الموضوع: المكتوبات
عرض مشاركة واحدة
قديم 02-03-2011
  #29
عبدالرزاق
عضو شرف
 الصورة الرمزية عبدالرزاق
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 329
معدل تقييم المستوى: 14
عبدالرزاق is on a distinguished road
افتراضي رد: المكتوبات

المكتوب الثالث والعشرون

باسمه سبحانه

} وَاِنْ مِنْ شَيءٍْ اِلاَّ يُسَبِـّحُ بِحَمْدِهِ{



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ابداً بعدد عاشرات دقائق عمرك وذرات وجودك.

اخي العزيز الغيور الجاد ذا الحقيقة الخالص الفطن!

ان أمثالنا من اخوان الحقيقة والآخرة لايمنع اختلاف الزمان والمكان محاورتهم ومؤانستهم، فحتى لو كان أحدهم في الشرق وآخر في الغرب وآخر في الماضي وآخر في المستقبل وآخر في الدنيا وآخر في الآخرة يمكن أن يُعدّوا معاً، ويمكنهم ان يتحاور بعضهُم مع البعض الآخر، ولاسيما ان كانوا مجتمعين على غاية واحدة ويعملون في مهمة واحدة وواجب واحد، بل حتى يكون أحدهم هو في حكم عين الآخر.

انني أتصوركم معي صباح كل يوم، وأهب لكم قسماً من مكاسبي، وهو الثلث (نسأل الله القبول) فأنتم في الدعاء مع عبد المجيد وعبد الرحمن، فتنالون حظكم دوماً ان شاء الله.

ولقد أثّر فيّ بعض مشاكلكم الدنيوية فتألمت لألمكم. ولكن ياأخي لما كانت الدنيا ليست خالدة، وان في مصائبها خيراً، فقد ورد الى قلبي ـ بدلاً عنك ـ عبارة (( كل حال يزول)) وتدبـّرت في ((لاعيش الاّ عيـش الآخـرة ))(1) وتـلـوت:
} ان الله مع الصـابرين{ ، وقلت: } إنا لله وإنا اليه راجعـون{ فوجدت ســـلواناً وعزاءً بدلاً عنـك.

يا أخي! اذا أحـبّ الله عبداً جعل الدنيا تعرض عنه وتجافيه، ويريه الدنيا قبيحة بغيضة، وانـك ان شـاء الله من صـنف اولئـك المحبوبين عند الله. لاتتألم من زيادة الموانع والعوائق التي تحول دون انتشار ((الكلمات)). فان ما قمت به من نشرٍ للرسائل لحد الآن، اذا حظي برحمته سبحانه تتفتح ـ ان شاء الله ـ تلك النوى النورية المباركة جداً أزاهير كثيرة.

انك تسأل عدداً من الاسئلة، ولكن ياأخي العزيز ان معظم ((الكلمات)) وكذا ((المكتوبات)) كانت ترد الى القلب آنياً دون اختيار مني، ولهذا تصبح جميلة لطيفة. ولو كنتُ أجيب عن الاسئلة باختياري وبعد تأمل وتفكر وبقوة علم (سعيد القديم) يرد الجوابُ خافتاً خامداً ناقصاً. ولقد توقف تطلع القلب ـ منذ فترة ـ وخبتْ جذوة الحافظة، ولكن سنكتب جواباً في غاية الاختصار لئلا تبقى دون جواب.

u سؤالكم الاول:

كيف يجب ان يكون أفضل دعاء المؤمن لأخيه المؤمن؟

الجواب:يجب ان يكون ضمن دائرة اسباب القبول؛ لان الدعاء يكون مستجاباً ومقبولاً ضمن بعض الشروط، وتزداد الاستجابة كلما اجتمعت شروط القبول. فمنها؛ الطهور المعنوي؛ أي؛ الاستغفار عند الشروع بالدعاء، ثم ذكر الصلاة على الرسول e ، وهي الدعاء المستجاب، وجعلها شفيعة للدعاء، وذكر الصلاة على الرسول e ايضاً في الختام، لأن دعاءً وسط دعائين مستجابين يكون مستجاباً.

وان يدعو بظهر الغيب.

وان يدعو بالمأثور من ادعية الرسول e ، وما ورد في القرآن الكريم من أدعية.

مثال ذلك:

} ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار{ (البقرة: 201)

(اللهم اني أسألك الـعفو والعـافية لي ولـه في الدين والدنيا والآخـرة).. وامثالها من الادعية المأثورة الجامعة.

وان يدعو بخلوص النية وخشوع القلب وحضوره.

وان يدعو دبر الصلوات ولاسيما دبر صلاة الفجر.

وان يدعو في الاماكن المباركة، ولاسيما في المساجد، وفي ايام الجمع ولاسيما في ساعة الاجابة، وفي الاشهر المباركة ولاسيما في الليالي المشهورة. وفي شهررمضان ولاسيما في ليلة القدر.

فان الدعاء بهذه الشروط يرجى من رحمته تعالى ان يكون مقروناً بالاستجابة.

فذلك الدعاء المستجاب إما أن يُرى أثره بعينه في الدنيا او يستجاب لآخرة المدعو له ولحياته الخالدة.

بمعنى انه إن لم يُرَ المقصود من الدعاء بذاته، فلايقال ان الدعاء لم يستجب بل يُقال ان الدعاء استجيب بأفضل استجابة.

u سؤالكم الثاني:

هل يجوز اطلاق رضي الله عنه على غير الصحابة الكرام.

الجواب: نعم.. لان هذا الدعاء ليس شعاراً خاصاً بالصحابة الكرام كما هو في عبارة (عليه الصلاة والسلام) الخاصة بالرسول e .

بل لابد ان يطلق (رضي الله عنه) على الائمة الأربعة المجتهدين، والشيخ الكيلاني، والامام الرباني والامام الغزالي وامثالهم ممن هم من ورثة الانبياء، وفي مرتبة الولاية الكبرى ونالوا مقام الرضى.

ولكن جرى عرف العلماء بان يقال للصحابة الكرام؛ (رضي الله عنهم) وللتابعين وتابعي التابعين؛ (رحمهم الله) ومن يليهم (غفر الله لهم) وللاولياء؛ (قدس سرّهم).

u سؤالكم الثالث:

ايَّما افضل؛ ائمة المجتهدين العظام أم شيوخ الطرق الحقة وأقطابها؟

الجواب:

ليس المجتهدون كلهم، بل المجتهدون الاربعة ــ وهم ابو حنيفة والشافعي ومالك واحمد بن حنبل ــ هم الافضل، فهم يفوقون الاقطاب وسادة الطرق. ولكن بعض الأقطاب العظام كالكيلاني له مقام اسطع من جهة، في الفضائل الخاصة، الاّ ان الفضيلة الكلية هي للأئمة الكرام.

ثم ان قسماً من سادة الطرق هم من المجتهدين ايضاً، ولهذا لايقال ان المجتهدين عامة هم افضل من الاقطاب، ولكن الائمة الاربعة هم افضل الناس بعد الصحابة الكرام والسيد المهدي رضياللهعنه.

u سؤالكم الرابع:

ما الحكمة من قوله تعالى } ان الله مع الصابرين{ (البقرة 153) وما الغاية منها؟

الجواب:

لقد وضع الله سبحانه وتعالى في وجود الاشياء تدريجاً وترتيباً أشبه مايكون بدرجات السلم، وذلك بمقتضى اسمه الحكيم، فالذي لايتأنى في حركاته، إما انه يطفر الدرجات فيسقط او يتركها ناقصة فلايرقى الى المقصود.

ولهذا فالحرص سبب الحرمان، والصبر يحل المشاكل، حتى غدا من مضرب الامثال: ((الحريص خائب خاسر)) و ((الصبر مفتاح الفرج)). بمعنى: ان عنايته سبحانه وتوفيقه مع الصابرين. اذ الصبر على انواع ثلاثة:

الاول: الصبر عن المعصية وتجنبها، فهذا الصبر هو التقوى، ويجعل صاحبه محظياً بسر قوله تعالى: } إنّ الله مع المتقين{ (البقرة:194).

الثاني: الصبر عند المصيبة، وهذا هو التوكل وتسليم الامر اليه سبحانه، مما يدفع صاحبه الى التشرف بقوله تعالى:} ان الله يحب المتوكلين{ (آل عمران:159) و} والله يحب الصابرين{ (آل عمران:146).

اما عدم الصبر فهو يتضمن الشكوى من اللهالذي ينتج انتقاد أفعاله واتهام رحمته ورفض حكمته.

نعم! ان الانسان الضعيف العاجز يتألم ويبكي من ضربات المصيبة ويشكو، ولكن يجب ان تكون الشكوى اليه لامنه، كمـا قال سـيدنا يعقوب عليه السـلام : (} إنما أشكو بثي وحزني الى الله{ (يوسف :86) اي شكوى المصيبة الى الله وليس الشكوى من الله الى الناس والتأفف والتحسر وقوله: ((ماذا عملت حتى جوزيت بهذه المصيبة)) لإثارة رقة قلوب الناس العاجزين. فهذا ضرر ولامعنى له.

الصبر الثالث: الصبر على العبادة، الذي يمكن ان يبلغ صاحبه مقام المحبوبية، فيسوق الى حيث العبودية الكاملة التي هي أعلى مقام.

u سؤالكم الخامس:

ان الخامس عشر من العمر يعدّ سن التكليف، فكيف كان الرسول e يتعبد قبل النبوة؟.

الجواب:

كان يتعبد بالبقية الباقية من دين سيدنا ابراهيم عليه السلام الذي ظل جارياً في الجزيرة العربية تحت حجب كثيرة. ولكن التعبد هذا لم يكن على صورة الفرض والواجب بل كان تعبداً اختيارياً يُؤدّى ندباً.

هذه الحقيقة طويلة، لتظل الآن مختصرة.

u سؤالكم السادس:

ماحكمة بعثة الرسول e في سن الكمال وهو الاربعون من العمر. وما حكمة انتقاله الى الملأ الاعلى في السن الثالثة والستين من عمره المبارك؟

الجواب:

حِكمها كثيرة. احداها هي:

ان النبوة تكليف ثقيل، وعبء عظيم جداً، لايُحمل الاّ بعد نمو الملكات العقلية ونضوجها وتكامل الاستعدادات القلبية. اما زمن ذلك الكمال فهو الاربعون من العمر.

اما فترة الفتوة والشباب التي هي فترة تهيج النوازع النفسانية ووقت غليان الحرارة الغريزية وأوان فوران الحرص على الدنيا فهي لاتلائم وظائف النبوة التي هي مقدسة وأخروية وخالصة للّه وحده. اذ مهما كان الانسان جاداً وخالصاً قبل الاربعين من العمر، فلربما يرد الى اذهان المتطلعين الى الشهرة ظنٌ بأنه يعمل لجاه الدنيا ونيل مقام فيها، فلا ينجو من اتهاماتهم بسهولة. اما بعد الاربعين فان العمر ينحدر الى باب القبر وتتراءى له الآخرة أكثر من الدنيا، فينجو من ذلك الاتهام بسهولة ويوفّق في حركاته واعماله الاخروية وينجو الناس من سوء الظن وينقَذون.

اما كون عمره المبارك الذي قد قضي في ثلاث وستين سنة، فمن حكمه الكثيرة نذكر واحدة منها:

إن اهل الايمان مكلفون شرعاً بحب الرسول الاعظم e غاية الحب وبتوقيره واحترامه اكثر من اي انسان آخر، وبعدم النفور من اي شئ يخصه، بل رؤية كل حال من احواله جميلة نزيهة. ولهذا فان الله سبحانه وتعالى لايدع حبيبه الاكرم e الى وقت الشيخوخة والهرم، وقت المشقات والمتاعب والتي تكثر بعد الستين من العمر، بل يرسله الى الملأ الاعلى في الثالث والستين من عمره المبارك، والذي هو العمر الغالب لمتوسط اعمار أمته e ويرفعه الى مقام قربه، مظهراً بذلك انه e إمامٌ في كل شئ.

u سؤالكم السابع:

(خير شبابكم من تَشبّهَ بكهولكم وشرُّ كهولكم من تَشبّهَ بشبابكم )(1). هل هذا حديث نبوي؟ واذا كان حديثاً شريفاً فما المقصود منه؟.

الجواب:

لقد سمعته حديثاً نبوياً شريفاً. اما المقصود منه فهو:

((ان خير الشباب هم اولاء الذين لم يتمادوا كثيراً في الغفلة عن الله، بل يتذكرون الموت كتذكر الشيوخ له، فيجدّون لإعمار آخرتهم متحررين من قيود اهواء الشباب ونزواته. وشر شيوخكم هم اولاء الذين غفلوا عناللهفاستهوتهم غفلات الشباب، فقلّدوهم في اهوائهم تقليد الصبيان)).

ان الصورة الصحيحة لما رأيته في القسم الثاني من لوحتك هي:

انني قد علقتُ فوق رأسي لوحةً تتضمن حكمة بليغة، انظر اليها صباح مساء، واتلقى درسي منها وهي:

(( ان كنت تريد ولياً، فكفى باللّه ولياً)). نعم إن كان هو وليّك فكل شئ لك صديق.

(( ان كنت تريد أنيساً، فكفى بالقرآن الكريم أنيساً)). اذ تعيش فيه مع الانبياء والملائكة وحَسُنَ اولئك رفيقاً.

(( ان كنت تريد مالاً، فكفى بالقناعة كنزاً)). نعم، ان القانع يقتصد، والمقتصد يجد البركة.

((ان كنت تريد عدواً، فكفى بالنفس عدواً)). اذ المعجب بنفسه لامحالة يرى المصاعب ويبتلى بالمصائب، بينما الذي لا يعجب بها يجد السرور والراحة والرحمة.

((ان كنت تريد واعظاً، فكفى بالموت واعظاً)). حقاً من يذكر الموت ينجو من حب الدنيا ويسعى لآخرته سعياً حثيثاً.

والآن ياأخي أزيد مسألة ثامنة الى مسائلكم السبعة فأقول:

قبل يومين، تلا أحد الحفاظ الكرام آيات من سورة يوسف (عليه السلام) حتى بلغ } تَوفـَّني مُسلماً وألحقني بالصالحين{ فوردت الى القلب ـ على حين غرة ـ نكتة لطيفة.

ان كل ما يخص القرآن والايمان ثمين جداً مهما بدا في الظاهر صغيراً، اذ هو من حيث القيمة والاهمية ثمين وعظيم.

نعم! ليس صغيراً ما يعين على السعادة الأبدية ً، فلايقال: ان هذه النكتة صغيرة لاتستحق الاهمية.

فلاريب ان ابراهيم خلوصي هو اول من يريد الاستماع الى مثل هذه المسائل فهو الطالب الاول والمخاطب الاول الذي يقدّر النكت القرآنية حق قدرها. ولهذا فاستمع ياأخي!

انها نكتة لطيفة لأحسن القصص.

ان الآيـة الكريمة الـتي تخـبر عـن ختام أحـسن القصـص، قصـة يوسف، وهي:

} تَوفـَّني مُسلماً وألحقني بالصالحين{ (يوسف : 101) تتضمن نكتة بليغة سامية لطيفة تبشر بالخير وهي معجزة في الوقت نفسه. وذلك:

ان الآلام والاحزان التي يتركها الزوال والفراق الذي تنتهي اليهما القصص الاخرى المفرحة والسعيدة، تنغّص اللذائذ الخيالية الممتعة المستفادة من القصة وتكدّرها، ولاسيما عندما يخبر عن الموت والفراق اثناء ذروة الفرح والسرور والسعادة البهيجة، فيكون الألم أشدّ حتى انه يورث الاسف والأسى لدى السامعين.

بينما هذه الآية الكريمة تختم أسطع قسم من قصة يوسف وهو عزيز مصر وأقر الله عينه ولقى والديه وتعارف وتحابّ هو واخوته. واذ تخبر الآية الكريمة عن موت يوسف في هذه الاثناء التي كان يوسف (عليه السلام) في ذروة السعادة والسرور تخبر ان يوسف (عليه السلام) نفسه هو الذي يسأل ربه الجليل وفاته لينال سعادة اعظم من هذه السعادة التي يرفل بها. وتوفي فنال تلك السعادة العظمى. بمعنى ان ما وراء القبر سعادة اكبر وفرحاً اعظم من هذه السعادة التي ينعم بها يوسف وهو الانيس بالحقيقة. اذ طلب الموت المرّ وهو في ذلك الوضع الدنيوي المفرح اللذيذ كي ينال تلك السعادة العظمى هناك.

فتأمل يا أخي في بلاغة القرآن الحكيم هذه، كيف أخبر عن خاتمة قصة يوسف بذلك الخبر الذي لم يثر الالم والأسف لدى السامعين، بل زادهم بشارة وسروراً. فضلاً عن انه يرشد الى الآتي:

اعملوا لما وراء القبر، فان السعادة الحقة واللذة الحقيقية هناك، زد على ذلك بيّن مرتبة الصديقية الرفيعة السامية لسيدنا يوسف (عليه السلام)، اذ يقول:

ان اسطع حالة في الدنيا وأكثرها فرحاً وبهجة وسروراً لم تورثه الغفلة قطعاً ولم تفتره، بل هو دائم الطلب للآخرة.

الباقي هو الباقي

سعيد النورسي
__________________
رفيقك علم الله فلابد ان لا تنسى رفيقك

التعديل الأخير تم بواسطة عبدالرزاق ; 02-03-2011 الساعة 11:27 AM
عبدالرزاق غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس