عرض مشاركة واحدة
قديم 12-04-2012
  #92
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: لواقح الأنوار القدسية في العهود المحمدية للشعراني

أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن ننفق جميع ما دخل يدنا من المال على أنفسنا وعيالنا وأصحابنا وغيرهم، ولا ندخر منه شيئا إلا لغرض صحيح شرعي لا تلبيس فيه، وكذلك نبادر بالصدقة لكن بنية صالحة من غير تهور فيها، وعلى السائل الصبر حتى تحرر النية، ولا ينبغي له المبادرة إلى سوء الظن ورمينا بالبخل ولو مكثنا شهرا حتى نجد لنا نية صالحة، وهذا العهد يخل به كثير من الناس، فلا المعطي يتربص حتى يجد نية، ولا الفقير يصبر: وخلق الإنسان عجولا.


ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى سلوك على يد شيخ ناصح يخرجه من شح الطبيعة إلى حضرة الكرم، حتى لا يشح على محتاج إلا لحكمة دون بخل، ومن لم يسلك فلا سبيل له إلى العمل به ولو صار من أعلم الناس فإن العلم بمجرده محتف بآفات يتيه بها العبد عن طريق الوصول إلى العمل بما علم.


ومن كلام سيدي إبراهيم الدسوقي رضي الله عنه: إنما احتاج العلماء إلى شيخ يربيهم مع ذلك العلم العظيم الكثير لعدم إخلاص نيتهم فيه ودخول الإعجاب فيه، وطلب أحدهم أن يصرف وجوه الناس إليه، ولو أنهم سلموا من الآفات وأتوا حضرة العمل بلا علة لَنَارت قلوبهم بالعلم وأشرفوا على حضرة الله عز وجل، ولهان عليهم بذل نفوسهم في مرضاة الله تعالى، فضلا عن شيء من أعراض الدنيا.


فلا تطمع يا أخي بهذا العهد بنفسك من غير شيخ تقتدي به فإن ذلك لا يصح لك، بل من شأنك أن تكون جموعا منوعا حتى تموت كما هو مشاهد في غالب الناس، حتى رأيت بعض الناس وهو يسأل من بعض شيوخ العرب الظلمة أن يرتب له خبزا من صدقته، فقلت له في ذلك، فقال: الضرورات تبيح المحظورات، فقومت ثيابه وفرسه فوجدت ثمنها نحو ألفين ونصفا، فقلت له: أين الضرورة؟ فما دري ما يقول: فسألت عنه بعض من يعامله، فوجدت له مع الناس نحو عشرة آلاف دينار، فقلت له: أتلبس على الله ما هو مليح؟ فقال لي: كان الواحد من الصحابة يملك العشرة آلاف دينار أو أكثر فقلت له وكان مع ذلك لا يدخرها عن محتاج فلم يجد جوابا، ولو أنه كان سلك طريق أهل الله تعالى لأغناه الله عن السؤال بمال حلال أو بقناعة، وذلك أن السالك على مصطلح أهل الله تعالى طريقة الذكر، ومن خاصيته جلاء القلب من ظلمات الرعونات النفسانية حتى يشرف على الجزاء الجسماني أو الروحاني الذي وعد الله به المنفقين والمتصدقين في الدار الآخرة، فإذا أشرف على ذلك صغرت عنده الدنيا بأسرها فيصير يبادر لإنفاقها، ولو منعوه جهرا أنفق سرا لما يرى لنفسه في ذلك من المصلحة ولا هكذا من يعلم أحكام الله على التقليد مع تعاطي شهوات النفوس من أكل وشرب ولباس ومركب ومَنْكَح وغير ذلك من الأمور التي لا تكمل له إلا بالدنيا، فلا يكاد ينفق شيئا من مرضاة الله تعالى إلا إن اكتفت نفسه من شهواتها والشهوات لا قرار لها إذ كل شهوة تجذبه إليها، ولو كان له في كل يوم مائة دينار ما كفته.


واعلم يا أخي أنه قد ورد: إن العبد ليرزق سنة في شهر، فإن رفق به كفاه وإلا احتاج في بقية سنته، وإن العبد ليرزق رزق شهر في جمعه، فإن رفق به كفاه وإلا احتاج في بقية الشهر، وإن العبد ليرزق رزق جمعة في يوم، فإن رفق به كفاه وإلا احتاج في بقية جمعته. وهذا محمول على من كان ضعيف اليقين كما يدل عليه نحو قوله صلى الله عليه وسلم لكعب بن مالك: أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك. وقوله لبلال: أنفق ولا تخش من ذي العرش إقلالا فافهم.


فلا ينبغي لمن معه ما يزيد على حاجته أن يتصدق به إلا إن يكون قوي اليقين من الأغنياء أو من المتجردين. أما من يأكل من كسب ربحه، فله أن يمسك رأس ماله وما بقي من ربحه ينفقه على الأقارب وغيرهم، وربح الألف الآن خمسة أنصاف كل يوم للعامل، فمن لا يكفيه لنفقته ونفقة عياله وضيوفه كل يوم إلا عشرة أنصاف فله أن يمسك الألفي دينار أو أكثر بحسب حاجته ومن يكفيه كل يوم نصف فله أن يمسك نصفا وقس على ذلك، وليس اللوم إلا على من يجمع ويمنع، نسأل الله اللطف.


وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: لكل خلق من أخلاق النبوة كرب في مقابلة تركه يوم القيامة، فمن لم يطعم لله جاء يوم القيامة جيعانا، ومن لم يسق الماء لله جاء يوم القيامة عطشانا، ومن آذى الناس جاء يوم القيامة يؤذي، ومن لم يستر مسلما لله جاء يوم القيامة مهتوكا مكشوف السوءة على رؤوس الأشهاد، ومن لم يسامح أحدا في حقه كان يوم القيامة تحت أسر من له عليه حق، ومن ازدرى بالناس ازدري هناك، وهكذا فلا يجني أحد إلا ثمرة عمله في الدنيا والآخرة كما ستأتي الإشارة إلى ذلك في أحاديث العهد الثالث إن شاء الله تعالى.


ومن وصية سيدي سالم أبي النجاء الفوي رضي الله عنه لأصحابه وهو محتضر: اعلموا يا إخواني أن الوجود كله في الدنيا والآخرة يعاملكم بحسب ما برز منكم من الأعمال، فانظروا كيف تكونون. {والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم}.


وروى الشيخان وغيرهما مرفوعا: ( إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت ولزوجها بما اكتسب وللخازن مثل ذلك لا ينقص بعضهم من أجر بعض شيئا ).


وفي رواية إذا تصدقت بدل أنفقت.


وروى أبو داود أن أبا هريرة سأل عن تصدق المرأة من بيت زوجها قال: لا إلا من قوتها والأجر بينهما ولا يحل لها أن تتصدق من مال زوجها إلا بإذنه فزاد الحافظ وزين العبدري في جامعه فإن أذن لها فالأجر بينهما فإن فعلت بغير إذنه فالأجر له والإثم عليها.


وروى أبو داود والنسائي مرفوعا: (لا يجوز لامرأة قط عطية إلا بإذن زوجها).


وروى الشيخان وغيرهما عن أسماء بنت أبي بكر قالت: يا رسول الله ما لي مال إلا ما أدخل به على الزبير أفأتصدق؟ فقال: تصدقي ولا توعي فيوعي الله عليك ).


وفي رواية لهما أنه صلى الله عليه وسلم قال لها: ارضخي ما استطعت ولا توعي فيوعي الله عليك.


وروى الترمذي بإسناد حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبة عامة حجة الوداع لا تنفق امرأة شيئا من بيت زوجها إلا بإذن زوجها قيل يا رسول الله ولا الطعام قال: ذلك أفضل أموالنا. والله تعالى أعلم." اهـ


__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس