الموضوع: هجاء
عرض مشاركة واحدة
قديم 10-09-2010
  #2
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: هجاء

قلنا أول أمس إن العرب اشتهروا بالهجاء، وبلغوا فيه أحياناً مبلغاً لا تقبله النفس بما فيه من فحش وإقذاع، واستخدمت في معارك الهجاء أسلحة فتاكة محرمة أدبياً وأخلاقياً.

وقد حدث تداخل بين معنيي السخرية والفكاهة، فقد عدّ بعض الأدباء والنقاد السخرية نوعاً من أنواع الفكاهة، كالعقاد، بينما جعل بعضهم الفكاهة جزءاً من أجزاء السخرية وقسماً من أقسامها. أما سبب هذه النظرة فيعود إلى أن الفريقين نظرا إلى «الضحك» بصفته الغاية الكبرى والأساسية من الفكاهة والسخرية على حد سواء.

بينما الحقيقة هي أن الفكاهة شيء والسخرية شيء آخر، وقد فطن أبو هلال العسكري إلى شيء من ذلك في كتابه المهم «الفروق اللغوية» حين أشار إلى الفرق بين الاستهزاء والمزح فقال: «المزاح لا يقتضي تحقير من يمازحه.. ولكن يقتضي الاستئناس به.. والاستهزاء يقتضي تحقير المستهزأ به، أو اعتقاد تحقيره».




وقد يكون في السخرية خفّة روح، ولكن هذه الخفة والملاحة في «الفكاهة» بريئة من الهمز والغمز واللمز، وهدفها المرح والانشراح. أما السخرية فإنها غير بريئة من الغمز واللمز سواء أكان ذلك ظاهراً، أم خفياً.. الضحك الناتج عن الفكاهة ضحك سار ومبهج، لكن السخرية مؤلمة موجعة، كئيبة ولو انبعث منها أو معها الضحك، فإنما هو ضحك حار كالبكاء - كما يقول الشاعر المتنبي.. وتعد السخرية شعوراً عميقاً، بل وطبعاً في الإنسان، ومن ثمّ فهي موقف فكري؛ للفرد وحده، وليست موقفاً جماعياً.
أمّا الفكاهة فشيء سطحي، وإن رفدهما حس مرهف وروح مرحة، والضحك سلوك اجتماعي لا يمارسه الإنسان إلا مع الجماعة، والفكاهة ظاهرة تستطيبها الجماعات وتأنس لها..ولو عدنا إلى أصل الفكاهة اللغوي لوجدنا توافقاً في الدلالات اللغوية للفكاهة المأخوذة من فكه: الفاء والكاف والهاء أصل صحيح يدل على طِيب واستطابةٍ.

من ذلك الرّجُل الفَكِه: الطيِّب النَّفس.

وسميت الثمار الفاكهة لأنَّها تُستَطابُ وتُستطرَف.

ومن الباب: المُفاكهَة، وهي المُزاحة وما يُستحلَى من كلام.

ومن الباب: أفكَهَتِ النّاقةُ والشّاةُ، إذا دَرَّتا عند أكل الرَّبيع وكان في اللبن أدْنَى خُثُورة؛ وهو أطيَبُ اللَّبن.

فأمَّا التَّفَكُّه في قوله تعالى: «فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ» (الواقعة 65)، فليس من هذا، وهو من باب الإبدال ، والأصل تَفَكَّنون، وهو من التندُّم.

أما دلالة السخرية لغة فإنها احتقار من سخر: السين والخاء والراء أصل مطّرد مستقيم يدل على احتقار واستذلال. من ذلك قولنا سَخَّر الله عزَّ وجَلَّ الشيء، وذلك إذا ذَلَّلَه لأمره وإرادته.

سَخِرت منه، إذا هزئت به.. ولا يزالون يقولون: سخِرت به، وفي كتاب الله تعالى: «فإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا» تَسْخَرُون (هود 38).

ابن الرومي:

يُقتِّر عيسى على نفسه .... وليس بباقٍ ولا خالدِ

فلو يستطيع لتقتيره ....... تنفَّس من منخرٍ واحدِ

عذرناه أيام إعدامه ....... فما عذرُ ذي بَخَلٍ واجدِ

رَضيتُ لتفريق أمواله ..... يَدَي وارثٍ ليس بالحامدِ

روى الجاحظ في البخل أن أناساً من أهل مدينة مرو لا يلبسون خفافهم (أحذيتهم) إلا ستة أشهر في السنة، فإذا لبسوها في هذه الأشهر الستة يمشون على صدور أقدامهم ثلاثة أشهر، وعلى أعقاب أرجلهم، ثلاثة أشهر مخافة أن تنقب هذه النعال.

وروى أن رجلاً زار قوماً فأكرموه وطيبوه فجعلوا المسك في شاربه، فحكته شفته العليا، فأدخل إصبعه فحكها من باطن الشفة مخافة أن تأخذ إصبعه من المسك شيئاً.

بالفصيح: «حيث يبكي الشجاع يضحك الجبان».

__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس