عرض مشاركة واحدة
قديم 11-01-2011
  #9
عمرأبوحسام
محب فعال
 الصورة الرمزية عمرأبوحسام
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
المشاركات: 47
معدل تقييم المستوى: 0
عمرأبوحسام is on a distinguished road
افتراضي رد: دراسات في القرآن والنبوة:

السنة وحي من الوحي
عندما تعرض سجلات التاريخ البشري على الباحث فيقارن، يجد لا محالة في تاريخ الإسلام على عهد الملك العاض والجبرية نصيبا من الظلم الداخلي لا ينكره إلا من لا يحب أن يعطي للكلمات معناها في الحديث النبوي وللأحداث التاريخية اعتراف الإنصاف. ومع استغراق حكم العض والجبر معظم تاريخنا، فصفحات تاريخنا أقل قتامة بما لا يقارن من تاريخ البشرية العام.
الذي ينفرد به الإسلام هو الشهادة التاريخية، المتمثلة في السيرة النبوية وفي الخلافة الرشيدة، ثم بعدُ في ومضات تاريخية هنا وهناك، بأن القرآن قابل للتطبيق، وبأن دولة القرآن ليست مثالا حالما تمخضت عنه الفلسفة الأرضية كما تمخضت عن المذاهب الفكرية، حتى إذا وقفت المذهبية على أرض التطبيق أسفرت عن ثغرات تملأها رؤوس الملايين من البشر وآلام الشعوب وأنين المقهورين وبؤس الإنسان.
مذاهب شمولية أرضية فلسفية، مثل الاشتراكية العلمية في زعمها، تكون على الورق وفي خطاب المناضلين وحماس الجماهير المظلومة أملا رائقا. ويعتمد المناضلون على غضب الناس على الظلم الحاضر ليعبئوا الإرادات في طلب مستقبل العدل والحرية والكرامة. ابحث بعد انتصار الطليعة واحتلالها مناصب الحكم عن تلك الأحلام الأولى وعن تلك الوعود الخلابة. اسأل التاريخ عن دعوة بشرية، وعن دولة بشرية، تحقق فيهما رخاء الإنسان وسعادته. ربما تشير الأصبع بعد تردد إلى عصر ذهبي استقر فيه الأمر لملك أو إمبراطور بنى الأهرام على الجماجم، أو قاد الجحافل ودوخ البلاد، أو فسح للفنون والآداب. وينفرد الإسلام وحده بتلك الصفحة السماوية من تاريخ الأرض، يَحتفظ بها كل مسلم ذكرى حية. هي صفحة النبوة ثم الخلافة على منهاج النبوة. انتظار الأمة للإمامة المهدية إنما هو انعكاس تلك الصفحة على مرآة الأمل، يؤيد إخبار السنة النبوية بعودة الخلافة على منهاج النبوة بعد عهود العض والجبر ذلك الأمل. وتحفز الصحوة الإسلامية اليوم حادِيَ الانجذاب لتجديد مثال تحقق في التاريخ ويمكن أن يعاد تحقيقه. بل يتأكد تحقيقه بإذن الله كما قرأنا في حديث الخلافة الثانية. وفرق ما بين الصورة الإديولوجية الفلسفية للمجتمع الفاضل وبين التركيب الإلهي أن تلك موكولة لقدرة البشر على حبك نظام المجتمع على غرار الصورة المتخيلة، بينما يصحب التوفيق الإلهي سعي المومنين. وكان التوفيق والعصمة رائدي السيرة النبوية.
كيف نتلافى أخطار شمولية تخنق الإنسان كما فعلت دولة الإديولوجية؟ كيف تكون خلافة على منهاج النبوة كما جاء الوعد لا استمرارا للملك الجبرية ولا تكرارا للملك العاض؟
الجواب في أن تنزل القرآن من عالم الأحكام إلى عالم الواقع إنما يتم على يد بشر. فحين كان القرآن دستور قيادة رباها القرآن، وكان به لا بغيره الفرقان، وكان هو على غيره البرهان، وكان طابع الجماعة الإيمان والإحسان، نشأت دولة القرآن امتدادا بين الأرض والسماء، تشد وحدتَه وتصونه أن يزيغ العروةُ الوثقى. فكذلك الخلافة الثانية لن تتحقق بمجرد أن الناس فهموا الأحكام القرآنية وكتبوها وتحالفوا على تطبيقها. نجاحهم في تجديد الخلافة لا يتوقف على ذكائهم وإن كان الذكاء من أهم الفضائل، ولا على ضبطهم التنظيمي وإن كان التنظيم قوة واجبة، ولا على أجهزة تُحاذي ما كان في دولة الخلافة الأولى وتحاكيها. إنما ينجحون بمقدار ما معهم من خُلُق القرآن وفرقانه وبرهانه وإحسانه.
ثم إن الأنظمة الفلسفية التي بنيت عليها الدول الفكرية صيغت صياغة تساعد على أن تحتكرها "نخبة" مثقفة قادرة وحدها على فهم النص وتأويله. كانت الكنيسة النصرانية ولا تزال محتكرة للفهم والتأويل. وكذلك الكنيسة الاشتراكية العلمية في زعمها[1]. فلذلك ثار العقل ضد الكنيسة لما شب عن طوقها، ولفظها ولفظ معها دين النصرانية. ولذلك تحكم الدول الشيوعية طبقة لا تسمح لأحد أن يشاركها في العلم ولا تأويل النصوص المذهبية، وتُسكت كل نأمَة تَنْشُد الحق. أما القرآن فخطاب الله لعباده، خطاب مباشر لا يصح أن يحتكره محتكر، ولا أن يحرم من تعلمه والقيام بحقه طالب. ولكل مومن ومومنة الحق وعليهما الواجب أن لا يطاع مخلوق في معصية الخالق. والنموذج الحي الخالد هو السنة المعصومة في نطقها كما هي معصومة في تطبيقها التاريخي على عهد النبوة. صلى الله على محمد وآله وصحبه.
[1] كتبت هذا قبل انهيار الشيوعية وتمزق إمبراطوريتها وموت مذهبها. (ملاحظة سنة 1410)
عمرأبوحسام غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس