عرض مشاركة واحدة
قديم 09-06-2008
  #35
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي

الحقُّ واحد، والخلق واحد



"الحق واحد؛ وإن تعدَّدت أسماؤه وصفاته، والخلق واحد؛ ‏وإن تنوَّعت أجناسه وتطوُّراته، فللحقِّ تعالى حضرات يتجلَّى ‏بها، ولكلِّ حضرة منها أحكام وآداب، وأسرار، يراها أولو ‏الألباب.‏


ولكلِّ اسم رجال وأفراد،ولهم علوم خاصة من حضرة ‏الجواد. ‏


أما حضرة الذات العلية: فليس لمخلوق فيها قدم، وقد شاء ‏الحقُّ أن يتجلَّى لخلقه، ويتنـزَّل برحمته – وهو الغني الكبير ‏‏– فيتجلَّى في عزِّ الألوهية، ويظهر في رداء الكبريائية، ويقول:‏‎ ‎{ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدْنِي } (1)

‏ ‏ ‏.‏
فحضرة الألوهية: ظهور الحقِّ بالأوصاف الكمالية من ‏عظمةٍ وتقديس، وعلوّ، وغنى مطلق. ولا يصل إلى تلك ‏الحضرة إلا الكُمَّل الذَّاتيو، وتلك الحضرة أدهشت الألباب، ‏وحيَّرت الأرواح، لأن الله يجمع فيها بين الضِّدَّين باقتداره ‏العالي، فيظهر عبد ضعيف أصله العدم، ويظهر مولى كبير ‏شأنه العظم، وتثبت رتبة العبد وهي الشرف العظيم، ويتجلَّى ‏العليُّ الأعلى، البّرُّ الرَّحيم.... .‏


ومن الحضرات الحقِّيَّة حضرة الربِّ تعالى، وهو يتنـزل ‏على قدر العقول والاستعداد، فيتملى به كل مراد. ولتلك ‏الحضرة تسعة وثمانون إسماً. مظهرها الإنسان، الذي هو كنز ‏الحق ، وصورة الرحمن، فإنسانٌ حيٌّ بحياة الله، بصيرٌ بنور الله، ‏سميع بمدد الله، مريد بمراد الله.‏


تراه "رحيماً" والرحمة صفة ربه، "حكيماً" والحكمة من ‏سيده، تراه "قوياً" والقوي هو فيَّاض المدد، وهكذا بقية ‏الأسماء التسعة والثمانون التي تجلَّت أسرارها ظاهرة في ‏الإنسان، وبها نال الخلافة في الأكوان، مسخّرة للإنسان، لما ‏تجلَّى فيه من أسرار الربوبية للعيان. قال تعالى:‏ {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ ‏لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً}‏(2) ‏ ‏. ‏


فما سجدت الملائكة ، وخضعت العوالم، إلا لظهور ‏أسرار الرب فيه، وقد يحصل للولي تصريفٌ في الأكوان بحكم ‏السرِّ الذي فيه (3) ، وتقبل عليه العوالم احتراماً وإجلالاً للظاهر ‏فيه من أنوار باريه.‏" اهـ 140

اقتباس:=================== الحاشية ====================

(1) ‎ ‎‏: سورة طه - الآية 14.‏

(2) ‎ ‎‏: سورة البقرة - الآية 30.‏

(3) ‎ ‎‏: وبذلك يصبح من أهل التصريف. و هم أهل الوجاهة عند الله والقبول لديه، ‏واستجابة الدعاء، سواء كان ذلك نطقاً باللسان، أو توجُّهاً بالقلب، أو تحرُّكاً ‏للإرادة، وكنه الهمة، في حدود ما جاء في الحديث القدسي الجليل الآتي، وحديث " ‏من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين" أو كما قال صلى الله ‏عليه وآله وسلم في حديث الشريف:" رب أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب ‏لو أقسم على الله لأبرَّه" وهذا هو معنى قول ساداتنا الصوفية:" إن لله عباداَ إذا أرادوا ‏أراد".وذلك ترجمة لقوله تعالى:‏‎ {ادعوني أستجب لكم} ‏. فافهم يا أخي هذا ، فهَّمنا ‏الله وإياك.

‏ لذلك كله لا يرد على كلام الشيخ رضي الله عنه أي خلاف إلا ممن ولع بالخلاف ‏وكان طبعه حب المخالفة لشهوة في نفسه واتباع للشيطان ورسله!، فلكلام الشيخ ‏رضي الله عنه شاهد قوي من حديث النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه ‏سبحانه وتعالى في الحديث القدسي الجليل،( إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ ‏بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي ‏يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي ‏يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ ‏اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ ‏الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ) الحديث في صحيح البخاري وغيره. وفيه دليل على أن ‏العبد إذا أخلص الطاعة وصارت أفعاله كلها للّه عزَّ وجلَّ، فلا يسمع إلا للّه، ولا ‏يبصر إلا للّه أي ما شرعه اللّه له، ولا يبطش ولا يمشي إلا في طاعة اللّه عزَّ وجلَّ ‏مستعيناً باللّه في ذلك كله. عند ذلك يكون متحقِّقاً بصفة الفناء في الله تعالى، - ‏ويصير كما مرَّ - من أهل التصريف الذين إذا أرادوا أراد الله إكراماً لهم، وتثبيتاً ، ‏ومعونة. وذلك لتخلُّقهم بأخلاقه سبحانه ، ثم لاتصافهم بمحض عبوديتهم، فأمدَّهم ‏الله بوصفه. وفي بعض روايات الحديث - في غير الصحيح -: "فبي يسمع وبي يبصر ‏وبي يبطش وبي يمشي". ‏

‏ فالمراد "بالتصريف" هنا هو تفضل الله تعالى على عبده بإيقاعه تعالى الأمر – كما ‏سبق في علمه القديم – على مراد عبده الظاهر، بما يجيء في دعائه القولي، أو توجّهه ‏القلبي ، أو تحرك إرادته الروحية، وذلك تنفيذاً لترتيب الأسباب والمسببات، على ‏مقتضى ما في اللوح وأم الكتاب. فليس العبد مصرفاً شيئاً من الله تعالى ولكن الله ‏تعالى يتفضَّل فيصرِّف الأشياء كما هي في علمه، على مراد أوليائه وأحبائه ظاهراً ‏فقط، تنفيذاً لسبق إرادته.‏

‏ لذلك فـ "أهل التصريف" يعنون بهم:" أهل الفضل الإلهي" الذين يكرمهم الله ‏بتحقيق مرادهم الظاهر، وهو مراد الله الحقيقي الباطن فيما يطلبونه من الكونيات، ‏سواء كان الطلب بالقول أو الفعل أو الهمة.‏

‏ وبمعنى آخر: أن الله تعالى يجعل عبده الصالح نفسه أداةً من أدوات تنفيذ المراد الإلهي ‏الأزلي، الذي قد يظهر في صورة مراد العبد البشري، فيما يراه الناس. والله سبحانه ‏وتعالى أعلم. " اهـ 142‏




(يتبع إن شاء الله تعالى .... )
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس