عرض مشاركة واحدة
قديم 09-06-2008
  #39
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي

علوم اليقين


"إن مراتب الرجال في المعرفة على ثلاثة أقسام:‏


الأول: علم اليقين (1) ، وهو أن تتلقَّى الحقائق عن رسول ‏الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وعن الوارثين لأسراره، ‏فتقوم بها، وتسلِّم لها، وتشتاق إلى شهودها، وهذا هو علم ‏اليقين، الذي لا يتزعزع صاحبه، ولا يتحوَّل عنه.‏


وقد أخبرنا القرآن أن الله معنا، فنؤمن بتلك المعية (2) ، ‏ونسلِّم بها مع ملاحظتها، حتى يكشف الله "الستَّار" عن ‏معناها اللائق بحضرته تعالى، فيصبح العبد في "عين اليقين"، ‏يشاهد الرب المعين، فإذا فني عن وجوده في شهود مولاه، ‏وصل إلى "الحق اليقين".‏


وإنك لو اعتقدت عقيدة ثابتة في أن ربَّك هو الحفيظ ‏النافع، فتكون فيهذه الحالة في "علم اليقين"، فإذا واجهك ‏نور"الحفيظ، النافع" انكشف لك أن جميع ما لديك من ‏الأسباب والماديات، والتفكير، كلّها بمدد نوره، ولو سلب ‏هذا المدد لوقف نظامك في الحال.‏


ويكفيك أن النار لم تحرق الخليل، والسِّكين لم تؤثر في ابنه ‏اسماعيل، فلو عرفت ذلك صرت في معية الله : عين اليقين؛ ‏فلا تتحرك إلا وتشهده بمدده، ولا تسكن إلا وتشهده ‏بعنايته، فإذا تجمَّلت بجمال الأسماء، وعشقت معانيها، وصلت ‏إلى حق اليقين.... .‏


ولا تظنّ أن تلك المعيَّة محدودة، ولكنها سارية معك، ‏وأنت في علم الله، وفي بطن أمك، وهي معك في الدنيا، والله ‏على ما عليه كان، لا فرق عنده بين كونك في علمه، أو في ‏عالم الأرواح، أو في عالم الأشباح (3) ‏. ‏


واعلم أن السرَّ في الوصول إلى هذه الحقائق : صحبة ‏الرجال العارفين، وهو استحضار جمال الله ، ونعمه، وعطفه، ‏وكرمه. وأنه أحياك، ورقَّاك، وجعل تلك المعاني فيك، فإذا ‏ذكرت الله ذكرك، وهذا هو الشرف العظيم.‏


قال الله تعالى في الحديث القدسي: (من ذكرني في نفسه ‏ذكرته في ملأ خير منه) (4)‏ ‏. ‏


والذكر في النفس استحضار معاني المذكور، فيذكرك في ‏نفسه، ويملأ قلبك نوراً، وإذا ذكرته في ملأ بين الإخوان، ذكرك ‏في الملأ الأعلى، وأفاض عليك من الرضوان، فتكون ذاكراً ‏مذكوراً، مؤيَّداً منصورا.‏" اهـ 158



اقتباس:=================== الحاشية ===================


(1) ‎ ‎‏: هناك علم اليقين، وعين اليقين وحق اليقين. ‏

‏ فعلم اليقين: ما كان من طريق النظر والاستدلال. ‏

‏ وعين اليقين: ما كان من طريق الكشوف، والنوال. ‏

‏ وحق اليقين: ما كان بتحقُّق الانفصال عن لوث الصلصال بورود رائد الوصال. ‏


‏ علم اليقين لا اضطراب فيه. وعين اليقين : هو العلم الذي أودعه الله تعالى الأسرار، ‏والعلم إذا انفرد عن نعت اليقين كان علماً بشبهة، فإذا انضم إليه اليقين كان علماً بلا ‏شبهة. وحق اليقين: ما أشار إليه علم اليقين وعين اليقين.

‏ وقال الإمام الجنيد قدس سره العزيز:" حق اليقين ما يتحقَّق العبد بذلك، وهو أن ‏يشاهد العيوب كما يشاهد المرئيات مشاهدة عيان، ويحكم على الغيب فيخبر عنه ‏بالصدق، فعلم اليقين حال التفرقة. وعين اليقين حال الجمع. وحق اليقين: جمع ‏الجمع بلسان التوحيد. انظر: عوارف المعارف للسهروردي 2/332.‏


(2) ‎ ‎‏: في قوله تعالى:‏‎ {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ‏} ‏. سورة الحديد - ‏الآية 4. ‏


(3)‎ ‎‏: وهذا كله داخل في عموم قوله تعالى:‏‎ {‏ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ‏}‏. أي في أي ‏مرحلة من مراحل وجودكم، سواء في عالم الأرواح، أو في عالم الأشباح، أو في عالم ‏البرزخ، وفي أي حالة من حالاتكم، وتقلب من تقلُّباتكم، فهو سبحانه وتعالى معكم ‏يراكم، ويمدّكم بمدده، مجتمعين ومنفردين:‏‎ { كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء مِنْ عَطَاء ‏رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا }‏.‏


(4) ‎ ‎‏: في الحديث القدسي فيما يرويه صلى الله عليه وسلم : " قال الله عز وجل : إذا ‏ذكرني عبدي في نفسه ذكرته في نفسي ، وإذا ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير من ‏ملئه ، وإذا تقرب إلي شبراً تقربت منه ذراعاً ، وإذا تقرب مني ذراعاً تقربت منه باعاً ‏، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة " رواه أحمد ، والشيخان ، والترمذي، وابن ماجة ، ‏وابن حبان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ:" يقول الله عز وجل : أنا عند ‏ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، وإن ‏ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم ، وإن تقرب إلي شبراً تقربت منه ذراعاً ، وإن ‏تقرب إلي ذراعاً تقربت منه باعاً ، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة " . ‏

وفي هذا الذكر أكرمك الله أيها العبد بكرامات ثلاث : جعلك ذاكراً له ؛ ولولا فضله ‏لم تكن أهلاً لجريان ذكره عليك. وجعلك مذكوراً به ؛ إذ حقق نسبته لديك . ‏وجعلك مذكوراً عنده ، فتمم نعمته عليك . يعني أن الله تعالى أكرمك أيها المؤمن ‏بثلاث كرامات ، جمع لك فيهن أنواع الفضائل والمبرات .‏

‏ الأولى : جعلك ذاكراً له بلسانك وقلبك ، ووجه حلاوة ذلك إليك ، ولولا فضله لم ‏تكن أهلاً لجريان ذكره عليك. ‏

‏ والثانية : جعلك مذكوراً به عند الناس ؛ بأن يقال: هذا ولي الله وذاكره ؛ إذ حقق ‏نسبته _ أي خصوصيته _ لديك ، وهي ما أظهره من أنوار الذكر والطاعة عليك.

‏والثالثة : جعلك مذكوراً عنده ، فتمم نعمته عليك بمزيد الإكرام ومنتهى الفضل ‏والإنعام . وفي ذلك تصديق لقوله تعالى في الحديث القدسي : " من ذكرني في نفسه ‏ذكرته في نفسي ، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه " . وقال صلى الله عليه ‏وسلم : " ما جلس قوم يذكرون الله تعالى إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ‏ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده " . والعندية هنا عندية مكانة _ أي ‏شرف _ لا مكان ، تعالى الله عن ذلك .‏" اهـ 158




(يتبع إن شاء الله تعالى : مواجهة الأسماء الحسنى -تتجلَّى الأسماء الإلهية للمراقب لعزة الربوبية.... )
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس