حتى مع غياب الإيمان بالله. فبهذا التكتل تشترك الحركة الإسلامية المقاتلة مع حركات تحرر الشعوب الأخرى في معاني الثورية.
ولكي تكون قومةٌ إسلامية على النمط الأول لا تكفي شدائد تاريخية تجمع غضب الأمة، بل لا بد من مرور كل مومن من مدرسة الشدائد، يتربى فيها تربية تمكنه من الانقطاع عن ماضيه، وحاضره، ومألوفه، وراحته، وعلاقته بكل ما يشده إلى الأرض وشهواتها، ليرتبط بموعود الله، ولتملأ جوانحه محبة الله، والشوق إلى لقائه. فيهون عليه الموت، ويهون عليه من دونها بذل المال والجهد. من هذه المدرسة مَرَّ المهاجرون والأنصار أفرادا. حتى إذا آنَ أن يتجمع منهم جند الجهاد، تجسدت فيهم تلك التربية، وهي روح الجماعة، تنظيما مرصوصا لا يُقاوَم.
من حديث أخرجه أبو نُعيم والطبراني أن المقداد بن الأسود قال: "والله لقد بُعِث النبي صلى الله عليه وسلم على أشد حال بُعث عليه نبي من الأنبياء" .
كان لما لقيهُ النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابُه من أذى في مكة أكبرُ الأثر في صياغة الشخصية الإسلامية المقاتلة. وقد هيأ الله عز وجل من الأسباب الخارجية التي تقرب بين المستضعفين المضطهدين ما يكمل الرحمة الصرفة التي ألفت القلوب.
ليس هذا الكتاب كتاب تاريخ ووصف، إنما هو كتاب منهاج تكفي الإشارة فيه إلى مغزى مراحل السيرة النبوية، وهي النموذج في تربية الرجال في الميدان.
هذه اليوم شدائد مَهُولَةٌ تطحن المومنين وتربيهم لتُخرج لنا إن شاء الله رجالا على ذلك الطراز. وإن كان من هذه الشدة ما يبدو لنا قاتلا، فمن وراء دروس الشدة الرجولةُ إن شاء الله. ولعل جرائم الجبارين "الثوريين" توقظ ولو بعد حين غَيْرة هذه الأمة، يوم تتقدم صحوتُها لتزول عنا كل أوهام حول إسلام الدعاة على أبواب جهنم وإنسانيتهم.
على أن جند الله إن استطاع أن يوفر على نفسه الاصطدام قبل اكتمال القوة كان أحكم. ونشدانُ الشدة من أجل الشدة غير وارد شرعا ولا حيلة. الذي لا يمكن بدونه اعتبار جند الله مؤهلا لحمل الرسالة وأعبائها، وقيادة الجهاد ومهماته، هو التربية على الهجرة والنصرة. وهما معنيان خالدان.
[1] من تاريخ كتابة الكتاب عام 1403، أي منذ ما يقرب من ستين سنة
عمرأبوحسام غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس